ساعدت موسيقى الكمان على تهدئة مرضى الصرع المهتاجين عندما تم إدخالهم إلى المستشفى في وحدة المراقبة، وفقاً لنتائج دراسة جديدة أجرتها جامعة نورث وسترن ميديسن.
وتشير الدراسة التي نُشرت في دورية «فورنتييرز أوف نيورولوجي» المعنية بأبحاث علوم الأعصاب، في الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي، إلى أن مرضى الصرع يتحملون ظروفاً صعبة في المستشفى عند إجراء الاختبارات. ويجب عليهم إيقاف أدويتهم مؤقتاً أو تقليلها أثناء دخولهم المستشفى لإثارة النوبات، مما يؤدي إلى شعور كثيرين منهم بالضيق والقلق. كما يشعر بعضهم بعدم الارتياح لدرجة أنه قد لا يستطيع إكمال الاختبار.
ولكن عندما استمع هؤلاء المرضى إلى موسيقى ارتجالية من عازف كمان يعزف موسيقى حية، في الوقت الحقيقي (غير مسجَّلة)، استجابت حالات الهياج لدى المرضى المشاركين في التجارب، وتباطأت موجات أدمغتهم التي تُرصد على مخطط كهربية الدماغ، وتحولت إلى حالة أكثر هدوءاً، مما ساعدهم على مواصلة الاختبار. كما أبلغ مرضى منهم أيضاً عن انخفاض مشاعر التوتر والقلق بعد تجارب الموسيقى السريرية.
قال الدكتور بورنا بوناكداربور الأستاذ في علم الأعصاب المساعد في كلية الطب بجامعة نورث وسترن: «لقد دخلت أدمغتهم في حالة تأملية»، موضحاً أن «الأمر يشبه الاندماج الكامل في مشاهدة برنامج تلفزيوني أو تصفح وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم».
وتابع في بيان صحافي: «كان تردد أدمغتهم في المتوسط 12 أو 13 (هيرتز) ضمن نطاق موجات بيتا التي تعبر عن حالة من اليقظة الكاملة، ولكن بعد الموسيقى انخفض إلى 8 أو 9 (هيرتز) ضمن نطاق موجات ألفا التي تعبر عن حالة من الهدوء والتأمل».
أما الدكتورة لينا رياشي، اختصاصية علم النفس والعلاج بالموسيقى في الجامعة اللبنانية والجامعة الأنطونية في لبنان، فعلقت على هذه النتائج بقولها: «لعبت الموسيقى هنا دوراً مساعداً شديد الأهمية، وهي تشتيت أذهان المرضى، وجذبت تفكيرهم بعيداً عن حالتهم المرضية، وبالتالي توقفت أدمغتهم عن إحداث تلك النوبات وحالات الهياج».
وشددت على أن «اختيار الكمان جاء لأن صوته يساعد على الاسترخاء والراحة، والارتجال الحي هنا كان مطلوباً حتى يندمج المريض في التجربة كتجربة شخصية تتيح له التفاعل المباشر مع العازف الذي يقف أمامه».
وأوضحت رياشي في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «تؤثر الموسيقى على الحالة النفسية والجسدية للإنسان بشكل عام، لأنها تساعد على إفراز مواد لها علاقة بالسعادة، كالدوبامين والسيروتونين والأندورفين (نواقل عصبية مهمة) يمكنها تحسين الحالة النفسية».
وأَضافت رياشي أنه «فيما يتعلق بأصحاب الأمراض النفسية والعقلية، تؤدي الموسيقى إلى إفراز تلك الهرمونات، مما يتسبب في تراجع الأعراض المصاحبة للمرض، كالتوتر والقلق أو الهياج أو البكاء».
لماذا الكمان؟
وفق الدراسة، فقد اختير الكمان لهذا البحث نظراً لأن نطاق طبقة صوته يعكس النطاق الصوتي «الآمن» لدى الإنسان. وتظهر الأبحاث أن هذا النطاق ينشط أنظمة التهدئة في الدماغ.
قال بوناكداربور: «كانت هناك ندرة في التدخلات غير الدوائية لمرضى الصرع في المستشفى، ولقد أظهرت نتائجنا أن المرضى استفادوا بشكل كبير من التدخل الموسيقي». وتابع: «من المهم أن التقارير الذاتية للمرضى ارتبطت بالتغيرات الموضوعية في جهاز مخطط كهربية الدماغ، وهو أمر لم يتم القيام به من قبل في وحدة مراقبة الصرع».
وهو ما علَّقت عليه رياشي: «للأسف لا يوجد عدد كافٍ من الدراسات التي تتعلق بآثار الموسيقى الصحية على مرضى الأمراض النفسية والعقلية، لذا فهي تستعمل كعلاج مساعد مؤثر في إفرازات هرمونات الدماغ، ولكنها لا تُغني عن الأدوية والعلاجات التقليدية».
ورغم صغر حجم عينة الدراسة، حيث أجريت التجارب على 5 مرضى فقط، فإن بوناكداربور يخطط لإجراء تجربة سريرية أكبر تضم ما بين 30 إلى 50 مريضاً، وفق قوله، مشدداً هو الآخر على أنه «لا يتم استخدام الموسيقى كأداة سريرية بشكل كافٍ في العيادات الخارجية وفي المستشفيات».
وخلال هذه الدراسة التجريبية، حُدد 21 مريضاً مصاباً بالصرع على أنهم مناسبون للتجربة. وأُبلغ عن 5 فقط من هؤلاء الأفراد من قبل طاقم التمريض والعمل الاجتماعي بأنهم يعانون من ضائقة كبيرة ليتم تضمينهم في تجارب الدراسة.
تلقى المشاركون جلسة موسيقية حية مدتها 40 دقيقة من قبل عازف كمان مدرب على هذه التدخلات الطبية، وذلك بالتشاور مع معالج موسيقي.
واحتوت الموسيقى المصممة سريرياً لهذا الغرض على ألحان متعرجة بسيطة (تعلو وتهبط) وتُشغل بوتيرة بطيئة، إذ يجري العزف في شكل دفقات موسيقية مدتها دقيقتان تتناقص تدريجياً بالقرب من نهاية اللحن حتى الوصول إلى لحظة صمت الكمان.