موجة الحر في جنوب الولايات المتحدة تحوّل السجون إلى «جحيم»

نزلاء لدى سجن «رايكرز آيلاند» الأميركي في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)
نزلاء لدى سجن «رايكرز آيلاند» الأميركي في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)
TT

موجة الحر في جنوب الولايات المتحدة تحوّل السجون إلى «جحيم»

نزلاء لدى سجن «رايكرز آيلاند» الأميركي في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)
نزلاء لدى سجن «رايكرز آيلاند» الأميركي في نيويورك (أرشيفية - أ.ب)

في الرابع من يوليو (تموز)، وفي حين كانت الولايات المتحدة تحتفل بعيد استقلالها بإطلاق المفرقعات في مختلف أنحاء البلاد، فقَد جوزف مارتاير الوعي داخل زنزانته في تكساس، على أثر تعرضه لوعكة صحية جراء القيظ الذي يحوّل السجون إلى ما يشبه «الجحيم».

في هذه المؤسسات ذات الجدران المشيدة من الخرسانة والطوب والفولاذ، يدخل الهواء، بواسطة مراوح صناعية كبيرة، من دون أي مكيفات في أكثر الأحيان. وعندما تتجاوز الحرارة 40 درجة مئوية، يمكن أن يكون الحر أقوى في الداخل.

الوضع بائس لدرجة أن بعض السجناء يتعمدون سدّ المراحيض لكي تفيض، ليتمكنوا من النوم على الأرض المبللة طلباً لبعض الانتعاش، وفق سجناء حاليين وسابقين وأقارب لهم قابلتهم «وكالة فرنس برس».

وقد أصيب جوزف مارتاير (35 عاماً) بـ4 أمراض مرتبطة بالحرارة في أسابيع قليلة. وقال لعائلته التي اتصل بها عبر الهاتف من سجن إستل في هانتسفيل بولاية تكساس، حيث يقبع منذ 16 عاماً: «لقد فقدتُ الوعي، لكن لم يأتِ أحد لإنقاذي».

واتصل أقاربه بإدارة السجن لطلب المساعدة. ووفق مارتاير، في حال حدوث مشكلة، يعتمد السجناء على تضامن السجناء الآخرين، الذين يصرخون لجذب انتباه الحراس؛ لأن السجن يعاني نقصاً في العاملين.

ثم نُقل إلى منطقة إدارية في السجن فيها مكيفات للهواء، يسميها السجناء ركن «الراحة»، ويحاول مارتاير دائماً البقاء في هذه النقطة لأطول فترة ممكنة. وقال لعائلته: «لديَّ مشكلات صحية بسبب الحرارة، ولا أريد أن أضيف المزيد إليها».

وتقول أميته دومينيك، رئيسة «منظمة الدفاع عن سجناء تكساس (TPCA)»، إن «ما يختبره هؤلاء السجناء أشبه بالاحتجاز داخل مقصورة الركاب في سيارة تحت حرارة 40 درجة مئوية، ومحاولة تخفيف وطأة الحر من خلال فتح النافذة قليلاً، أو استخدام مجفف الشعر للحصول على القليل من الهواء».

ووفق صحيفة «تكساس تريبيون»، تُوفي ما لا يقل عن 9 أشخاص في يونيو (حزيران) في سجون هذه الولاية، بسبب نوبات قلبية أو لأسباب غير معروفة قد تكون مرتبطة بالحرارة.

وتؤكد الناطقة باسم إدارة سجون تكساس أماندا هيرنانديز أن آخِر حالة وفاة ناجمة عن الحرارة تعود إلى عام 2012. ومع ذلك فهي تؤكد أن 7 وعكات صحية في يونيو (حزيران) تطلبت تدخلاً طبياً، بخلاف الإسعافات الأولية.

تدير هذه الإدارة سجوناً يُحتجز فيها 126 ألف شخص. ووفق بياناتها، فإن 32 سجيناً تُوفوا في يونيو (حزيران) لأسباب لا علاقة لها بالطقس.

لكن أميته دومينيك تعترض على هذه الرواية، وتقول: «الطبيب الشرعي يسجل الوفيات عموماً على أنها ناجمة عن سكتة قلبية»، وهي من الأعراض المرتبطة، وفق قولها، بضربة الشمس. وتلفت دومينيك إلى أن السجون «لا تتمتع بتهوية جيدة»، وأنه «إذا نجا السجناء من الموت، فإنهم سيُصابون حتماً بالجنون».

ويبدو أن الوضع ليس في طريقه إلى التحسن، فقد توقع تقرير نشرته عام 2022 منظمة «كلايمت سنترال» المناخية غير الحكومية، أنه بسبب تغير المناخ، ستسجل تكساس في عام 2050 ما معدله 115 يوماً من الحر «الخطير أو الخطير جداً»، مع حرارة تصل إلى أو تتجاوز 39.4 درجة مئوية (103 درجات فهرنهايت)، مقارنة بنحو 60 يوماً حالياً.

أمضى شون آدامز (36 عاماً) محكوميته في سجن آخر بتكساس، هو سجن كليمنس الذي يُشبّه بـ«الجحيم». في هذه المنشأة ذات «الطوب الأحمر المستخدم في الأفران»، وفق آدامز، عندما تكون الحرارة الخارجية عند مستوى 38 درجة مئوية، فهذا يعني أنها ستكون أعلى بـ10 درجات في الداخل. وتؤكد إدارة السجون أن الزنازين بها ثلج وماء، وأن السجناء يمكن أن يستريحوا في أماكن مكيّفة.

تقول سامانثا، وهي والدة سجينة تبلغ 25 عاماً تفضل عدم كشف اسمها، من جانبها، إنه في يونيو (حزيران)، أودت موجة الحر بـ3 نساء في سجن لين موراي، حيث تقبع ابنتها. وتصف الوضع في السجن بأنه «غير إنساني».

وتوضح ميشيل ليفلي، وهي خطيبة شون ماكماهون (49 عاماً) المسجون في سجن واين، إن «بعض (السجناء) يُحاكَمون على جرائم بسيطة مثل المخدرات، لكنهم في الواقع محكومون بالإعدام؛ لأنهم لا يتحملون الحرارة».

ويشتكي الموظفون، وهم بأعداد غير كافية في السجن، من تدهور ظروف العمل بسبب موجات الحر هذه، متحدثين عن قيامهم بجولات وسط حرارة تتخطى 43 درجة مئوية، يُضطرون خلالها إلى أن يرتدوا سترات واقية من الرصاص، في مواجهة السجناء الغاضبين من الحرارة.

ووفق أميته دومينيك، قُدمت مشروعات قوانين لجعل تكييف الهواء إلزامياً في السجون، لكن الأغلبية المحافظة في مجلس شيوخ ولاية تكساس رفضت ذلك باستمرار.


مقالات ذات صلة

منظمتان غير حكوميتين تقاضيان الاتحاد الأوروبي بسبب أهدافه البيئية

بيئة من أمام مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (رويترز)

منظمتان غير حكوميتين تقاضيان الاتحاد الأوروبي بسبب أهدافه البيئية

قررت منظمتان بيئيتان رفع دعوى قضائية ضد المفوضية الأوروبية لأنها حددت أهدافاً مناخية «غير كافية» للدول الأعضاء في انتهاك لالتزاماتها بموجب اتفاق باريس المناخي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
الاقتصاد زرعت «البحر الأحمر» أكثر من 5 ملايين نبتة و600 ألف شتلة مانغروف (من الشركة)

«البحر الأحمر الدولية»: نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق فائدة بيئية صافية بـ30 % بحلول عام 2040

أعلنت «البحر الأحمر الدولية» أنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في تحقيق فائدة بيئية صافية بنسبة 30 في المائة بحلول عام 2040.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
بيئة قارب صيد يبحر بجوار جبل جليدي كبير عند مصب مضيق ياكوبشافنز الجليدي بالقرب من إيلوليسات في غرينلاند في 15 مايو 2007 (رويترز)

دراسة: غرينلاند كانت خالية من الجليد في الماضي القريب

قدمت دراسة جديدة أوضح دليل حتى اليوم على أن غرينلاند كانت خالية من الجليد إلى حد كبير على مدى السنوات المليون الماضية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الإنارة تُنغّص «موائد» الحشرات (شاترستوك)

إنارة الشوارع ليلاً تُبطل تلذُّذ الحشرات بأكل أوراق الشجر

خلُص علماء إلى اعتقاد مفاده أنّ الضوء الاصطناعي قد يؤثر في البيئة الطبيعية للحياة النباتية عبر خَلْق عملية التمثيل الضوئي على مدار فترة ممتدّة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
بيئة الأمواج تتكسر على ساحل بلدة سانشا مع اقتراب الإعصار جايمي في نينغدي بمقاطعة فوجيان - الصين - 25 يوليو 2024 (رويترز)

تغير المناخ يسبب تغييرات في أنماط هطول الأمطار وأعاصير أكثر شدة

قال علماء في بحث نُشر اليوم الجمعة إن تغير المناخ يُحدث تغييرات في أنماط هطول الأمطار حول العالم، وهو ما قد ينجم عنه أيضاً اشتداد قوة الأعاصير والعواصف المدارية

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)

العلماء يصنعون الكاكاو في مختبر لتلبية الطلب العالمي للشوكولاته

قطعة من الشوكولاته في المعمل (أ.ب)
قطعة من الشوكولاته في المعمل (أ.ب)
TT

العلماء يصنعون الكاكاو في مختبر لتلبية الطلب العالمي للشوكولاته

قطعة من الشوكولاته في المعمل (أ.ب)
قطعة من الشوكولاته في المعمل (أ.ب)

يعمل العلماء ورواد الأعمال على استكشاف طرق لإنتاج مزيد من الكاكاو، أو تطوير بدائل الكاكاو؛ إذ يؤثر تغيُّر المناخ على الغابات التي تنمو فيها حبوب الكاكاو، ما يضع الشوكولاته في خطر، وفق صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.

وتقوم شركة «كاليفورنيا كالتشرد»، وهي شركة تعمل في مجال زراعة خلايا النبات، بزراعة الكاكاو من خلايا الأنسجة في منشأة في ويست ساكرامنتو، بكاليفورنيا، وتتبنى خططاً لبدء بيع منتجاتها خلال العام المقبل. وتضع الشركة خلايا حبوب الكاكاو داخل حوض يحتوي على ماء به سكر حتى تتكاثر بسرعة، وتصل إلى مرحلة النضج في غضون أسبوع واحد بدلاً من 6 إلى 8 أشهر يستغرقها المحصول التقليدي، وفق آلان بيرلستاين، الرئيس التنفيذي للشركة. كذلك لم تعد تتطلب هذه العملية كثيراً من المياه أو العمل الشاق.

وقال بيرلستاين: «نرى أن الطلب على الشوكولاته يفوق ما سيكون متاحاً ومتوفراً بدرجة كبيرة. في الحقيقة، لا نرى أي وسيلة أخرى يمكن للعالم من خلالها زيادة المعروض من الكاكاو بشكل كبير، أو الاحتفاظ به عند مستويات معقولة دون إحداث تدهور بيئي واسع النطاق، أو تكلفة إضافية كبيرة».

يذكر أن أشجار الكاكاو تنمو في درجة حرارة 20 درجة مئوية شمال وجنوب خط الاستواء في المناطق ذات الطقس الدافئ والأمطار الغزيرة، بما في ذلك غرب أفريقيا وأميركا الجنوبية. ومن المتوقع أن يؤدي التغيُّر المناخي إلى جفاف الأرض في ظل الحرارة المتزايدة. لذلك، ابتكر العلماء ورواد الأعمال ومحبو الشوكولاته أساليب لزراعة الكاكاو، وجعل المحصول أكثر مرونة وأكثر مقاومة للآفات، إضافة إلى ابتكار بدائل شوكولاته لذيذة ذات نكهة شبيهة بنكهة الكاكاو، لتلبية الطلب المتزايد.