في عالم «الديفا»... موسيقى وأزياء وبذخ

معرض بمتحف «فيكتوريا آند ألبرت» يحتفي بنجمات صنعن تاريخ الفن

زي لويس الرابع عشر الذي ارتداه المغني إلتون جون في حفل عيد ميلاده الـ50 (رويترز)
زي لويس الرابع عشر الذي ارتداه المغني إلتون جون في حفل عيد ميلاده الـ50 (رويترز)
TT

في عالم «الديفا»... موسيقى وأزياء وبذخ

زي لويس الرابع عشر الذي ارتداه المغني إلتون جون في حفل عيد ميلاده الـ50 (رويترز)
زي لويس الرابع عشر الذي ارتداه المغني إلتون جون في حفل عيد ميلاده الـ50 (رويترز)

ما الذي يجمع مارلين مونرو وتينا ترنر وريهانا بالأسطورة الغنائية العربية فيروز؟ في الواقع الكثير، الفن والغناء من الروابط، ولكن حسب معرض جديد في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن، هناك عامل يتعدى الجغرافيا والحدود واللغات يجمع بين هاته النجمات وغيرهن ممن حفل بهم العرض، يتلخص في كلمة متداولة كثيراً، وهي «ديفا»، وهي أيضاً عنوان العرض المدهش الذي افتتح منذ أيام. لكلمة «ديفا» مدلولات كثيرة في هذا الزمن، ربما أكثرها انتشاراً هذه الأيام هو الفنانة أو المرأة صعبة المراس، المتطلبة إلى حد بعيد، للحق هو أحد المعاني التي يبحث فيها العرض عبر عرض نماذج لنساء شهيرات حاربن الأوضاع الثابتة في مجتمعاتهن، وحققن مكانة فنية عالية. يمر العرض على مجالات الأوبرا، والسينما، والموسيقى والمسرح. ولكنه يعود بالكلمة لبدايات تأخذنا لعالم الأوبرا في القرن التاسع عشر، حيث وصفت المغنيات الشهيرات بوصف «ديفا».

الأوبرا و«الديفا»

العرض ممتع وباهر لأبعد حد، قبل الدخول تسلمني عاملة في المتحف سماعات خاصة تؤكد على أن أضعها بمجرد دخولي القاعة، المعتاد أن السماعات تبث مقاطع تتحدث حول القطع المعروضة وتعليقات من خبراء، ولكن هذه المرة الأمر مختلف. أضع السماعات وأدخل للقاعة الأولى لتنبعث أنغام موسيقية أوبرالية تتناغم مع معروضات الخزانات الأولى في العرض. ننطلق مع مغنيات الأوبرا الشهيرات في العصر الفيكتوري، ربما لا نعرف أسماءهن اليوم، ولكنهن كن الرائدات في عصر لم يعط النساء فرصتهن للتفرد والريادة في عالم الفن. هنا «الديفا» أو المغنية «بريما دونا» (السيدة الأولى بلغة الأوبرا) هي شخصية قوية، مستقلة وثرية، تتحدى قيود المجتمع وسيطرة الرجل على حياتها. هنا أول الخيط لنا كمتفرجين، الاستقلال والاكتفاء المادي والشخصية القوية، على نحو مختصر: مميزات شخصية «الديفا».

أزياء للممثلة فيفيان لي ضمن معرضات «ديفا» في متحف «فيكتوريا آند ألبرت» (المتحف)

مبدئياً يعرف العرض كلمة «ديفا» بوصفها المرأة صاحبة الشخصية القوية، المستقلة مادياً ذات السطوة. كمثال يقدم لنا العرض مغنية الأوبرا في العصر الفيكتوري أدلينا باتي، ويصفها بأنها كانت «ثاني امرأة معروفة في بريطانيا بعد الملكة فيكتوريا، وأنها كانت سيدة أعمال ناجحة». العرض ينقسم لمرحلتين: الأولى حول نشأة مصطلح «ديفا» والثانية عن «الديفا» في العصر الحالي. ننطلق إذن مع المرحلة الأولى لنستكشف عالم «الديفا»، وكيف وصل زماننا هذا. العرض يضم 250 قطعة مستمدة من المجموعة الهائلة من مقتنيات المتحف، وبعضها مستعار من مختلف الجهات حول العالم، وتشمل الأزياء والصور والمجوهرات والمقاطع الفيلمية.

أزياء وتاريخ وأغنيات

الخزانات تعرض لنا ملابس تلك النجمات وقطعاً من مجوهراتهن وملصقات حفلاتهن، ولكن بحكم أن متحف «فيكتوريا آند ألبرت» يتفوق في كل ما يخص الأزياء، فمن الطبيعي أن يبدع في عرض أزياء النجمات على نحو منسق وجميل. تلفتني دقة العرض، سواء من حيث اختيار القطع التي تستوقف النظر في كل خزانة عرض أو من حيث الدقة في اختيار المانيكان التي تعرض عليها الأزياء، تتحول المانيكان الصامتة لتماثل أحجام ومقاسات النجمات، مانيكان تعرض فستاناً ارتدته المغنية الفرنسية إديث بياف، تماثل قامة بياف الحقيقية تماماً مثل مانيكان تعرض فستاناً للمغنية إيمي واينهاوس. هي تفصيلة صغيرة، ولكنها مهمة جداً، إذ تقرب محتويات العرض لنا إلى حد بعيد. للمتحف فريق ضخم من العاملين في أقسام الأزياء ممن يحرصون على المحافظة على الملابس في أفضل حالة، وإعدادها للعرض بعناية شديدة تصل لطريقة وقوف المانيكان، والوضع الذي تتخذه بحيث يماثل شخصية صاحبة الرداء.

زي ارتدته المغنية الراحلة إيمي واينهاوس في معرض «ديفا» (رويترز)

أساطير هوليوود

من خزانة لثانيةٍ يتغير الشريط الصوتي في السماعات، من الأوبرا لأغنيات إديث بياف لمقطع أدته سارة برنار في مسرحية كلاسيكية. نخطو من الأوبرا للمسرح ثم السينما الصامتة لنصل لبدايات السينما الناطقة. وهنا نجد أساطير هوليوود أمامنا، بيتي ديفيز وكاثرين هيبورن وجوان كراوفورد، نمر على إليزابيث تايلور ومارلين مونرو، ثم نتسمر أمام شاشة عرض ضخمة تقدم مقاطع من أفلام هاته النجمات، عبر السماعات أيضاً نستمتع بغناء مارلين مونرو في فيلم «البعض يحبها ساخنة» ومقطع لإليزابيث تايلور وهي في قمة مجدها متلبسة شخصية كليوباترا تأمر مارك أنطوني (ريتشار بيرتون) بالركوع أمامها. اختيار المقاطع مقصود لإبراز قوة الشخصية والاعتداد بالنفس التي تمثله شخصيات الممثلات أمامنا وأيضاً يذكرنا بكلاسيكيات السينما العالمية التي حفرت أمكنة في التاريخ لـ«الديفا».

نستمر في الجولة الممتعة صوتاً وعرضاً، نحن في عالم فني خالص، منفصلين عما يحدث في الخارج، كل زائر وزائرة يعاصر العرض وحده محملاً بالسماعات، خفتت الأحاديث التي كانت في العادة تدور أمام المعروضات، وهو للحق أمر مؤسف، ولكن التجربة الغامرة الجديدة لمعاينة المعرض تعوضنا عن فقدان الاتصال مع رفقائنا من الجمهور.

فيروز «عابرة الحضارات والثقافات»

قبل إنهاء المرحلة الأولى من العرض، وهي عن تعريف «الديفا» واستعراض أهم النجمات اللواتي سجلن حقهن في التميز والتفوق على أقرانهن من الرجال، تستوقفني صورة قريبة من القلب، وهي للمطربة الرائعة فيروز في أثناء حفل لها على مسرح الأوليمبيا بباريس. يضم العرض «صوت لبنان» لأهم النجمات في العالم بوصفها «مغنية أسطورية عبرت الحضارات والثقافات والقارات بصوتها»، حسب بطاقة التعريف المرفقة. لفتة جميلة من معدي العرض لا شك، ولكني أجد نفسي أتخيل نجمات صنعن التاريخ في عالمنا العربي في هذا العرض الممتع، ربما يقام معرض عربي مماثل يحتفي بـ«الديفا العربية» مثل أم كلثوم وهند رستم وصباح وغيرهن. ربما!

صورة لفيروز في المعرض (الشرق الأوسط)

«الديفا»... اليوم

يتفوق المعرض على نفسه في المرحلة التالية، في الطابق الثاني، وبينما نصعد الدرج تبث السماعات موسيقى حديثة، أغنية ريهانا «أمبريلا» (المظلة)، ونصل للطابق لنرى فيديو لريهانا وعدداً من الأزياء التي اشتهرت بارتدائها، ليست أزياء عادية من خزانة النجمة، بل هي أزياء أثارت الدهشة والاستغراب ربما عند ظهور ريهانا بها، من الزي الذي ارتدته في حفل «ميت غالا» في نيويورك الذي يماثل أزياء البابا إلى فستان شفاف من اللون الزهري، وغيرها من القطع.

من أزياء المغنية ريهانا في معرض «ديفا» بمتحف «فيكتوريا آند ألبرت» (الشرق الأوسط)

نمر من ريهانا لمنصات عرض أخرى فيها أزياء مصحوبة بأغانٍ لمغنيات وممثلات شهيرات استحققن لقب «الديفا»، مثل إيلا فيتزجيرالد مغنية الجاز الأميركية، وأريثا فرانكلين، ثم باربرا سترايساند وشير ودولي بارتون وتينا تيرنر ويتني هيوستن، وصولاً لأديل وبيلي آيليش. من المحاور المهمة في معرض «ديفا» هي استخدام النجمات سلطتهن وتأثيرهن من أجل الدفاع عن قضايا اجتماعية وسياسية مهمة مثل بيلي هوليداي، ونينا سيمون ، وإيلا فيتزجيرالد في أميركا اللواتي عانين رد الفعل العنيف والنقد والخطر لمعارضة الوضع الراهن، وكيف تحولت أغنية أريثا فرانكلين (ريسبكت) (الاحترام) (1967) نشيداً لتمكين المرأة والحقوق المدنية الأمريكية.

استخدام الأزياء لصناعة صورة «الديفا» يأخذنا لقطع باهرة، براقة ومجنونة مثل أزياء شير وتينا ترنر التي خصص لها العرض مكاناً كبيراً، فقد تعاونت النجمتان مع مصمم الأزياء بوب ماكي لصناعة صورتهما على المسرح.

فستان النجمة تينا تيرنر من تصميم بوب ماكي (الشرق الأوسط)

يضم العرض أيضاً بعض المغنين من الرجال الذين تنطبق عليهم وصفة «ديفا» أمثال فريدي ميركوري، برينس وإلتون جون، يعرض له زي باذخ يمثل شخصية الملك لويس الرابع عشر ارتداه المغني في حفل عيد ميلاده الـ50.

زي لويس الرابع عشر الذي ارتداه المغني إلتون جون في حفل عيد ميلاده الـ50 (رويترز)

العرض مبهر جداً في تنسيقه، وفي استعراضه لمراحل إبداع نجمات عالميات، ومع الشريط الصوتي المصاحب نحس بأننا في حفل يجمع بين أساطير الغناء في العالم، ويا له من إحساس ممتع!


مقالات ذات صلة

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

يوميات الشرق روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة من رواد التكنولوجيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رئيس المعهد الثقافي الايطالي أنجلو جووي خلال جولته في المعرض (الشرق الأوسط)

معرض «ديفا» حكايات الإبداع الإيطالي في تصميم المجوهرات

لا يشكّل معرض «ديفا» (رحلة في بريق المجوهرات الإيطالية) قصة عادية لفنانين مصمّمين، بل يروي حكاية شيّقة عن تاريخ هذا الفنّ اليدوي في إيطاليا.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق لوحة الفنان لويس هارو من أوروغواي (الشرق الأوسط)

«عيد الكاريكاتير المصري» يحتفي بـ«المتحف الكبير» وطوغان

المعرض يهدف إلى تعزيز الوعي بالهوية المصرية وبقيمة المتاحف، ويقدّم أعمالاً متنوعة تمزج بين السخرية والطرح الإنساني لإيصال رسائل ثقافية وفنية قريبة من الجمهور.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
TT

أمير المصري في «البحر الأحمر»... بطولة مزدوجة تقوده إلى لحظة تحوُّل لم يتوقَّعها

مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)
مشهد من فيلم افتتاح المهرجان «العملاق» من بطولة أمير المصري (المهرجان)

تصدُّر بطولة فيلم افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» ليس أمراً بسيطاً، بيد أنْ يترافق ذلك مع اختيار فيلم آخر للبطل نفسه ضمن دورة واحدة، فهذه حالة لا تحدُث كثيراً في مسيرة أي ممثل. هذا ما يعيشه حالياً البريطاني - المصري أمير المصري، بطل فيلم «العملاق» الذي افتتح الدورة الخامسة للمهرجان، وحظي باهتمام واسع، وهو أيضاً بطل فيلم «القصص» للمخرج أبو بكر شوقي، أحد أبرز المنافسين في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة.

أمير المصري، الذي أصبح اسماً مألوفاً في سجل ضيوف المهرجان خلال السنوات الماضية، عاد هذا العام بنبرة مختلفة وحضوراً أكثر نضجاً، ليروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل التجرية، قائلاً: «عندما تحدَّث معي الرئيس التنفيذي للمهرجان الأستاذ فيصل بالطيور عن فيلم (العملاق)، لم أكن أعرف أنه سيختاره ليكون فيلم الافتتاح. فقد كان من الممكن أن يختار فيلماً تجارياً لبطل هوليوودي مثلاً، لكنه أبدى اهتماماً بإظهار أناس مثلي على المسرح أمام نجوم عالميين مثل مايكل كين وإيشواريا راي».

ويصف المصري تلك اللحظة بأنها علامة فارقة في مسيرته، ويضيف بنبرة إعجاب واضحة: «أنا منبهر بالمهرجان، وعاماً تلو آخر نرى أنّ كلّ دورة أفضل من التي سبقتها». ويتابع موضحاً خصوصية هذا العام: «مستمتع جداً بالمرحلة الحالية التي أعيشها فنّياً، خصوصاً مع ندرة أن يحظى ممثل ببطولة فيلمين مشاركين في مهرجان بحجم (البحر الأحمر)».

أمير المصري... عام مفصلي يُبدّل موقعه بين البطولة والهوية الفنّية (المهرجان)

«العملاق»... المدرّب أم الموهبة؟

وإنما حضور المصري في «العملاق» يتجاوز مجرّد البطولة، فالفيلم نفسه يحمل تركيبة حساسة تستدعي أداءً واعياً لطبيعة الشخصية التي يجسدها: نسيم حميد، المُلاكم الذي أحدث ثورة في صورة الرياضي المُسلم في بريطانيا التسعينات، بقدر ما أثار جدلاً لا ينتهي حول علاقته بمدرّبه الأسطوري الذي يجسّد دوره النجم بيرس بروسنان. وبسؤال أمير المصري عن تقاطعات ذلك مع حياته، يرد بحماسة: «جداً... كلانا يتجاهل الآراء السلبية ويُكمل طريقه بإصرار».

ينطلق الفيلم من مشهد صغير في شيفيلد البريطانية، حيث تطلب والدة طفل في السابعة من المدرّب أن يُعلّم ابنها الدفاع عن نفسه ضدّ التنمُّر، لحظة تبدو عادية لكنها تتحوَّل إلى حجر الأساس لأسطورة. يلتقط المدرّب الموهبة من النظرة الأولى، فيأخذ نسيم مع 3 من إخوته إلى الحلبة، ليكتشف فوراً أن الطفل النحيف يحمل شيئاً لا يُدرَّس. ومن هنا يمتدّ الخطّ الزمني للفيلم عبر محطات تنقل نسيم من شوارع الحيّ إلى لقب بطل العالم، قبل أن تبدأ الانهيارات التي ستفضح هشاشة العلاقة بين المُلاكم ومدرّبه.

يطرح الفيلم بذكاء شديد السؤال: مَن هو «العملاق» الحقيقي، المدرّب أم الموهبة؟ هذا السؤال يصل ذروته في مشهد صادم يتواجه فيه الطرفان، فيقول نسيم: «هذه موهبة من الله، وعليَّ أن أستثمرها من دون أن أدين بالفضل لأحد». فيردّ المدرّب: «موهبتك بلا قيمة لو لم أكتشفها وأطوّرها طوال 16 عاماً».

ولأنّ الفيلم يعيد طرح الأسطورة على الشاشة، كان حضور نسيم حميد الحقيقي في عرض الفيلم حدثاً إضافياً، إذ ظهر المُلاكم المعتزل في المهرجان بعد سنوات من الغياب، مُبتسماً ومُتأثراً، وقال لأمير المصري: «هذا الفيلم يقول لك: (باسم الله... ابدأ مسيرة جديدة!)». وكأنّ الأسطورة سلّمت شعلتها الرمزية للممثل الذي أعاد بناءها.

المصري يتوسّط المُلاكم المعتزل نسيم حميد والرئيس التنفيذي للمهرجان فيصل بالطيور (المهرجان)

مرحلة جديدة... مشروعات بالجُملة

وبالنظر إلى كون الهوية الفنّية لأمير المصري وُلدت من تداخُل الثقافتين العربية والغربية، تماماً كما جاء في فيلم «العملاق»، يبدو السؤال عن تأثير هذا المزج حاضراً بالضرورة، ليُجيب بتأمّل واضح في جوهر اختياراته قائلاً: «الأهم أن أركّز على المشروع، أيّاً كان، في العالم العربي أو خارجه». ويشرح: «دائماً تشغلني الأسئلة: هل هذا العمل من شأنه تحريك شيء داخلي؟ هل يمكنه إيصال رسالة؟»، مشيراً إلى أنّ فيلم «العملاق» يأتي ضمن هذا الإطار بشكل واضح.

الزخم دفعه لاتخاذ خطوة طال تأجيلها، وهي تأسيس شركة إنتاج في بريطانيا، فيكشف: «اتجهت مؤخراً لتأسيس شركة إنتاج افتتحتها قبل نحو 3 أشهر، وأعتزم في المرحلة المقبلة أن أنفّذ أعمالاً ليست لي فقط، بل كذلك لأناس يُشبهنوني». يتحدَّث المصري عن مشروعه الجديد كأنه يضع حجر الأساس لهوية إنتاجية مقبلة تُكمِل ما بدأه أمام الكاميرا.

أمير المصري يتحدّث عن الزخم والتحوّل وبداية مشروعه الإنتاجي (الشرق الأوسط)

وعن أحدث مشروعاته، يقول: «ثمة فيلم أنهيته للتو في ألمانيا، ولو عُرض في مهرجان مثل (البحر الأحمر)، فهذا يعني أننا سلطنا الضوء على قضية مهمة جداً في موضوع لامسني جداً عندما قرأته. فيلم سيكون مهماً جداً». ورغم تحفُّظ المصري على ذكر القضية التي يتناولها، فإنّ حديثه يوحي بموضوع ثقيل لمرحلة أكثر التزاماً في خياراته السينمائية.

وفي ختام حديثه، يفتح نافذة على مشروع جديد ينتظره جمهور الدراما، مؤكداً أنه يستعدّ لبطولة مسلسل «سفّاح» مع المخرج هادي الباجوري، الذي من المنتظر عرضه عبر منصة «شاهد»، وهو عمل يستلهم من قصة حقيقية لقاتل متسلسل حصلت في قلب القاهرة، ليذهب هذه المرة نحو الغموض والعوالم السوداء.


ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
TT

ثلاثة أفلام تبحر في التاريخ غير البعيد

من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)
من اليسار فيصل بالطيور وأمير المصري ونسيم حميد بعد عرض «عملاق» في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

نال الفيلمان العربيّان اللذان عُرضا في اليوم الأول من مهرجان البحر الأحمر (الجمعة) استحساناً جيداً من قِبل جمهور غفير.

الفيلمان هما «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، و«اللي باقي منك» لشيرين دعيبس، وكلاهما في المسابقة الرسمية ضمن 18 فيلماً تتنافس على الجوائز الأولى.

وضع دائم

محمد بكري (يساراً) وصالح بكري في «اللي باقي منك» (مهرجان البحر الأحمر)

يُؤلّف «اللي باقي منك» مع «صوت هند رجب» و«فلسطين 36» ثلاثية من الأفلام الجديدة التي وجّهت اهتمامها، وفي الوقت المناسب، إلى الموضوع الفلسطيني.

يختلف الفيلم هنا بامتداد أحداثه إلى ثلاثة أجيال متعاقبة، من عام 1948 حتى سنة 2022. بداية الفيلم مفتاح للذاكرة، تسردها حنان (شيرين دعيبس) في سنة 1988 قبل الانتقال، في «فلاشباك»، إلى عام النكبة عندما تحوّل التعايش بين الفلسطينيين واليهود من ثقافتين تعيشان فوق أرض واحدة إلى احتلال رسمي عقب حرب لم يُتح للفلسطينيين فيها فرصة الانتصار.

وكما في فيلمها السابق «أميركا»، تبني المخرجة عملها على مزيج من العلاقات الأسرية الحميمة ومفردات الوضع السياسي. هناك مشاهد كثيرة في «اللي باقي منك»، تتناول الاحتلال خلال تلك السنوات: حاجز عسكري يُوقف أباً ويهينه أمام ابنه، عائلة تهرب من بيتها تحت القصف، وغيرها من اللقطات التي تعكس تاريخ الاعتداءات على الفلسطينيين بصرف النظر عن وجودهم فوق أرض توارثوها.

على الرغم من أن ما ترويه المخرجة معروف وصحيح من حيث ممارسات الإسرائيليين، فإن أثر ما نراه يترجم عبر لغة فنية صحيحة. بذلك لا يترك الفيلم تأثيره من خلال المشاهد فحسب، بل يُوازي ما حدث ولا يزال يحدث في غزّة من أهوال.

رسالة الفيلم واضحة بلا التباس، ومعالجتها الفنية جيدة، ولو أنّ بعض الأجزاء يفتقد إلى تماسك أكبر في السرد؛ وهو أمر شائع في الأفلام التي تمتد أحداثها عبر أزمنة متعددة.

نظرة إلى حياة صعبة

مُنيا عقل وحسن عقيل في «نجوم الأمل والألم» (مهرجان البحر الأحمر)

يلتقي «اللي باقي منك» مع «نجوم الأمل والألم» (A Sad and Beautiful World) في كونهما مؤلفين من 3 محطات زمنية. في الفيلم اللبناني الذي أخرجه سيريل عريس، نجد حكاية عاطفية - رومانسية في الأساس، مع خلفيات عن الحرب الأهلية وما بعدها ومصائر البيروتيين خلالها.

عدا ذلك، يختلف الفيلمان تماماً، خصوصاً في أسلوب المعالجة بين دعيبس وعريس. ففي فيلم دعيبس الكاميرا محسوبة الحركة وذات تأطير يتناسب مع الموقف، أما المخرج عريس فيؤم إلى كاميرا متحركة حتى في اللحظات التي تستدعي شيئاً من التأني لتمكين الحكاية من الانتقال من السطح إلى العمق.

سيناريو عريس لا يخلو من صعوبة تبرير مفارقات مثل افتراض أن نينو (حسن عقيل) وياسمينة (مُنية عقل)، الواقعين في الحب منذ تعرّفهما على بعضهما، وُلدا في المستشفى نفسه وفي اليوم نفسه. هذه المفارقة تبقى صدفة غير ضرورية، كما يبدو أن المخرج نفسه يعترف بها ضمناً.

لكن عريس يُعوّض هذه المفارقة بالتركيز على تطوّر العلاقة وتقاطعاتها، وعلى ما يعانيه كلّ من البطلين من ماضٍ عائلي حزين (وفاة والدي حسن، وطلاق والدي ياسمينة)، ما يترك تأثيراً على كُنه المشاعر التي يعايشها كلٌّ منهما منفرداً ثم، بعد الإفصاح عنها، على نحو مشترك.

بصرياً، يحفل الفيلم بترجمة الخلجات العاطفية بصور مناسبة. يلعب هذا العنصر دوراً مهماً في تشغيل محرك الحكاية منذ اللقاء الأول عندما يصدم حسن بسيارته «كشكاً» تملكه والدة ياسمينة، مما يؤدي إلى تعارفهما الحقيقي الأول. هناك لقطات كثيرة يعمد إليها المخرج للخروج من تقليد استخدام الحوار للتعبير: لقطات للعيون، وللوجهين، وللمسافة والنظرات بين العاشقين، بديلاً من الكلمات التي لم تكن لتنجح في التعبير عن تلك المواقف إلا بحدود، أو قد لا تنجح مطلقاً.

شيء آخر مشترك بين هذين الفيلمين اللذين عُرضا متتابعين في اليوم الأول. ففي «اللي باقي منك» يتحدّث الممثل البارع محمد بكري (مؤدّياً دور الأب) ردّاً على عبارة تَرِد على لسان الابن (صالح بكري): «أخدوا أرضك ومصاريك... هيدي بتسمّيها حياة؟ ما تكنش أهبل يا ابني».

وفي «نجوم الأمل والألم» تطرح بطلة الفيلم على صديقها الذي يريد الزواج منها: «بدّك تجيب ولاد بهالعالم؟». كلا العبارتين تعكسان في حياة أبطالهما وبيئاتهم ما يُنبئ بفقدان الأمل في احتمالات حياة أفضل؛ نظرة سوداوية ضمن بيئة سياسية مقنعة.

تعكس العبارتان أيضاً أن حياة الأفراد تمرّ من خلال أحداث لا يد لهم فيها؛ ضحايا من صنع آخرين يشكّلون سحابة سوداء فوق كلّ حياة كان يمكن لها، في ظروف أخرى، أن تكون سعيدة وطبيعية.

أمير بلا إمارة

أمير المصري وبيرس بروسنان في «عملاق» (مهرجان البحر الأحمر)

فيلم الافتتاح، «عملاق»، هو عمل مختلف تماماً لا عن هذين الفيلمين فقط، بل عمّا قد يتوقعه المرء من فيلم مُفترض به أن يدور حول الشخصية التي يتحدّث العنوان عنها. فإذا بالسرد يتولّى ناصية حكاية متماوِجة: حين يقترب من الشخصية يكون اقترابه محدوداً، وحين يبتعد يتّضح أن الموضوع يدور، غالباً، حول شخص آخر.

يتولّى الفيلم الإعلان عن أنّه قصّة حياة الملاكم اليمنيّ الأصل نسيم، منذ صباه حتى نيله بطولة العالم في الملاكمة وقد مُنح لقب «برِنس». لكن التركيز في الواقع ينصبّ على شخصية المدرّب براندن (بيرس بروسنان)، وكيف اكتشف منذ لقائه بذلك الشاب الصغير موهبةَ الملاكمة فيه، ثم أسّسه ومنحه المستقبل الناجح الذي حقّقه فوق الحلبة.

بذلك تحدث استدارة شبه كاملة من الموضوع المفترض إلى حكاية تفرض نفسها، فتتحدّث عن حياة المدرّب وليس عن حياة الرياضي. ليس لأن حياة الرياضي نسيم (يؤديه أمير المصري) خالية مما يستوجب السرد (فالفيلم يتحدّث عن خلفيّته ولا يعرضها)، بل لأن المخرج وكاتب السيناريو روان أتهال لديه خطة عمل تقتضي ذلك. تصبح حياة الملاكم (محور الفيلم) جانبية باستثناء استغلالها تذكرة لنجاح الفيلم. في ذلك ممارسة لما يتطرّق إليه الفيلم في بداياته حين يفصح عن معاملة عنصرية يتلقّاها نسيم في صباه.

الفيلم بذلك يختار أن يمارس قدراً من عنصرية التفكير حول مَن يستحقّ التركيز عليه أكثر: الملاكم العربيّ الأصل أم المدرّب الأبيض.


عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
TT

عمل فني صادم: رؤوس مشاهير التكنولوجيا على كلاب روبوتية (فيديو)

روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)
روبوتات تُشبه آندي وارهول (يساراً) وإيلون ماسك (يميناً) تُعرض في معرض «حيوانات عادية» للفنان بيبل في «آرت بازل ميامي بيتش» (أ.ب)

انتشر عمل فني من معرض «آرت بازل» يضم كلاباً آلية تحمل رؤوساً شمعية لوجوه شخصيات بارزة؛ مثل جيف بيزوس وإيلون ماسك ومارك زوكربيرغ، انتشاراً واسعاً، إذ يتناول تأثير رواد التكنولوجيا على الطريقة التي نرى بها العالم.

وتتجول الكلاب الروبوتية ذات اللون الجلدي، والمزوّدة برؤوس شمعية دقيقة تشبه مستوى متحف «مدام توسو» لعدد من المليارديرات والفنانين - من بينهم جيف بيزوس، وإيلون ماسك، ومارك زوكربيرغ، وآندي وارهول، وبابلو بيكاسو - داخل حظيرة صغيرة، وتقوم بـ«إخراج» صور فوتوغرافية.

ويحمل العمل الفني عنوان «حيوانات عادية» من إنتاج استوديو «بيبِل» في تشارلستون، وقد عُرض هذا العام في «آرت بازل» خلال انطلاق الفعالية السنوية في ميامي بولاية فلوريدا.

وقال مايك وينكلمان، المعروف باسم «بيبِل»، في مقطع نُشر من بورتوريكو على «تيك توك»: «الصورة التي يلتقطونها، يعيدون تفسير الطريقة التي يرون بها العالم. لذا فهي تضم فنانين، ولديها أيضاً إيلون وزوكربيرغ». وأضاف: «وبشكل متزايد، هؤلاء التقنيون والأشخاص الذين يتحكمون في هذه الخوارزميات هم الذين يقررون ما نراه، وكيف نرى العالم».

وتتجول الكلاب الروبوتية، وتجلس، وتصطدم بعضها ببعض، وبين الحين والآخر يومض ظهرها بكلمة «poop mode» قبل أن تُخرج صورة رقمية تُترك على الأرض، وفق ما أفادت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية.

وكتب أحد مستخدمي «تيك توك»: «شكراً، لم أكن أخطط للنوم الليلة على أي حال»، وقال آخر: «هؤلاء مقلقون تقريباً مثل الأشخاص الفعليين»، وعلّق مستخدم على حساب «آرت بازل» في «إنستغرام»: «هذا عبقري ومرعب في الوقت نفسه»، فيما تساءل آخر: «هل هذا حقيقي أم ذكاء اصطناعي؟».

مشهد من معرض «حيوانات عادية» في ميامي (أ.ف.ب)

ويهدف العمل الفني، بحسب الناقد الفني إيلي شاينمان الذي تحدث لـ«فوكس نيوز»، إلى إعادة النظر في كيفية تمكّن الفنانين العاملين في البيئات الرقمية من إحياء مفاهيمهم وأفكارهم عبر الروبوتات، والنحت، والرسم، والطباعة، والأنظمة التوليدية، والأعمال الرقمية البحتة.

وقال وينكلمان لشبكة «سي إن إن»، إن الروبوتات صُممت للتوقف عن العمل بعد 3 سنوات، على أن تكون مهمتها الأساسية تسجيل الصور وتخزينها على سلسلة الكتل (البلوك تشين). وأكد معرض «آرت بازل» لـ«فوكس نيوز ديجيتال»، أن كل نسخة من روبوت «حيوانات عادية» بيعت بالفعل مقابل 100 ألف دولار.

وقال فينتشنزو دي بيليس، المدير العالمي والمدير الفني الرئيسي لمعارض «آرت بازل»، لـ«فوكس نيوز ديجيتال»: «نهدف من خلال معرض (زيرو 10) إلى منح ممارسات العصر الرقمي سياقاً تنظيمياً مدروساً، وخلق مساحة للحوار بين الجمهور الجديد والحالي، مع الإسهام في بناء بيئة مستدامة للفنانين والمعارض وهواة الجمع على حدٍ سواء».