«شتات»... رؤية فلسفية تدعو للتصالح مع الحياة

المسرحية المصرية تهدف إلى تحقيق حراك فكري لدى الجمهور

يخوض أبطال العمل صراعاً حاداً فيما بينهم (الشرق الأوسط)
يخوض أبطال العمل صراعاً حاداً فيما بينهم (الشرق الأوسط)
TT

«شتات»... رؤية فلسفية تدعو للتصالح مع الحياة

يخوض أبطال العمل صراعاً حاداً فيما بينهم (الشرق الأوسط)
يخوض أبطال العمل صراعاً حاداً فيما بينهم (الشرق الأوسط)

ثلاثة رجال وامرأة يعيشون داخل بدروم مُهمل، يحاولون الخروج منه والخلاص من وضعهم البائس، وفي سبيل تحقيق ذلك يخوضون صراعات عنيفة مع بعضهم البعض، هكذا كانت بداية العرض المسرحي «شتات» الذي يستضيفه مسرح «الهناجر» للفنون بدار الأوبرا المصرية حتى 13 مايو (آيار) الحالي.

لكن بمرور الوقت يجد المتفرج نفسه حائراً ما بين تفسيرات وتأويلات عديدة، فهل بالفعل تتصارع كل شخصية على خشبة المسرح مع المحيطين بها، أم أنها تصارع ذاتها؟! وتستمر التفسيرات تطارده طوال العرض الذي قد يقوده إلى أنه لا يوجد صراع من الأصل، وأن الأمر لا يتجاوز أنه محاولة للتصالح مع النفس، باعتبار أن ذلك هو ما يقود المرء إلى علاقة يسودها السلام مع الآخرين، بل إلى التصالح مع الحياة بأكملها مهما بلغت قسوتها بالنسبة له.

«شتات» من تأليف الكاتبة رشا فلتس، لكن في واقع الأمر، لا يوجد نص أو قصة مكتوبة، ولا يوجد حتى مبرر درامي لوجود أبطال العمل في «البدروم»؛ فالمسرحية عرض تجريبي لا يعتمد على القصة ولا على تطور الشخصيات بقدر اعتماده على حالة سيكولوجية، أو مجموعة حالات الشخصيات التي تعاني من وجودها الإجباري في هذا «البدروم» الضيق الذي يفتقد النظافة والترتيب.

وتمتد الحالة لترصد محاولات الخروج المشروعة وغير المشروعة، وتعرضها للفشل المستمر، إلى أن يتم التصالح بينهم وينجحوا في الخروج من المكان، في رمزية إلى أن صراعات الإنسان مع الآخرين تكون في الغالب انعكاساً لكونه حبيس أفكاره وصراعاته الداخلية، لذا لا يحقق الوئام معهم قبل أن يحقق ذلك داخله، وإلا تصير حياته نوعاً من أنواع المعاناة المستمرة، ويكتشف المشاهد أن حال شخصيات المسرحية أقرب إلى حكاية حقيقية قد تقبع داخل كل نفس بشرية.

وعلى الرغم من هذا الطرح الفلسفي السيكولوجي متشابك الأبعاد الذي يمتد على مدار 70 دقيقة هي مدة العرض، فإنك تجد نفسك أمام عمل مسرحي مُمتع للفكر، فقد نجح المخرج يوسف سليمان، في تقديم نص سمعي مرئي موازٍ لـ«اللا نص» ليساعد المتفرج على أن يقوم هو نفسه بوضع «منطق درامي» وإجابات على مختلف الأسئلة المطروحة في تجربة فنية جديدة.

انطلق المخرج من الإطار التقليدي الذي يعتمد على الحكاية إلى فضاء آخر يحتل فيه أداء الممثلين والسينوغرافيا ـ على بساطتها ـ دور البطولة بمعنى أن فضاء الشكل هو الأساس الذي بنيت عليه مختلف العلاقات بين مفردات العرض؛ لذلك وجدنا أداء الممثلين يحتل مساحة خشبة المسرح كلها، فهم يملأونها حركة وجلبة، إلى حد أنهم ينقلون بأنفسهم قطع الأثاث من هنا إلى هناك، ومعهم تتحرك أفكار المتلقي ومشاعره.

كما جاءت الإضاءة موحية عبر استنادها إلى الظلال والنور، أو الأبيض والأسود، واتسم الديكور بالتعبيرية، فقد ساعدت مجموعة النفايات والأقفاص والبراميل والجرادل على المسرح في التأكيد على حالة التشتت التي يعيشها المرء حين تزدحم رأسه بأفكار وصراعات لا فائدة منها، وكأن قطع الديكور هذه مرادف لـ«كراكيب» النفس.

طرحت الحداثة وما بعدها أسئلة كثيرة على المسرح، إلى حد أنها دشنت علاقة مغايرة بين العرض والمتلقي تقوم على ما يمكن أن تجود به السينوغرافيا من دلالات، وذلك ما يتحقق في مسرحية «شتات» القائمة على التجريب بجرأة، ويبررها المخرج سعيد سليمان قائلاً «الفن بشكل عام إبداع، والإبداع لا ينقل ولا يقلد، فهو لا ينبغي له أن يكرر ما قدمه الآخرون أو ما سبق أن قدمه هو نفسه من قبل».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «هنا تكمن أهمية التجريب في المسرح، حيث إنه يمد العرض بالتجديد القادر على تحقيق حراك فكري ونفسي»، مشيراً إلى أنه «هو لا ينبع من لا شيء، إنما يأتي نتيجة ثقافة وخبرة وقراءة واعية متأملة للواقع الذي يعيشه على المستويين المحلي والدولي، بمعنى أن يكون الفنان قريباً من نبض العالم ليعرف كيف يخاطب الجمهور من خلال أعماله، ويحدد ماذا يريد منه، فهل يهدف لأن يغيره، أم يدغدغ مشاعره، أم (يطبطب) عليه ويساعده على الضحك؟».

ويرى سليمان أن المسرح ليس مجرد محاولة لإسعاد الجمهور فقط من خلال الكوميديا لكنه إعادة بناء، يقول: «ذلك ما اتفقت عليه مع مؤلفة العمل التي أجادت تقديم عمل يتواصل مع الضمير والنفس».

وتابع: «راهنت على الجمهور، وعلى عكس ما توقع البعض نجح العرض في اجتذابه، وفوجئت بمتفرجين غير متخصصين يخوضون نقاشاً معي حول أدق التفاصيل؛ وذلك لأن الجمهور يتعامل بفطرته وبذائقته الإنسانية، وأي عمل عندما يخاطب هذه الفطرة فإنه ينال تفاعل المتلقي».

«شتات» تمثيل عمرو نخلة، وحسن عبد العزيز، وياسر أبو العينين، ومصرية بكر، وإضاءة أبو بكر الشريف، وديكور نهاد السيد، وموسيقى مريم سعيد.


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».