فرناندو بوتيرو... رحل تاركاً أشكالاً ضخمة غريبة تعبر عن جرح الإنسانية

فنان الاستدارة الكولومبي جسّدت أعماله ذوي النفوذ والأقوياء

النحات الكولومبي فرناندو بوتيرو أمام أحد أعماله في الشانزليزيه بباريس (أ.ف.ب)
النحات الكولومبي فرناندو بوتيرو أمام أحد أعماله في الشانزليزيه بباريس (أ.ف.ب)
TT

فرناندو بوتيرو... رحل تاركاً أشكالاً ضخمة غريبة تعبر عن جرح الإنسانية

النحات الكولومبي فرناندو بوتيرو أمام أحد أعماله في الشانزليزيه بباريس (أ.ف.ب)
النحات الكولومبي فرناندو بوتيرو أمام أحد أعماله في الشانزليزيه بباريس (أ.ف.ب)

بفضل لوحاته ومنحوتاته المثيرة بات الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو أحد أشهر الفنانين في العالم، وانفرد بأسلوب فني خاص صوّره في خياله بأشكال ضخمة غريبة الأطوار، مجسداً الجنرالات، والأساقفة، والبغايا، وربات البيوت، وغيرها من الشخصيات.

زوار ينظرون إلى لوحة «عائلة» للفنان بوتيرو في متحف بوتيرو في بوغوتا (أ.ف.ب)

منذ أيام رحل هذا الفنان الذي طالما أثارت أعماله الجدل عن الحياة، عن عمر ناهز 91 عاماً، في أحد مستشفيات موناكو بعد تعرضه لمضاعفات الالتهاب الرئوي، وكان الرئيس الكولومبي غوستافو بترو قد أعلن خبر وفاته في وقت سابق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

في شبابه، طوّر بوتيرو نهجاً خاصاً به يمكن من خلاله التعرف عليه على الفور، وحقق نجاحاً تجارياً كبيراً وسريعاً. ونُقل عنه ذات مرة قوله: «صحيح أنني أعمل في مهنة عادةً ما يقوم بها الناس إذا كانوا يرغبون في الموت جوعاً، ولكني وجدت نفسي مجبراً بشدة على امتهانها لدرجة أنني لم أفكر مطلقاً في العواقب».

شخصيات ضخمة مستديرة

ولطالما كان بوتيرو معروفاً بتجسيده للشخصيات في صور ضخمة مستديرة الشكل، وهو الأمر الذي صوَّر من خلاله حياة الطبقة الوسطى وبيوت الدعارة ورجال الدين والفلاحين وصور سلال الفاكهة المنتفخة والآثار المروعة للعنف.

بوتيرو مع لوحاته في عام 2003 (غيتي)

وُلِد فرناندو بوتيرو أنغولو في 19 أبريل (نيسان) 1932 في مدينة ميديلين الكولومبية. توفي والده عندما كان طفلاً، فسجّله عمه في مدرسة ثانوية يسوعية، وشجع اهتماماته الفنية، ودعمه طيلة عامين أثناء دراسته، ليصبح مصارعاً للثيران، وهذا هو السبب في ظهور مشاهد مصارعة الثيران في بعض أعماله المبكرة، وقد اهتم بالأمر طيلة حياته. وبعد نشره مقالاً عنوانه «بابلو بيكاسو وعدم المطابقة في الفن»، طُرد بوتيرو من مدرسته اليسوعية لأنه عبّر عن أفكار وُصفت حينها بأنها «غير دينية».

في بداياته، تأثر بوتيرو بالفن التكعيبي، والجداريات المكسيكية، وأعمال ألبيرتو فارغاس، الذي كان يشاهد رسوماته بعنوان «فتاة فارغاس» منشورة في مجلة «إسكواير» الرجالية الأميركية.

أول معارضه

وعندما كان مراهقاً، بدأ ينشر رسوماته في إحدى الصحف المحلية، ليعمل بعدها في تصميم الديكور. وفي عام 1951 انتقل إلى العاصمة بوغوتا، وبعد معرضه الفردي الأول هناك، انتقل إلى باريس حيث أمضى سنوات عدّة، وكذلك في فلورنسا بإيطاليا.

«الموناليزا في الثانية عشرة من عمرها» عُرضت في متحف الفن الحديث عام 1961 (نيويورك تايمز)

وفي عام 1961، اشترت دوروثي ميلر، أمينة متاحف نيويورك، لوحة من أعمال بوتيرو بعنوان «الموناليزا في الثانية عشرة من عمرها» لصالح «متحف الفن الحديث»، وكان هذا الاختيار مفاجئاً في ذلك الوقت إذ كانت المدرسة التعبيرية التجريدية سائدة، لذا بدت لوحة بوتيرو التي صورت طفلة ممتلئة الخدود غير مألوفة في المكان، وعُرضت أثناء عرض لوحة الموناليزا الأصلية في «متحف متروبوليتان للفنون».

شهرة وانتقادات

وقد ساعد اهتمام «متحف الفن الحديث» بأعمال بوتيرو، في وضعه على طريق الشهرة، وفي عام 1979، بات في بؤرة الاهتمام في أحد المعارض الاستعادية بمتحف «هيرشورن» و«حديقة النحت في واشنطن»، إذ تأرجحت العديد من رسوماته للشخصيات البدينة بين الكاريكاتير والتعبير عن الشفقة.

ونُقِل عن بوتيرو قوله ذات مرة: «قد يجسد الفن المرأة بشكل مثالي، لكنها تكون مبتذلة في الواقع، مثلما نرى في الصور الفوتوغرافية بمجلة بلاي بوي»، مضيفاً: أن «أجمل النساء في الفن، مثل الموناليزا نفسها، كنّ قبيحات في الواقع، وهناك من يرى قُبحاً في أعمالي، لكنها تعكس الواقع كما هو».

لوحة «إكس فوتو» لبوتيرو معروضة في متحف أنتيوكيا في ميديلين بكولومبيا (إ.ب.أ)

وحمل مقال نقدي نُشر على هامش معرض «هيرشورن» عنوان «بوتيرو، مائة ألف دولار مقابل لوحة رسمها في واشنطن»، وهو ما عَكَس وجهات نظر بعض النقاد بأن أعمال الفنان الكولومبي كانت مبتذلة وبعيدة عن تيارات الفن المعاصر النابضة بالحياة، ليرد حينها غاضباً: «لطالما كان النقاد يكتبون عني بغضب طيلة حياتي».

وفي مقال آخر نُشر في صحيفة «لندن إيفيننغ ستاندارد» في عام 2009، تعجب الكاتب الفني غودفري باركر، قائلاً «يا للهول! هل يكرهونه؟»، موضحاً: «لا يطيقه كبار كهنة الفن المعاصر في لندن ونيويورك لأنهم لا يستطيعون تحمل ما يقدمه بسبب تحديه لكل ما يؤمنون به، كما أنهم يكرهونه بشكل أكبر لأنه ثري، وحقق نجاحاً تجارياً هائلاً، ومن السهل للعين فهم ما يرسمه، ولأنه يحظى بشعبية كبيرة بين الناس العاديين».

حياته الشخصية

انفصل بوتيرو في عام 1960 عن زوجته الأولى غلوريا زيا، التي أصبحت فيما بعد وزيرة للثقافة في كولومبيا، وذلك بعد أن أنجبا ثلاثة أطفال هم فرناندو ولينا وخوان كارلوس، وقضى غالبية فترات العقد ونصف العقد التاليين في نيويورك، وتوفيت السيدة زيا في عام 2019، وتزوج مرتين بعدها أولهما من سيسيليا زامبرانو، ومن ثَمّ في عام 1978 من الرسامة والنحاتة اليونانية صوفيا فاري، التي توفيت في مايو (أيار) الماضي.

لوحة «كابيتان» للفنان والنحات بوتيرو في متحف بوتيرو في بوغوتا بكولومبيا (إ.ب.أ)

وظل بوتيرو حتى وفاته يعيش مع أبنائه الثلاثة من زواجه الأول، وكذلك شقيقه رودريغو، وأحفاده، وقد مَر الفنان الكولومبي خلال حياته العائلية بمحنتين: الأولى كانت عام 1970 عندما لقي ابنه من زواجه الثاني، بيدرو، البالغ من العمر خمس سنوات، مصرعه في حادث سيارة أصيب فيه هو أيضاً، والثانية عندما حُكم على ابنه فرناندو بوتيرو زيا، الذي أصبح سياسياً في كولومبيا وترقى إلى منصب وزير الدفاع، بالسجن لمدة 30 شهراً بعد إدانته في فضيحة فساد.

فرناندو بوتيرو بجوار أحد منحوتاته في كنيسة سانتو أوغستينو في بيتراسانتا توسكانا (أ.ف.ب)

اتجاهه إلى النحت

وخلال السبعينات من القرن العشرين، أدى اهتمام بوتيرو بالشكل والمظهر الخارجيين إلى اتجاهه لفن النحت؛ فكانت منحوتاته، التي تصور العديد منها أشخاصاً بدينين كبيري الحجم وغريبي الأطوار، سبباً لدفعه إلى مستوى جديد من الإقبال الجماهيري على أعماله، إذ طالبت المدن الكبرى بوضع منحوتاته على طول الطرقات الرئيسية، بما في ذلك مدينة نيويورك، وفي وسط طريق «بارك أفينيو» في عام 1993. كما تُعرض العديد من أعماله بشكل دائم في مساحات غير تقليدية مثل ردهة مركز دويتشه المالي (مركز تايم وارنر سابقاً) في نيويورك وصالة في منتجع «غراند وايليا» في هاواي تُسمّى بـ«ذا بوتيرو بار».

تمثال «حواء» في بهو ما كان يعرف آنذاك بمركز تايم وارنر في مانهاتن (أ.ب)

وكان بوتيرو جامعاً متحمساً للأعمال الفنية، وقد تبرع في عام 2000 بجزء من مجموعته لمتحف في مسقط رأسه ميديلين، كما تُقدم بعض أعماله تفسيرات لروائع فنانين مثل كارافاغيو وتيتيان وفان غوخ.

وعادةً ما كان يرسم بوتيرو رجال ذوي السلطة بلمسة من السخرية أو النقد في أقل الأحوال، وعلى الرغم من أنها لم تكن تخلو من البهرجة وتبدو بأحجام مُبالغ فيها، فقد حرص الفنان الكولومبي على أن يغرس فيها قدراً من الكرامة.

وكان يسوع موضوع بوتيرو في العديد من أعماله المثيرة للعواطف، كما رسم أيضاً صوراً لديلاكروا، وإنغريه، وغياكوميتي، ورسم لوحات عن السلطة مثل تلك التي حملت عنوان «الكاردينال» و«السفير الإنجليزي» و«السيدة الأولى»، وكذلك رسم لوحتين حملتا عنوان «الرئيس»، واللتين رسمهما في عامي 1987 و1989 وعكستا قدراً من التعاطف مع شخوصهما.

بوتيرو داخل «قطار الثقافة» خلال مؤتمر صحافي لمعرض «فرناندو بوتيرو: السيرك» في ميديلين (رويترز)

ومع ذلك، كان العديد من الأشخاص الذين ظهروا في لوحاته بالغي البدانة يكاد اللحم ينفجر من ثيابهم الرسمية وفساتينهن كما لم تكن المناشف قادرة على تغطية المساحات المُبالغ فيها من أجسادهم، ولكنه كثيراً ما أصر على أنه لم يكن يقصد أبداً الأشخاص البدينين في حذ ذاتهم، لكنه أراد ببساطة تمجيد شهوانية الحياة، حين قال بيترو ذات مرة: «لقد درست أعمال الفنان جيوتو وجميع الأساتذة الإيطاليين الآخرين، وانبهرت بإحساسهم بالحجم، وبالنظر إلى أن كل شيء يبدو مُبالغاً فيه في الفن الحديث، فإن شخصياتي الضخمة أصبح مبالغاً فيها أيضاً».

سجن أبو غريب

وكان لبوتيرو وزوجته فاري منزلان أحدهما في باريس والآخر في بيتراسانتا بإيطاليا، نظم فيه معرضاً بمناسبة عيد ميلاده الثمانين في عام 2012.

وقد فُوجئ بعض ممن كانوا ينظرون إلى فن بوتيرو باعتباره مرحاً وخفيف الظل عندما أنتج في عام 2005 سلسلة من اللوحات تعتمد على صور للسجناء الذين تعرضوا لسوء المعاملة في سجن «أبو غريب» الأميركي في العراق.

من سلسلة لوحاته عن عذابات سجناء سجن أبو غريب (غيتي)

وعن هذه اللوحات قال بوتيرو: «الأعمال هذه، هي نتاج السخط الذي أحدثته داخلي هذه الانتهاكات التي حدثت في العراق وفي بقية العالم».

وكتبت الناقدة الفنية في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية روبرتا سميث في ذلك الوقت، أن لوحات أبو غريب «تعيد كرامة السجناء وإنسانيتهم من دون التقليل من معاناتهم أو ظلمهم»، كما وصفت الروائية والناقدة إيريكا جونغ الرسومات بأنها «مذهلة»، وأنها أثارت الجدل وكانت سبباً «لإجراء مراجعة كاملة لكل ما فكرنا به سابقاً في أعمال بوتيرو».

وكتبت جونغ: «عندما نفكر في الفنان الكولومبي فرناندو بوتيرو، فإن غالبيتنا يتذكر الأشخاص ممتلئي الجسم الذين يظهرون في أعماله والذين يتباهون ببدانتهم وأغطية رأسهم العصرية، وسجائرهم، وبهرجتهم، فلم أفكر أبداً بهذه الصور بمنظور سياسي حتى رأيت سلسلة لوحاته عن سجن أبو غريب»، وأضافت: «الآن، أرى كل أعمال بوتيرو كسجل لوحشية مَن يملكون ضد من لا يملكون».

وكان بوتيرو قد تعامل مع الموضوعات السياسية من قبل، لا سيما تجارة المخدرات الكولومبية، لكنه عاد إلى أعمال أكثر هدوءاً بعد ذلك، وبعد سلسلة أبو غريب، أنتج بوتيرو سلسلة من صور السيرك وأعاد اكتشاف عشقه الطويل للوحات الحياة الساكنة؛ وفي عام 2010 قال: «بعد كل هذا الوقت، أعود دائماً إلى أبسط الأشياء».


مقالات ذات صلة

أصغر تمثال في التاريخ... فنان بريطاني يصنع عملاً بحجم خلية دم

يوميات الشرق الخيال أكبر دائماً من المقاييس (ديفيد أ. ليندون)

أصغر تمثال في التاريخ... فنان بريطاني يصنع عملاً بحجم خلية دم

قال فنان متخصّص في الأعمال الميكروسكوبية إنه حطَّم رقمه القياسي العالمي السابق بعد ابتكار أصغر تمثال مصنوع يدوياً في التاريخ.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق روائح تحكُم قرارات الحياة والموت في عالم الحشرات (غيتي)

النمل يطلب موته بإرادته... اكتشاف رائحة «تعالوا واقتلوني» داخل المستعمرة

أكد علماء أنّ النمل الصغير المريض يُطلق رائحة معيّنة تستدعي النمل العامل للقضاء عليه من أجل حماية المستعمرة من العدوى...

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق هناك بعض الخطوات الفعالة التي قد تساعدك في الحفاظ على يقظتك وتركيزك خلال الاجتماعات (أرشيفية - رويترز)

هل تجد صعوبة في البقاء يقظاً خلال اجتماعات؟ إليك الحل

هناك بعض الخطوات الفعالة التي قد تساعدك في الحفاظ على يقظتك وتركيزك، حتى في أطول الاجتماعات وأكثرها مللاً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لبنانية تدخل «غينيس» للمرة السادسة بأكبر «أرزة» من النفايات

لبنانية تدخل «غينيس» للمرة السادسة بأكبر «أرزة» من النفايات

لبنانية تدخل موسوعة «غينيس» عبر صنعها أكبر «أرزة» في العالم وطولها 10 أمتار. نفّذتها من 452 ألف عبوة بلاستيكية، مساهمة منها في إنقاذ البيئة من التلوّث.

فيفيان حداد (بيروت)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
TT

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)
لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

في «عيد الكاريكاتير المصري» الخامس، يحتفي فنانون من مصر والبلاد العربية وأوروبا بـ«المتحف المصري الكبير»، وبمرور مائة عام على ميلاد فنان الكاريكاتير أحمد طوغان، أحد رموز مدرسة الكاريكاتير المصرية.

المعرض الاستثنائي، الذي افتتحه الفنان محمد عبلة، الخميس، ويستمر حتى 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، يضمُّ 150 لوحة، وتستضيفه قاعتا «نهضة مصر» و«إيزيس» في «مركز محمود مختار الثقافي» بالقاهرة، ضمن مبادرة «فرحانين بالمتحف الكبير ولسه متاحف مصر كتير» التي أطلقتها مصر بهدف تعزيز ارتباط المواطنين بتراثهم الثقافي والفني.

لوحة الفنان الأردني محمود الرفاعي (الشرق الأوسط)

وقال الفنان فوزي مرسي، قوميسير المعرض، إن الأعمال التي شاركت في الاحتفاء بمئوية طوغان اقتصرت على الفنانين المصريين، وجاءت بأساليب متعددة؛ فمنهم من رسمه وهو يحمل ريشته كسلاح لمواجهة الفساد ومشكلات المجتمع وعيوبه، مثل الفنان مصطفى الشيخ، في حين صوّره الفنان حسني عباس في لوحة معبّرة وهو يحمل ريشته كشعلة يضيء بها الظلام من حوله، في إشارة إلى ما قدّمه طوغان عبر مسيرته في فن الكاريكاتير. أما في لوحة لخضر حسن، فجاء تصويره لطوغان وهو يحمل قلماً تنطلق منه رصاصات ضد الفساد وأمراض المجتمع.

ويضيف مرسي لـ«الشرق الأوسط»: «جاءت أبرز المشاركات العربية في (عيد الكاريكاتير) من الإمارات، من خلال عمل للفنانة آمنة الحمادي. ومن السعودية حيث شارك الفنان أمين الحبارة بلوحة رسم في قلبها هرماً كبيراً تتصدره راية مصر، وتظهر خلفه مجموعة من الأهرامات. ومن الأردن شارك الفنان محمود الرفاعي، وقد كرّمته جمعية الكاريكاتير وأهدته درعها تقديراً له. واحتفت لوحته بالمتحف المصري الكبير عبر رموز فرعونية وقبطية وإسلامية وفنية وثقافية، رآها عناصر أساسية في تشكيل الشخصية المصرية، وجعل الأهرامات وأبو الهول في قلبها بوصفهما العماد الذي تقوم عليه حضارة مصر».

طوغان يحمل شعلة مضيئة... لوحة الفنان حسني عباس (الشرق الأوسط)

لوحاتُ الفنانين الأجانب عبّرت عن سعادتهم بافتتاح المتحف، وقدّموا أعمالاً رسموها خصيصاً لـ«عيد الكاريكاتير». وجاءت بعض المشاركات من الصين وبولندا وإسبانيا، ومن أوروغواي التي شارك منها الفنان لويس هارو بلوحةٍ رسم في قلبها فارساً فرعونياً يرحّب بزيارة المتحف. كما ركّزت لوحات فناني أوكرانيا على إبراز عناصر مصرية خاصة، من بينها أبو الهول والأهرامات و«حورس» والكباش، فجاءت بمثابة رسالة سلام ترحِّب بافتتاح المتحف الكبير وتدعو إلى زيارته.

أمّا لوحات الفنانين المصريين التي شاركت في الاحتفال بالمتحف، فقد اتخذ بعضها منحًى اجتماعياً ساخراً، منها عملٌ للفنان سعيد أبو العينين صوَّر فيه زوجةً تهاتف والدتها مستنجدةً بها من زوجها وابنها، مشيرةً إلى أنهما بعد افتتاح المتحف «تفرعنا» عليها، في إشارة إلى استعراضهما القوة أمامها. وقد اتخذ الفنانان عمرو سليم ودعاء العدل المنحى الساخر نفسه في أعمالهما.

لوحة الفنان الأوكراني كازانيفسكي (الشرق الأوسط)

«تركّزت لوحات الرسامين الأجانب المشاركة على الصورة، بخلاف المصريين الذين كان لتعبيرهم بالكلمات دورٌ أساسي في تشكيل أعمالهم وتكويناتها»، وفق الفنان سمير عبد الغني، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «(عيد الكاريكاتير) في دورته الخامسة يتشكّل من موضوعين: الأول الاحتفال بافتتاح المتحف الكبير، والثاني مئوية ميلاد طوغان».

وأضاف عبد الغني: «في كل الدورات السابقة كانت المشاركة تقتصر على فناني مصر، لكن هذه السنة كانت متميّزة، خصوصاً بمناسبة افتتاح المتحف الكبير؛ لذا وجّهنا دعوات إلى فنانين من بلدان كثيرة للمشاركة. وتميّزت لوحاتهم بوعي بصري كبير اشتغلوا من خلاله على الصورة التي سيطرت على التكوين، بخلاف لوحات المصريين التي ينقسم تشكيلها بين الرسم والتعبير اللغوي. والفرق بيننا وبينهم، كما أرى، نابعٌ من أنهم يشتغلون على فكرة سبعة آلاف سنة حضارة، والمومياوات، والضوء الذي يخرج من قلب عالمنا الخاص الساحر الزاخر بالعظمة منذ آلاف السنين، ومن هنا جاءت رسوماتهم مختلفة، بخلاف أعمال المصريين التي اتسمت بالوضوح والمباشرة».

لوحة الفنان جورج رودريغيز من فنزويلا (الشرق الأوسط)

تعود الفروق بين مساهمات فناني مصر والمشاركات الأجنبية، حسب عبد الغني، إلى ما يمكن تسميته بـ«الوعي البصري» المرتبط بثقافة الفنانين الأجانب، التي تتغذّى على زيارة المتاحف وما تضمه من آثار وتحف مصرية قديمة، إضافة إلى الاهتمام المبكر بالصورة عبر التعليم في مراحله المختلفة. أمّا الفنانون المصريون، فيأتي تعبيرهم في رسوم الكاريكاتير متأثّراً بسيطرة التعبير اللغوي في كثير من فنوننا، منها الأغنية والنكتة. ولعل أعمال مصطفى حسين، وأحمد رجب، وصلاح جاهين، وحجازي، وبهجت عثمان، وغيرهم كثيرون، خير تمثيل لذلك.

ورحّبت وزارة الثقافة المصرية بالمعرض، مشيرةً في بيان إلى أن «عيد الكاريكاتير» يهدف إلى ترسيخ الشعور بالهوية المصرية، وإعادة تسليط الضوء على ما تمتلكه مصر من متاحف وقيمة حضارية فريدة، إضافةً إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في الفعاليات الثقافية والفنية التي تنظمها المتاحف المصرية، وتعميق الوعي بدورها بوصفها جسوراً تربط المصريين بتاريخهم العريق، وتغرس الانتماء من خلال الاحتفاء بموروثهم الإنساني والحضاري.

وتعكس الأعمال المشاركة تنوّعاً بصرياً وفنياً لافتاً؛ إذ تجمع بين النقد المرح، والفلسفة الساخرة، والطرح الإنساني، بما يمنح الجمهور تجربةً غنية تُبرز قدرة الكاريكاتير على تناول القضايا الكبرى بلغة فنية جذابة وقريبة من الناس.


من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
TT

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)
الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء. هناك العديد من الأسباب التي تجعل الأشخاص يشعرون بانخفاض نشاطهم في فترة ما بعد الظهر، وخاصةً بين الساعة الواحدة ظهراً والرابعة عصراً.

كشف الدكتور أنتوني ريفي، اختصاصي النوم السلوكي في مركز هنري فورد الصحي: «الإيقاع اليومي الطبيعي لجسمنا، وهو الساعة الداخلية التي تعمل على مدار 24 ساعة وتساعد على تنظيم عملياتنا البيولوجية، يرسل إشارات إلى الدماغ خلال النهار ليبقينا متيقظين ونشيطين. مع حلول وقت الغداء، تنخفض هذه الإشارات مما قد يجعلنا نشعر بالنعاس».

إليك طرق تساعدك في التغلب على نعاس ما بعد الظهر دون احتساء رشفة من القهوة:

استمع إلى الموسيقى

أثبتت الدراسات أن الاستماع إلى موسيقى مُبهجة يُحسّن المزاج ومستوى الطاقة. للحفاظ على نشاطك خلال النهار بعد الغداء، أنشئ قائمة تشغيل لأغانٍ مُبهجة لتسلية نفسك. ولأن الموسيقى نشاط ممتع في كثير من الأحيان، فإنها تُحفز إفراز هرمون السعادة الذي يُبقيك نشيطاً.

استمر بالحركة

إذا شعرت بالنعاس بعد تناول الطعام بعد الظهر، يمكنك الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك. يعتقد الخبراء أن ممارسة الرياضة تُنشط عقلك وجسمك. كما أنها تُعرّضك للهواء النقي والإضاءة الطبيعية، مما يُحقق لك نتائج جيدة.

اخرج إلى الشمس

اخرج إلى الشمس لضبط ساعتك البيولوجية وتوفير فيتامين «دي» الضروري. يمكن لأشعة الشمس الطبيعية أن تمنع إنتاج هرمون النوم (الميلاتونين) في جسمك. إذا كنت في المكتب، ولا يسمح لك ذلك بالتعرض لأشعة الشمس، يمكنك تشغيل أضواء السقف الساطعة وتجنب الظلام، خاصةً بعد استراحة الغداء.

حافظ على رطوبة جسمك

يُعد الحفاظ على رطوبة الجسم أمراً بالغ الأهمية لأداء وظائفك اليومية. ويؤكد الباحثون أن الجفاف، حتى لو كان خفيفاً، قد يؤدي إلى التعب، مما قد يؤثر على قدرتك على التركيز. يقول الدكتور ريفي: «للأسف، يُصاب الكثير من الناس بالجفاف المزمن لمجرد أنهم لا يشربون كمية كافية من الماء لأداء أنشطتهم اليومية».

تناول غداءً متوازناً

احرص على تناول نظام غذائي متوازن غني بالبروتين والألياف والدهون الصحية خلال النهار. اتباع هذه النصيحة الواعية سيساعدك على التغلب على مشكلة النوم بعد الظهر، التي تأتي فجأةً بعد الغداء، خاصةً بين الساعة الأولى ظهراً والرابعة عصراً.

اتبع نمط نوم جيداً

النوم الجيد ليلاً أمرٌ لا غنى عنه، خاصةً إذا كنت تحاول إدارة انخفاض الطاقة بعد الغداء. يوصي الخبراء بأن ينام الشخص البالغ من 7 إلى 9 ساعات على الأقل ليلاً ليشعر بالنشاط خلال النهار. يوضح الدكتور ريفي: «كمية النوم التي يحتاج إليها كل شخص تختلف من فرد لآخر، وتتغير على مدار حياته».


«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
TT

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)
صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

لم يتخيّل المخرج البلجيكي جان فرانسوا رافانيان أن مقطعاً مصوَّراً عابراً على مواقع التواصل الاجتماعي سيقوده، بعد سنوات من البحث، إلى قلب أفريقيا، وتحديداً إلى قرية نائية في غامبيا، ليغوص عميقاً في مأساة إنسان يُدعى «باتيه سابالي».

الشاب الذي هزّ غرقُه في القناة الكبرى بالبندقية عام 2017 الرأيَ العام العالمي، حين اكتفى العشرات من المتفرجين بالصراخ وإطلاق الإهانات العنصرية بدلاً من مدّ يد العون له، كان مقطعُ الفيديو المصوَّرُ له الشرارةَ الأولى لفيلمه الوثائقي «الشاطئ الأخير»، الذي يحاول أن يعيد لهذا الشاب اسمه وصوته وحكايته.

قال رافانيان لـ«الشرق الأوسط»، إنه يتذكّر اللحظة الأولى جيداً؛ «كان الأمر صفعةً. رأيتُ الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، كما شاهده آلاف غيري في ذلك الوقت. صدمتني اللامبالاة، والكلمات العنصرية، والجمود الكامل أمام غرق شاب لا يحاول أحد مساعدته. في البداية لم أفكّر في فيلم؛ فكّرتُ بصفتي صحافياً: مَن هذا الشاب؟ ماذا حدث؟ ولماذا لم يتحرّك أحد؟».

وأضاف المخرج، الذي عُرض فيلمه للمرة الأولى عربياً في مهرجان «الدوحة السينمائي»، أن الأمر تحوّل إلى هاجس، بيد أنه اصطدم منذ اللحظة الأولى بحقيقة أن التحقيقات في إيطاليا كانت مغلقة بالكامل، مما جعل الوصول إلى أي معلومة أمراً معقّداً وصعباً.

المخرج البلجيكي (الشركة المنتجة)

ولأن الطريق إلى الحقيقة كان مسدوداً، اختار المخرج البلجيكي طريقاً آخر، وهو البحث عن عائلة باتيه. يقول: «استغرق الأمر عامين كاملين لأجد أثرهم في غامبيا، وعندما وصلت أخيراً إلى القرية، أدركت أن الغضب الذي اجتاحني أمام شاشة الكمبيوتر في أوروبا كان صورة مختلفة. فالعائلة دعتني إلى رؤية الأمور من زاوية أخرى: زاوية الفقد، والغياب، والبحث عن المعنى. عند تلك اللحظة تغيّر الفيلم تماماً».

يشير رافانيان إلى أن «أصعب ما واجهته في البداية لم يكن الطبيعة أو الظروف، بل بناء الثقة مع العائلة»، مضيفاً: «عندما تصل إلى قرية بعيدة، وتكون غريباً، عليك أن تدرك أن لكل عائلة سرديّتها الخاصة. كان عليّ أن أجد الطريقة المناسبة للوقوف بالكاميرا، وأن أتجنّب أي منظور قد يُشعِرهم بأننا نمسك بموقع قوة أو وصاية. الثقة كانت المفتاح، لا الأدوات ولا الموقع ولا التقنية».

وعن ظروف التصوير في القرية، يشرح رافانيان أن «الفريق كان صغيراً للغاية؛ كنت أنا، ومدير التصوير، ومساعدة تنتمي إلى مجتمع الفولا، تتحدث لغتهم وتفهم ثقافتهم. ولم تكن المسألة لغةً فقط، بل سلوكاً ومعتقدات ونظرة إلى الحياة. كنا نقيم في القرية أياماً طويلة بلا كهرباء، نصحو مع الفجر وننام مع المغيب؛ لا فنادق ولا راحة، فقط الحياة اليومية كما هي. وكل 8 أيام نعود إلى المدينة لشحن البطاريات وإحضار حاجات العائلة، ثم نعود من جديد. كان الوجود الدائم ضرورياً، لأن أقرب مدينة تبعد أربعين دقيقة بالسيارة، ولأن الحياة في القرية تبدأ وتنتهي مبكراً».

المخرج حاول تسليط الضوء على هوية العائلة في فيلمه (الشركة المنتجة)

اختار المخرج ألّا يُظهر باتيه، رغم امتلاكه صوراً عدّة له سواء من العائلة أو من الإنترنت، لكنه لم يرغب في استخدامها، وهو ما يفسّره قائلاً: «أردتُ أن يراه الجمهور من خلال غيابه، كما تعيشه عائلته. أردتُه غائباً، حاضراً بالصوت وبالأثر. فالصوَر قد تعيد تجسيده، لكنها قد تُسطّح ما تعرّض له، بينما الصوت، صوت العائلة وذاكرتها، يعيد إنسانيته كاملة».

وعن كيفية حماية العائلة في هذا النوع من الأفلام الحسّاسة، يقول رافانيان إن ما فعله يشبه عمل الصحافة أكثر منه عملاً سينمائياً؛ فالعائلة لم تكن تعرف تفاصيل ما حدث في القناة، ولم يرغب في أن يضع الفيديو أمامهم أو أن يعرّضهم لصدمة جديدة. وحين سألته الأم عمّا وقع لابنها، قال لها الحقيقة بالكلمات. ويضيف: «لم تشأ أن ترى الفيديو، واكتفت بأن تعرف. كان هناك أيضاً تقريرٌ من 200 صفحة صادر عن السلطات الإيطالية، لم يكن من حقّهم الحصول عليه، فساعدناهم على الوصول إليه. كان الفيلم أيضاً وسيلة لكشف الحقيقة لهم، ولإنصافهم أسرياً».

لم يُنكر المخرج البلجيكي وجود صعوبات عدّة أثناء التصوير في غامبيا، من الإجراءات الأمنية والبيروقراطية المعقّدة، إلى عدم اعتياد السكان على الكاميرا، فضلاً عن عزلة القرية نفسها وافتقارها إلى الكهرباء والمياه العامة، واعتماد حياتها اليومية على الزراعة وتربية النحل. لكنه، رغم ذلك، لا يُخفي سعادته بهذه التجربة التي وثّقت اسم «باتيه سابالي».