جولات شبابية لتوثيق مدافن القاهرة التراثية تحسباً لأعمال الإزالة

مبادرة «رسم مصر» ضمت عشرات الطلاب والباحثين

أعداد كبيرة خلال الجولات (مبادرة رسم مصر)
أعداد كبيرة خلال الجولات (مبادرة رسم مصر)
TT

جولات شبابية لتوثيق مدافن القاهرة التراثية تحسباً لأعمال الإزالة

أعداد كبيرة خلال الجولات (مبادرة رسم مصر)
أعداد كبيرة خلال الجولات (مبادرة رسم مصر)

في الوقت الذي يدور فيه جدل واسع بشأن مدافن بنطاق القاهرة التاريخية، نظم عشرات الشباب جولات ميدانية بقرافة الإمام الشافعي، والسيدة نفيسة، لتصوير ورسم المقابر ذات الطرز المعمارية المميزة.

ولاقت صور الجولات الشبابية رواجاً واستحساناً لافتين من قبل مثقفين ومخرجين مصريين، من بينهم المخرج يسري نصر الله.

وكانت زيارة مبادرة «رسم مصر» من بين أبرز زيارات جبانة الإمام الشافعي السبت. وقال أستاذ الرسم والتصوير في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان الدكتور محمد حمدي، مؤسس المبادرة، لـ«الشرق الأوسط»: «إن المبادرة التي بدأت نشاطها في القاهرة التاريخية منذ 5 سنوات تهدف إلى الاهتمام بتاريخ وفنون مصر وتوثيق القيم الجمالية والعناصر الزخرفية لآثارها ومعالمها».

جانب من جولة (رسم مصر)

مشيراً إلى أن أنشطة المبادرة الميدانية التي تستهدف رسم الأماكن والشوارع التراثية، ومحاولة التعرف على أصل الأمثال الشعبية، لا تقتصر على مشاركة طلاب الكليات الفنية فقط، بل تشمل طلاباً وخريجين من تخصصات مختلفة، يحرص بعضهم على الحضور من محافظات بعيدة عن القاهرة.

وسبق لمتطوعي المبادرة زيارة ضريح الإمام الشافعي، ومقابر باب الوزير، والتربة السلطانية، في جبانة القاهرة التراثية.

مها سليم خلال إحدى الجولات (مبادرة رسم مصر)

وأشاد حمدي بإقبال عشرات الوجوه الشابة على جولات التاريخ والتراث في أروقة القاهرة، وقال إنهم يحتاجون إلى الاندماج في مشروع كبير يخصّ محاربة الإرهاب والإدمان، لافتاً إلى أنه «يجمعهم حب الوطن والحماس». مضيفاً: «من خلال عملي مع الطلاب والخروج بهم إلى الأماكن التاريخية والتراثية على الطبيعة ضمن مقررات الرسم والتصوير، وجدتُ أنّ لديهم شغفاً كبيراً بمعرفة تاريخ وطنهم، توافق مع شغفي أيضاً بتاريخ مصر، خصوصاً تاريخ الفنون، لذا لم يقتصر هذا النشاط على الرسم فقط، بل توسع لرواية حكاية الأثر وسيرة الأشخاص الذين ارتبطوا به، ومن ثَمّ يأتي الرسم والتوثيق لهذا الأثر من الناحية الفنية والمعمارية».

تضم الأضرحة طرزاً معمارية فريدة (مبادرة رسم مصر)

وأطلقت المبادرة قناة على موقع «يوتيوب» تحمل الاسم نفسه «رسم مصر» وهو الاسم الذي اختاره أستاذ الرسم والتصوير وطلابه استلهاماً من موسوعة «وصف مصر»، التي أنجزها الفرنسيون خلال الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801).

ويتنوع محتوى القناة ما بين تصوير الجولة نفسها والمعلومات عن مكان الجولة، وهو ما يُبثّ بشكل أسبوعي، كما تضمّ أفلاماً قصيرة تتضمن معلومة تاريخية تذاع على مدار أيام الأسبوع. ووفق إبراهيم طايع، الباحث في التراث المصري وأحد المهتمين بتوثيق المدافن التراثية، فإن «الإقبال على زيارة المدافن التراثية بات يشهد زخماً لافتاً خلال الآونة الأخيرة، عبر الجولات الشبابية التي ينظمها المهتمون بالتراث».

وأضاف طايع لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «اعتاد سكان جبانة القاهرة على هذه الجولات التراثية»، موضحاً «شهد السبت زحماً لافتاً وحضور بعض أصحاب المدافن، من بينهم وحيد الدرمللي، وحفيدة محمود سامي البارودي».

وقد شارك في إنشاء مدافن القاهرة عدد من كبار المعماريين الأجانب، منهم المهندس الإيطالي إرنستو فيروتشي كبير المهندسين في السرايات الملكية، وصاحب تصميم قصر رأس التين، ومبنى معهد الموسيقى العربية، وإضافات قصر عابدين.

وتضم جَبَّانة القاهرة بين جوانبها مقابر بعض الشخصيات الشهيرة، أمثال الإمام ورش، صاحب «قراءة ورش» القرآنية، والشيخ محمد رفعت، وعبد الخالق باشا ثروت، والشمسي باشا، وعثمان مصطفى، ومحمد نسيم توفيق. كما تضم رفات فنانين مشاهير، من بينهم يوسف وهبي، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، وأسمهان، وفريد الأطرش، وهند رستم، وصلاح ذو الفقار.

وتواصل السلطات المصرية العمل لإنشاء محاور مرورية جديدة من أجل السيولة المرورية، وربط محاور شرق وجنوب القاهرة بعضها ببعض.

وتعد الباحثة الأثرية ندى زين الدين من بين الذين ينظمون جولات ميدانية بجبانة القاهرة، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: إن «مدافن الليث بن سعد، والسيدة عائشة، والإمام الشافعي، من أبرز المناطق التي نحبّ التجوّل فيها باستمرار مع أصدقائها بسبب كنوزها التراثية والشخصيات المدفونة بها. على غرار حسن راتب، ومحمود سامي البارودي، وعلي باشا فهمي، ومدفن عائلة عظم، ومدفن عائلة الدرمللي».

وتشير إلى أن قيمة المدافن لا تقتصر على الشخصيات السياسية والأدبية المدفونة بها، بل تشمل قيمتها المعمارية؛ موضحة أن بعض أصحاب الأحواش وافقوا على طلبها بفتح مدافنهم أمام الزائرين، لرؤية جمالياتها المعمارية عن قرب.


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».