متنزهات وادي حلفا... ملاذ للنازحين من حرب الخرطوم

تعكس مأساة وبهجة في مكان واحد

تكدست الطرقات والمتنزهات بأعداد كبيرة من النازحين (الشرق الأوسط)
تكدست الطرقات والمتنزهات بأعداد كبيرة من النازحين (الشرق الأوسط)
TT

متنزهات وادي حلفا... ملاذ للنازحين من حرب الخرطوم

تكدست الطرقات والمتنزهات بأعداد كبيرة من النازحين (الشرق الأوسط)
تكدست الطرقات والمتنزهات بأعداد كبيرة من النازحين (الشرق الأوسط)

حولَهم حقائب سفر وبعض الأواني المنزلية وأسرّة متناثرة على امتداد مساحات المتنزهات في مدينة وادي حلفا في أقصى شمال السودان، يقضي النازحون من حرب الخرطوم أيامهم في انتظار حصولهم على تأشيرات تسمح بدخولهم الأراضي المصرية بعد فترة قاسية من الانتظار قرب الحدود.

ومع غياب فنادق كافية في المدينة والظروف الاقتصادية الطاحنة، لجأ بعض النازحين إلى العيش في هذه المتنزهات. وعلى الرّغم من أن آلاف العائلات تعيش أوضاعاً صعبة جراء نومهم في العراء، فإنهم يحاولون التخفيف عن معاناتهم بشتى الوسائل، منها تكوين علاقات اجتماعية للكبار، بينما يستمتع الأطفال باللعب في مساحات المتنزه وبين الخيام.

يأوي المتنزه نحو 800 أسرة في مساحة تقدر بنحو 1800 متر مربع (الشرق الأوسط)

حياة التشرد

يصف عمر محمد صالح، أحد النازحين، الأجواء في المدينة، خصوصاً المتنزهات، بأنها غير مريحة قائلاً: «هذا أمر طبيعي بعد الخروج من ديارنا في الخرطوم، وحصول صدمة للكثير من الأسر والأطفال بسبب حياة التشرد التي نعيشها، فقد أصبح المتنزه مكاناً للمأساة والبهجة في آن واحد».

ومع تكدس الطرقات والمتنزهات بأعداد كبيرة من النازحين، تغيرت الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المدينة بشكل لم تعهده من قبل، وتحوّلت المدينة من الهدوء إلى الضجيج، واكتظت الأسواق والمطاعم بالزبائن والباعة المتجولين، في حين اهتم المجلس الأعلى لأهالي المدينة بالنازحين من الخرطوم تعاطفاً معهم لتخفيف آلامهم.

الأعداد الوافدة فاقت عدد سكان المحلية (الشرق الأوسط)

وحسب أشرف أحمد علاء الدين، ممثل المجلس الأعلى لأهالي وادي حلفا ومشرف غرف الطوارئ، لم يكن في حسبانهم الأحداث الجارية في الخرطوم، وأن شباب المحلية أسسوا غرفاً للطوارئ لاستقبال النازحين، وبنقلهم إلى منازل السكان المستعدين لاستقبالهم، كخطوة أولى إلى حين تجهيز مراكز للإيواء التي استقبلت لاحقاً آلاف النازحين. وأضاف علاء الدين أن «الأعداد الوافدة فاقت عدد سكان المحلية، ولكن بحمد الله تمكنا من استيعاب الجميع، ووُجّهوا إلى مراكز الإيواء البالغ عددها 54 مركزاً ضمت أكثر من 700 ألف شخص، غادر معظمهم البلاد في الأسابيع الأولى للحرب». وأشار علاء الدين إلى أن متنزه محلية حلفا لم يكن خياراً مطروحاً للإيواء من قبل لجنة الأهالي، إلا أن النازحين استخدموه ملجأً لهم بعد تزايد أعدادهم.

تعاني الأسر من ظروف مناخية قاسية بسبب الحر الشديد (الشرق الأوسط)

مدينة منفتحة على الجميع

وعلى الرغم من أن الحرب جعلت مدينة وادي حلفا مكاناً مكتظاً بالسكان، فإن مواطني المدينة يقولون إن محليتهم كانت تضم جميع فئات المجتمع حتى قبل نزوح الآلاف من الخرطوم بسبب الحرب؛ لأن المدينة منفتحة على الجميع، فضلاً عن وجود عدد من السفارات الأجنبية فيها، بالإضافة إلى مطار.

وفي السياق نفسه، قال علاء الدين إن العدد المتزايد للنازحين في المحلية أسهم في ارتفاع الحركة الاجتماعية وأرجع ذلك إلى توافد ثقافات جديدة على المجتمع المحلي، قائلاً: «الاختلاط غيّر من الصورة النمطية المأخوذة عن سكان وادي حلفا الأصليين بعد التعرف على ثقافتهم عن قرب». وأوضح علاء الدين أن المحلية شهدت نوعاً من التغيير الاجتماعي عقب الحرب، مضيفاً: «على سبيل المثال شهدت بحيرة وادي حلفا إقبالاً كبيراً للأسر كمتنفس».

وعلى الرّغم من قساوة الحرب والأوضاع التي يعانيها النازحون الفارون من ويلاتها في العاصمة الخرطوم، فإن الصورة التي رسمها لهم أطفالهم في متنزه المحلية خففت على أسرهم بعض المعاناة.

لاجئون سودانيون يعيشون في المتنزهات (الشرق الأوسط)

بعيداً عن الموت

وحسب معمر عمر أحمد، نازح من الخرطوم، فإن معاناتهم وهم يفترشون الأرض وتلفحهم الشمس الحارقة في مسكنهم المؤقت (المتنزه) قد هانت وهم ينظرون إلى أطفالهم يركضون أمامهم ويلعبون في مكان آمن بعيداً عن خطر القذائف وقصف الطيران الحربي. وتابع: «هنا لا نجد أي خدمات، نحن في بحث دائم عن أماكن يمكن أن نقضي فيها حوائجنا أو نستحم. لكن هناك بعض المنظمات مثل الأمم المتحدة والهلال الأحمر قدمت لنا مساعدات لصنع مآوٍ تقينا حر الشمس، ونقضي فيها أياماً من الانتظار، رغم أنها طالت أكثر من توقعاتنا».

وأوضح أحمد أنهم كانوا في بحث دائم عن أماكن يمكن أن تستقبلهم بدلاً عن اللجوء إلى مراكز الإيواء، موضحاً: «لم نجد مكاناً غير المتنزه الذي تحوّل إلى (حوش كبير)». من جانبه قال آدم محمد، أحد المشرفين على المتنزه، إنه يأوي نحو 800 أسرة في مساحة تقدر بنحو 1800 متر مربع، وتعاني هذه الأسر من ظروف مناخية قاسية جراء موجة الحر الشديدة التي ضربت المنطقة في موسم الصيف الحار أصلاً، مشيراً إلى أنهم سيعانون مصيراً أسوأ إذا ظلوا على الحال نفسها حين قدوم فصل الشتاء.


مقالات ذات صلة

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

شمال افريقيا البرهان يحيي ضباط الجيش بقاعدة «جبيت» العسكرية في شرق السودان 31 يوليو الماضي (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يحقق انتصاراً في «جبل موية»

أعلن الجيش السوداني تحقيق انتصارات في منطقة «جبل موية» الاستراتيجية، بعدما كان قد فقد السيطرة عليها لصالح «قوات الدعم السريع» في أواخر يونيو (حزيران) الماضي.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا دخان يتصاعد في سماء الخرطوم إثر مواجهات مسلحة خلّفت عشرات القتلى والجرحى (أ.ف.ب)

مقتل عشرات المدنيين بغارات للجيش السوداني في دارفور

لقي أكثر من 60 شخصاً مصرعهم، وأُصيب أكثر من 250 مدنياً، جرّاء قصف الطيران الحربي السوداني لمنطقة الكومة بولاية شمال دارفور.

أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

بيرييلو لـ«الشرق الأوسط»: عناصر من عهد البشير يمدّدون الحرب للعودة إلى السلطة

قال المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان، توم بيرييلو لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي بشأن آلية لمراقبة الاتفاقيات الحالية».

هبة القدسي (واشنطن) أحمد يونس (كامبالا)
شمال افريقيا اجتماع سابق لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي (أرشيفية - الخارجية المصرية)

مباحثات أفريقية رفيعة لوقف حرب السودان

يُجري وفد من «مجلس الأمن والسلم الأفريقي»، الذي وصل إلى بورتسودان للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب، مباحثات مع المسؤولين السودانيين تتعلق بسبل إنهاء الحرب.

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا المبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان توم بيرييلو (إ.ب.أ)

المبعوث الأميركي: «فتحنا قنوات اتصال مع الاتحاد الأفريقي بشأن السودان»

كشف المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، عن خطوة جديدة في المرحلة المقبلة تتعلق بوقف النزاع في السودان.

محمد أمين ياسين

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
TT

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)

تسعى عائلة امرأة اختُطفت وقُتلت في مزرعة، إلى شراء الأرض للتنقيب عن جثتها بعد 55 عاماً من مقتلها.

يُذكر أنه لم يجرِ العثور على جثة موريال ماكاي منذ مقتلها عام 1969 في مزرعة ستوكينغ، بالقرب من منطقة بيشوبس ستورتفورد، في هيرتفوردشاير، وفق «بي بي سي» البريطانية.

وأنفقت شرطة العاصمة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث، التي استمرت لمدة ثمانية أيام في الموقع، خلال يوليو (تموز) الماضي، لكن الجهود لم تسفر عن شيء، في النهاية.

وقال مارك داير، وهو حفيد السيدة ماكاي، إنه مستعد لدفع أكثر من مليون جنيه إسترليني لشراء ما وصفه بأنه «أكثر مكان شرير على وجه الأرض».

واعترف داير بأن ذلك سيكون «أمراً صعباً» من الناحية العاطفية، لكنه قال إنه قد يكون ضرورياً للوصول إلى نهاية القصة.

وجَرَت عمليات التنقيب، في يوليو، بعد أن قدّم آخِر القتلة الباقين على قيد الحياة، والذي يعيش الآن في ترينيداد، معلومات عن مكان دفن السيدة ماكاي المزعوم، غير أن السلطات لم تسمح لنظام الدين حسين بالعودة إلى المملكة المتحدة، للمساعدة في عملية البحث، وهو ما عدَّته عائلة الضحية يشكل عائقاً أمام جهود البحث.

وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قال إيان ماكاي، ابن الضحية: «يعتمد كل ذلك على رغبة مالك المزرعة في البيع»، مضيفاً أن «شراء مزرعة روكس فارم سيكون استجابة عاطفية تسمح للعائلة بالمساعدة في البحث بشكل صحيح، على أمل الوصول إلى الجثة، وإنهاء القصة».

وجرى الاتصال بأصحاب المزرعة، للتعليق.

وقال داير إنه إذا اشترت عائلته المزرعة في المستقبل، فإن الملكية ستكون «انتقالية» فقط، موضحاً أنهم سيشترونه، وسيستأجرون متخصصين لإجراء تنقيب عن جثة السيدة ماكاي، ثم يقومون ببيع المزرعة مرة أخرى. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حُكم على نظام الدين وشقيقه آرثر حسين بالسجن المؤبد؛ للاختطاف واحتجاز السيدة ماكاي، التي كانت تبلغ من العمر 55 عاماً آنذاك، مقابل الحصول على فدية بقيمة مليون جنيه إسترليني، قبل قتلها.

وكانت ماكاي قد تعرضت للاختطاف بالخطأ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1969، حيث اعتقد الشقيقان أنها زوجة رجل الأعمال الكبير، وقطب الإعلام روبرت مردوخ.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافر ابن الضحية إلى ترينيداد برفقة شقيقته ديان، وأوضح لهم نظام الدين حينها خريطة المكان الذي دُفن فيه جثة والدتهما.