مسجد الظاهر بيبرس الأثري بالقاهرة يستعيد سيرته الأولى

يعد ثالث أكبر الجوامع الأثرية بالبلاد

TT

مسجد الظاهر بيبرس الأثري بالقاهرة يستعيد سيرته الأولى

جدران المسجد مبنية من الحجر الدستور (وزارة السياحة والآثار المصرية)
جدران المسجد مبنية من الحجر الدستور (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد سنوات طويلة من تعثر مشروعات الترميم، فتح مسجد الظاهر بيبرس الأثري بقلب القاهرة، أبوابه مجدداً للمصلين، الاثنين، عقب افتتاحه رسمياً بمشاركة شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب، ووزير السياحة والآثار المصري، ورئيس مجلس الشيوخ ببرلمان جمهورية كازاخستان، والمفتي العام ورئيس الإدارة الدينية لمسلمي كازاخستان.

ودعا وزير السياحة والآثار المصرية أحمد عيسى الشعب الكازاخي لزيارة مصر والمسجد، لافتاً إلى أن هناك 6 آلاف كازاخي زاروا مصر الأسبوع الماضي، مشيراً إلى أنه «من المتوقع أن تشهد مصر زيارة ما يقرب من 350 ألفاً إلى 400 ألف كازاخي العام الحالي».

وحسب وزير الأوقاف المصري الدكتور محمد مختار جمعة، فإن «افتتاح هذا المسجد رسمياً، الاثنين، يأتي بعد نحو 225 عاماً من الإغلاق، لم يكن حينها الجامع يؤدي دوره كمسجد، إذ استخدم قلعة حربية ومن ثَمّ مصنعاً للصابون فمخبزاً ومذبحاً».

وبلغت تكلفة مشروع ترميم المسجد نحو 237 مليون جنيه مصري، ساهم فيها الجانب الكازاخي بنحو 4.5 مليون دولار عام 2007، بما يعادل نحو 27 مليون جنيه مصري في حينه، كما ساهمت وزارة الأوقاف بنحو 60 مليون جنيه مصري من مواردها الذاتية ونحو 150 مليون جنيه مصري من وزارات السياحة والآثار والمالية والتخطيط، حسب جمعة، الذي أعلن أن صلاة الجمعة هذا الأسبوع ستُبثّ من جامع الظاهر بيبرس.

جانب من افتتاح المسجد (وزارة السياحة والآثار المصرية)

المسجد الذي تبلغ مساحته نحو 3 أفدنة، يعد ثالث أكبر المساجد الأثرية في مصر مساحة، بعد جامعي أحمد بن طولون، والحاكم بأمر الله، حسب الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار المصري، الذي أشار إلى «البدء في مشروع ترميم جامع الظاهر بيبرس وإعماره عام 2007، ثم تعثر المشروع لعدة أسباب منذ عام 2011، حتى استؤنفت الأعمال عام 2018، التي تضمنت تخفيض منسوب المياه الجوفية، والانتهاء من جميع الأعمال الإنشائية، والترميم الدقيق والمعماري للجامع، وتطوير نظم الإضاءة والتأمين به»، لافتاً إلى «اكتشاف صهريج مياه أسفل أرضية صحن الجامع، خلال أعمال الترميم».

وشملت أعمال الترميم تدعيم الأساسات والعزل والأعمال الإنشائية وأعمال شبكة تثبيت منسوب المياه الجوفية وتركيب منظومة إطفاء الحريق، وأعمال شبكة الكهرباء الداخلية والخارجية وتركيب وحدات الإضاءة الداخلية، وترميم واستكمال الشبابيك الجصية الموجودة أعلى حوائط الجامع، وترميم ومعالجة الأشرطة الجصية الداخلية التي تحتوي على آيات قرآنية بإيوان القبلة، وترميم الأبواب الخاصة بمدخل الجامع وعمل التقوية والتعقيم والتسكيك للأبواب، وكذلك أعمال إحلال وتجديد الميضأة الحديثة، وترميم المداخل التذكارية الحجرية الثلاثة، حسب العميد مهندس هشام سمير مساعد وزير السياحة والآثار لمشروعات الآثار والمتاحف.

وعدّ الدكتور عبد الله كامل، أستاذ الآثار الإسلامية، ترميم المسجد الذي استغرق وقتاً طويلاً بأنه «مشروع إنقاذ»، إذ كان يعاني من التصدعات والمياه الجوفية.

المسجد من الداخل (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأضاف كامل لـ«الشرق الأوسط»: «شهدت خطط ترميم المسجد خلال السنوات السابقة عراقيل متعددة، وخلافات بين خبراء ترميم قدموا مشروعاتهم إلى وزارة الآثار، وتوقف مشروع الترميم عام 1988، بسبب وجود أخطاء في عمليات ترميمه».

وأنشأ مسجد الظاهر بيبرس، السلطان المملوكي البحري، الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، ما بين عامي 1266 و1268. ويعد بيبرس المؤسس الفعلي للدولة المملوكية البحرية ورابع السلاطين المماليك، الذي بدأ حياته في مصر لدى السلطان الصالح الأيوبي مملوكاً، وفق الدكتور أبو بكر أحمد عبد الله المكلف بتسيير أعمال قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار.

المسجد يستعيد سيرته الأولى (وزارة السياحة والآثار المصرية)

ويؤكد أبو بكر أن «المسجد عانى الكثير من الإهمال أثناء الحملة الفرنسية على مصر، حيث حوله الفرنسيون إلى قلعة يتحصنون بها، ونصبوا المدافع أعلى أسواره. ثم تحول لمصنع للصابون في عهد العثمانيين ومحمد علي باشا، ثم أُقيم به فرن لخبز جراية العسكر، وفي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي أُزيل الفرن ونُظف الموقع واستعمله الجيش الإنجليزي مخبزاً فمذبحاً. واستمر كذلك حتى عام 1915، مشيراً إلى أن المسجد رمم أكثر من مرة بعد أن عانى من ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتساقط دعامته وأعمدته.

 

وينتمي تخطيط المسجد إلى التخطيط التقليدي للمساجد الإسلامية الذي يعتمد على وجود صحن أوسط مكشوف تحيط به أروقة أربعة أكبرها رواق القبلة التي كانت عقودها محمولة على أعمدة رخامية فيما عدا المشرفة منها على الصحن فقد كانت محمولة على أكتاف بنائية مستطيلة القطاع، كذلك صف العقود الثالث من شرق كانت عقوده محمولة على أكتاف بنائية أيضاً.

وبنيت وجهات الجامع الأربع من الحجر الدستور، وتوجد شبابيك معقودة بأعلاها، وتوجت بشرفات مسننة وامتازت بأبراجها المقامة بأركان الجامع الأربعة.



«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجميلات النائمات»... معرض قاهري يعيد تشكيل الجسد بصرياً

مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
مدارس فنية متنوعة تداخلت في لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يطمح الفنان المصري هشام نوّار إلى إعادة تشكيل الجسد بصرياً عبر معرضه «الجميلات النائمات» متشبعاً بالعديد من الثيمات الأيقونية في الفن والأدب والتاريخ الإنساني، خصوصاً في التعامل مع الجسد الأنثوي، بما يحمله من دلالات متعددة وجماليات عابرة للزمان ومحيّدة للمكان.

يذكر أن المعرض، الذي يستضيفه «غاليري ضي» بالزمالك (وسط القاهرة) حتى 5 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، يضم ما يزيد على 50 لوحة تتنوع خاماتها بين استخدام الألوان الزيتية على القماش بمساحات كبيرة، وبين الرسم بالألوان في مساحات أقل.

ويعدّ الجسد بمفهومه الجمالي والفني هو محور المعرض، والجسد الأنثوي تحديداً هو الأكثر حضوراً، بينما تبقى الوضعية الرئيسية التي اختارها الفنان، وهي فكرة «تمثال الكتلة» المصري القديم، وتوظيفه على هيئة فتاة نائمة هي الأكثر تعبيراً عن الفكرة التي يسعى لتقديمها، واضعاً ثيمتي الجمال، ممثلاً في الجسد الأنثوي، والنوم ممثلاً في وضعية واحدة تجسد المرأة، وهي نائمة في وضع أشبه بالجلوس، في إطار مشبع بالدلالات.

اللونان الأصفر والأحمر كانا لافتين في معظم الأعمال (الشرق الأوسط)

وعن المعرض، يقول هشام نوار: «الفكرة تستلهم تمثال الكتلة المصري القديم، فمعظم الشخصيات التي رسمتها تعود لهذا التمثال الذي ظهر في الدولة المصرية القديمة الوسطى، واستمر مع الدولة الحديثة، ويمثل شخصاً جالساً يضع يديه على ركبته، وكأنه يرتدي عباءة تخبئ تفاصيل جسده، فلا يظهر منه سوى انحناءات خفيفة، ويكون من الأمام مسطحاً وعليه كتابات، وكان يصنع للمتوفى، ويكتب عليه صلوات وأدعية للمتوفى».

ويضيف نوار لـ«الشرق الأوسط»: «تم عمل هذا التمثال لمهندس الدير البحري في الدولة الحديثة، الذي كان مسؤولاً عن تربية وتثقيف ابنة حتشبسوت، فيظهر في هيئة تمثال الكتلة، فيما تظهر رأس البنت من طرف عباءته، ومحمود مختار هو أول من اكتشف جماليات تمثال الكتلة، وعمل منها نحو 3 تماثيل شهيرة، هي (كاتمة الأسرار) و(الحزن) و(القيلولة)».

حلول جمالية بالخطوط والألوان (الشرق الأوسط)

وقد أهدى الفنان معرضه للكاتب الياباني الشهير ياسوناري كاواباتا (1899 - 1972) الحائز على نوبل عام 1968، صاحب رواية «منزل الجميلات النائمات» التي تحكي عن عجوز يقضي الليل بجوار فتاة جميلة نائمة بشرط ألا يلمسها، كما أهداه أيضاً للمثال المصري محمود مختار (1891 – 1934) تقديراً لتعامله مع فكرة «تمثال الكتلة».

وحول انتماء أعماله لمدرسة فنية بعينها، يقول: «لا يشغلني التصنيف، ما يشغلني معالجة خطوط الجسد البشري، كيف أجد في كل مرة حلاً مختلفاً للوضع نفسه، فكل لوحة بالنسبة لي تمثل الحالة الخاصة بها».

الفنان هشام نوار في معرضه «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

ويشير نوّار إلى أنه لم يتوقع أن يرسم كل هذه اللوحات، وتابع: «الفكرة وراء الجميلات النائمات الممنوع لمسهن، لكن تظل المتعة في الرؤية والحلم الذي يمكن أن يحلمه الشخص، حتى إن ماركيز قال إنه كان يتمنى أن يكتب هذه الرواية».

«يؤثر التلوين والتظليل على الكتلة، ويجعلها رغم ثباتها الظاهر في حال من الطفو وكأنها تسبح في فضاء حر، هنا تبرز ألوان الأرض الحارة التي احتفى بها الفنان، وتطغى درجات الأصفر والأحمر على درجات الأخضر والأزرق الباردة»، وفق الكاتبة المصرية مي التلمساني في تصديرها للمعرض.

أفكار متنوعة قدّمها الفنان خلال معرض «الجميلات النائمات» (الشرق الأوسط)

وتعدّ مي أن هذا المعرض «يكشف أهمية مقاومة الموت من خلال صحوة الوعي، ومقاومة الذكورية القاتلة من خلال الحفاوة بالجسد الأنثوي، ومقاومة الاستسهال البصري من خلال التعمق الفكري والفلسفي؛ ليثبت قدرة الفن الصادق على تجاوز الحدود».

وقدّم الفنان هشام نوّار 12 معرضاً خاصاً في مصر وإيطاليا، كما شارك في العديد من المعارض الجماعية، وعمل في ترميم الآثار بمنطقة الأهرامات عام 1988، كما شارك مع الفنان آدم حنين في ترميم تمثال «أبو الهول».