عاصي ومنصور الرحباني في عيون الأبناء والأحفاد

الجيل الثاني يعترف لـ«الشرق الأوسط» بعجزه عن تكرار حالة الذوبان بين «الأخوين»

قتل عاصي ومنصور الرحباتي الـ«أنا» وصارا الـ«نحن»... (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
قتل عاصي ومنصور الرحباتي الـ«أنا» وصارا الـ«نحن»... (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
TT

عاصي ومنصور الرحباني في عيون الأبناء والأحفاد

قتل عاصي ومنصور الرحباتي الـ«أنا» وصارا الـ«نحن»... (أرشيف مروان وغدي الرحباني)
قتل عاصي ومنصور الرحباتي الـ«أنا» وصارا الـ«نحن»... (أرشيف مروان وغدي الرحباني)

المكان: مسرح «البيكاديللي» في الحمرا - بيروت

الزمان: عام 1973

المناسبة: عرض مسرحية «المحطّة»

 

وسط عاصفةٍ من التصفيق، يدخل عاصي الرحباني متّكئاً على طبيبه إلى مسرح «البيكاديللي». يشاهد فيروز تغنّي «ليالي الشمال الحزينة» و«سألوني الناس». هو العائد بعد غيابٍ قسريّ بسبب المرض، أطلّ من الليل محاولاً إضاءة القناديل من جديد.

«كانت زيارة عاصي عالدني شغل وتعب»؛ تقول فيروز في وثائقي «كانت حكاية» عن رجلٍ وضع الفن قبل الخبز؛ قبل الحب، وحتى قبل العائلة. وُلد الأخوان رحباني للفنّ والفنّ وُلد لهما. وغالباً ما جاء ذلك على حساب عائلتَيهما.

يستذكر أسامة الرحباني، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، قول والدته تيريز: «منيح اللي علقت الحرب حتى قعدوا عاصي ومنصور ببيوتهم». كانت الجَمعات العائلية قليلة ومطرّزة بالموسيقى. «كنا نتحمس حين يعود الوالد باكراً لنتعشّى معه. أذكر أيضاً صباحات الأحد وجلسات الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية. لم تكن تهمّه علاماتنا المدرسيّة بقدر ثقافتنا وقراءاتنا»، يقول أسامة.

 

جلسا في الظلّ وأضاءا الشموس

أحد أسرار نجاح الرحابنة أنهم وضعوا الشهرة خلف ظهرهم. لم يكن عاصي من هواة الظهور ولا من محبّي المديح، أما فيروز فكانت كثيرة الخجل في بداياتها وتهرب عندما يتعرّف إليها الناس في الشارع. وعن الشهرة، يقول منصور في إحدى المقابلات إنها «خادعة، لا تردّ المطر والبرد والوجع والقلق، بل تقيّد الفنان».

قتل عاصي ومنصور «الأنا»، فصارا «النحن». مرّت المواسم والحروب والأمراض، وبقي الأخوان رحباني «أخوَين» راضيَين بحالة الذوبان الاستثنائية التي رسماها. صحيحٌ أنّ نقاشاتٍ حادّة كانت تدور بينهما حول لحنٍ أو نصٍ أو حتى كلمة، لكنّ الخلاف بقي ضمن إطار العمل ولم يَدُم أكثر من ساعات. يقول منصور: «لا أحد يعرف ماذا ألّف عاصي ولا أحد يعرف ماذا ألّف منصور... سيمرّ وقت طويل قبل أن يأتي اثنان يضحّيان بشخصَيهما ويتوحّدان مثلنا».

لم يَدُم أي خلاف بين عاصي ومنصور أكثر من ساعات قليلة ولم يتخطّ إطار العمل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)

عزّزت تلك التضحية صورة البطولة في أذهان الناس، لكنّ أحداً من الجيل الرحبانيّ الثاني لم يستطع أن يكرّر هذا النموذج، باعتراف أسامة الذي يردّد: «يمكن فصل المياه عن بعضها ولا يمكن فصل عاصي ومنصور».

وحدة الحال هذه صعّبت على منصور رؤية شقيق روحه يذوي أمامه بفعلِ المرض. لكنهما معاً وقفا من جديد ليقدّما وفيروز «المحطة»، و«لولو»، و«ميس الريم»، و«بترا»، وغيرها من المسرحيات والحفلات والجولات حول العالم، قبل أن تقرّر الملكة مغادرة القلعة عام 1979 وإطلاق مجموعة من الأعمال بالتعاون مع ابنها زياد الرحباني، الذي كان نجمه قد بدأ باللمعان منذ مسرحية «المحطة»، والذي تميّز بنبوغٍ فنيّ مبكّر تُرجم في أعمال الأخَوين وتَكرّس في أعماله المستقلّة لاحقاً من مسرحياتٍ وأغنيات.

في 21 يونيو (حزيران) 1986 أخذ عاصي معه لون الشجر وطار «على اطراف الدني»... خلعت البلاد الحربَ عنها لساعات ومشت خلف نعشه المحمول على أكتاف مواطنين رحبانيّين. صمتت المدافع وصدحت عصافير الساحات في وداع أب الأغنية اللبنانية.

تفرّق العشّاق واختار كل واحد طريقه. بعد عاصي، وضعت فيروز ثقتها وأملَها في زياد، فتوالت الألبومات التي حملت نفَساً حديثاً ومختلفاً. كما تواصل التعاون مع فيلمون وهبي، وزكي ناصيف، اللذين وقّعا أجمل أغنياتها. وفي مرحلة لاحقة، بدأت تعاوناً موسيقياً مع ابنتها ريما التي رافقتها إخراجاً كذلك.

فيروز وعاصي الرحباني مع ابنهما زياد

منصور بعد عاصي

محصّناً بذكرى أخيه ومتّكئاً على الجيل الرحبانيّ الثاني، مشى منصور الرحباني «وحدَه ملكاً» صوب مسرح «كازينو لبنان» سنة 1987، وقدّم مسرحية «صيف 840» تحيّةً لنصف روحه.

يشارك الفنان غسان صليبا «الشرق الأوسط» ما سمعه من منصور في تلك الفترة: «كان يكرّر أمامنا أنّ نِصفَ منصور ذهب مع عاصي ونصف عاصي باقٍ مع منصور.» ويضيف صليبا، الذي لعب دور البطولة في المسرحية تحت اسم «سيف البحر»، أنّ منصور كان يردّد أقوال عاصي في الكواليس وكأنه يستحضره.

يتذكّر صليبا الرهبة التي شعر بها يوم التقى عاصي ومنصور عشية مشاركته بدور صغير في مسرحية «بترا»، ويبدو ممتناً للقدر الذي وضعه على طريق الرحابنة. طريقٌ وقف فيه لاحقاً بطلاً في معظم مسرحيات منصور، فكان «سقراط»، و«يسوع المسيح»، و«المتنبّي»، و«نبي» جبران خليل جبران، وغيرها من الأدوار... «يكفيني أنني حملت بصوتي كل المشاعر الإنسانية والمعاني الوطنية النابعة من الفكر الرحبانيّ»، يقول صليبا.

تستند عصا منصور الرحباني إلى الحائط في غرفة بيته... وعلى المكتب بقيت نظارته وكتبه ونصوصُه وصورةٌ لعاصي.

يقف أسامة على شرفة المنزل في أنطلياس، ويجيب عمّا إذا فكّر بالرحيل عن الوطن: «يكفي أن أنظر من هنا إلى مدفنهما القريب، حتى أدرك أنه لا يمكنني أن أتركهما ولا أن أترك الجيرة والتاريخ وكل ما زرعاه».

منصور الرحباني وزوجته تيريز مع أبنائهما مروان وغدي وأسامة

لم يفرض الأخوان الفنّ على أولادهما خوفاً عليهم من متاعبه والقلق الذي يسببه. لكنّ الموسيقى والقصيدة والمسرحية كانت كالقدَر في البيت الرحبانيّ، وكالخبز اليوميّ الذي تناوله الأولاد والأحفاد بِنَهَم، موزَّعين بين الإخراج، والتأليف والتوزيع الموسيقي، والكتابة الشعرية والمسرحية.

أسامة الرحباني (على البيانو) مع ابنَي عمه غسان وجاد سنة 1979

يقول غسان صليبا الذي واكب الجيلَين، إنّ الجيل الثاني «لا يختلف حرصاً ومستوىً عن الأهل.» ويضيف: «يدرك الشباب أنّ الترِكة كبيرة ومن هنا يكبر حرصهم. لا أحسدهم على ذلك والمقارنة ظالمة بين الجيلين».

شكّل أسامة وشقيقاه مروان وغدي اليد اليمنى لوالدهم منصور، فأسسوا معاً لمسرحٍ رحبانيٍ جديد أطلق فيه منصور العنان لعشقه التاريخ والشعر والفلسفة، وأطلق فيه الأولاد مخيّلتهم للتحديث من خلال الكوريغرافيا والأوركسترالية والديكور. صار مسرحاً بأبطالٍ كثُر، «وبفنانين يوصِلون الأفكار بطريقة جديدة ومختلفة عن السابق»؛ يقول أسامة الرحباني.

في 13 يناير 2009 عاد منصور إلى عاصي... سكنا معاً الظلال والريح تاركَين خلفهما رياحاً تهبّ بالعائلة

يأسف أسامة الرحباني للخلاف العائلي الحاصل حول الإرث الرحبانيّ وما يتعرّض له من «سوء إدارة»، خصوصاً أنّ «عاصي ومنصور لم يختلفا يوماً»، وفق أسامة. لكنه رغم ذلك ليس قلقاً على هذا الإرث.

يقول كريم غدي الرحباني لـ«الشرق الأوسط»، وهو ابن الجيل الرحبانيّ الثالث، إنه تعلّم من جدّه منصور أنّ «الفصل ممنوع بين الأخوين». ويستشهد بما رآه طفلاً من «نوتات وكلمات أغان تبدأ بخط عاصي وتنتهي بخط منصور أو العكس. أشكّ في أنهما مطمئنّين إلى إرثهما»؛ يقول.

يُدرك أنّ هذا الإرث سيفٌ ذو حدّين: «جميل وصعب في الوقت عينه أن أحمل هذا الاسم، فمعه أحمل القلق على صناعة فن ذات مستوى، والقلق سِمة مشتركة بين الرحابنة». كريم الذي دخل مجال الإخراج السينمائي ونجح فيه، يقول إنه «ورث من الجميع وليس من رحبانيٍ واحد». تختلف أفلامه عن أعمالهم بأنها «أكثر واقعيةً؛ بل تشاؤماً، لكن العنصر المشترك هو أولوية الإنسان».

للإنسان، لغذاء روحه، ولارتقاء خياله، ترك الأخوان رحباني إرثاً موسيقياً ذهّبَه صوت فيروز. لهذا الثلاثيّ في كل بيتٍ صورة وفي كل قلبٍ دقّة. فروايتهم والقصص التي تركوها، كبيرة ولا تشرّدها الريح.


مقالات ذات صلة

هيئة الموسيقى السعودية تُعزِّز تطوير القطاع مع «ستاينواي آند صنز»

يوميات الشرق من مراسم توقيع مذكرة التفاهم بين هيئة الموسيقى السعودية وشركة «ستاينواي آند صنز» (وزارة الثقافة)

هيئة الموسيقى السعودية تُعزِّز تطوير القطاع مع «ستاينواي آند صنز»

أبرمت هيئة الموسيقى السعودية مذكرة تفاهم مع شركة «ستاينواي آند صنز» العالمية المتخصصة بصناعة البيانو؛ لدعم تطوير قطاع الموسيقى في البلاد، وتعزيز برامجه المهنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك ارتبط العزف على آلة موسيقية بانخفاضٍ قدره 35 % في خطر الإصابة بالخرف (أرشيفية- رويترز)

دراسة: عادة يومية ممتعة قد تقلِّل خطر الإصابة بالخرف

أظهرت دراسة حديثة أن الاستماع المنتظم للموسيقى أو عزفها قد يرتبط بانخفاض كبير في خطر الإصابة بالخرف لدى كبار السن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
خاص تتطلع «أبل» لزيادة مشاركتها في صناعة الموسيقى بالمنطقة (الشرق الأوسط)

خاص «أبل» تتطلع إلى المشاركة في تنامي صناعة الموسيقى بالسعودية

تتحرك استراتيجية «أبل ميوزيك» الموسيقية في مسار متقاطع مع طموحات «رؤية السعودية 2030»؛ لبناء مشهد ثقافي وإبداعي أكبر حيوية، وتعزيز الهوية الفنية المحلية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الموسيقار المصري عمر خيرت (وزارة الثقافة المصرية)

تكريم عمر خيرت في الدورة الأولى لـ«مهرجان الأوبرا» بقطر

يستهل «مهرجان الأوبرا العربية» فعاليات دورته الأولى في قطر بتكريم الموسيقار المصري عمر خيرت، وذلك تحت رعاية وتنظيم «المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم».

محمد الكفراوي (القاهرة)

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
TT

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)
تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

تضع المخرجة جنى بو مطر خسارات اللبنانيين تحت المجهر من خلال مسرحية «ما بين بين». وتستعين بالخشبة لتقديمها في قالب مسرحي يستند إلى نصّ يترك كثيراً من علامات الاستفهام.

تستوحي بو مطر حكاية عملها من «أنتيغون» لسوفوكليس، تلك التي تمرَّدت على قرار الحاكم حين حُرمت من دفن شقيقها المقتول. وإنما بطلة «ما بين بين» لا تملك حتى الجثة لتواريها في الثرى. فخساراتها غير ملموسة، عصيّة على القياس والتقدير. وبين زمن الحداد وموعد الجنازة، تقف عاجزة عن لملمة هذه الخسارات أو دفنها، كأنها تبحث عن شكل لجنازة لا تعرف لها جسداً.

يلعب بطولة مسرحية «ما بين بين» طارق يعقوب وريم مروّة (مسرح زقاق)

يلعب بطولة المسرحية طارق يعقوب وريم مروّة، وهي من تأليف جنى بو مطر وإخراجها. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»: «تحمل تساؤلات كثيرة. وتتمحور فكرتها الأساسية حول نصّ يتناول الحداد الطويل الذي نختبره إثر تعرّضنا للخسارة. حدادٌ يبقى معلّقاً بين الفكر والجسد، فلا نعرف كيف نعبّر عن حزننا، ولا كيف نصغي إلى أجسادنا المُتعبة ونحاكي آلامها». وتتابع: «طبيعة خساراتنا بلا مادة محسوسة. فكما هي الحال مع الأزمة الاقتصادية وانفجار المرفأ والحرب في الجنوب، لم نستطع حتى اليوم تفسير ما أصابنا. ومن هنا يبرز السؤال الكبير: كيف يمكننا التخلُّص من أثر هذه الخسارات علينا، والتخفيف من ثقلها الذي لا يُرى ولكنه ينهكنا؟».

وبعبارة مُختصرة، تشير جنى بو مطر إلى فحوى مسرحيتها: «الحب لا يقوم على أن ننظر إلى بعضنا ونهتمّ ببعضنا فحسب، بل أن ننظر معاً في الاتجاه نفسه»، مضيفةً: «هذا الشعور بالخسارة يولّد فجوة كبيرة في أعماقنا. ونحاول في المسرحية اكتشافها ووضع إصبعنا عليها».

تضع «ما بين بين» خسارات اللبنانيين تحت المجهر (مسرح زقاق)

تحكي المسرحية قصة ممثلَيْن، رجل وامرأة، كانا يستعدّان لافتتاح عرضهما المسرحي «أنتيغون». لكنّ حريقاً مفاجئاً يندلع ويقضي على خشبة آخر المسارح المتبقّية في المدينة. يجدان نفسيهما أمام عرض لم يولد. يقفان إزاءه يداً بيد مثل متفرّجَيْن على خسارتهما. ويشاركهما الجمهور هذا المشهد الحزين، قبل الحريق وبعده.

وبين النصّ والإحساس والذنب واللوم، وبين الحياة والموت، تتفكّك أحداث العمل. يقف بطلا المسرحية في مدينة ما بعد الحرب، وفي حاضر يعجزان عن عيشه أو حتى الحداد عليه. وتعلّق جنى بو مطر: «نعيش قدراً هائلاً من اللامساواة واللاعدالة، فنشعر بالظلم والتشرذم. نقف حائرين أمام فظاعة هذه المشهدية. وينعكس ذلك في علاقة الحبيبَيْن في المسرحية، التي تبدو شبه مستحيلة. فجوهر الحبّ يقوم على التطلّع نحو الغد، فيما هما ينظران إلى مستقبل يتداعى أمامهما. فماذا يعني أن يحترق المسرح في اللحظة نفسها التي كان يفترض فيها أن يولد العرض؟».

وتستحضر أيضاً أزمة المسارح في لبنان: «المسارح قليلة، وغير متاحة بالعدد الذي يسمح باستمرارية هذا الإنتاج. وهو ما يدفعنا، رغماً عنّا، إلى تغيير مساراتنا. فنجد أنفسنا معلّقين بين أحلامنا وواقعنا. نستعدّ ونتحضّر، لكن عند لحظة التنفيذ تختلط الأمور وتتلاشى في الهواء».

وعن سبب اختيارها طارق يعقوب وريم مروّة لبطولة العمل، توضح: «الاثنان ممثلان محترفان، يتفاعلان بسرعة مع حيثيات النص ومفهومه. وهو ما يقدّره كلّ مخرج وكاتب في علاقته مع الممثل. يتعاملان مع المشروع بجدّية كاملة، ويتبنّيانه كأنه عملهما الخاص. ويعملان على ابتكار لغة إبداعية خاصة، عبر أدائهما المتقن والممتع».

وتشير جنى بو مطر إلى أنّ العرض يتطلّب مجهوداً أدائياً من ناحية التمثيل والصوت، وبطلا العمل يمتلكان هذه القدرات، مما أسهم في تغليف المسرحية بالعناصر الفنية الحقيقية.

تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

يبدأ عرض المسرحية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على خشبة مسرح «زقاق» في بيروت، ويستمرّ حتى 21 منه. تستغرق نحو 55 دقيقة، تتخلّلها سينوغرافيا من توقيع زهير بو مطر تنسجم تماماً مع موضوع العمل. وتقول المخرجة: «نقدّمها بأسلوب جديد، بحيث تلعب السينوغرافيا دوراً أساسياً فيها. ونرى كيف يتغيّر الزمن مباشرة على الخشبة، من دون الإشارة الواضحة إلى ما قبل حريق المسرح وما بعده. فهذه التحوّلات الزمنية غالباً ما تُنفّذ في الأفلام عبر تقنية (الفلاش باك). أمّا على المسرح، فلها أسلوب إخراجي جديد ومختلف».

وتعدّ جنى بو مطر استحداث هذا الابتكار على الخشبة تحدّياً جديداً تخوضه للمرة الأولى. وتُعلّق: «كان بإمكاننا تقديم العمل في إطار كلاسيكي واضح، نشير فيه إلى أحداثه كما هي. لكنني وجدت في اعتماد هذه الطريقة أسلوباً يخلق التفاعل مع الجمهور، إذ يجري التغيير في المكان والزمان معاً».


كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

TT

كيف أطاح «الطلاق الرمادي» بنظريّة «حتى يفرّقنا الموت»

يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)
يطال الطلاق الرمادي الأزواج الذين تخطّوا سن الـ50 (بكسلز)

«الطلاق الرمادي» أو «الانفصال الفضّي». تعدّدت التسميات والواقع واحد. مزيدٌ من الأزواج الذين غزا الشَيبُ رؤوسَهم، يتّجهون إلى الطلاق بعد سنواتٍ وعقودٍ من الزواج، في ظاهرةٍ يردّها الخبراء إلى عوامل اجتماعية، واقتصادية ونفسية.

في الـ56 من عمره، انفصل أنتوني ألبانيز عن زوجته بعد ارتباط استمر 20 عاماً. وقبل أيام، عاد ليخوض تجربة الزواج مرة ثانية في الـ62 وبشَعرٍ أبيض. أثار هذا الخبر فضول الملايين حول العالم، لا سيما أن ألبانيز هو رئيس حكومة أستراليا وزوجته الجديدة هي الناشطة السياسية جودي هايدون (47 سنة). وقد حضر الزفاف ابنه البالغ 19 عاماً.

رئيس وزراء أستراليا تزوج للمرة الثانية في سن الـ62 (إ.ب.أ)

طلاق في الـ65

وفق دراسة نشرتها «مجلّة علم الشيخوخة» الأميركية، فإنّ نسبة الطلاق الرمادي قد تضاعفت خلال العقود الـ3 الماضية حول العالم، مع ازديادٍ واضح بين الأزواج الذين تجاوزوا الـ65 من العمر. وفيما كانت تلك الظاهرة غير شائعة خلال سبعينيات القرن الماضي، هي شهدت تصاعداً بنسبة 8.7 في المائة خلال التسعينيات لتبلغ نسبة الانفصال الفضّي 36 في المائة مع حلول عام 2019.

في المقابل، ازداد الزواج المتأخر رواجاً، فما عاد خارجاً عن المألوف أن يخوض الناس التجربة في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70.

يشهد الزواج المتأخر رواجاً لدى من تخطّوا الـ50 والـ60 من العمر (بكسلز)

ما هو الطلاق الرمادي؟

يحصل الطلاق الرمادي عندما يقرر كل شخص متزوّج تخطّى الـ50 من العمر أن ينفصل عن شريكه بعد زيجاتٍ استمرت سنواتٍ وعقوداً. وترمز التسمية إلى المَشيب، أو الشَعر الرمادي والأبيض الذي يبدأ بالظهور في هذه السنّ.

يشير «مركز بيو للدراسات» إلى أنّ أكثر من ثلث حالات الطلاق حالياً هي من الفئة العمرية التي تجاوزت الـ50، ويضيف البحث أنّ النساء اللواتي يبادرن إلى خطوة كهذه في ازديادٍ ملحوظ. ووفق الإحصائيات، فإنّ 34 في المائة ممّن يختارون الطلاق الرمادي كانوا في زيجات استمرت أكثر من 30 سنة.

في الـ58 من العمر أعلنت الممثلة نيكول كيدمان انفصالها عن زوجها المغنّي كيث أوربان بعد 19 سنة من الزواج (رويترز)

أسباب تزايد الطلاق الرمادي

* ارتفاع متوسط السنّ

مع ارتفاع متوسط العمر لدى البشر عبر السنوات من 70 إلى 80 عاماً، ما عاد الأفراد يتشبّثون بفكرة البقاء في زواجٍ معقّد وتعيس، خصوصاً إذا كانت إمكانية الانفصال متاحة لهم. مَن أمضوا 20 أو 30 عاماً أو أكثر في علاقةٍ غير مُرضية، يتطلّعون إلى قضاء ما تبقَى لهم من عُمر في إطارٍ مريح. والإناث معنيّات بذلك على وجه الخصوص، فبعد سنوات من رعاية الأسرة يشعرن بالرغبة في التركيز على اهتماماتهنّ ومبادئهنّ وهويّتهنّ.

ومع إعادة تقييم الأهداف والأولويات الشخصية، يتخذ البعض، إناثاً وذكوراً، قرار الاستقلال عن الشريك أو العثور على شريكٍ آخر يتلاقى وتلك الأهداف والأولويات.

ارتفاع متوسط العمر أحد عوامل تزايد الطلاق الرمادي (بكسلز)

* سقوط وصمة العار عن الطلاق

تحوّلَ الطلاق مع مرور العقود إلى واقعٍ عابر للمجتمعات كافةً. سقطت وصمة العار التي كانت مرتبطة به في الماضي. صار اتخاذ هذه الخطوة أسهل، حتى على المتقدّمين في السن. ومع سقوط وصمة العار عن الطلاق وخروجه من دائرة المحرّمات، سقطت مقولة «حتى يفرّقنا الموت» الشهيرة أو «Til death do us part».

* الحرية الماليّة

في خمسينهنّ، تجد الإناث المعاصرات أنفسهنّ محصّناتٍ بإنجازاتهنّ المهنية وبمدخراتهنّ المادية. هذه الاستقلالية المالية التي حققتها المرأة خلال العقود الثلاث الأخيرة، جعلتها أقلّ اتّكالاً على الشريك. وقد سهّل ذلك عليها اتخاذ قرار الانفصال في مراحل متقدّمة من حياتها.

ومع اقتراب سنّ التقاعد وتضاؤل المداخيل، قد تتزايد الخلافات ذات الطابع المادي بين الشريكين، فيصبح الحفاظ على السلام في البيت الواحد صعباً.

ساهم تحرّر المرأة المادي في تزايد حالات الطلاق المتأخر (بكسلز)

* التحوّلات المجتمعية

تَربَّت الأجيال السابقة على مبدأ موحّد، وهو أن الزواج وإنجاب الأولاد والتقدّم في السن جنباً إلى جنب هو المسار الذي لا يمكن الحياد عنه. أما اليوم، فقد أيقنَ معظم الناس أن ليس ثمة خلطة موحّدة لحياة سعيدة. تلك التحوّلات المجتمعية التي وضعت حرية الفَرد واستقراره النفسي والعاطفي في الصدارة، جعلت من الأسهل الخروج من علاقة لا تتلاقى واحتياجات المرء وتطلّعاته، حتى وإن كان ذلك يعني مغادرة المنزل الزوجيّ بعد عقودٍ من المكوث فيه.

* متلازمة العشّ الفارغ

عندما يكبر الأولاد ويغادرون بيت العائلة ليستقروا في أماكن أخرى، يحصل ما يُسمّى بمتلازمة «العشّ الفارغ». ولهذا التحوّل أثرٌ لا يستهان به على العلاقة الزوجية. إذ يكتشف عدد كبير من الأزواج أن ليس ثمة ما يجمعهم خارج إطار اهتماماتهم المتعلقة بالأولاد، وأدوارهم كآباء وأمهات. يجدون فجأةً أنهم يفتقدون إلى القرب والتواصل.

الأمهات هنّ الأكثر تأثّراً بتلك المتلازمة، فمن المعروف أنّ زوجات كثيرات لا يُقدِمن على الانفصال، حتى وإن كنّ تعيسات في الزواج، وذلك انطلاقاً من الشعور بالذنب تجاه الأولاد. ومنهنّ من يكنّ منشغلات جداً باهتمامات الأسرة والتربية والعمل، فلا يبقى لديهنّ الوقت ولا الطاقة للتفكير باحتياجاتهنّ. أما عندما يغادر الأولاد العشّ، فيبدأن بالتفكير بمستقبلهنّ حتى وإن جاء ذلك متأخراً.

الأمهات هنّ الأكثر تأثراً بمتلازمة العشّ الفارغ وهي إحدى أسباب الطلاق الرمادي (بكسلز)

* التَباعُد

غالباً ما يختصر المشاهير السبب في طلاقهم بعبارة «Growing Apart» أي التَباعُد الذي يحصل بين الشريكَين مع عبور الزمن. وليس المقصود هنا التباعد الجسدي، بل الفجوات الفكرية والعاطفية التي قد تتّسع بين الزوجَين مع تقدّمهما في السن والخبرة. ويشكّل هذا التباعد أحد الأسباب الرئيسية للطلاق الرمادي، خصوصاً عندما يحلّ موعد التقاعد ويصبح البقاء لوقتٍ طويل تحت سقفٍ واحد أمراً لا مفرّ منه؛ وهذا يظهّر الاختلافات ويوسّع المسافات بين الشريكَين.

* الخيانة

صحيح أن الخيانة الزوجية غير مرتبطة بسنّ معيّنة، غير أنها في تزايدٍ مؤخراً في صفوف مَن تخطّوا الـ50 من العمر. وهذا سبب إضافيّ لحصول الطلاق الرمادي.

«ترند» الزواج الرمادي

على ضفاف الطلاق الرمادي، تنبت ظاهرة مناقضة هي «الزواج الرمادي». فكثيرون ممّن اختاروا انفصالاً متأخراً، عادوا وقرروا أن يتزوجوا من جديد، إنما في سن الـ50، والـ60، وحتى الـ70. وغالباً ما تنجح تلك الزيجات لأن الشريكَين يكونان قد وصلا إلى مرحلة متقدمة من النضج والإدراك، كما أن هذه الزيجات لا تحصل بسبب ضغوطات المجتمع والعائلة.

الزواج الرمادي ظاهرة تنبت على ضفاف الطلاق الرمادي (بكسلز)

كما الطلاق الرمادي، فإنّ الزواج الرمادي في ازدياد مطّرد. أما أبرز الأسباب التي تدفع بالناس إلى الارتباط في سن متأخرة، فهي: الاستقلال المادّي لدى النساء، والتركيز على الحياة المهنية، وإعطاء الأولوية للنموّ الذاتي، والسعي وراء الزواج بدافع الحب.


متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
TT

متحف البحر الأحمر في جدة... جسر من الماضي إلى المستقبل

هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)
هلب من سفينة غارقة في البحر الأحمر في مقدمة العرض (تصوير: غازي مهدي)

يضم المتحف أكثر من ألف قطعة موزعة على 23 قاعة تشمل صوراً أرشيفية، وخرائط، وقطعاً أثرية، وأعمالاً فنية معاصرة مستوحاة من الشعب المرجانية والبحر.

وقفت «الشرق الأوسط»، خلال جولة لها في المتحف، على المعروضات التي تتنوع بين مقتنيات تاريخية مثل مؤشرات القبلة، وصور الحرمين الشريفين، وقطع من حطام سفينة قديمة، إضافة إلى موسيقى وأغاني الصيادين التي تغمر الزائر في تجربة حسية متكاملة.

ويقول المستشار المعماري الفرنسي فرنسوا شاتيلون إن المبنى ليس أثراً قديماً بل هو «متحف جديد يتحدث عن طرق للتفكير بالمستقبل». ويضيف: «البعض يعتقد أن التراث هو الماضي، ولكنه في الحقيقة هو المستقبل... كل هذه القطع الحديثة وصلت إلى هنا عبر الحوار مع الماضي، فهي ترمز لاستمرارية الثقافة».