مبانٍ أثرية تحت القصف في السودان

متحف السودان القومي
متحف السودان القومي
TT

مبانٍ أثرية تحت القصف في السودان

متحف السودان القومي
متحف السودان القومي

يخشى عدد من علماء الآثار والباحثين السودانيين أن تتعرض المباني التاريخية والأثرية في السودان للتدمير أو إلى عمليات نهب وتخريب جراء الصراع الدائر، بعد إصدار أحد طرفي النزاع بياناً يوضح فيه تعرض جزءٍ من القصر الجمهوري القديم لضرر. وعلى ما يبدو فإن هذه الأحداث المؤلمة تلقي بظلال قاتمة على تفاصيل كثيرة، وتزيد من مخاوف المهتمين بالتراث البشري من إحداث أضرار بالغة ببعض المباني التاريخية مع طول أمد الحرب.

يقول عبد الله علي، مهتم بالتراث وباحث: «نتخوف أن يتعرض متحف السودان القومي لنيران القتال الذي يدور بين القوات المسلحة و(الدعم السريع)، أو أن يتعرض لعمليات النهب، خصوصاً أن المتحف يقع على شارع النيل في مناطق يكثر فيها القتال حالياً».

مضيفاً أن المتحف يضم آثاراً عمرها يتجاوز خمسة آلاف سنة، وتقدر بملايين الدولارات، وناهيك عن القيمة التاريخية للآثار، تضم حضارة تاسيتي أول مملكة في أفريقيا، بالإضافة إلي مملكتي كرمة ونبتة ومروي وتماثيل للملك السوداني العظيم تهارقا وحفيدة الملك نتكماني... وغيرها من الآثار السودانية التي تضم أيضاً الممالك المسيحية المعروضة في مواقع معينة تحتاج لرعاية خاصة بعيداً عن الضوء.

ووفق مهند نصر الدين باحث في الحضارة السودانية وأمين بجمعية ألارا الثقافية، فإن طول أمد الاقتتال يعرض كلاً من المتحف القومي ومعالم أثرية أخرى كاالطابية، ومقابر اليهود، ومقابر الأتراك للدمار، ونفقد آثاراً لها رمزية قوية لدى البشرية.

 

ويؤكد مهند نصر الدين أن المتحف القومي خالٍ من الآثار إلا من التماثيل العملاقة ضمن خطة صيانة للمتحف القومي، وجرى الاحتفاظ بها في أماكن أمينة حتى افتتاح المتحف.

ويلفت دكتور أسعد عبد الرحمن مدير اللجنة الوطنية للتراث الثقافي إلى أن القتال يدور في كل المواقع التاريخية والأثرية في كل من أم درمان والخرطوم ومدينة بحري منذ بدء الحرب، والاشتباكات تشمل مدينة أم درمان العاصمة الوطنية، التي تضم حي الملازمين التاريخي الذي يعود لفترة المهدية، وبالقرب من مباني الإذاعة والتلفزيون وطوابيه التي أنشئت في أم درمان عام 1896، وصنعت من الطين والطوب والحجارة في شكل خندق وساتر فوق سطح الأرض بفتحات صغيرة تبعد كل فتحة عن الأخرى نحو متر ونصف، وتعرف باسم المزاقل، وتعد طابية أم رمان الأشهر وتقع على مسافة 500 متر من شاطئ النيل، وكان الهدف من إنشائها صد العدو الأجنبي من جهة النيل.

ثم يأتي متحف بيت الخليفة وميدانه كأهم الأماكن الأثرية المعرضة للضرر والتلف.

ويؤكد دكتور عبد الرحمن أن جميع المواقع التاريخية والأثرية والفضاءات الثقافية بالخرطوم، ومحيط القصر الجمهوري التي تشمل متحف القصر ومتحف السودان القومي ومتحف التاريخ الطبيعي بجامعة الخرطوم الذي ماتت كل حيواناته بسبب الجوع والعطش تعد ساحة قتال ومناطق سيطرة لقوات «الدعم السريع».

وفي السياق نفسه يقول: «إن جامعة الخرطوم المعروفة بكلية غردون سابقاً (1904) وعلى امتداد شارعها موقع وزارة الثقافة والإعلام الذي يعود للفترة المسيحية يخضعان الآن لارتكازات (الدعم السريع) مؤكداً تأثر معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية المحتوي على مواد من التراث جمعت 1964بقسم الفلكلور بالحرب ووقوع دانات على المبنى، وكذلك كلية الهندسة بالإضافة إلى طمس المعالم التاريخية في وسط الخرطوم بؤرة الحرب.

وتحظر اتفاقية لاهاي استخدام الممتلكات الثقافية لأغراض يمكن أن تعرضها للتدمير والتلف، وتقضي أيضاً بامتناع المتحاربين عن القيام بأي عمل عدائي تجاه هذه الكنوز، وتطالب الدول المصادقة عليها بأن تغرس في صفوف قواتها المسلحة روح احترام الممتلكات الثقافية للشعوب.

وقد وضعت «اليونيسكو» مجموعة شاملة من الوثائق الدولية لحماية التراث الثقافي. وتوفر الاتفاقية منع وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية في حالة الأزمات والحروب. كما ينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن التدمير المتعمد للمباني التاريخية يشكل جريمة حرب.



مصير «خيّالة» الأهرامات يُفجر الجدل قبيل افتتاح تطوير المنطقة

استياء كتاب ومتابعين من سلوكيات «الخيالة والجمالة» بمنطقة أهرامات الجيزة (الشرق الأوسط)
استياء كتاب ومتابعين من سلوكيات «الخيالة والجمالة» بمنطقة أهرامات الجيزة (الشرق الأوسط)
TT

مصير «خيّالة» الأهرامات يُفجر الجدل قبيل افتتاح تطوير المنطقة

استياء كتاب ومتابعين من سلوكيات «الخيالة والجمالة» بمنطقة أهرامات الجيزة (الشرق الأوسط)
استياء كتاب ومتابعين من سلوكيات «الخيالة والجمالة» بمنطقة أهرامات الجيزة (الشرق الأوسط)

رغم أن أهرامات الجيزة تعد من أهم المناطق التاريخية على مستوى مصر والعالم، فإن رجال أعمال وخبراء سياحة وكتاباً مصريين يعتبرون أنها «لا تحظى بالتعامل اللائق من قبل أجهزة الدولة»، مُتهمين «الخيّالة» و«الجمّالة» بـ«الإساءة إلى السياحة المصرية».

وجدّد رجل الأعمال المصري، نجيب ساويرس، النقاش والجدل بشأن مصير «الخيالة» و«الجمّالة»، الذي وصف بعضهم بأنهم «عصابات بلطجة مستقوية».

وقال ساويرس عبر حسابه على موقع «إكس» في إطار تعليقه على خبر لشركته التي تتولى مشروع تطوير منطقة الأهرامات: «بس خلصونا من الجمال والخيل ومخلفاتهم والبلطجة والبهدلة عند المدخل». مضيفاً في تعليق آخر: «كنت أتوقع أن تقوم الدولة بدورها بعد قيامي بدوري»، معتبراً أن هذا الأمر «مدمر لسمعتنا، ومضيع لملايين الدولارات»، وأضاف: «إذا توفرت لدى الدولة الإرادة السياسية والأمنية، سيكون هناك شيء آخر لمنطقة أهرامات الجيزة».

مشروع التطوير يتضمن إبعاد أصحاب الجِمال عن حرم الأهرامات (الشرق الأوسط)

وكان ساويرس قد أثار نقاشاً مماثلاً في شهر مارس (آذار) الماضي، عندما كتب عبر «إكس»: «مهما عملنا في منطقة الأهرام فلن ينصلح الحال إلا بإلغاء أو نقل الجمال والأحصنة إلى منطقة محددة وتسهيل الخروج والدخول».

ويعد آثاريون وخبراء سياحة أهرامات الجيزة «واجهة مصر الأولى»، وأحد أشهر المعالم السياحية في العالم التي يفضل كثير من مشاهير العالم زيارتها لدى وصولهم إلى مصر، إذ تتميز بتاريخ فريد، ومنظر استثنائي لا يوجد له مثيل في العالم.

وفي عام 2022 بدأت وزارة السياحة والآثار أعمال التشغيل التجريبي لمنظومة الطاقة النظيفة، والعربات الكهربائية، وخدمات الزوّار في منطقة أهرامات الجيزة، في سياق مشروع للتطوير.

ويتضمن مشروع التطوير تشغيل حافلات وسيارات كهربائية صديقة للبيئة داخل منطقة الأهرامات، في حين تصطف الأتوبيسات السياحية في ساحة انتظار مركز الزوّار التي تسع ما يقرب من 1000 سيارة، وتجوب العربات الكهربائية 7 محطات داخل المنطقة الأثرية تبدأ من محطة مركز الزوار، مروراً بمحطة بانوراما 1، ثم محطة هرم «منكاورع»، ومحطة هرم «خفرع» ثم محطة هرم «خوفو»، ومحطة «أبو الهول»، لتنتهي الرحلة عند محطة بانوراما 4 قبل العودة لمركز الزوار مرة أخرى. وبحسب الوزارة، فإن «المحطات مزودة بمكتب معلومات لخدمة الزائرين، إضافة إلى الإنترنت، وأجهزة شحن ذكية، ومجموعة من المقاعد المظللة للجلوس، ومنافذ لبيع الهدايا والمشروبات والمأكولات السريعة، ومناطق مخصصة للأطفال، ومواقع مخصصة للتصوير، وماكينات صرف آلي».

شكاوى متكررة من «استغلال وخداع الخيالة» بالأهرامات (الشرق الأوسط)

وقالت شركة «أوراسكوم بيراميدز» في بيان لها أخيراً إنها تستعد «خلال الفترة المقبلة لافتتاح مشروع تطوير منطقة أهرامات الجيزة، بعدما فازت الشركة بمناقصة لتطوير المنطقة بعد منافسة مع عدة شركات عالمية لتقديمها العرض الأفضل بينها».

وضخّت الشركة استثمارات بقيمة 100 مليون دولار لتطوير الخدمات بالمنطقة، خصصت 40 مليون دولار منها لاستبدال بمنظومة الصوت والضوء القديمة أخرى على أحدث مستوى.

كما تستعد لتشغيل خطوط أتوبيسات كهربائية لخدمة المنطقة وربط الأهرامات بالمتحف الكبير، بجانب مركز لخدمة الزائرين، وتوفير خدمة الإنترنت الهوائي المجاني وقاعات للسينما ودورات مياه فندقية وتركيب البوابات الإلكترونية وإنشاء سلسلة من المطاعم العالمية، على رأسها مطعم «خوفو»، الذي تم تصنيفه بوصفه أفضل مطعم في مصر وشمال أفريقيا وخامس أفضل مطعم في منطقة الشرق الأوسط لعام 2024.

لكنّ متابعين وكتاباً مصريين، من بينهم عادل نعمان ومحمد أمين، اعتبروا أن بعض السلوكيات التي يقوم بها «الخيالة والجمالة» بمنطقة الأهرامات «ستفسد أي مشروع تطوير»، معتبرين إياهم «سبباً رئيسياً طارداً للسياحة بالمنطقة». وقال نعمان في مقال نشره قبل أيام تحت عنوان «السيد وزير السياحة... المافيا أولاً»: «إن ما يرتكب في الهرم والبازارات والمزارات والأماكن السياحية أمر يحتاج إلى مراجعة شاملة لكل سلوكيات القائمين والعاملين عليها»، واصفاً بعض السلوكيات بأنها «جناية في حق تاريخنا العريق، مهما حاولنا أن نجذب السائح بكل الطرق والوسائل».

وفي حين روى نعمان قصة تعرض ابنته للخداع عند ركوب الخيل في الأهرامات، قال محمد أمين «إن مشروع تطوير منطقة الأهرامات، يلقى مقاومة كبرى من بعض الأجهزة الإدارية، ومن بعض سكان منطقة نزلة السمان المتاخمة للأهرامات».

وجدّد أمين دعوته إلى وزير السياحة والآثار لـ«فك أسر منطقة الأهرامات، وجعلها تحت إدارة معروفة يدفع السائح لها، بدلاً من قيامه بالدفع إلكترونياً، ثم السقوط في أيدي أصحاب الأحصنة والجِمال»، وفق تعبيره.

وتحظى منطقة أهرامات الجيزة باهتمام السائحين الأجانب والزوار المصريين على حد سواء، فقد استقبلت 35 ألف زائر في أول أيام عيد الفطر الماضي، لكن «الشرق الأوسط» استمعت إلى روايات سلبية من زوّار مصريين وأجانب بشأن «مضايقات» تعرضوا لها من «الخيالة والجمالة» أفسدت بهجتهم برؤية الأهرامات الخالدة. وحذرت السفارة الأميركية رعاياها في مصر من زيارة الأهرامات في عام 2013 بسبب «عدوانية الباعة والخيالة».

مصر لإبعاد الخيالة عن الأهرامات (الشرق الأوسط)

ويقترح الخبير السياحي أحمد عبد العزيز «الإبقاء على الجمال والخيول في سياج محدد داخل منطقة الأهرامات، مع وضع ضوابط صارمة، إذ يرى أن صورة الهرم باتت مقرونة بالجِمال، ولا يمكن تصوره من دونها».

ويضيف عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «إن الأهرامات تعد أعظم منطقة سياحية في العالم؛ لذلك يجب إدارتها بشكل لائق يجتذب السائحين»، مقترحاً «فرض تذاكر موحدة لركوب الجمال والخيل تحت إشراف السلطة التنفيذية».

ويؤكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف مكتبة الإسكندرية والمدير السابق لمنطقة أهرامات الجيزة، أن مشروع التطوير يحدد مصير «الخيالة والجمالة»، بمنطقة أهرامات الجيزة، موضحاً أنه «جرى تخصيص منطقة لهم جنوب بوابة دخول الأهرامات على طريق الفيوم، بعيدة جداً عن حرم الأهرامات، ليستمتع الزائرون بالأهرامات؛ حيث لا يكون هناك سوى البشر والأثر».

وأشار عبد البصير إلى أن «بعض الأشخاص الذي يضايقون السائحين خارج الأهرامات قد يكونون تابعين لأشخاص آخرين داخل المنطقة من الخيالة والجمالة»، متوقعاً «انتهاء الأزمة بتنظيم أماكن وجود الجمال والأحصنة».

أهرامات مصر من أبرز معالمها السياحية (الشرق الأوسط)

وأعاد ساويرس التعليق على الأزمة في تغريدة السبت، قائلاً: «تم الاتصال من وزارة الداخلية، موضحة مسؤولية كل الجهات عن إصدار التصاريح للخيل والجمال، ووعدوا بإصلاح كل المشاكل التي نواجهها».