يواصل الكاتب الصحافي والفنان التشكيلي المصري جمال فهمي في معرضه الجديد تأسيس خطابه الفني التشكيلي المرتكز إلى اللون وتقنياته عبر تجريدية تعبيرية تطرح قضايا إنسانية و«كونية» متعددة، يخاطب بها جمهوره من خلال صوغ هذه الألوان.
يضم المعرض المقام في غاليري «بيكاسو» بالقاهرة، 24 لوحة تعكس رؤى فلسفية جمالية تعتمد اللون بما يتضمنه من ذائقة إبداعية، في تجسيد هواجس الفنان وانفعالاته ومضامينه المسكونة بالإنسانية، والمستندة إلى الحدود اللامرئية للألوان وتشكلاتها، وتوزيعها وتدرجها، ما بين الظل والضوء، فضلاً عن الوعي بفلسفة اللون وتواصله مع حس المشاهد.
لكن في الوقت الذي اتسمت فيه لوحاته بالهدوء المفتوح والسكينة اللونية المبهجة، فقد اختار لمعرضه عنواناً مغايراً لهوية هذه اللوحات، وهو «ضجيج لوني»، قد يتوافق ذلك مع «ثورة المعنى» التي يظل يعلنها كهوية التزام لديه؛ إذ تحفز أعماله المتلقي على التحرر من قيود كثيرة قد يضعها الإنسان لنفسه، حين يحبس ذاته في صراعات وأفكار يظل حبيساً لها، بينما يتسع الكون لعدد لا حصر له من الأفكار والرؤى والاختيارات.
«الألوان هي دوماً اللاعب الرئيسي في لوحاتي»، يقول جمال فهمي لـ«الشرق الأوسط»، ويردف: «لكن في هذه المرة حين انتهيت من أعمالي، ونظرت إليها في مرسمي قبل انتقالها إلى قاعة العرض وجدت ألوانها تفرض نفسها على العين بقوة، حتى أكاد أكون قد سمعت صوتها وضجيج حوارها المتوقع مع المتلقي، وهو ما أرمي إلى تحقيقه».
الزائر للمعرض المستمر حتى 28 سبتمبر (أيلول) الحالي، يستشعر رؤية فهمي لأعماله، حيث تمتعت اللوحات بحيوية لافتة وحركة إيقاعية تعبيرية معاصرة، فرضت نوعاً من الضجيج الداخلي غير المزعج، لتشكل في النهاية رحلة إبداعية وحسية يمتزج فيها اللون وفلسفته، بالتجارب الإبداعية والصحافية للفنان؛ فتزيدها ضجيجاً يدفع المتلقي إلى التأمل والتعمق في الكون ومجريات المجتمع.
إلى هذا جاء النغم اللوني بالأعمال ليكسبها جماليات خاصة يولدها تباين الألوان ما بين قوة حضورها أو خفوت درجاتها، فضلاً عن التنقل ما بين غمرة النور أو شدة العتمة، وهو ما جعل التجاورات والتكوينات اللونية في اللوحات جاذبة وغير مكررة.
بعض اللوحات سيطر فيها لون واحد على سائر الألوان أو خلفية اللوحة، وهو أمر ليس بغريب على فن التجريد، الذي يتطلب وعياً خاصاً باللون الواحد ومهامه تجاه الألوان الأخرى؛ كي تأتي النتيجة العامة للتلوين وكتلها متماهية مع أفكار الفنان نفسه، ومن ثم الجمهور لاحقاً الذي يجد نفسه أمام عفوية ناضجة قائمة على استخدام اللون كقوة روحية لا مرئية تعمل بوصفها محركاً للمشاعر والأحاسيس.
استخدم فهمي خامات بعضها غير معتاد، مثل الرمل والحصى وصبغة الملابس والنسيج البارز، يقول: «في النهاية أنجح في تطويعها فتمنحني قدراً كبيراً من الثراء والاطمئنان والبهجة، فخلال ذلك كله يطل اللون وهو ليس له حدود من جمال ومتعة»، ويتابع: «هذا المعرض يحاول أن يتتبع الألوان وهي تنفجر في الحياة، صانعة بهجة تسري وتتسرب في الوجدان».
ويمثل الفن التشكيلي هواية أصيلة للفنان جمال فهمي الذي بدأ دراسة الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة، لكنه توقف عن ممارسة هوايته لانشغاله بالعمل الصحافي لوقت طويل، إلى أن قرر العودة إلى الفن التشكيلي عام 2018 بمعرضه الأول «أشكال وألوان».