لأول مرة يبرز في لبنان اسم قائدة أوركسترا فيلهارمونية؛ فياسمينا صبّاح تقف على المسرح وتطلق صفارة الإنذار لبدء العرض.
تمسك صبّاح بالعصا وتعد واحد.. اثنان.. وثلاثة.. معلنة انطلاق الرحلة الموسيقية. أحدث حفل أحيته كان في الجامعة الأميركية بالعاصمة بيروت. وقبله قدمت حفلات في جامعات لبنانية أخرى وفي مراكز ثقافية خارج لبنان. كما شاركت في «إكسبو دبي 2020» حين قادت أوركسترا «فردوس» المؤلفة من نساء عازفات حصراً.
فما هي طبيعة مشاعرها عندما قامت بمهمتها لأول مرة؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «امتلكني شعور جميل جداً. فالموسيقي يمضي أشهراً في درس المقطوعة ليتمكن من عزفها، ويتخيّل المشهدية ويصدح صوت الموسيقى فقط في مخيلته. ولكن عندما وقفت على المسرح وخرج صوت الآلات على أرض الواقع تأثرت. فكل ما حضّرت وعملت له في الخيال، أصبح حقيقة بلحظات. كان الأمر رائعاً ولا يمكنني أن أنساه».
«حقيقة لم أخطط لقيادة أوركسترا، فكل شيء حدث على التوالي. وشعرت بأن دعوتي في الحياة أن أكون قائدة أوركسترا. شعور انتابني مذ كنت صغيرة. هناك شيء ما تحرك داخلي، ناداني ولبيت النداء من دون تردد».
المايسترا ياسمينا صبّاح
تخصّصت ياسمينا بدايةً في التصميم الغرافيكي، ودرست الموسيقى بموازاته. شغفها للجوقات الموسيقية وللموسيقى الكلاسيكيّة دفعها للسفر إلى المملكة المتّحدة، حيث تخصّصت في إدارة الجوقات الموسيقيّة في جامعة كامبريدج. عادت بعد تخرّجها إلى لبنان وقررت تقديم الموسيقى الكلاسيكيّة وتعريفها إلى العامّة.
«حقيقة لم أخطط لقيادة أوركسترا، فكل شيء حدث على التوالي. وشعرت بأن دعوتي في الحياة أن أكون قائدة أوركسترا. شعور انتابني مذ كنت صغيرة. هناك شيء ما تحرك داخلي، ناداني ولبيت النداء من دون تردد».
بداياتها مع القيادة استهلتها مع جوقات الكورال بمعية الأطفال والمراهقين. واكتشفت أنها تحب هذا النوع من القيادة. «أردت أن أطور من نفسي وبعد دراستي في كامبردج رحت أؤسس فرقتي. كنت أحلم بقيادة حفل من ألفه حتى يائه. وكنت أتولى برمجة الحفل والموسيقى وتحديد التمرينات وصولاً إلى موعد العرض». تقول ياسمينا إن والدتها وهي أستاذة موسيقى في مدرسة «إنترناشيونال كولدج» في بيروت ساندتها. «كانت إلى جانبي تشجعني وتحفّزني على الانخراط في عالم الموسيقى. وربتني في أجواء لا تفرق بين الرجل والمرأة، لأكتشف بعد ذلك أن الأمر هذا لا يشبه الواقع في لبنان، فالتعامل بين الجنسين على الأرض مختلف تماماً، والكلمة الأولى والأخيرة للرجل».
حقائق
23 عازفة
تفتخر بقيادة أوركسترا «فردوس» معهنّ في «إكسبو دبي»، وهنّ من مختلف الدول العربية.
تحيي ياسمينا سنوياً نحو 6 حفلات موسيقية بين لبنان وخارجه. وتفتخر بقيادتها أوركسترا «فردوس» في «إكسبو دبي» المؤلفة من 23 عازفة من مختلف الدول العربية. «لقد وجدنا مشقة لإيجاد نساء في عالمنا العربي يعزفن على آلات معينة كالترومبيت والترومبون».
تهدف ياسمينا صبّاح إلى توسيع انتشار فريقها، بحيث تقيم الحفلات الموسيقية مع أوركسترا أجنبية وعربية ومحلية. ولكن ما الذي يميزها بصفتها امرأة تقود أوركسترا؟ توضح: «لكل من الجنسين أسلوبه في التعاطي مع قيادة أوركسترا عامة. أحياناً نلمس عند المايسترو أو (المايسترا) القوة، ومرات أخرى النعومة والسلاسة. فلا أحب التعميم في هذا الموضوع، أو أن أحصر الأساليب بواحد فقط، فلكل امرأة أو رجل شخصيته في هذا المضمار. وبالنسبة لي فمشاعري هي التي تلعب الدور الأبرز في قيادتي الأوركسترا. فأغوص فيها ويصبح أدائي مرتبطاً بها».
لم تتأثر المايسترا ياسمينا بموسيقيين معينين، فهي تحب الاستماع إلى الجميع. ولكنها تميل أكثر نحو الموسيقى «المودرن»، كذلك إلى الكلاسيكية. تهوى تطوير كل صوت جديد ترغب في إبرازه بموسيقاها.
صحيح أن ياسمينا متخصصة بموسيقى «الوسترن»، بيد أن العربية منها تسكنها لا شعورياً. وتتابع: «أحب الدّمج بين النوعين ليولد هذا الصوت الذي يسترعي انتباهنا تلقائياً». وعن أكثر الآلات العربية التي تلفتها في عمليات الدمج مع الموسيقى الغربية تقول: «أحب آلة القانون كثيراً، فهي تستحدث مزيجاً ينعكس إيجاباً».
وعمّا إذا لا تزال المرأة بعيدة إلى حد ما عن تسلم مهام قيادة أوركسترا ترد: «لا أرى الساحة من هذا المنظار بالذات. ولكن في الفترة الأخيرة زاد عدد النساء القائدات لأوركسترا. وأنا شخصياً معجبة بالمايسترا الكندية باربرا هانيغان، وتلفتني حريتها في التعبير. ومن الرجال أستمتع بقيادة البريطاني جون إليوت غاردنر وله أسلوبه الخاص في إدارة الأوركسترا».
وللغد أحلامه عند ياسمينا: «أتمنى أن أحقق أحلامي خصوصاً أني أحب العمل على (ريبيرتوارات) مختلفة. كما أني أشجع المواهب اللبنانية وأطمح لمشاركتها معي في حفلات عالمية. ليتعرف العالم على هذه القدرات الكبيرة التي نتمتع بها في مجال الفنون الموسيقية».