رحيل الشيف رمزي نجم المطبخ اللبناني

بسبب نوبة قلبية مفاجئة وعن عمر 52 عاماً

رحيل الشيف رمزي نجم المطبخ اللبناني
TT

رحيل الشيف رمزي نجم المطبخ اللبناني

رحيل الشيف رمزي نجم المطبخ اللبناني

صادم خبر وفاة الشيف رمزي. فالرجل لم يكن مريضاً ولا عجوزاً، بل بالكاد تجاوز الخمسين من العمر، وقضى إثر تعرضه لنوبة قلبية مفاجئة مساء الأحد، أودت به. صحيح أنه لم يطلّ على شاشة تلفزيونية منذ سنوات، لكنه نجم ذائع الصيت، حصد من الشهرة، ما يجعله باقياً في البال والضمير، خاصة عند ذاك الجيل الذي كان يشاهده يعدّ أطباقه كل يوم في برنامج «عالم الصباح» على «تلفزيون المستقبل».

بوفاة الشيف رمزي نديم شويري، يفقد لبنان وجهاً محبوباً، وطبّاخاً غاية في الطموح والحيوية، يتطلع دائماً إلى الأمام، وله مكانة خاصة عند كل من عرفه نظراً لدماثته، وطيبته، وخلقه الكريم، وابتسامته التي لا تفارق وجهه.

وُلد رمزي شويري عام 1971 وتعلم في مدرسة الجمهور في لبنان، وأكمل دراسته في مدينة ليون في فرنسا، وحاز شهادة جامعية في القانون والاقتصاد. أما الطبخ، فدرسه في إنجلترا، جامعة لندن، كلية برنموث، وتدرب بعد ذلك على يد الشيف الفرنسي المعروف جان ماسون، ثم درس صنع الحلويات والمخبوزات على شيف فرنسي آخر هو برنار موان.

التحق سنة 1993 بمؤسسة «الكفــاءات» التي أسسها والده، ونجح في جعلها قصة نجاح، وأصبح رمزي المدير العام لمدرستها الفندقية منذ 1995، وعضواً في مجلس أمناء المؤسسة، وطوّر المدرسة لتصبح سنة 2001 معهداً جامعياً للفنون الفندقية.

لكن موعد الشيف رمزي الحقيقي مع الشهرة، كان عام 1994 عبر «تلفزيون المستقبل»، يوم كان هذا الأخير في أوج ازدهاره، وانضم الشيف رمزي إلى برنامج «عالم الصباح»، في فِقرة خاصة، ليطل على المشاهدين يعلمهم الطبخ، ويمدهم بالوصفات والإرشادات، ويجيب عن أسئلتهم مباشرة على الهواء. سطع نجم الشيف رمزي بسرعة، ولعله كان الطباخ العربي الأول الذي يعيش مجداً من هذا النوع. وجهه السمح، إطلالته المحببة، صوته العذب، ووضوح الشرح، مع قدرته الفائقة على إعطاء الوصفات للمتصلات عبر الهاتف بتلقائية ويسر، كلها صنعت صورة بهية لشيف لا يضاهى.

بعد أن سجّل وقدّم على الهواء مباشرة، ما يزيد على ألفي حلقة طوال 17 سنة في «تلفزيون المستقبل»، غادر هذه المؤسسة، وقال إن التصوير اليومي أرهقه وعدم تطوير برنامجه أزعجه. انتقل بعدها إلى المؤسسة اللبنانية للإرسال وأطل يوم الجمعة في فِقرة أسبوعية خلال برنامج «حلوة ومرة».

يوم أصدر كتابه الأول للطبخ من موسوعته، وكان ذلك عام 1998، حقق رقماً قياسياً في المبيع في العالم العربي كله، وكتبت عنه كبريات الصحف والمجلات العالمية.

كتاب الشيف رمزي هذا استحق أن يقام له جناح في معرض الكتاب العربي في بيروت. يومها طبخ الشيف وقدّم أطباقه للزوار، واصطفت الحشود الغفيرة حوله، لرؤية النجم التلفزيوني الشهير، حتى تحول إلى أهم عارضي الكتب دون منازع، في حين كان مفكرون وسياسيون وشعراء يوقّعون كتبهم في هدوء ومن دون أن ينتبه لهم أحد.

طموح الشيف رمزي كان عارماً، وحيويته على قدر مشاريعه وأحلامه التي لا تُحدّ، دائم الحركة، متجدد الأفكار. في عام 2001 أطلق شركة «الشيف رمزي» للأطباق الجاهزة والمجلدة، وصدّر منتجاته إلى دول كثيرة. والعام الذي تلاه أصدر كتابه «الشيف رمزي من تراث لبنان»، وهو خلاصة تجربته طوال 3 سنوات من التجوال في المناطق اللبنانية والقرى والبلدات، متعرفاً على الوصفات التراثية من مصادرها الأولى، وتلك كانت خطوة مهمة لأرشفة طرق تحضير الأطباق، باختلافاتها المناطقية، وغنى تعدديتها.

من الصعب الحديث عن كل إنجازات الشيف رمزي؛ فقد كان طاقة خلاّقة لا تلكّ. بعد الكتب، أصدر عام 2003 مجلة «الشيف رمزي» الشهرية، ولقيت نجاحاً لبنانياً وعربياً.

نعرف بعض ما نشط به الشيف المحبوب ولا نعرف البعض الآخر. فقد تولى مسؤولية مطبخ «المقهى الأدبي» التابع للسفارة الفرنسية ومركزها الثقافي، ويرتاده طلاب الجامعة اليسوعية المجاورة، كما مثقفون وكتاب، وتنظم فيه جلسات فكرية وحوارات ونقاشات. يروق للشيف رمزي هذا النوع من التحديات، حيث تختلط الثقافة الأدبية بثقافة الطهي على مائدة واحدة. في هذا المطعم الذي توالى عليه طباخون كبار قبله، خلط الشيف رمزي بين المطبخ اللبناني والفرنسي الذي يعرفه جيداً، واستقبل ضيوفه شخصياً في الأمسيات الثقافية، واستمع إلى آرائهم في أطباقه، واقتراحاتهم.

هكذا هو الشيف رمزي طاقة لا تنضب، ومشاريع ولاّدة، حين باغتته المنية كان يخطط لفتوحات جديدة، مع أصدقاء المهنة. لم يصدقوا خبر وفاته ونقاشات العمل كانت لا تزال حارة معه. الشيف لن يتمم ما بدأه معهم، ذهب من دون أن يخبرهم، وهو واصل للتو من رحلة خارجية.

لن ينسى اللبنانيون أبداً أن الشيف رمزي قاد معركة وطنية وأدخل صحن التبولة وصحن الحمص في موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. قرر يومها أن يقول للعالم اجمع إن صحن الحمص لبناني وإن الاستيلاء عليه ممنوع. قاد الشيف رمزي معركته يومها بمعونة 250 طباخاً متدرباً من مدرسة «الكفاءات»، يحيط بهم 30 طباخاً محترفاً وأستاذاً ومراقباً صحياً من كوادر مدرسة «الكفاءات».

ليس ذلك فحسب؛ فقد انبرى الرجل ليؤكد لبنانية صحني الحمص والتبولة معاً، من خلال دراسة مشوقة وقيمة، وضعها بين يدي المسؤولين اللبنانيين، لتكون معيناً لهم أمام الهيئات الدولية لتسجيل هذين الطبقين كمِلك لبناني في الدوائر القانونية، وخصّ «الشرق الأوسط» في حينه بجانب منها لنشرها وإطلاع قرائها عليها.

وأثبت الشيف في دراسته أن إنتاج الطحينة في لبنان مطلع القرن التاسع عشر، هو الذي فتح الباب أمام صحن الحمص. كان اللبنانيون، ولا يزالون، يستوردون السمسم من السودان، ويطحنونه وينتجون الطحينة التي أدخلت في الوصفات. وشرح الشيف رمزي يومها أن الفكر المطبخي اللبناني أبدى عبقرية بتحضير طبق يعدّ تقنياً من الوصفات الصعبة وهي «الأرنبية» بمزج الطحينة مع أكثر من ستة أنواع من الحمضيات. «لذا؛ لن يستحيل عليه أن يصل إلى مزج (البليلة) ذات الحمص الحب المسلوق الطري بالطحينة. فهل يستعصى إضافة القليل من الثوم المدقوق والملح، وتقديم الصحن مزيناً بالذهب اللبناني، أي زيت الزيتون؟».

كان الشيف رمزي عربياً غيوراً، ولبنانياً حتى الثمالة، لم يجوّد طبخاته فحسب، بل كان باحثاً ودارساً ومؤرشفاً، مهتماً بالعناصر الرئيسية التي تشكل الطبخات التراثية، ومنها زيت الزيتون، والحمضيات على أنواعها، والبرغل. لكن هذا لم يحُل دون انفتاحه على الثقافات الأخرى، وتجاريبه أطعمة من مطابخ العالم، وعلاقاته الوثيقة مع أوروبيين وأميركيين، ومطابخ عالمية مختلفة.

رحيل الشيف رمزي أصاب اللبنانيين بحزن شديد، فهو جزء من يومياتهم على مدى سنوات طوال. كان يكفي أن يضع صورته على الكتاب الذي يصدره حتى يقبل عليه الجمهور. وبإعلان خبر وفاته ليل الأحد، ساد حزن شديد، وتحول الى التراند الأول في لبنان على وسائل التواصل الاجتماعي ونعاه أصدقاؤه وأحبته، ومتابعوه. وكتبت سهى شعبان: «الشيف رمزي يعني (عالم_الصباح) يعني (تلفزيون_المستقبل)، يعني المطبخ اللبناني الذوّاق، يعني مرحلة من حياتنا حبيناها كتير، وتندثر مع اندثار نجومها وأبطالها».


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

قبل قبول عرض عمل... خطوات أساسية عليك اتخاذها

أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
TT

قبل قبول عرض عمل... خطوات أساسية عليك اتخاذها

أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)
أحد أفضل الأوقات للتفاوض هو بعد تلقي عرض عمل مباشرة (رويترز)

عندما يتعلّق الأمر بما هو مهم في الوظائف، فإن الناس لديهم العديد من الأولويات. يقول أكثر من نصف العمال، 61 في المائة، إنهم يريدون توازناً أكبر بين العمل والحياة، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «غالوب» عام 2022 وشمل 13 ألفاً و85 موظفاً في الولايات المتحدة، بينما يريد 53 في المائة استقراراً وأماناً وظيفياً أكبر. وفوق كل شيء، يعطي 64 في المائة الأولوية للأجور والمزايا، بحسب شبكة «سي إن بي سي».

أحد أفضل الأوقات للتفاوض على هذه الأشياء هو بعد تلقي عرض عمل. قد يشمل ذلك التفاوض على الراتب والعمل من المنزل ووقت الإجازة. تقول ستايسي هالر، المستشارة المهنية الرئيسية في Resume Builder: «يجب أن تكون لديك قائمة شخصية بالأشياء التي تريد الحصول عليها، ثم الأشياء التي قد تكون على استعداد للاستغناء عنها». وستحتاج إلى معرفة هذه الأمور قبل أن يأتي إليك صاحب العمل المحتمل بهذا العرض الأولي.

الأهداف طويلة المدى

اسأل نفسك: «ما أهدافي طويلة المدى؟ وما الأهداف قصيرة المدى؟»، وفقاً لأنجلينا داريساو، مدربة مهنية ومؤسسة C - Suite وCoach.

فكر في الأمور التي تحتاج إليها حقاً من الوظيفة، مثل راتب معين لدعم نمط حياتك أو عدد محدد من أيام العطل سنوياً، على سبيل المثال. وتؤكد الخبيرة أن الأمر كله «يرجع إلى التأمل الذاتي».

إذا كنت بحاجة إلى مساعدة في تحديد أولوياتك، تقترح داريساو العمل مع مدرب مهني.

«هل يحدث هذا على نطاق واسع؟»

بمجرد أن تتوصل إلى ما تريده من عرض عمل، حاول أن تتعرف على ما هو واقعي في الشركة أو المجال المحدد من خلال التحدث إلى الآخرين. تشرح داريساو: «اسأل التالي (هل يحدث هذا على نطاق واسع في جميع أنحاء الصناعة؟)»، يمكن أن تساعدك الإجابة في الحصول على فكرة عما هو نموذجي.

إذا اكتشفت أن أحد طلباتك خارج عن المألوف، «تحدث بشكل غير رسمي مع قادة الموارد البشرية أو قادة الأعمال الآخرين في صناعتك لفهم ما يحفزهم عادة على تلبية هذا النوع من الطلبات، ستساعدك هذه الرؤية على معرفة ما قد تحتاج إليه للحصول على فرصة أفضل لتلبية احتياجاتك»، بحسب الخبيرة.

وتشير إلى إن الخلاصة في الحصول على هذا النوع من الوضوح هي أن هناك «فارقاً كبيراً بين أن تكون في وضع مريح وبين أن تكون في وضع يجعلك حقاً مستعداً للنجاح». والتفاوض على أفضل سيناريو ممكن هو المفتاح.