السعودية تطلق مشروعاً لحصر التراث الثقافي غير المادي

أطلقت هيئة التراث السعودية المشروع لصون الموروث المحلي من آفة الاندثار (واس)
أطلقت هيئة التراث السعودية المشروع لصون الموروث المحلي من آفة الاندثار (واس)
TT

السعودية تطلق مشروعاً لحصر التراث الثقافي غير المادي

أطلقت هيئة التراث السعودية المشروع لصون الموروث المحلي من آفة الاندثار (واس)
أطلقت هيئة التراث السعودية المشروع لصون الموروث المحلي من آفة الاندثار (واس)

أطلقت هيئة التراث السعودية مشروعاً لحصر عناصر التراث الثقافي غير المادي في عدد من مناطق البلاد، وذلك لصون الموروث المحلي من آفة الاندثار، وتعميق صلة المجتمع به، وإعادة تعريف الأجيال الناشئة بالعناصر الثقافية التي تشكل في مجموعها هوية المجتمع السعودي، بالإضافة إلى أهمية المشروع في دعم وتمكين وتطوير القطاع الثالث والجهات غير الربحية.

هيئة التراث التي تتولى مسؤولية حفظ التراث الثقافي وتوثيقه في المناطق السعودية المترامية الأطراف، وما تتمتع به من تنوع وثراء في مكوناتها الثقافية وتلويناتها الاجتماعية، تسعى من وراء مشروع حصر التراث الثقافي غير المادي التعريف بعادات الناس وتقاليدهم والممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية، بوصفها جزءاً أصيلاً من التراث الثقافي لمناطق المملكة المختلفة.

وتستهدف المرحلة الأولى من المشروع، مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة والباحة وعسير وجازان ونجران، وهي مناطق مثل نظيراتها السعودية، تتمتع بثروة ثقافية للفنون وأنواع من التقاليد الاجتماعية التي عكست تفاعل الإنسان السعودي مع ظروفه وتحديات الطبيعة المحيطة، واحتفظت تلك الفنون والتقاليد والعادات بوعيه الاجتماعي والبيئي والتحامه مع المكان والإنسان وصوارف الدهر وأحوال الزمان.

الصناعة التقليدية لحرفة السدو (هيئة التراث)

11 عنصراً ثقافياً غير مادي في القوائم العالمية

تمكنت السعودية من خلال جهود القطاع الثقافي السعودي في الحفاظ على التراث الإنساني الثقافي المادي وغير المادي، من تسجيل 11 عنصراً ثقافياً محلياً وعربياً في قائمة التراث غير المادي، لتسليط الضوء على قيمتها التاريخية ورمزيتها الثقافية، وتقديمها إلى العالم؛ بدأ ذلك عام 2015 عندما أدرجت «المجالس» ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي في السعودية كمكان ثقافي ولأداء الواجبات الاجتماعية، وذلك بالتشارك مع الإمارات، وسلطنة عُمان، وقطر، ومن ثَمّ إدراج القهوة العربية رمزاً للكرم في العام نفسه، وعُدّت أحد التقاليد المألوفة عربياً في حسن الضيافة والوفادة وإكرام الضيف.

وسُجّلت «العرضة النجدية» ضمن التراث العالمي غير المادي عام 2015، وفي العام التالي أُدرجت «رقصة المزمار» في القائمة، وهي رقصة تؤدّى باستخدام العصيّ على إيقاع الطبول في السعودية خلال المناسبات العائليّة أو الوطنيّة. وفي عام 2016 سُجلت «الصقارة» تراثاً إنسانياً حياً، وانضم القط أو النقش أو الزَّيان، وهو أحد الفنون التجريدية التي نشأت في منطقة عسير، وتقوم به النساء لتزيّن بيوتهن، إلى القائمة عام 2017، فنخيل التمر عام 2019، وما يتعلق به من المعارف والمهارات والتقاليد والممارسات.

وفي عام 2020، سُجلت الصناعة التقليدية لحرفة السدو، وهو أحد أنواع النسيج المُطرز البدوي التقليدي الذي ينتشر في التقاليد البدوية في المملكة، وسُجل الخط العربي على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة «اليونيسكو»، في ديسمبر (كانون الثاني) 2021، بعد أن قادت السعودية بالتعاون مع 15 دولة عربية تحت إشراف منظمة «الألكسو»، الجهود المشتركة في تسجيل عنصر الخط العربي على القائمة.

وفي العام التالي 2022، سُجل حداء الإبل، وهو أحد التعابير الشفهية في تراث السعودية، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، ومؤخراً نجحت السعودية في تسجيل «البن الخولاني السعودي»، والمهارات والمعارف المرتبطة بزراعته، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونيسكو».

السعودية تسجّل 11 عنصراً ثقافياً محلياً وعربياً في قائمة التراث العالمي غير المادي (هيئة التراث)

أيقونات ثقافية سعودية تستعيد وهجها

وتتولى هيئة التراث في السعودية دوراً حيوياً لإعادة الاتصال بالتراث الزّاخر الذي تتمتع به السعودية عبر تاريخها وعلى أراضيها التي كانت مرآة للحضارات التي ازدهرت على أراضيها وانعكاساً لمسيرة الإنسان في اكتشاف هويته المميزة.

وتحظى قطاعات من التراث الثقافي غير المادي باهتمام كبير من الهيئة، ظهر في تسجيل عدد من العناصر الثقافية السعودية على قوائم التراث العالمي، كما يتمتع قطاع الحرف اليدوية الصناعات الإبداعية التقليدية في السعودية بنقلة نوعية، منذ بدأت هيئة التراث الاهتمام به، وأطلقت جملة من المبادرات لدعم هذا المجال، وإصدار رُخص لبيع المنتجات الحرفية والتراثية، بينما استعادت مجموعة من الصناعات الحرفيّة بريقها، مثل السدو والفخار الطيني، بوصفهما من أشهر أيقونات الصناعة في التراث السعودي، وأضحت حاضرة في الذائقة العامة، وقاومت عوامل الاندثار والنسيان.

وتمكّنت هيئة التراث من تسجيل ما يقرب من 5 آلاف حرفيّ وحرفية في السجل الحرفي، الذي تشرف عليه الهيئة، وتنفيذ عدد من المشاريع في مجال حصر الحرف اليدوية وتوثيقها، وتطوير المنتجات الحرفية لجعلها أكثر عصرية ومناسبة للاقتناء وملاءمةً لمتطلبات الحياة مع المحافظة على روح الأصالة، حرصاً من الهيئة على دعم هذا القطاع الواعد اقتصادياً وتسويقياً.


مقالات ذات صلة

خادم الحرمين يرعى حفل «جائزة الميثاق العمراني»

الخليج رعاية الملك سلمان للجائزة تجسّد اهتمام القيادة بالقطاع الثقافي عامة والعمراني خاصة (واس)

خادم الحرمين يرعى حفل «جائزة الميثاق العمراني»

يرعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الحفل الختامي لـ«جائزة الميثاق العمراني» الأولى، الذي تنظمه هيئة فنون العمارة والتصميم في 11 أغسطس الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق وزير الثقافة المصري يلتقي أسرة رئيس الوزراء الأسبق (وزارة الثقافة المصرية)

مجلدات ومخطوطات نادرة تدخل خزائن «الثقافة» المصرية

أهدت حفيدة رئيس وزراء مصر الأسبق يحيى إبراهيم باشا وزارةَ الثقافة المصرية مكتبتها التي تضمنت عدداً من المجموعات النادرة والمخطوطات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق تجربة استثنائية يجدها الزائر في جناح وزارة الثقافة بمنطقة «سيتي ووك» بجدة (الشرق الأوسط)

«عام الإبل»... مبادرة سعودية تعزز القيم الثقافية الفريدة لأبناء الجزيرة العربية

تحتفي السعودية في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية وتعرّف بقيمته ودلالته عبر مبادرات وبرامج متنوعة.

إبراهيم القرشي (جدة)
يوميات الشرق يُقدّم مجموعة حِرفيين سعوديين أعمالاً مبتكرة أمام زوار المهرجان (وزارة الثقافة)

السعودية تبرز نهضتها الثقافية في «مهرجان جرش»

تستعرض السعودية تنوعها الثقافي والفني أمام زوّار «مهرجان جرش للثقافة والفنون 2024» في المدينة التاريخية الأردنية، وذلك خلال الفترة بين 24 يوليو و3 أغسطس.

«الشرق الأوسط» (جرش)
ثقافة وفنون صورة للروائي عبد الله بن بخيت نشرها تركي آل الشيخ عبر حسابه في منصة «إكس»

بن بخيت مستشاراً ثقافياً لرئيس هيئة الترفيه السعودية

اختار المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الروائي عبد الله بن بخيت مستشاراً ثقافياً له، ونائباً لرئيس «جائزة القلم الذهبي للأدب».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«ذا ديكاميرون» على «نتفليكس»... حفلةُ جنون عبثيّ وضياعٌ في الهويّة الدراميّة

المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
TT

«ذا ديكاميرون» على «نتفليكس»... حفلةُ جنون عبثيّ وضياعٌ في الهويّة الدراميّة

المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)
المسلسل الجديد مقتبس من قصة كُتبت في القرن الـ14 (نتفليكس)

تُراهن «نتفليكس» على إنتاجها الأصليّ الجديد «ذا ديكاميرون» (The Decameron)، ومعنى الكلمة الحدث الذي يستغرق 10 أيام. هو مسلسل قصير من 8 حلقات، بدأ عرضه قبل أيام على المنصة العالميّة.

القصة مستوحاة من كتابٍ إيطاليّ يحمل العنوان نفسه ويعود إلى القرن الرابع عشر. تدور الأحداث على خلفيّة «الموت الأسود»، أو الحقبة التي اجتاح فيها وباء الطاعون أوروبا ما بين عامَي 1347 و1352، متسبّباً بوفاة ثلث سكّان القارّة. تكتفي النسخة المتلفزة باستعارة العنوان والجوّ العام وأسماء الشخصيات، إذ تعيد المنتجة الأميركية كاثلين جوردان ابتكار السرديّة آخذةً الحكاية إلى مكان آخر، محاولةً تحويلها إلى كوميديا سوداء ساخرة. إلّا أن المهمة أفلتت من بين يدَيها في معظم الأحيان.

من مدينة فلورنسا الإيطاليّة التي ضربتها الجائحة، تفرّ مجموعة من الأشخاص في اتّجاه قصرٍ ناءٍ، بعيداً عن المرض، وذلك بعد تلقّي دعوة من صاحب المكان «ليوناردو». لكن لا أثر للرجُل سوى صورة معلّقة على الحائط، ليتبيّن لاحقاً أنّه قضى بالوباء، الأمر الذي بقيَ سراً على ضيوفه حتى وقتٍ متأخرٍ من الرواية.

تأتي الشخصيات على هيئة ثنائيات. «بامبينيا» الأرستقراطية الساعية خلف الارتباط بـ«ليوناردو» والمذعورة من أن يفوتها قطار الزواج، ترافقها خادمتها المتفانية «ميسيا».

الممثلتان زوسيا ماميت وسورشا مونيكا جاكسون في شخصيتَي بامبينيا وميسيا (نتفليكس)

«تيندارو» الثريّ المدلّل والمُصاب بأمراض وهميّة، يلازمه طبيبه المُدّعي وصاحب الكاريزما العالية «ديونيو».

الممثلان دوغي ماكميكن وآمار شادا باتيل في شخصيتَي تيندارو وديونيو (نتفليكس)

«ليشيسكا» الخادمة الجسورة التي انتحلت شخصية مخدومتها الثريّة والمستبدّة «فيلومينا»، بعد أن رمتها في النهر وظنّت أنها تخلّصت منها.

الممثلتان تانيا رينولدز وجسيكا بلامر في شخصيتَي ليشيسكا وفيلومينا (نتفليكس)

«نيفيلي» التقيّة الخجولة في الظاهر، وزوجها «بانفيلو» الذي يخفي هويّات مزدوجة تحت هندامه الأرستقراطي. هما الثنائيّ الذي لجأ إلى القصر لإنقاذ نفسه من الإفلاس وليس من الجائحة فحسب.

الممثلان كاران غيل ولو غالا في شخصيتَي بانفيلو ونيفيلي (نتفليكس)

في غياب صاحب القصر، يتولّى شؤون المكان مدير أعماله «سيريسكو» المتأرجح بين الصرامة والهستيرياً. وتُعاونه في تدبير المنزل والمطبخ الخادمة «ستراتيليا»، التي تخفي سراً لا يُكشف سوى في الحلقة ما قبل الأخيرة.

الممثلان طوني هيل وليلى فرزاد في شخصيتَي سيريسكو وستراتيليا (نتفليكس)

لعلّ تلك الشخصيّات الـ10 هي أقوى ما يتسلّح به المسلسل، وهي ربّما التي دفعت به إلى قائمة الأعمال الأكثر مشاهدةً على «نتفليكس» بعد أقلّ من أسبوع على انطلاقته. فما سوى الأداء التمثيليّ المتمكّن والديكور والملابس التي تستنسخ الحقبة، لا يبقى الكثير ليشفع بالعمل التلفزيونيّ.

يلامِس «ذا ديكاميرون» الكوميديا من دون أن ينجح في سحب ضحكة، يخوض في الإثارة من دون أن يستدعي خفقة قلب واحدة، يحاول توجيه النقد الطبقيّ اللاذع لكنّ الرسالة لا تصل. وما يجعل المهمّة أصعب، أن هوية المسلسل ضائعة. لا يرسو على نوعٍ واضح مازجاً ما بين الكوميديا، والدراما، والتاريخ، والنقد الاجتماعي، والتشويق، والرومانسية، والعنف، من دون أن يقدّم حبكة متماسكة لتغرق القصة في متاهاتٍ غير مفهومة، ويتحوّل المشهد في غالب الأحيان إلى حفلة من الجنون العبثيّ. حتى تَراكُم الأحداث غير المتوقّعة والدخول المبالغ به لشخصياتٍ جديدة وغير مبرّرة إلى المشهد، لا يخدمان أي سياق ولا يُنقذان الموقف من تشتُّته.

لا يرسو المسلسل على هويّة دراميّة ما ينعكس تشتّتاً في القصة وضياعاً للمُشاهد (نتفليكس)

تقول منتجة العمل كاثلين جوردان إنّ ما أوحى لها به كان ما سمعته من المشاهير والأثرياء، خلال فترة الحجر المنزليّ في ظلّ جائحة كورونا عام 2020، عندما عبّروا عن كمّية الضيق والإحباط التي يعانون منها رغم أنهم محتجزون خلف القضبان الذهبية لقصورهم وفيلاتهم الفخمة.

أرادت جوردان التعامل مع حالة عدم الرضا البشريّة تلك، من خلال قصة مشابهة دارت في القرون الوسطى. من الواضح أنها بذلت مجهوداً كوميدياً، واضعةً الشخصيات في مواقف كان الهدف منها إثارة الضحك أو على الأقل الابتسام، لكنها لم تُفلح.

المجهود الكوميدي الذي وُضع في النص والأداء غالباً ما يذهب سُدىً (نتفليكس)

يتجاور الأسياد والخدم في القصر المعزول، فتتداخل المراتب وتختفي الطبقيّة في معظم الأحيان ليتحكّم الخدَم بمصير المكان والأفراد. بغضّ النظر عن الطبقات الاجتماعية والقدرات الماليّة، تنشأ بين البعض قصص إعجاب وحبّ، كما يُصبح أمان الأسياد الصحّي والعاطفيّ رهنَ موظّفيهم. معاً، يتّحدون ضد المخاطر الخارجيّة الداهمة، مثل الجائحة والعصابات الطامعة بالسلطة وبالقصر وما فيه. في المقابل، تنشأ صراعاتٌ خفيّة بينهم لتتجسّدَ مؤامراتٍ ومساعٍ للاستيلاء على القصر.

يبلغ العنف أقصاه في بعض المشاهد، كأن يضحك الجميع بعد قتل موسيقيٍّ كان يرفّه عنهم عن طريق الخطأ. لكن حتى العنف والدمويّة في المسلسل نافران ويبدوان في غير مكانهما، وكأنّ كل ما ينقصهما هو عنصر الإقناع.

تنقلب الشخصيات على بعضها البعض سعياً وراء السلطة والقصر (نتفليكس)

مؤخراً، فُتحت شهيّة مشاهدي المنصات على المسلسلات التي تقوم حبكتها على حكايات الأسياد والخدَم، أكانت القصة تاريخيّة أم عصريّة. وأكبر دليل على ذلك، النجاح الكبير الذي حقّقه مسلسل HBO «اللوتس الأبيض» (The White Lotus)، حيث تواجد الأبطال كذلك في إجازة وكانوا محاطين بخدمهم الساهرين على راحتهم.

ما حاولت «نتفليكس» والمنتجة كاثلين جوردان فعلَه هو استعادة هذه السرديّة المحبوبة، مركّزةً على مساوئ النفس البشريّة ونقاط ضعفها أمام الموت الداهم والأطماع المادّيّة.

في أفضل حالاته، يلتقط المسلسل تلك المشاعر الإنسانية الصاخبة والمتضاربة التي تبلغ ذروتها أمام المخاطر والمصالح الخاصة، لكنّه يغرق في رتابة وتطويل لا يعرف الخروج منهما. الأمر الذي لا يجعل من «ذا ديكاميرون» أفضل أعمال «نتفليكس» الأصليّة لصيف 2024.