فنون تجسّد مناسك الحج ورحلة المُلبين

فنانون سعوديون يستلهمون شعائر الركن الخامس

لوحة للفنان فهد خليف
لوحة للفنان فهد خليف
TT

فنون تجسّد مناسك الحج ورحلة المُلبين

لوحة للفنان فهد خليف
لوحة للفنان فهد خليف

جموع الحجيج، وأصوات التلبية، والشعائر الروحانية... جميعها معانٍ تُلهم الفنان ليتغذى منها في إنتاجه الفني، ومن ذلك التشكيلي السعودي فهد خليف الذي اشتغل كثيراً على مضامين رحلة الحج والطواف في لوحاته، وبسؤاله عن ذلك يقول: «الفن هو تعبير ذاتي لنتاج خبرة جمالية أو مجموعة من الخبرات الجمالية والمعرفية والمهارية، التي تكون متعددة المصادر في أزمنة مختلفة، لذلك فإن المبدأ في الفن هو كيف ترى... وليس ماذا ترى».

لوحة للفنان فهد خليف

حركة الحجيج

يتابع خليف حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «نظرة الفنان عميقة ومتعددة الزوايا والاتجاهات، تبحث في مكامن الجمال أينما وُجد، فقد نرى الجمال في حركة الحجيج، وذلك الدوران حول الكعبة المشرفة مع التلبيات والابتهالات والأدعية التي تجعلنا نحلّق في مفهوم الذات».

ومن هنا، يرى خليف إمكانية اختيار الأسلوب الأمثل في الممارسة الإبداعية بما يخلّد تلك اللحظات، مضيفاً: «عند الحديث عن اختيار الاتجاه الفني لتنفيذ العمل الإبداعي الذي أنتهجه، فهو الأسلوب التعبيري الرمزي بألوان متجانسة من البيئة المحيطة، وبدرجات لونية مختارة بعناية لها الأثر البالغ في التأثير على السلوك الإنساني بالنسبة للمتلقي».

رحلة الحج

وبسؤاله عن دافع الاهتمام بتجسيد رحلة الحج والعمرة في أعماله، يجيب: «لعل الانتماء والهوية هو الخطاب الأمثل للفنان على ما يعانيه العالم من أزمة الهوية، بعدما أصبح العالم قرية صغيرة واحدة في ظل انتشار العولمة، كما أن الفن قيمة جمالية عالمية تسود العالم بأسره في مفردات ورموز محددة، ولكن حالة الحج والعمرة فريدة بزمانها ومكانها وخصوصيتها».

ومن اللافت في لوحات خليف أنها تركز على الكثافة العمرانية لمكة المكرمة، بالتزامن مع حشود الحجاج والمعتمرين. عن رمزية ذلك يردف: «يُقال إن العمارة أم الفنون، ولعل استلهامي لتلك المفردات البنائية للعمارة المحلية هو هاجس يتنامى فكرياً ومعرفياً ومهنياً مع كل موروث يسرد قصصه وحكاياته في لوحات بانورامية مفتوحة الجوانب، ذات امتداد طولي وعرضي لا نهائي، وليست مجرد خطوط مستقيمة وزوايا متوازية ومتقاطعة، ولا مساحات لونية متراكبة فوق بعضها، بل هي منطقة تناقلات زمانية تحقق أكثر من زمن واحد بالعمل من أمام المشهد وخلفه وأعلاه وأسفله وجانبيه في مناطقية بيئية محددة».

ويؤكد التشكيلي السعودي فهد خليف أنه يرمي من خلال هذه التكوينات والألوان إلى تحقيق مفهوم الإثراء في العمل بوصفه مجنساً دلالياً وتعبيرياً ذاتياً يحمل دلالات نفسية وحسية، وانتماء للمكان بوصفه مقصداً لما يحققه ذلك المكان من الشعور بالارتياح وتفريغ ضغوط الحياة وانشغالاتها، كما يقول.

«على الفطرة»

أما الفنان السعودي سعد الهويدي، فيحمل رؤية فلسفية عميقة تجاه رحلة الطواف حول الكعبة المشرفة، مع الإشارة إلى أن الطواف هو من أركان الحج الأساسية، وترجم الهويدي رؤيته هذه في عمله البديع الذي سمّاه «على الفطرة»، وتبدو فيه الكعبة مكعباً مضيئاً، تحيط بها خطوط أشبه ببصمة الإصبع؛ للتعبير عن الأثر الذي يحفره الطواف داخل مرتاديه.

إذ يبحث هذا العمل الفني في دور وتأثير بصمة الإنسان، فهي سمة فيزيائية وبيولوجية تستخدم في تحديد الهوية، باعتبار أن بصمة الإصبع تعدّ رمزاً لحاجة الإنسان الملحة لترك أثر وجوده. لذلك يأتي هذا العمل الفني شعاعاً رأسياً يدل على الطاقة الكامنة داخل الإنسان وتأثيرها المحتمل. ويوحي شعاع الضوء بالاتصال بالكون من خلال العبادة الدينية، والأنشطة التأملية التي تنير الروح والعقل، وترسل الطاقة إلى أماكن أبعد من هذا المستوى الأرضي، وتُمكّن الإنسان من تجاوز حضوره المادي وبصمات أصابعه.

وبحسب الفنان الهويدي، فإن هذا العمل الذي شارك به في مهرجان «نور الرياض 2022»، يعكس «أثر الإنسان وطاقته الكامنة بداخله - كضوء مرشد نحو الفطرة البشرية - تظهر وتُترجم في أشكال اتصاله بالكون الأكبر، تضيء روحه وعقله مرسلة طاقته إلى أماكن أبعد من المساحات الأرضية».

عمل الفنان سعد الهويدي «على الفطرة»

«المغناطيسية»

ولا يمكن الحديث عن فلسفة الطواف دون التطرق للعمل الشهير «المغناطيسية»، وهو من أبرز أعمال الفنان السعودي أحمد ماطر، إذ يحاكي جاذبية الكعبة لجموع الطائفين من حولها، وكأنها تجذبهم إليها كما يجذب المغناطيس برادة الحديد، وهو وصف بحث حوله الفنان ليجد أنه يعبر عن شعور الطائفين تجاه الكعبة، ومن هنا وُلدت فكرة تصوير الكعبة بالمغناطيس.

ويلخص هذا العمل الذي يأتي بلوحة ثلاثية الأبعاد، روحانية بيت الله الحرام الفسيح باللون الأبيض النقي، وهو الموقع الذي يشد كل مسلمي العالم نحوه بما يفوق قوة الجذب المغناطيسي، وهي الفلسفة التي يقوم عليها عمل ماطر الذي يعد من الفنانين المهتمين بالأعمال المفاهيمية، حيث عُرضت أعماله في معارض عالمية عدة، وكان لها صدى كبير.


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
TT

المتحف المصري الكبير يحتفي بالفنون التراثية والحِرف اليدوية

المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)
المتحف المصري الكبير يضم آلافاً من القطع الأثرية (الشرق الأوسط)

في إطار التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير بالجيزة (غرب القاهرة) أقيمت فعالية «تأثير الإبداع» التي تضمنت احتفاءً بالفنون التراثية والحِرف اليدوية وتاريخها الممتد في عمق الحضارة المصرية.

واستهدفت الفعالية التي نُظمت، الأحد، بالتعاون بين مؤسسة «دروسوس» وجمعية «نهضة المحروسة» تسليط الضوء على الدور الذي يلعبه الإبداع في مجالات التراث والفنون والحِرف اليدوية، في الاحتفاظ بسمات حضارية قديمة، كما تستهدف تعزيز دور الصناعات الإبداعية باعتبارها رافداً أساسياً للتنمية على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وكذلك إبراز أهمية الابتكار والإبداع في مختلف المجالات.

وأكد الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، أن «هذه الفعالية تعزز روح التعاون والرؤية المشتركة وتشجيع التبادل الثقافي»، لافتاً في كلمة خلال الاحتفالية إلى أن «المتحف المصري الكبير ليس متحفاً تقليدياً، وإنما هو مُجمع ثقافي يحتفي بالتاريخ والثقافة المصرية ويشجِّع على الإبداع والابتكار الذي يرتكز على الماضي لينطلق نحو مستقبل أكثر إشراقاً وتطوراً».

الحِرف اليدوية تحمل طابعاً تراثياً (وزارة السياحة والآثار)

وأوضح غنيم في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «المتحف عبارة عن منارة ثقافية هدفها ليس فقط عرض الآثار، لكن أيضاً عرض التراث المصري سواء المادي أو غير المادي، وربطها بالحضارة المصرية القديمة وعبر عصور مختلفة وصولاً إلى العصر الحديث».

وتضمنت الفعالية جولة بالمتحف تمت خلالها زيارة البهو، حيث تمثال الملك رمسيس، والدَّرَج العظيم، وقاعات العرض الرئيسة، وكذلك المعرض الخاص بالفعالية، كما اختتمت فرقة «فابريكا» الفعالية، حيث قدَّمَت أوبريت «الليلة الكبيرة»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

ويضيف الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف أن «الجمعيات الأهلية أو الجهات المتخصصة والمعنية بالتراث نحاول أن نعرضها في المتحف بشكل لائق ومشجع لمن يقومون على هذه الحِرف والفنون».

جانب من فعالية «تأثير الإبداع» للفنون التراثية والحِرف اليدوية (وزارة السياحة والآثار)

وأشار إلى أن الفعالية تضمنت عرض مجموعات من الخزف وكذلك فنون على الأقمشة والأعمال الخاصة بالخشب وأعمال متنوعة في المجالات كافة.

ويعدّ المتحف المصري الكبير من أهم المتاحف المصرية المنتظر افتتاحها، ووصفه رئيس الوزراء المصري في تصريحات سابقة بأنه سيكون «هدية مصر للعالم»، ويقع المتحف على مساحة 117 فداناً، ضمن مشهد مفتوح على منطقة الأهرامات الثلاثة، وتُعوّل مصر عليه كثيراً في تنشيط الحركة السياحية، ومن المنتظر أن يشهد عرض المجموعة الكاملة لآثار الفرعون الذهبي توت عنخ آمون التي يتجاوز عددها 5 آلاف قطعة لدى افتتاحه الرسمي بشكل كامل.

وتضمنت الفعالية التي شهدها المتحف رحلة عبر الزمن اصطحبتهم من الماضي حيث الحضارة الخالدة، مروراً بالحاضر ورموزه الفنية، نحو صورة لمستقبل أكثر ابتكاراً وإبداعاً.

وتعدّ فعالية «تأثير الإبداع» إحدى الفعاليات المتنوعة التي يستضيفها المتحف المصري الكبير في إطار التشغيل التجريبي الذي يشهده ويتيح لزائريه زيارة منطقة المسلة المعلقة، والبهو العظيم والبهو الزجاجي، والمنطقة التجارية، بالإضافة إلى قاعات العرض الرئيسة التي تم افتتاحها جزئياً.