تحديد مائة جين بالمشيمة ترتبط بمرض الفصام

تصور فني لجنين داخل الرحم بين الشهرين الخامس والسادس (ويكيبيديا)
تصور فني لجنين داخل الرحم بين الشهرين الخامس والسادس (ويكيبيديا)
TT

تحديد مائة جين بالمشيمة ترتبط بمرض الفصام

تصور فني لجنين داخل الرحم بين الشهرين الخامس والسادس (ويكيبيديا)
تصور فني لجنين داخل الرحم بين الشهرين الخامس والسادس (ويكيبيديا)

الفصام مرض عقلي خطير يؤثر على طريقة تفكير الشخص ومشاعره وتصرفاته. وقد يبدو المصابون به وكأنهم فقدوا الاتصال بالواقع. وقد تحول أعراض الفصام بين المريض والمشاركة في الأنشطة اليومية المعتادة، ومع ذلك يتوفر الآن العديد من العلاجات الفعّالة.

ويمكن للأشخاص الذين يتلقون العلاج بانتظام الانخراط في المدرسة أو العمل، وكذلك في العلاقات الشخصية والاعتماد على الذات في تسيير حياتهم.

 

عوامل الخطر

تسهم عوامل عدة في خطر إصابة الشخص بالفصام، فهناك العوامل الجينية التي تزيد من احتمالات الإصابة به. كما أن هناك العامل البيئي؛ إذ تظهر نتائج بعض الأبحاث أن بيئة الشخص وخبراته الحياتية قد تلعبان دوراً في تطور الإصابة بالمرض.

فالأشخاص الذين لديهم جينات ترتبط بشكل خاص بالفصام في المشيمة، ويحاطون بعوامل بيئية تعزز احتمالات الإصابة بالفصام، قد يصابون بهذا الاضطراب في وقت متقدم من الحياة.

ولأكثر من قرن، افترض العلماء أن الجينات المسببة لخطر الإصابة بالفصام تتعلق، بشكل أساسي، بالدماغ فقط. لكن بحثاً جديداً نُشر في دورية «نيتشر كومينوكيشين»، 15 مايو (أيار) 2023، وجد أن المشيمة تلعب دوراً أكبر في حدوث ذلك.

ووفق نتائج الدراسة التي قادها فريق بحثي من «معهد ليبر لتنمية الدماغ»، فإن هناك أكثر من 100 جين ترتبط بالفصام يمكن أن تزيد من احتمالات الإصابة به؛ إذ إنها تلعب في نمو المشيمة وأدائها لوظيفتها.

يقول جيانلوكا أورسيني، المؤلف الرئيسي للدراسة والباحث في «معهد ليبر»، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «ركزت معظم الأبحاث حول الفصام على الدماغ، إذ كان الرأي الشائع أن عوامل الخطر الجينية والبيئية تؤثر مباشرة في الدماغ أكثر من أي عضو آخر».

ويقول دانيال وينبيرجر، باحث مشارك في الدراسة، والمدير التنفيذي لمعهد ليبر التابع لجامعة جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور الأميركية: «تظهر النتائج الأخيرة لدراستنا أن صحة المشيمة أمر بالغ الأهمية أيضاً».

ويوضح أورسيني: «وجدنا أن أهم عوامل الخطر البيئية لمرض الفصام هي مضاعفات الحياة المبكرة التي ترتبط بوظيفة المشيمة، ما دفعنا إلى تحليل ما إذا كانت العوامل الوراثية المرتبطة بالمرض تؤثر بشكل خاص على التعبير الجيني في المشيمة، وبالتالي التأثير على وظائفها. وبالفعل حددنا أكثر من 100 جين ذات صلة بذلك.

وتشير نتائج الدراسة إلى أن هذه الجينات قد تؤثر على دور المشيمة في تغذية الجنين النامي؛ إذ يرتبط استشعار المغذيات ونقلها في المشيمة بقدرة خلاياها، المسماة الأرومة الغازية، والتي تغزو رحم الأم بغرض تثبيت الحمل في جدار الرحم. لذلك فإن الغزو المعيب من قبل هذه الخلايا يكون أساساً في توليد العديد من المضاعفات السلبية المبكرة المرتبطة بالفصام.

 

تحسين صحة ما قبل الولادة

حددت الدراسة أيضاً العديد من الجينات المشيمية التي تعد عوامل مسببة لأمرض السكري والاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتوحد واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه أو ADHD .

ووجد الباحثون أن الارتباط الوراثي للمشيمة بجينات الفصام أكثر تأثيراً مقارنة بالاضطرابات الأخرى. كما أن الجينات المشيمية أكثر تأثيراً على احتمالية توريث المرض من الأسلاف إلى الأبناء مقارنة بجينات الدماغ. كما كشف الباحثون عن أن عدوى «كوفيد - 19» أثناء الحمل قد تكون عامل خطر للإصابة بالفصام أيضاً.

 

طب ما قبل الولادة

ويأمل الباحثون أن تؤدي دراستهم المستمرة لجينات المشيمة إلى ابتكار علاج وأدوات تشخيص جديدة، وربما تطلق ثورة في مجال طب ما قبل الولادة، وفق قولهم.

يقول وينبرغر: «في عصر الطب الجزيئي والجيني، لا يزال العلاج الأكثر شيوعاً للحمل المعقد هو الراحة في الفراش»، موضحاً أن «النتائج الجديدة توفر فرصاً جديدة لتحسين صحة ما قبل الولادة ومنع المضاعفات في وقت لاحق من الحياة».

بدوره، كشف أورسيني عن الاتجاه لتوسيع نطاق الدراسة من خلال تحليل التعبير الجيني المشيمي في مجموعات أخرى من البيانات، ودراسة علاقتها بعوامل الخطر البيئية. وأضاف أن هناك دراسة تجرى بالتعاون مع جامعة مانهايم الألمانية، تهدف إلى تحليل العلاقة بين إصابة الأم بالإجهاد، وجينات المشيمة، وخطر الإصابة بالفصام وغيره من اضطرابات النمو العصبي.

كما أوضح أن هناك دراسة أخرى تجرى بالتعاون مع مستشفى إينوفا فيرفكس ومستشفى الأطفال الوطني الأميركيين، وأنهم سيقومون بتحليل ما إذا كانت عدوى الأم بكوفيد أثناء الحمل ترتبط بالتغيرات العصبية ذات الصلة بعمليات النمو لدى الأطفال، وما إذا كانت الجينات المشيمية تلعب دوراً في الكشف، كمؤشرات حيوية عن هذه العلاقة.

وأضاف: يمكن أن يساعد هذا العمل في تحديد استراتيجيات الوقاية القائمة على الحفاظ على صحة المشيمة، مشدداً على أن «استهداف بيولوجيا المشيمة نهج جديد محتمل للوقاية من الفصام، وهو الكأس المقدسة للصحة العامة»، على حد وصفه، وموضحاً أن اكتشاف التغيرات في جينات المشيمة قبل عقود من الظهور المحتمل للاضطراب، يمكّننا من معرفة الأطفال الأكثر عرضة لخطر الإصابة باضطرابات النمو، وبالتالي إمكانية تنفيذ تدخلات مبكرة للحفاظ على صحتهم».

 


مقالات ذات صلة

اختبار دم يتنبأ بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية قبل حدوثها بـ30 عاماً

صحتك ممرضة تحمل اختباراً للدم (أرشيفية - رويترز)

اختبار دم يتنبأ بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية قبل حدوثها بـ30 عاماً

يقول الأطباء إن اختبار الدم البسيط «ثلاثي الأبعاد» يمكنه التنبؤ بدقة بخطر إصابة المريض بنوبة قلبية وسكتة دماغية قبل 30 عاماً من حدوثها

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ يمر أحد الركاب أمام لافتة تحذر من مرض «جدري القرود» في مطار سوكارنو هاتا الدولي بتانجيرانغ في 26 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

«يونيسف» تطرح مناقصة طارئة لتأمين لقاحات «جدري القردة»

طرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مناقصة طارئة لتأمين لقاحات «جدري القردة» للدول المتضررة من الأزمات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الناس يشعرون بعدم الثقة جرّاء ضغوط في العمل (أ.ف.ب)

نصائح لتعزيز الثقة بالنفس وزيادة القدرات الذهنية

يُعدّ الشعور بعدم الثقة بالنفس من المشاعر التي يصعب التعامل معها، وقد نشعر بها جرّاء عوامل خارجية، مثل اجتماع سيئ مع المدير في العمل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».