أعلن متحف اللوفر أبو ظبي عن اقتنائه لوحة «الدمى» للفنان الفرنسي الشهير جان أونوريه فراغونا، وعرضها في صالة مخصصة لفن القرن الـ18، إلى جانب لوحة أخرى للفنان بعنوان «القفل».
لا يمكننا ذكر اسم فراغونا من دون ذكر لوحته الأشهر «الأرجوحة» وهي من مقتنيات «ذا والاس كوليكشن» في لندن.
مثل لوحة «الأرجوحة»، يعبر فارغونا في «الدمى» عن أحوال المجتمع الفرنسي في القرن الـ18، يستخدم براعته في تصوير الضوء والطبيعة لرسم مشاهد مختلفة من الحياة الاجتماعية في ذلك العصر. لوحاته في العادة تتميز بروح لطيفة، قد تكون دعابة أو سخرية مثل لوحة «الأرجوحة»، التي تصور ثلاثياً كلاسيكياً يتمثل في شابة جميل تركب الأرجوحة، في حين يمسك زوجها العجوز بحبل الأرجوحة لترتفع في الهواء كاشفة عن ردائها الداخلي، وفي مقدمة اللوحة وبعيد عن عين الزوج يختبئ شاب ينظر للمرأة، في تصوير لثلاثي الزوج العجوز والزوجة الشابة والعشيق.
في اللوحة المعروضة حديثاً في اللوفر نرى مشهداً اجتماعياً آخر، يدور داخل حديقة غناء، حيث يقدم لاعب الدمى عرضه على منصة مرتفعة ممسكاً بحبال الدمى يحركها ليحكي قصة فلكلورية أمام جمهور من السيدات والأطفال والرجال أيضاً. يلجأ الفنان للعب بالضوء والظل لرسم المشهد الذي يصور الطبقات المختلفة، فالصف الأول من المتفرجين يضم العامة، بينما يجلس في مقدمة اللوحة أعضاء الطبقات الغنية. يفصل الفنان ما بين الطبقات الاجتماعية عبر استخدام الألوان، الباهتة تمثل عامة الناس بينما تتميز ملابس المتفرجين من الطبقات الأعلى بالألوان الغامقة.
اللوحة تمثل مشهداً متكاملاً حياً، فنكاد نسمع ضحكات المشاهدين وصيحات الأطفال أمام عرض الدمى، ويذهب نظرنا لبعض الأشخاص على يسار اللوحة يتجمعون حول منصة لبيع الأطعمة ربما. في خلفية اللوحة وبين الأشجار الكثيفة نرى عبر فجوة صغيرة امرأة ورجلاً، وعلى الجانب الأيمن من اللوحة وأيضاً بين الأشجار المتعانقة نرى تمثالاً أبيض مرتفعاً قليلاً يبدو كالمراقب الصامت لما يحدث في هذه الحديقة.
اللوحة إضافة جميلة ومهمة لمتحف اللوفر أبو ظبي، حسب ما يشير رئيس المنسقين الفنيين بالمتحف غيليم أندرى، في حديث مع «الشرق الأوسط»، يقول إن اللوحة «نادرة جداً خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن لوحات فراغونا في الأغلب معروضة في مؤسسات ومتاحف عالمية في لندن ونيويورك وباريس»، ويضيف أن اللوحة ظلت عند العائلة نفسها منذ عام 1936 «المالك الحالي معروف بحب اقتناء الأعمال الفنية».
اللوحة نفذها الفنان في الفترة ما بين عام 1775 - 78 17 وتصور «مشهداً عاماً يجمع بين فن رسم الطبيعة وأيضاً الرسم الاجتماعي. حيث يصور الفنان الفعاليات التي كانت تقام في إحدى الحدائق الخاصة التي كانت تفتح أبوابها للجمهور من العامة والطبقات الأرستقراطية في شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام». يعلق أندرى على تصوير الفنان للطبيعة المتمثلة في أشجار كثيفة متشابكة: «المناظر الطبيعية كانت من الموضوعات التي ميزت فراغونا، يمكنك رؤيته براعته في استخدام الضوء هنا بحيث يبرز العمق، أيضاً تبرز اللوحة طريقة الفنان في تصوير المشاهد الحية والحركة، وهي من عوامل الجذب في لوحاته».
«أرى تشابهات في الأسلوب والتشكيل مع لوحة (الأرجوحة)»، أعلق قائلة ويوافق أندريه قائلاً: «بالتأكيد، الفنان يعتمد على الفكرة نفسها من تصوير المشهد الطبيعي وتضافره مع المشهد الاجتماعي. يجنح الفنان أحياناً لتذويب المشهد الاجتماعي داخل تفاصيل الطبيعة بحيث يبرز أحدهما على حساب الآخر، ولكن هنا نرى أنه أعطى الأهمية للجانبين».
تنضم لوحة «الدمى» للوحة أخرى لفراغونا في هذه القاعة تصور مشهداً مختلفاً يقع داخل مساحة ضيقة في حجرة صغيرة ويصور رجلاً يحاول إيصاد الباب بينما تحاول امرأة شابة مقاومته، أتساءل: «هل هناك خيط يعبر عن فكرة القوى التي تتحكم في شخص أو أشخاص، سواء فعلياً أو مجازياً؟ في لوحة (الدمى) يبدو لاعب الدمى ممسكاً بخيوطها يتحكم في حركتها، وأيضاً عبر ذلك تصبح لديه القدرة على التحكم في الجمهور؟» يجيبني: «هذه نقطة شيقة، لم أفكر بها من هذا الجانب. عندما قررنا عرضهما في هذه القاعة كنا نفكر في إلقاء الضوء على الاختلاف في الأسلوب»، فالمعروف عن فراغونا أنه استخدم أساليب مختلفة عبر مسيرته الفنية من اللوحات التاريخية للمناظر الطبيعية والأساطير والبورتريه.