متحف «باردو» في تونس يعرض كنوزه للجمهور

شهد عمليات ترميم... ولبس حلة جديدة

عرض اللوحة الفسيفسائية لجزر ومدن البحر الأبيض المتوسط (وزارة الثقافة التونسية)
عرض اللوحة الفسيفسائية لجزر ومدن البحر الأبيض المتوسط (وزارة الثقافة التونسية)
TT

متحف «باردو» في تونس يعرض كنوزه للجمهور

عرض اللوحة الفسيفسائية لجزر ومدن البحر الأبيض المتوسط (وزارة الثقافة التونسية)
عرض اللوحة الفسيفسائية لجزر ومدن البحر الأبيض المتوسط (وزارة الثقافة التونسية)

أعاد متحف «باردو»، في تونس (الخميس)، فتح أبوابه أمام الزوار بعد إغلاق لمدة تجاوزت السنتين، وقد لبس حلة جديدة بعد الانتهاء من ترميم عدد مهم من الفسيفساء والمنحوتات الرومانية، وإحداث مجموعة من قاعات العرض الجديدة.

وأعلنت حياة قطاط وزيرة الشؤون الثقافية التي أشرفت على حفل الافتتاح (مساء الأربعاء)، بحضور عدد من ممثلي السلك الدبلوماسي في تونس، مجموعة من التغييرات التي شهدها المتحف الوطني بباردو على مستوى طريقة العرض، أبرزها التي تمت في البهو الرئيسي، لعرض اللوحة الفسيفسائية لجزر ومدن البحر الأبيض المتوسط، وهي لوحة تم اكتشافها في منطقة حيدرة من ولاية (محافظة) القصرين، وسط غربي تونس، خلال سنة 1995.

وأضافت قطاط، في تصريح إعلامي، أن المتحف في حلته الجديدة التي تحققت بفضل جهود فرق متخصصة أثناء فترة غلقه شملت أشغال صيانة وترميم عدد من القطع المتحفية واللوحات الفسيفسائية، وتجديد تجهيزات المراقبة، وتثمين كنوز نادرة تعرض لأول مرة، وأخرى تم تغيير طريقة عرضها بما يليق بقيمتها التاريخية والأثرية، إلى جانب اعتماد تقنيات عرض جديدة.

ترميم 29 قطعة فسيفساء ومنحوتتين (وزارة الثقافة التونسية)

وشملت الأشغال ترميم 29 قطعة فسيفساء ومنحوتتين و3 نقوش غائرة بقاعة «أوذنة» وصيانة 22 لوحة فسيفساء مختلفة الأحجام بقاعة «ألتيبيروس» بالطابق الأول، كما تم ترميم 13 قطعة فسيفساء، ورفع هيكل إضاءة كان مخصصاً للمعارض المؤقتة في قاعة سوسة.

وفي السياق ذاته، تم عرض منحوتة «كونكورد»، إلهة السلام، مجانبة للنصب التذكاري لضحايا حادثة باردو الإرهابية، في مارس (آذار) 2015، بوصفها مركز سلام وتسامح للإنسانية جمعاء، بينما تم تغيير كل محتوى قاعة «القيروان» بالجناح الإسلامي، فضلاً عن إضافة منحوتة لرجل يرتدي ثوباً ملفوفاً من معبد «ساتورنوس»، ونقيشة جنائزية للمربية كورناليا فورتوناتا، بقاعة «دقة».

يضاف إلى ذلك إتمام أشغال قاعة الصهاريج (التوابيت) للعالم الجنائزي الوثني والمسيحي للفترة الرومانية، وإضافة 9 قطع أثرية، كما عُرضت لوحة فسيفسائية تمثّل انتصار ديونيزوس.

المدخل الرئيسي لمتحف باردو (وزارة الثقافة التونسية)

وفي إطار متصل، شهد المتحف الوطني بباردو إحداث واجهات لعرض فخار سجنان (شمال غربي تونس) وإحداث قاعة جديدة للرق الأزرق، وهو مصحف معروف يمثل جزءاً من مجموعة ضخمة من المخطوطات.

ومن ناحيتها، قالت فاطمة نايت إيغيل، مديرة المتحف الوطني بباردو، إن عملية إعادة افتتاح المتحف شملت أيضاً إعادة افتتاح قاعات ظلت مغلقة لمدة ناهزت 13 سنة. وتحدثت عن إحداث قاعة «كنز شمتو» للمرة الأولى منذ إنشاء المتحف، وذلك في نطاق تعاون دولي تونسي - ألماني (المعهد الألماني للآثار). ومن المنتظر تدشين هذه القاعة منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهي من أهم الاكتشافات في علم المسكوكات أو القطع النقدية التي تعود للفترة الرومانية. ويتكون هذا «الكنز» من 1648 قطعة نقدية سيتم عرضها بطريقة جديدة مختلفة عن طريقة عرض بقية محتويات المتحف، على حد تعبيرها.

حفل الافتتاح بحضور عدد من ممثلي السلك الدبلوماسي (وزارة الثقافة التونسية)

ويُعدّ متحف باردو ثاني متحف في العالم بالنسبة إلى فن الفسيفساء الرومانية بعد متحف فسيفساء «زيوغما» في تركيا، وتشمل مجموعته آلاف اللوحات الفسيفسائية الرومانية التي يعود تاريخها من القرن الثاني قبل الميلاد إلى ما بعد القرن السادس الميلادي. ويضم متحف باردو العديد من الأجنحة والقاعات، أهمها: قاعة قرطاج الرومانية، وقاعة فيرجيل، وقاعة دقة، وقاعة المهدية، وقاعة الفسيفساء المسيحية، وقاعة سوسة، والمتحف العربي.


مقالات ذات صلة

أزمة هدم متحف الخزاف المصري نبيل درويش تتجدد

يوميات الشرق لوحة تشير لمتحف الفنان نبيل درويش (إدارة المتحف)

أزمة هدم متحف الخزاف المصري نبيل درويش تتجدد

تجددت أزمة متحف الخزاف المصري نبيل درويش (1936 – 2002) الصادر قرار بهدمه؛ لدخوله ضمن أعمال توسعة محور المريوطية بالجيزة (غرب القاهرة).

حمدي عابدين (القاهرة )
يوميات الشرق عائشة القذافي ابنة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي تعرض أعمالها الفنية الجديدة المخصصة لأخيها وأبيها القتيلين خلال معرض «ابنة ليبيا» في متحف الشرق بموسكو17 أكتوبر 2024

«ابنة ليبيا»: معرض لعائشة القذافي في موسكو تمجيداً لذكرى والدها

افتتحت عائشة القذافي، ابنة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، معرضاً فنياً في موسكو خصصته لتخليد ذكرى والدها، الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعة عقود.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق حساء الطماطم على لوحة «زهور عباد الشمس» لفان جوخ (غيتي)

نفد الصبر... «ناشونال غاليري» يضاعف إجراءاته الأمنية ضد محتجي المناخ

على مر الزمن كانت حركات الاحتجاج تلجأ إلى وسائل مستفزة وصادمة مثل إيقاف المرور في الطرق السريعة، أو استخدام الصمغ لإلصاق الأيدي بالحواجز وواجهات المحال…

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق المتحف المصري الكبير يتضمن العديد من القطع الأثرية الفريدة (الشرق الأوسط)

مصر: قاعات بالمتحف الكبير تستقبل الجمهور للمرة الأولى

في إطار تشغيل تجريبي جزئي لا يتضمن الجناح الرئيسي، فتح المتحف المصري الكبير المطل على أهرامات الجيزة أبواب 12 قاعة عرض أثري أمام الجمهور للمرة الأولى.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق المتحف يشغل الطابقين الأرضي والأول من قصر الأمير عمرو إبراهيم (الشرق الأوسط)

مصر تعيد افتتاح متحف «الخزف الإسلامي» بعد إغلاقه 14 عاماً

بعد إغلاق استمر 14 عاماً؛ أعلنت وزارة الثقافة المصرية افتتاح أبواب «متحف الخزف الإسلامي» مجدداً للجمهور يوم 15 أكتوبر الحالي.

نادية عبد الحليم (القاهرة)

زياد عيتاني لـ«الشرق الأوسط»: الحرب تُشنّ على هويتنا اللبنانية... وستكون خاسرة

زياد عيتاني يتذكّر بحسرة منزل جدّه في حارة حريك (حسابه الشخصي)
زياد عيتاني يتذكّر بحسرة منزل جدّه في حارة حريك (حسابه الشخصي)
TT

زياد عيتاني لـ«الشرق الأوسط»: الحرب تُشنّ على هويتنا اللبنانية... وستكون خاسرة

زياد عيتاني يتذكّر بحسرة منزل جدّه في حارة حريك (حسابه الشخصي)
زياد عيتاني يتذكّر بحسرة منزل جدّه في حارة حريك (حسابه الشخصي)

بحسرة كبيرة، يتحدّث الكاتب والمخرج والفنان المسرحي زياد عيتاني عن خسارته منزل جدّه الراحل محمد شامل. فهو، أسوةً بغيره من اللبنانيين، كان يتابع أخبار الحرب، وعندما علم بطلب إخلاء مناطق في الضاحية الجنوبية، من بينها حارة حريك بهدف قصفها، تملّكه الخوف.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندما نُشرت خريطة المنطقة التي ستُقصَف، أدركتُ أنّ بيت جدي في حارة حريك بخطر. تواصلتُ مع أحفاده، ونحن عائلة كبيرة جداً، وأخبرتهم بالأمر. انتظرنا حتى ساعات الفجر الأولى ونحن نمسك قلوبنا بأيدينا. ثم جاءنا الخبر. فمنزل جدّي، الكائن في عمارة بُنيت في الستينات، سُوّي بالأرض، ولم يبقَ منه حجر يمكنه أن يروي ذكرياتنا فيه. وَقْع الخبر علينا كان أليماً جداً. فالخسارة ليست مجرّد منزل وجدران، وإنما أرشيف وذكريات وحكايات ومَشاهد حياة. لقد عبق هذا البيت بضحكاتنا وجلساتنا مع جدّي. زاره أهم الفنانين اللبنانيين والعرب، منهم سعاد حسني. لا أستطيع وصف هذه الخسارة لأنها كبيرة ولا تعوّض».

لم يشأ عيتاني أن يطلّ على المنزل المدمَّر، رغبةً في أن يحفظ بذاكرته صورته العابقة بالحياة وبتاريخ جدّه الطويل: «لا أنوي الذهاب إلى هناك، ولا حتى رؤية البيت. أدرك تماماً أهداف هذه الحرب. إنها تُشَنّ على هويتنا اللبنانية بكل أبعادها، وستكون خاسرة. فلبنان الغني بتاريخه وثقافته وفنونه وأدبائه لن يستطيعوا سلبه مجده مهما حاولوا».

صورة من زمن الفنّ الجميل تجمع زوج خالته شوشو بالرئيس الراحل كميل شمعون (زياد عيتاني)

كلّ أرشيف محمد شامل ومخطوطاته وصوره وملاحظاته جرفها الدمار. فالراحل صاحب البرنامج الشهير «الدنيا هيك». ولكن ما يعزّي عائلته هو أنّ معظم أرشيفه حفظه إلكترونياً ولداه ناجي ويوسف. فخوف العائلة من خسارة هذا الإرث الفنّي يعود إلى حقبات حرب سابقة، مما دفع إلى استدراك الأمر وإنقاذه.

يروي زياد عيتاني ذكرياته مع هذا البيت الذي كان يقع في إحدى أهم ضواحي بيروت وأفخمها في الستينات: «استعدتُ حيطانه وأثاثه ومكتبته وواجهة زجاجية (فاترين) كانت تتصدَّره. كانت تحتوي على كل مسيرة جدّي الفنية. في هذا المنزل، عشنا أسعد أيامنا. ولا يمكن أن أنسى (عرش التيتا)، وهو أريكة أحبَّت جدّتي الجلوس عليها. حتى بعد وفاتها، لم يشأ جدّي محو صورتها المحفورة بذاكرته عنها، فلم يجلس عليها منذ ذلك الوقت».

يتابع رواية مَشاهد حُفرت بعينيه منذ الطفولة: «كان جدّي سابقاً لزمانه ويحفظ حقوق المرأة قلباً وقالباً. كان يُقبّل يدَي جدّتي ويعيرها كل اهتمام عندما تتحدّث، حتى بدت بمثابة سلطانة زمانها، وهو قدّر ذلك وأبرزه في شخصيتها».

أفكار وذكريات استرجعها زياد عيتاني في لحظة خسارة منزل جدّه، فيقول: «اختلطت في رأسي ورحتُ أفندّها لاشعورياً. تذكرتُ طاولته الخشبية التي كان يكتب عليها رواياته الدرامية وملاحظاته. استرجعتُ اجتماعات أبطال (الدنيا هيك) مع الراحلين إلياس رزق وليلى كرم وفريال كريم وغيرهم. كنا لا نزال أولاداً نراقب ضحكاتهم وردود أفعالهم تجاه بعضهم بعضاً بوصفهم عائلة واحدة. ولا يمكن أن أنسى شوشو. هو زوج خالتي ورحل عندما كنتُ في أشهري الأولى. لم أتعرّف إليه إلا من خلال حكايات جدّي عنه».

صورة أرشيفية لمسلسل «الدنيا هيك» مع جدّه محمد شامل (زياد عيتاني)

موقف مؤثّر يسترجعه عندما رحل جدّه عام 1999: «أذكر يومها الموسيقار الراحل إلياس الرحباني. جاءنا وطلب منا أن يجلس في مكتبه للحظات. أقفل باب المكتب وسجن نفسه هناك وراح يبكي».

كل زاوية من البيت يتذكرها عيتاني بحسرة، لا سيما أنها تعبق بصور وشخصيات فنية تعرّف إليها من قرب. فكما إبراهيم مرعشلي، كذلك يذكُر أحمد الزين. وعن العبارة التي ردَّدها جدّه وحفظها في قرارة نفسه، يقول: «لم أكن ميالاً للعمل في المجال الفنّي بداية. لكنني شاركتُ مرّة في إحدى حلقات (الدنيا هيك) وأنا في الـ11 من عمري. شعر دائماً بأنني أليق بهذا المجال وأملك المقوّمات اللازمة لأبرع فيه. ولكن أكثر ما علق في ذهني منه عبارةٌ واحدةٌ ردَّدها لحفيده الراحل خضر علاء الدين، ابن شوشو: (إياك أن تقارن نفسك بأحد، بل اعمل على تحدّي نفسك)».

للمفارقة، فإنّ حديث «الشرق الأوسط» مع عيتاني جرى في 2 نوفمبر (تشرين الثاني): «إنه يصادف الذكرى الـ48 لرحيل شوشو. فقد رحل في هذا التاريخ تاركاً وراءه فراغاً كبيراً في عالم الكوميديا».

«ذهب الأثر الأخير الذي كان متبقياً لنا من جدّي»، يقول حزيناً، ويضيف: «كانت عند جدّي عمارة في صوفر نقصدها أيام الصيف، وُزِّعت شققها على أبنائه وبناته. جدّي سكن في الطبقة الأرضية منها، وكنا نمضي معه سهرات لا تُنسى. ولكنّ الورثة باعوا العقار لاحقاً».

يتمنّى أن تُجسَّد سيرة جدّه: «لا أجدني أصلح لهذه المهمة. فكتاباتي محورها النقد وعدم الانحياز لأحد. لكنني على قناعة بأنه سيكرَّم يوماً بعمل فنّي». وهل يفكّر بكتابة عمل حول حقبة الحرب التي نعيشها؟ يرد: «لا يزال الوقت باكراً لذلك. فالمسرح مرآة الناس، ويلزمنا الوقت لنقرأ هذه المرحلة ونستوعب محطاتها، مما يتطلّب التعمّق بالمشاعر وردود الأفعال».

يفطر قلب زياد عيتاني خسارة منزل جدّه، لا سيما أن لا علاقة له من قريب أو بعيد بأهداف عسكرية: «أعرف جميع الجيران، ولا علاقة لهم بأي هدف من أهداف غارات القصف العسكرية. لكننا ندرك تماماً غايات هذا الكيان ورغبته في القضاء على لبنان الاقتصاد والفنّ والثقافة... لعلّ بيروت تُعدّ (حصرماً بعينه). فهي مدينة غنية بفنّها ومعالمها ومواقعها ورجالاتها. نحن عندنا فيروز، فمَن أنت حتى تسلبنا مدينتنا؟».