«حماتك بتحبك»... مسرح الـ«فودفيل» يحطّ مجدداً في لبنان

ساعة من الضحك والديناميكية النابضة بالحياة

مسرحية «حماتك بتحبك» دعوة إلى تمضية ساعة من الضحك المتواصل (برونو جعارة)
مسرحية «حماتك بتحبك» دعوة إلى تمضية ساعة من الضحك المتواصل (برونو جعارة)
TT

«حماتك بتحبك»... مسرح الـ«فودفيل» يحطّ مجدداً في لبنان

مسرحية «حماتك بتحبك» دعوة إلى تمضية ساعة من الضحك المتواصل (برونو جعارة)
مسرحية «حماتك بتحبك» دعوة إلى تمضية ساعة من الضحك المتواصل (برونو جعارة)

منذ اللحظة الأولى لمشاهدتك مسرحية «حماتك بتحبك»، على خشبة «مسرح مونو» في الأشرفية، ستدرك صواب خيارك. فديكوراتها الزاهية وممثلوها المتناغمون أداءً وحضوراً، يأخذنوك إلى عالم الضحكات. أما نجمة العمل فيفيان بلعط، فاستثنائية بحضورها الكوميدي، لافتة بشخصيتها المرحة وهي تجسّد دور الحماة «عفيفة». فهذه الشخصية تعيد إلى الأذهان شخصيات «نافرة»، منها الراحلة كوثر القطريب التي لفتتنا على مسرح روميو لحود بزرع الابتسامة بلا مجهود، لمجرّد أن تطل.

«حماتك بتحبك» عمل مسرحي مناسب لجميع أفراد العائلة؛ وهي ميزة قلّما نصادفها اليوم في الصناعة المسرحية الرائجة بلبنان. أما القصة، فتدور حول الحماة «عفيفة» التي تفتعل مشكلات بقرارها زيارة ابنتها والإقامة في ضيافتها. فهي ترغب في أن تصبح جدّة بأي ثمن؛ ليعيش معها المُشاهد مواقف مضحكة من خلال حوارات وسياق يطبعه مسرح الـ«فودفيل» (بالفرنسية: Vaudeville؛ نوع مسرحي من وسائل الترفيه المتنوعة، كان شعبياً خصوصاً في الولايات المتحدة).

المخرج برونو جعارة ضمّ ممثلين عدّة، يقدّم كل منهم جرعات من الفكاهة بأسلوبه. وفي ليلة الافتتاح، ولنحو ساعة، لم يتوقف جمهور الصالة عن الضحك. عناصر الكوميديا تجتمع في «حماتك بتحبك»، من مواقف وحركات وكاركتيرات ونص محبوك بشكل جيد.

فيفيان بلعط في دور الحماة الديناميكية والمضحكة (برونو جعارة)

يشارك في المسرحية، باتريك شمالي، وجومانا سميرة، ومحمد عساف، ونديم يارد، وميرا بارودي وعدي هوشر، فيجسّدون أدواراً من وحي يومياتنا؛ منها الطبيب والموظّف والكاهن ورب العمل وغيرهم؛ فيؤلفون معاً فريق عمل منسجماً، يمرّر النكتة بحوارات تعتمد على سوء التفاهم حيناً، وعلى مواقف دراماتيكية تتحول فجأة إلى كوميدية، أحياناً.

تكشف بلعط لـ«الشرق الأوسط» أنها أدخلت تعديلات على النص: «لأنها مُقتبسة عن مسرحية أجنبية، رغبتُ في تعديل بعض المَشاهد. فما يُضحك الجمهور الغربي، لا يولّد النتيجة عينها عند اللبناني. لذلك أضفتُ إلى صفحاتها الأخيرة ما يثير ضحك جمهورنا، وفضحت خلفيات كل شخصية لإحداث الانطباع الكوميدي الذي تُسدَل الستارة على إيقاعه».

بلعط تملك تجارب مسرحية غنية. وإلى تعليمها مادة الرقص، عملت في مسرح الأطفال مع ريمي بندلي مدربةَ كوريغرافيا، وأيضاً مع المسرح العسكري الجوال. كما وقفت إلى جانب ممثلين مخضرمين، من بينهم نقولا دانيال، وميشال خطار ونبيل أبو مراد وغيرهم، فكوّنت خلفية تمثيلية لافتة.

تقول: «تجاربي كثيرة، تجتمع مع عملي في فن الماكياج وهندسة الديكور. كما زوّدتني دراستي المسرح والإخراج السينمائي والتلفزيوني بخلفية غنية. كلها عناصر أستحضرها عند وقوفي على الخشبة».

يرمي مُشاهد «حماتك بتحبك» همومه لساعة، مستسلماً للضحك. فمن خلال موضوع خفيف، تعفيه من إضاعة وقته في التحليل، وتتركه يعيش تجربة مسرحية جديدة. تتابع: «مسرح الـ(فودفيل) ليس بالأمر السهل. عادة لا يحمل رسالة معينة، علماً أنه محمَّل بالحركة والديناميكية وجرأة التعبير. حاولنا تمرير رسائل مختلفة يستشفّها المشاهد خلال العرض».

الحركة والمواقف والنص الكوميدي في «حماتك بتحبك» (برونو جعارة)

البعض انتقد المسرحية؛ للمبالغة في التهريج وعدم احتوائها على موضوع. تردّ بلعط: «أخذنا نماذج من حياتنا اليومية وقَوْلبناها في سياق خفيف. التهريج لا يصلح لوصف العمل، فالنمط الكوميدي فيه مغاير تماماً. وهو يتّصل مباشرة بشخصية الحماة (عفيفة). منذ اللحظة الأولى للمسرحية، علينا التنبُّه إلى كيفية تقديمها. بناءً عليه تُبنى مجريات القصة ونعيش هذا الكاركتير بكل أبعاده».

عودة إلى زمن الفن الجميل، ومسرح مروان نجار، وغيره، كثرٌ استحضروا مواقف يومية قد تنبثق من معاناة، فتصبح في نصوصهم كوميدية ممتعة، بقالب رشيق يصلح ليكون علاجاً بالدراما. فيفيان بلعط تتمتع بديناميكية لافتة وبطاقة إيجابية، فتنجح في نقل اللبناني إلى عالم الكوميديا المشتاق إليه في أيامه القاسية. كما يقدّم جعارة، صاحب التجارب المسرحية المتراكمة، المادة الجذابة والإخراج المتمكن. تختم بلعط: «نص (حماتك بتحبك) يرتكز على الحركة بشكل كبير. ولا يمكن أن يتألف من مَشاهد مسرحية تعتمد على مساحات الصمت والصوت المنخفض. لذلك؛ نجدها تنبض بالحركة والديناميكية التي تضخّ الحياة في النفوس».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
TT

محمد رحيم... رحيل يستدعي حزن جيل التسعينات

الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)
الملحن المصري محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ما أن تم الإعلان عن خبر الرحيل المفاجئ للملحن المصري محمد رحيم، حتى سيطرت أجواء حزينة على الوسط الفني عامة والموسيقي خاصة بمصر، كما أعرب عدد كبير من متابعي «السوشيال ميديا» من جيل التسعينات والثمانينات عن حزنهم العميق لرحيل ملحنهم «المحبوب» الذي يعتبرونه أفضل من عبّر عن أحلامهم وصدماتهم، مشيرين إلى أن رحيله «خسارة فادحة» لعالم الموسيقى والغناء عربياً.

وبدأ الملحن المصري محمد رحيم مسيرته المهنية مبكراً، إذ تعاون مع نخبة كبيرة من النجوم بمصر والعالم العربي، وكان قاسماً مشتركاً في تألقهم، كما صنع لنفسه ذكرى داخل كل بيت عبر أعماله التي تميزت بالتنوع ووصلت للعالمية، وفق نقاد.

الشاعر فوزي إبراهيم والمطربة آية عبد الله والملحن محمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

ومن بين النجوم الذين تعاون معهم رحيم عمرو دياب، ونانسي عجرم، ومحمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، وروبي، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

وقدم رحيم أول ألحانه مع الفنان عمرو دياب أواخر تسعينات القرن الماضي، قبل أن يكمل عامه الـ20، من خلال أغنية «وغلاوتك» ضمن شريط «عودوني»، التي حققت نجاحاً كبيراً وكانت بداية الطريق لأرشيف غنائي كبير صنع اسم رحيم في عالم الفن.

وقدم رحيم، الذي رحل السبت عن عمر يناهز الـ45 عاماً، مع عمرو دياب أغنية «حبيبي ولا على باله»، التي حصد عنها دياب جائزة «ميوزك أورد» العالمية عام 2001.

بدأ رحيم في عصر ازدهار «شرائط الكاسيت»، التي كانت الملاذ الوحيد لمحبي الأغاني وخصوصاً في مواسم الإجازات، وانتظار محلات وأكشاك بيع الشرائط في الشوارع والميادين بمصر كي تعلن عبر صوت صاخب طرح «شريط جديد».

الملحن محمد رحيم والمطربة جنات (حساب رحيم على فيسبوك)

ووفق موسيقيين؛ فإن الملحن الراحل قد نجح في صناعة ألحان يعتبرها جيل التسعينات والثمانينات «نوستالجيا»، على غرار «أنا لو قلت» لمحمد فؤاد، و«الليالي» لنوال الزغبي، و«يصعب علي» لحميد الشاعري، و«ياللي بتغيب» لمحمد محيي، و«أحلف بالله» لهيثم شاكر، و«جت تصالحني» لمصطفى قمر، و«مشتاق» لإيهاب توفيق، و«أنا في الغرام» لشيرين، وغيرهم. لذلك لم يكن مستغرباً تعليقات نجوم الغناء على رحيل رحيم بكلمات مؤثرة.

ويرى الشاعر والناقد الموسيقى المصري فوزي إبراهيم أن «محمد رحيم ملحن كان يتمتع بموهبة فريدة، وألحانه تميزت بالبساطة والقرب من ذائقة الجمهور التي يعرفها بمجرد سماعها، لذلك اقتربت موسيقاه من أجيال عدة».

لم يقم الموسيقار الراحل باستعارة أو اقتباس جمل موسيقية مطلقاً خلال مشواره، بل اعتمد على موهبته الإبداعية، برغم ترجمة أعماله للغات عدة، وفق إبراهيم، الذي أشار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن محمد منير وصف رحيم بأنه (أمل مصر في الموسيقى)، مثلما قالها عبد الحليم حافظ للموسيقار بليغ حمدي».

محمد حماقي ومحمد رحيم (حساب رحيم على فيسبوك)

«بدأ شاباً وكان يعي متطلبات الشباب»، على حد تعبير الناقد الموسيقى المصري أمجد مصطفى، الذي يقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «ارتباط جيل التسعينات بأعماله يرجع لكونه نجح في القرب منهم والتعبير عن أحلامهم ومشاعرهم، بجانب ثقافته الموسيقية المبكرة التي حملت أبعاداً مختلفة».

ولفت مصطفى إلى أن «رحيم كان تلميذاً للملحن الليبي ناصر المزداوي، الذي يتمتع بتجارب عالمية عديدة، كما أن رحيم كان متميزاً في فن اختيار الأصوات التي تبرز ألحانه، بجانب إحساسه الفني الذي صنع شخصيته وميزته عن أبناء جيله».

الملحن محمد رحيم والفنان محمد منير (حساب رحيم على فيسبوك)

وكان للملحن المصري بصمة واضحة عبر أشهر شرائط الكاسيت مثل «الحب الحقيقي» لمحمد فؤاد، و«عودوني» لعمرو دياب، و«غزالي» لحميد الشاعري، و«أخبارك إيه» لمايا نصري، و«صورة ودمعة» لمحمد محيي، و«شوق العيون» لرجاء بلمليح، و«وحداني» لخالد عجاج، و«حبيب حياتي» لمصطفى قمر، و«عايشالك» لإليسا، و«جرح تاني» لشيرين، و«قوم أقف» لبهاء سلطان، و«ليالي الشوق» لشذى، و«ليلي نهاري» لعمرو دياب، و«طعم البيوت» لمحمد منير، وغيرها من الألحان اللافتة.

الملحن محمد رحيم والفنانة نانسي عجرم (حساب رحيم على فيسبوك)

من جانبها قالت الشاعرة المصرية منة القيعي إنها من جيل التسعينات وارتباطها بأغاني رحيم لم يكن من فراغ، خصوصاً أغنية «غلاوتك»، التي أصرت على وجودها خلال احتفالها بخطبتها قبل عدة أشهر، رغم مرور ما يقرب من 26 عاماً على إصدارها.

وتوضح منة لـ«الشرق الأوسط» أن «رحيم كان صديقاً للجميع، ولديه حس فني وشعور بمتطلبات الأجيال، ويعرف كيف يصل إليهم بسهولة، كما أن اجتماع الناس على حبه نابع من ارتباطهم بأعماله التي عاشت معهم ولها ذكرى لن تزول من أذهانهم».

الملحن محمد رحيم والموسيقار الراحل حلمي بكر (حساب رحيم على فيسبوك)

وتؤكد منة أن «ألحان رحيم جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية، والقوى الناعمة التي تملكها مصر، وفنه الراسخ هو (تحويشة) عمره، فقد بدأ صغيراً ورحل صغيراً، لكن عمره الفني كان كبيراً، وأثر في أجيال عديدة». على حد تعبيرها.