في «مملكة» منير أبو دبس المُستَعاد بوفاء

ندوة أعادت ضيوفها إلى ما قبل المشيب ومراكمة العمر

مقتطف من مسرحية «فاوست» عُرض خلال الندوة ليعيد الممثلين إلى الماضي (الشرق الأوسط)
مقتطف من مسرحية «فاوست» عُرض خلال الندوة ليعيد الممثلين إلى الماضي (الشرق الأوسط)
TT

في «مملكة» منير أبو دبس المُستَعاد بوفاء

مقتطف من مسرحية «فاوست» عُرض خلال الندوة ليعيد الممثلين إلى الماضي (الشرق الأوسط)
مقتطف من مسرحية «فاوست» عُرض خلال الندوة ليعيد الممثلين إلى الماضي (الشرق الأوسط)

خمسة عملوا مع رائد المسرح اللبناني منير أبو دبس (1932- 2016)، حضروا إلى «قاعة ليلى تركي» في «المكتبة الشرقية» ببيروت، لتشارُك الذكريات: جوزيف بو نصار، رفعت طربيه، ميراي معلوف، جورج عقل وسليم شمالي. لم يلتقوا في جَمعة مماثلة منذ السبعينات. بتنظيم معهد الدراسات المسرحية والسمعية المرئية والسينمائية في جامعة القديس يوسف، و«بيت الفريكة فنون وثقافة»، استفاقت صور من أيام الشباب، قبل المشيب وتبدُّل الملامح. بحضور أساتذة مسرح وباحثين وطلاب، عُقدت ندوة وفاء للجَميل.

اتّخذوا مقاعدهم واستعدّوا للتذكُّر. أُطفئت الأضواء لعرض مقتطفات من أرشيف مسرحيتَي «فاوست» (1968) و«طوفان» (1971)، وفيديو من حلقتين ضمن سلسلة «كبار من الزمان» أنجزها في السبعينات لـ«تلفزيون لبنان». الممثلون المشاركون في هذه الأعمال أُصيبوا بالتأثُّر. كانت ميراي معلوف في عزّ الصبا، وشَعر رفعت طربيه لم يتساقط. قسوة العمر.

لو أُتيح التمعّن بعينَي معلوف، لتراءت دمعة مُخبأة. يا للسنوات، بأي قدمين تُفتت الأعمار! قالت إنها دخلت «مدرسة المسرح الحديث» عام 1968، ومقرّها المنارة بجوار بحر بيروت. سألها أبو دبس: «أي أدوار قدّمتِ؟»، فردّت: «عبدو حابب غندورة» في مسرحية مدرسية. علّمها الإحساس بالحرية على الخشبة وإمكان الارتجال، ومنحها إحساساً بالفضاء وبالاتصال مع الممثلين والجمهور. تُخبر عن مهلة الأشهر الثلاثة، فرصة الممثل لإثبات نفسه على مسرحه. وإلا، «ابحث عن مهنة أخرى». ذلك لتقول: «اليوم، يبتلع كثيرون المال لحسّ تجاري يغلب الضمير الفني». ربع قرن في رفقته، عمّق جذورها المسرحية: «ما كبُرَت الشجرة وامتدّت فروعها في العالم، في اللغات والثقافات، إلا لأنها متداخلة في تربة أبو دبس».

المتحدّثون الخمسة في الندوة... الأوفياء بذاكرتهم لمنير أبو دبس (الشرق الأوسط)

تحسّر جوزيف بو نصار على مسرحيات لم تُصوَّر منذ «الطوفان». ذَكَر أماكن حطَّ بها في الأصقاع، والنَهْل من أساتذة كبار، لكن أحداً لم يترك أثر أبو دبس على مسيرته. وَرَدَت الحرب على لسان المتحدّثين الخمسة، وبيَّنت حجم جرح الذاكرة. بو نصار حسم المعادلة: «هم خاضوا المعارك ونحن صنعنا المسرح».

التقى جورج عقل منير أبو دبس للمرة الأولى في دير القمر. أعجبه عرضٌ، فتقدّم إليه: «أودّ التمثيل. تشغفني الخشبة». وبدأت الحكاية بنصّ من ثلاثة أسطر لجبران خليل جبران. يروي الممثل والرسام اللبناني قصته مع مسرحيّ أصبح صديقه، بعد تجارب في استوديو عتَّم أبو دبس أرجاءه لإرغام الممثل على إدراك وجوده. يُنصفه: «اهتم بالممثلين إنسانياً وحرص على صحتهم».

«معمودية النار في مسرح منير أبو دبس هي المرة الأولى التي وقف كلٌّ منا على خشبته. حينها، كان نصّي من 6 أسطر. أصابتني رجفة وشعرتُ تماماً بمعنى الرعب. لكنني تعلّمتُ الدرس الأكبر: احترام العمل وعدم المساومة على المستوى».

الفنان جوزيف بو نصار

سليم شمالي عشق السينما، لكن تفوّقه في الرياضيات والفيزياء رسم مساره. كان عام 1971 حين شاهد «الطوفان» والتقى أبو دبس. أُذهِل. اقترب منه: «أنا من أنطلياس، لا أحفظ النصوص، أريد أن أجرِّب». لعلَّ كونهما من منطقة واحدة، حرَّك الفرص! يتوجّه إلى ابنه الحاضر بين الجمهور، بلغته الفرنسية، بديل لسانه العربي: «ميرسي لبيَّك».

تذكّر رفعت طربيه يوم كان أخوه يدعو مسرحيين إلى منزله في اللقلوق لغداء اللحم المشوي. تعرّف إلى ريمون جبارة، تلميذ أبو دبس في الجَمعات الحلوة، وحين حضر مسرحه، خضَّه. شعر أنّ الخشبة تنادي، فلبَّى. في المرة الأولى لزيارته «مدرسة المسرح الحديث»، استقبلته ميراي معلوف. عقود تمرّ، ليلتقيا مجدداً في الندوة، وقد غادره شَعر الرأس وعبثت السنوات بملامحهما.

تتشعّب المحاور، والجميع يتجاوز ما دوّنه على أوراقه نحو الغَرْف من الذاكرة. أجابوا على مسألة مفاهيم أبو دبس وطريقته في التعليم، وما حدَّد أسلوبه؟ فتحدّثت معلوف عن «التنظيف»، شرطه لدخول الممثل مسرحه: «مُنطلقة التركيز على وجود الإنسان بإزالة الرواسب الخارجية والعودة إلى الداخل. يحصل ذلك بواسطة الخيال. لا شأن للنصّ بإشكال وقع في الطريق أو بعراك نشب داخل العائلة. ينبغي التنظيف لاستقبال الفكرة الفنية الصافية».

وبينما يضيء رفعت طربيه على حسّ المعالج النفسي لدى أبو دبس، وتفاديه الملاحظة المباشرة، وتُذكِّر معلوف بفَرْضه تمارين التنفّس الشبيهة باليوغا؛ يستوقف الحضور كلام بو نصار عن «معمودية النار»: «هي المرة الأولى التي وقف كلٌّ منا على مسرحه. حينها، كان نصّي من 6 أسطر. أصابتني رجفة وشعرتُ تماماً بمعنى الرعب. لكنني تعلّمتُ الدرس الأكبر: احترام العمل وعدم المساومة على المستوى».

عاد جورج عقل إلى عام 1967 حين «عملنا بحُب. ومَن يعمل بحُب ينجح». بو نصار سمّى عالم منير أبو دبس «المملكة»، في النصّ والإخراج والتمثيل والإضاءة والترجمات العالمية بهِمَّة أدونيس وأنسي الحاج. ذُكرت أسماء كبار، من بينهم ميشال نبعة ورضا خوري وأنطوان كرباج، ليوصّف رفعت طربيه المشهد: «كنا في مختبر تمثيلي، للمبتدئ فرصة التعلّم من منير والروّاد أيضاً».

شمل النقاش ملاحظات المتحدّثين حول مراحل مسرح المُكرَّم باستعادة سيرته، وحطّ على تأثّره بالطَقْسية والمسرح الإغريقي. أشار طربيه إلى الاندهاش، ذروة عطاءات الممثل، وأخبر بو نصار قصة الربع ليرة إلى المنارة: «هذه تكلفة سيارة الأجرة للوصول إلى مدرسة أبو دبس. بجانب الحديقة المسوَّرة بالأشجار، سكن البحر. لا أزال مفتوناً بغرفة الملابس، حيث أزياء جميع الشخصيات. فقدانها مؤسف».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

3 نصائح بخصوص مقابلات العمل... «لا تصل مبكراً جداً»

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
TT

3 نصائح بخصوص مقابلات العمل... «لا تصل مبكراً جداً»

رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)
رجل يخضع لمقابلة عمل في نيويورك (أرشيفية - رويترز)

عند إجراء مقابلة عمل، سواء كانت وجهاً لوجه أو مقابلة افتراضية، يجب أن تتبع آداب السلوك المناسبة.

تقول إميلي ليفين، نائبة الرئيس التنفيذي في شركة «كارير غروب كامبانيز»: «تأكد من أنك تتواصل بعينك بشكل جيد، وإنك تعرف متى يكون من المناسب التحدث، ومتى يكون الوقت مناسباً لطرح الأسئلة».

أجرت ليفين، وفقاً لموقع «سي إن بي سي»، آلاف المقابلات خلال مسيرتها المهنية، غالباً من أجل مشاهير من الدرجة الأولى يبحثون عن مساعدين شخصيين أو رؤساء للموظفين.

هذه مجموعة من أفضل نصائح ليفين لتجنب إثارة علامات تحذير خلال مقابلة العمل.

لا تصل مبكراً جداً

من المهم أن تتأكد من الوصول إلى المقابلة في الوقت المناسب، خصوصاً إذا كانت مقابلة شخصية وليست افتراضية.

وتتابع ليفين: «إذا وصلت متأخراً جداً، فإنك تخاطر بفقدان جزء من مقابلتك، مما يضيع وقت المحاورين ويجعل الانطباع سيئاً. ولكن إذا وصلت مبكراً جداً، فهذا سيجعلك تبدو متحمساً جداً، وقد يجعل المحاور يشعر بالضغط».

وتؤكد ليفين: «الوصول قبل موعدك بعشر دقائق هو الوقت المثالي للدخول إلى مكتب المحاور».

قدم نفسك بأكثر طريقة احترافية ممكنة

تشدد لفين على أنه سواء كانت المقابلة عبر الإنترنت أو شخصية: «لا تمضغ العلكة، ولا ترتدي نظارات شمسية» أثناء المقابلة، مضيفة: «هذه الأمور غير رسمية وغير مهنية».

وتشير: «إذا كانت المقابلة وجهاً لوجه، فتأكد أن رائحة دخان السجائر لا تفوح منك ولا تضع عطراً فواحاً»، موضحة: «الكثير من الناس حساسين للروائح النفاذة».

لا تكشف عن معلومات سرية

تشدد ليفين على ضرورة تجنب التحدث بسوء عن أصحاب العمل السابقين، أو «الكشف عن الكثير من المعلومات السرية أو الخاصة بأماكن العمل السابقة».

تؤكد ليفين أن بعض عملائها يجعلون موظفيهم يوقعون اتفاقيات عدم الإفشاء، وعندما يخبرها أحد المرشحين أنه وقَّع على هذه الاتفاقية ومع ذلك يكشف عن معلومات سرية حول صاحب عمل سابق، فإنها تعد علامة مقلقة.