مسرح «دوار الشمس» يغلق أبوابه... والحريق أتى على ذاكرته

النيران التهمت الطابق الأرضي وغطّى السواد الخشبة

مسرح «دوار الشمس» متوهجاً بالضوء والزوار (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)
مسرح «دوار الشمس» متوهجاً بالضوء والزوار (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)
TT

مسرح «دوار الشمس» يغلق أبوابه... والحريق أتى على ذاكرته

مسرح «دوار الشمس» متوهجاً بالضوء والزوار (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)
مسرح «دوار الشمس» متوهجاً بالضوء والزوار (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)

خبر أليم، هو احتراق مسرح «دوار الشمس» في منطقة الطيونة في بيروت، ولكن على قدر الألم هو الأمل في أن «كل شيء سيعود قريباً إلى ما كان عليه»، كما قالت لـ«الشرق الأوسط» الممثلة المعروفة برناديت حديب، رئيسة «جمعية شمس لشباب المسرح والسينما»، الجهة التي تعمل على إدارة هذا المركز الثقافي الحيوي الناشط على مدار السنة.

عند السادسة والنصف صباح فجر اليوم (الخميس)، شعر الجيران بالدخان يتصاعد من المبنى فاتصلوا بالمسؤولين عن المسرح والدفاع المدني الذي تدخّل سريعاً لإطفاء الحريق والحد من الخسائر.

والمبنى مكون من طابقين، الأرضي فيه المدخل، حيث يستقبل الجمهور، والكافتيريا والمكتبة وشباك التذاكر، ثم طابق سفلي فيه قاعة المسرح الرئيسية بخشبتها ومقاعدها المخملية الحمراء وملحقاتها الفنية والعملية.

وقد أتت النيران على الطابق الأرضي برمته بجميع محتوياته. وقالت الممثلة المسرحية حنان الحاج علي لـ«الشرق الأوسط»، وهي من المؤسسين وعضو في الجمعية العمومية للمسرح: «ما فقدناه اليوم في هذا الحريق، هي الذاكرة. في هذا الطابق الذي أتت عليه النيران كل الملصقات القديمة التي رافقت المسرحيات المعروضة، والمقالات التي كُتبت، والوثائق التي جُمعت، منذ افتتحنا المسرح. حقاً هذا ما نحزن عليه، ونأسف لفقدانه، لكننا في الوقت نفسه نشعر بالارتياح لأن الأضرار اقتصرت على الماديات، ولم يُصَب أي أحد بأي أذى ولا حتى ناطور المبنى». تعتقد حنان الحاج علي أن الأمر كان يمكن أن يكون غاية في السوء لو أن الحريق اندلع في أثناء أحد العروض وحاصر الجمهور في المسرح. ذاك أمر لا يمكن تصوره.

ملصقات المسرحيات التي عُرضت في مسرح «دوار الشمس» أغلى ما احترق (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)

وتشرح حديب: «صحيح أن الحريق توقف عند الطابق الأول، لكنّ اللهب والشحتار أتى أيضاً على الطابق السفلي بالتخريب. ثمة أضرار بالمعدات الفنية ومقاعد المسرح جميعها اتّسخت بالسواد. بمعنى آخر المسرح بحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل وإن على مستويات مختلفة بطابقيه».

ومنذ علم محبو «دوار الشمس» بما حلّ به وهم يتصلون ويساندون، ويسألون عما بمقدورهم فعله. «بالطبع نحن بحاجة لمساندة الجميع»، تقول حديب، «لكننا لا نزال تحت تأثير الصدمة، ونحن أنفسنا لا نعرف ما نستطيع أن نفعله».

سيلتقط الفنانون المؤسسون، وعلى رأسهم المسرحي الكبير روجيه عساف، وكذلك هناك المسرحي المخرج كريم دكروب، والمسرحي عصام بوخالد، والممثل محمد أبو سمرا وآخرون، أنفاسهم، ليروا كيف سيتدبرون أمرهم. بعد أيام تكون نتائج التحقيقات قد اتضحت، علماً بأن الرأي الغالب لدى الجميع أن ماساً كهربائياً هو الذي تسبب في كل هذا الخراب. وهو ما يوجه أصابع الاتهام إلى إدارة غاية في السوء لقطاع الكهرباء في لبنان.

فقد أكد جيران المسرح أن التيار الكهربائي كان متذبذباً يعلو ويخفت طوال ساعات الفجر، مما حدا ببعضهم إلى فصل معداتهم الكهربائية عن التيار كي لا يتسبب باحتراقها وتلفها. لكنّ المسرح لم يكن فيه من يتخذ إجراء من هذا النوع في ساعات الفجر الأولى، ويبدو أن هذا الخلل الكهربائي تسبب باندلاع الحريق.

وتأسف حنان الحاج علي، لأن التحديات التي تواجهها المسارح، والمؤسسات الثقافية عموماً، كبيرة جداً: «لم يكن ينقصنا هذا الحادث، بعد الإغلاق القسري بسبب الوباء والأزمة الاقتصادية، والمشكلات الأخرى. مهما كانت الأضرار طفيفة وتكاليفها قليلة، فهي مؤذية وتفرمل نشاطنا».

وكان المسرح قد اعتذر من جمهوره وكذلك من الذين برمج مسرحياتهم للفترة المقبلة. فقد كان الأطفال على موعد مع مسرح الدمى اللبناني، خلال عطلتهم الصيفية من 23 هذا الشهر حتى 23 أغسطس (آب). كذلك كان طلاب الجامعة اللبنانية قد حجزوا صالة المسرح لتقديم مشاريع تخرجهم على خشبته، وهناك عروض لجمعيات متعددة. «كل هؤلاء عليهم أن يجدوا بدائل لتقديم عروضهم»، حسب حديب، «لكننا متفائلون، وسنفتح أبوابنا بعد فترة قريبة، والمسرح لن يغلَق».

المخرج والممثل روجيه عساف يلعب على خشبة «دوار الشمس» (صفحة «مركز دوار الشمس» على «فيسبوك»)

ولعب مسرح «دوار الشمس» دوراً محورياً منذ افتتاحه عام 2005، حيث كان أشبه بخرابة متروكة، وجرى تأهيله بجهود جمعية شمس، وارتبط اسمه بالمخرج والممثل الشهير روجيه عساف، الذي قدّم فيه من يومها أجمل أعماله واستقطب نخبة من الأعمال المسرحية، وفيه أُقيم «مهرجان الربيع» لسنوات طويلة بأنشطته المختلفة وعُقدت الندوات، وكذلك شهد مئات العروض المسرحية للأطفال، واستقبل نجوماً مسرحيين عرباً على خشبته.

ولهذا المسرح أهمية كبرى، لأنه افتُتح بعد إغلاق «مسرح بيروت» بتاريخه العريق، ولحظة إقفال لـ«مسرح المدينة» في كليمنصو وانتقاله إلى مبنى جديد. بدا حينها أن المسارح في بيروت، تقلصت، وأن مساحة العرض ضاقت على الفنانين.

مسرح «دوار الشمس» في منطقة الطيونة، في هذا المكان الحساس الذي يشكل ما يشبه خط تماسٍّ بين طوائف وفئات وتيارات، قررت «جمعية شمس» أن تستكمل نشاطها الذي بدأته في «مسرح بيروت».

وكتب المخرج كريم دكروب الذي شارك في التأسيس، على صفحته على «فيسبوك» العام الماضي، قائلاً إن هذا المشروع أبعد عنه شبح الهجرة. وأكمل دكروب: «خلال 17 سنة من عمره، صمد المسرح أمام التحديات: حرب 2006، والأزمة الاقتصادية، وحوادث السرقة، وحروب الطيونة المتنوّعة، والتوقّف القسري بسبب الجائحة، وانفجار المرفأ، والشح في التمويل في فترات متعددة». طوال هذه الفترة، لا يخفي دكروب أنّ مشروع الهجرة لم يغب عن باله. «لكن بعد كل أزمة في لبنان، كنت أُفاجأ بالحجم المتزايد للجمهور الذي يأتي لحضور أعمال مسرح الدمى، كأنّ الناس يلجأون إلى المسرح مع أولادهم بحثاً عن توازن نفسي في مواجهة الأزمات. وفي لحظات كثيرة كانت عيناي تدمعان وأقول لنفسي: هناك ما يستحقّ البقاء».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.