ميديا ومعين لـ«الشرق الأوسط»: «قريباً سنحلق معه إلى آفاق عالمية»

يعدّ برنامجهما الإلكتروني «سردة» من الأشهر في العالم العربي

شكّل كل من معين وميديا ثنائياً متناغماً في «بودكاست» أسبوعي (معين جابر)
شكّل كل من معين وميديا ثنائياً متناغماً في «بودكاست» أسبوعي (معين جابر)
TT

ميديا ومعين لـ«الشرق الأوسط»: «قريباً سنحلق معه إلى آفاق عالمية»

شكّل كل من معين وميديا ثنائياً متناغماً في «بودكاست» أسبوعي (معين جابر)
شكّل كل من معين وميديا ثنائياً متناغماً في «بودكاست» أسبوعي (معين جابر)

صحيح أن اسمه «سردة بعد العشاء» ولكن متعة الاستماع إليه تتجاوز هذا الموعد. فجمهور هذا البرنامج الإلكتروني يتابعونه مساء وصباحاً بعد الغداء وعلى الترويقة. فمقدماه ميديا عازوري ومعين جابر صنعا من «سردة» وقت استراحة لبنانية بامتياز بمحتواها وضيوفها وبأسلوب الحوار فيها. وبعيداً عن الأسئلة الـ«كليشيه» والأحاديث المتكررة التي تجري مع نجوم الفن وغيرهم استطاع الثنائي التميز.

«سردة» الذي بدأت حكايته في العالم الرقمي أثناء الجائحة وتوسعت بعد انطلاق الثورة اللبنانية، هو بمثابة «بودكاست» يستقبل شخصيات معروفة في قطاعات مختلفة. وبين الفن والبيئة والطب النفسي والإعلام والشهادات الحية تدور موضوعاته.

مقدماه يتمتعان بخلفية ثقافية غنية تعود أولاً لطبيعة عملهما في الميديا والإنتاج. كما أن كلاً من جهته تشرّب من والده ثقافة التحاور. فميديا هي ابنة الطبيب اللبناني النفسي الشهير شوقي عازوري. فيما معين هو نجل الإعلامي علي جابر الذي ترك بصمته أينما حل.

لماذا نجح «سردة» في استقطاب الملايين؟ لأنه وحسب مقدماه يجمع بين المحتوى والحوار الشيق. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تشارك فيه كل من ميديا ومعين، يؤكدان أن لحظات ما بعد تناول العشاء أوحت لهما بفكرة البرنامج. ففي هذا الوقت تحلو الجلسات بين الأصدقاء ويتناقشون بموضوعات مختلفة. «لقد استهللناها أولاً وفي نحو 4 حلقات بأحاديث اجتماعية أدرناها سوياً. ومن ثم طورنا الفكرة وصرنا نستقبل أصدقاء لنا. وبعدها توسعنا أكثر فأكثر فصارت تطال نجوماً وشخصيات معروفة». هكذا يخبرانا ميديا ومعين قصة ولادة واحد من البرامج الإلكترونية الأولى في العالم الرقمي العربي. ولكن اليوم وبعد أن كرّت السبحة وصارت هناك كثافة أعداد «بودكاست» فهل لا يزالان يشعران بالأمان والاستمرارية؟ يرد معين: «برنامجنا يرتكز على فكرة (بودكاست) تختلف تماماً، فآفاقها واسعة ومجالاتها متنوعة ولكل من صناعها بصمته وروحه. فنعتبره مجتمعاً بحد ذاته لا منافسة مزعجة أو ثقيلة فيه، إذ لكل واحد مساحته ومتابعيه. أحياناً يقصدوننا للاستشارة والمساعدة، فنقدمها بكل طيبة خاطر. نحن بأمان نعم لأن «سردة» تطبعه روح ميديا ومعين، تماماً كأي بيت تدخلينه فتكون له خصوصيته وأجواؤه».

ميديا التي عملت في مجال الصحافة شكّل التحدث بالعربية أولى الصعوبات لها. «لقد كنت أعيش في فرنسا، وفي لبنان عملت في الصحافة، وكنت أكتب مقالاتي بالفرنسية». وهنا يتدخل معين: «لقد تمسكت بالعربية لأنها برأيي اللغة الكنز. فطال برنامجنا العالم العربي بأكمله. ونحن فخورون كون منتجنا لبنانياً من ألفه إلى يائه. فميديا وأنا من لبنان ونحاور ضيوفنا باللبنانية. وفريقنا محلي وبيتنا الاستوديو بين دبي وبيروت. وديكوراته مستوحاة من منازلنا اللبنانية. حتى تكلفة هذا البرنامج ندفعها من جيبنا الخاص».

ميديا ومعين شكلا ثنائياً محبوباً ومتابعاً بشكل كبير. فما هو سرهما؟ ترد ميديا: «لقد تعرفنا على بعضنا في ساحات الثورة، وولد تناغم سريع بيننا. كان لكل منا مشروعه وأفكاره المستقبلية. ولكننا ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا نقوم بهذا المشروع». ويعلق معين: «منذ البداية لمسنا هذا الاختلاف بيننا، فميديا عاشت في باريس ومن دين غير ديني، وهي امرأة مطلقة وعمرها 50 سنة. أما أنا فجذوري تعود إلى الجنوب وعمري 31 عاماً ولا زلت عازباً. ولكن كل هذه الاختلافات قربتنا ووسعت أطر مناقشاتنا. فكانت غنية ومفيدة فقررنا نقلها للآخر. ولعل عدم توفر ساحات إعلامية حرة نعبر فيها عن مشاعرنا، دفعنا للقيام بهذه التجربة».

يتفق الاثنان على أن الثورة وانفجار بيروت حدثان غيرا كثيراً في طريقة تفكيرهما. «لأن الإعلام التقليدي لم يرو عطشنا خصوصاً بعدما تراجعت شرارة الثورة قمنا بهذه الخطوة. فالمعلومات التي كنا نرغب في الحصول عليها والتحدث فيها لم يكن التلفزيون التقليدي قادراً على تزويدنا بها. ويوضح معين: «الإعلام التقليدي برأيي معلب ومدجن وتابع، أما نحن فمستقلان بكل ما نقوم به».

لم يستشيرا أياً من معارفهما قبل الإقدام على «سردة» حتى إنهما أبقيا الفكرة بعيدة عن أهاليهما. وتعلق ميديا: «أهالينا اليوم هم من أهم متابعينا والداعمين لنا. فوالدي علّمني معنى الحرية وزرع في منذ الصغر الثقة بالنفس والتعبير بجرأة من دون خوف». أما معين فيكمل حديثه: «والدي موسوعة بحد ذاته وكنز معلومات. يأتي من خلفية إعلامية كلاسيكية، ولكنه من أكثر الداعمين للإعلام الحديث إذ يرى فيه المستقبل».

استضاف «سردة» حتى اليوم عشرات الأسماء اللامعة. وكما جورج خباز وكارلوس غصن كذلك نادين لبكي وباسل خياط وغيرهم. وتضيف ميديا: «هناك أيضاً أشخاص عاديون وناشطون. ومن أكثر الأشخاص الذين تركوا أثرهم عندي ويوافقني معين الرأي هو عمر الشغري. فهو أحد الناجين القلائل من سجن صيدنايا العسكري السوري. لقد جعلنا نعيد حساباتنا وننظم أولوياتنا من جديد، وبث فينا التفاؤل والسعادة». ويقاطعها معين: «بالفعل هو شخص غير عادي يملك طريقة تفكير رائعة، فحققنا معه أجمل السردات والحوارات».

كيف استطاعا استقطاب هذا العدد من النجوم؟ يرد معين: «لم نواجه أي رفض من أي مدعو ولا مرة. فهم يؤكدون لنا أنهم يرتاحون في برنامجنا ويحبون أسلوبنا الحواري. ونحن محظوظون دون شك بهذا التفاعل». اليوم يخطط الثنائي لإجراء بعض التغيير في برنامجهما: «نريد أن نوسع آفاقه، ونعبر إلى محيطات وفضاءات أوسع عربياً وعالمياً. وقريباً سنبدأ بالسفر إلى مصر والمغرب العربي والسعودية وصولاً إلى العالم الغربي».

بالنسبة لميديا فـ«سردة» يشكل أمتع تجاربها المهنية، منه تعلمت الكثير وتعرفت إلى الناس عن قرب. ومعين سعيد بتوطيد هذه العلاقة الثقافية بين لبنان ومغتربيه وسكان العالم العربي أجمعين. «لدي شغفي بالمحتوى وقبل (سردة) لم يكن هناك ما يشبهنا خاصة على شاشات التلفزة. فغالبية المحتوى فيها يسودها استيراد الأفكار، ومع (سردة) أسهمنا في تعريف الناس على العالم العربي الغني بثقافاته».

مؤخراً شارك كل من ميديا ومعين في مؤتمر عربي (أرت آند ميديا) أقيم في جامعة هارفارد الأميركية. «لقد دعينا للمشاركة فيه والتحدث عن (سردة) وتفاجأنا بأعداد الناس الكثيفة والمزدحمة في الصالة». ويختمان: «اليوم شغفنا يكبر أكثر ونتمنى أن تتكثف تجارب إعلامية مشابهة. فنحن لم نخترع البارود والأهم أن نستمر ونكمل المشوار».

«الإعلام التقليدي برأيي معلب ومدجن وتابع، أما نحن فمستقلان بكل ما نقوم به».

معين جابر



«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
TT

«كريسماس أون آيس» المُنتَظر... نجاةٌ بالأمل

لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)
لحظات ساحرة تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة (الشرق الأوسط)

التصفيق للشاب اللبناني أنطوني أبو أنطون وهو يُطلق الحدث الضخم، «كريسماس أون آيس»، جمع وَقْعَي اليد والقلب. فاليد أدَّت الفعل والخافقُ رقص. وسط الظنّ أنّ التعثُّر قدر، والنهوض شقاء، وفي ذروة الشعور بقسوة الاحتمالات، وقف أمام الحضور في صالة «غراند سينما» بمجمع «أ ب ث» في منطقة ضبية المضاءة بأنوار العيد، ليُعلن وصول العرض العالمي إلى لبنان المُنهك بعد الحرب.

أنطوني أبو أنطون أطلق الحدث الضخم (الشرق الأوسط)

ليست الضخامة والإبهار وحدهما ما رفع الحماسة إلى الأقاصي، وإنما عظمة الإرادة. توجَّه المدير التنفيذي لشركة «آرتستس آند مور» المنتجة مع «كرايزي إيفنتس»، أنطوني أبو أنطون، إلى المشكِّكين بقدرة الروح اللبنانية على التحليق، وأعلن: «الراقصون والمؤدّون وصلوا إلى لبنان. كثر رأوا الاستحالة في ذلك. حضروا بأزيائهم وديكوراتهم، وبأعداد كبيرة، لنقول للعالم إنّ الهزيمة لا تليق باللبنانيين».

اشتدَّ التصفيق بإعلانه أنّ العرض أُرجئ مرّتين لتوحُّش الحرب، ومع ذلك عاد. تراءت الدائرة مغلقة، والمصير الجماعي معلّقاً بعنق زجاجة. لم يكن الإلغاء خياراً، بل ضرورة. ولمّا هدأ الويل، عجَّل إطلاق المشروع، فكثَّف الفريق الجهود للحاق بالعيد.

من 26 ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلى 5 يناير (كانون الثاني) المقبل، يضيء «كريسماس أون آيس» واجهة بيروت البحرية بعجائب الميلاد الخلّابة. استعارت الردحة الخارجية لصالة «غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر، حيث غلبة البنفسجي والأبيض، رغم سطوة الأحمر على المناسبة، والأخضر التابع له لتكتمل كلاسيكية الصورة.

من 26 ديسمبر إلى 5 يناير يزيّن «كريسماس أون آيس» بيروت (الشرق الأوسط)

وفي الخارج، نكَّه «الدي جي» إيلي جبر الجوّ بأغنيات ميلادية. سيدات بملابس برّاقة لفتن عدسات الكاميرات، توجّهن مع المدعوّين إلى صالة السينما حيث أعلن أنطوني أبو أنطون ولادة الموسم الثاني من «كريسماس أون آيس» رغم التعسُّر. شكَرَ الرعاة والشركاء، وذكَّر بنجاحات موسم أول شاهده أكثر من 70 ألف شخص. لحظات ساحرة تمرّ على الشاشة، تشبه رحلات تعبُر بالمرء نحو أحلام لطيفة تجعله يبتسم طوال اليوم. فالإعلان الترويجي بيَّن عالماً يمنح أجنحة ليُحلّق القلب إلى الغيمة. والعقل إلى عِبرة. والواقع إلى الدهشات.

العرض العالمي المبهر يصل إلى لبنان المُنهك بعد الحرب (الشرق الأوسط)

أخبر أبو أنطون أنّ الشخصية الرئيسية «إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام. ينضمّ إليها «كسارة البندق»، فيشكّلان مشهدية غنائية راقصة، وما يتجاوز السحرَيْن إلى مفهوم القيم الإنسانية والسلام.

حين غنّى آندي ويليامز «إنه أروع أوقات السنة»، صَدَق؛ وهذه الروعة تتجلّى بتعميم الجمال. فالفريق ذلَّل الصعاب، ولـ9 أشهر واصل التحضير. في شريط عرض الكواليس، تحدّث صنّاع الحدث عن «مسؤولية الكتابة والإخراج». أرادوا عرضاً يُحاكي جميع الأعمار من دون اقتصاره على سنوات الطفولة المأخوذة بالكاراكتيرات والبهجة. يشاؤون من خلال المواهب والأزياء والموسيقى أن يعمّ الدفء وتطول الأوقات السعيدة.

الروعة تتجلّى بتعميم الجمال (الشرق الأوسط)

يترقّب أبو أنطون حضور 60 ألف لبناني، مع احتمال تمديد العروض لِما بعد 5 يناير. بالنسبة إليه، إنه ليس مجرّد عرض من وحي فنون السيرك، وإنما احتفال للأمل المولود من عتمات الظرف القاهر. وإنْ تساءل بعضٌ مَن هي «إميلي فروست»؟ فسيجدها محاكاة للخير المتبقّي في الإنسان، وللضمير الكوني، والألفة والطيبة.

عبر لحظات الأسى والسعادة، ومسارات حياتها، والتحدّيات التي تعترضها، تُعلِّم النجاة بالأمل رغم الوحشية، لتبقى الذكريات والمشاعر، حين يعبُر كل شيء آخر نحو النسيان، ويتراكم الأثر كلما تسلّلت اللاجدوى وأمعنت في المرء برودة الأيام.

«إميلي فورست» لن تكون وحيدة هذا العام (الشرق الأوسط)

أُلغي الحدث للمرة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) لمّا احتدم التوتّر، والثانية في نوفمبر (تشرين الثاني) لما حلَّ الاشتعال. أعاد أبو أنطون لمشتري البطاقات مالهم، وظنّ أنها النهاية. ولمّا أُعلن وقف إطلاق النار، شدَّ الهِمّة. تمسَّك بالعودة، وإنْ عمَّق الخوف الأمني الهواجس وتوقّفت رحلات الطيران إلى لبنان. فالعرض عالمي والفنانون وافدون من بعيد، وسط ما يُحكى عن تجدُّد القصف وتعمُّد هذه الأرض بالدم.

استعارت الردحة الخارجية لـ«غراند سينما» شيئاً من ديكور العرض الساحر (الشرق الأوسط)

هذا العام، تتّسع المساحة في عمق بيروت المُصرَّة على الحياة: «إنها أكبر بأضعاف!»؛ يقول أبو أنطون المتطلِّع إلى لبنان يشِّع. عبر عشرات الرحلات اليومية، تمرّ إعلانات «كريسماس أون آيس» على متن «طيران الشرق الأوسط»، وصولاً إلى المطار واللوحات الإعلانية المجاورة. احتفالية بالإرادة؛ هو الحدث، وصرخة تُخبر العالم عن بلد عنيد، أعيدت كتابة النصّ لتُوجَّه رسالة إليه على وَقْع أغنية «لبيروت» الفيروزية. تُستَعرض الأرزة ويعلو نداء السلام؛ رافع الأوطان إلى عزِّها.