حكاية أقدم صانع شعيرية كردي في شمال سوريا

مهنة تصارع الاندثار في ظل تهديد الماكينات الحديثة

الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)
الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)
TT

حكاية أقدم صانع شعيرية كردي في شمال سوريا

الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)
الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)

من بين حبال رقائق الشعيرية الطازجة ولونها الذهبي ورائحتها الطيبة، يقف الصناعي الكردي عبد الناصر قاسم برفقة زوجته، بوصفه أحد أقدم الحرفيين في صناعة الشعيرية التقليدية بشمال شرقي سوريا، يصنعان أفضل أنواع الشعيرية بجودة تنافس الآلات المتطورة، ويحافظان على ما تبقى من الزبائن الذين اعتادوا على هذا المنتج الذي يدخل في كثير من الأطعمة.

ويمتلك عبد الناصر، ويُلقّب بـ«أبي لوران»، مصنعاً لا يزال يعتمد الطريقة اليدوية في إنتاج الشعيرية، يقع في قرية سورسورك الكائنة بريف بلدة الدرباسية شمال سوريا، ما جعله مقصداً للأهالي والعمال الراغبين بتعلّم هذه الصناعة للاطلاع على الحرفة التقليدية التراثية، وفي أثناء حديثه مع «الشرق الأوسط»، كان يقف هذا الرجل الستيني وسط مجموعة من العمال والأهالي، حاملاً في جعبته خبرة تزيد على 30 عاماً في صناعة هذه المادة، إذ يُعدّ من بين أقدم الحرفيين السوريين وأمهرهم في مجاله.

تُعلّق الشعيرية وتُنشّف في الهواء الطلق (الشرق الأوسط)

وأشار، في بداية حديثه، إلى أن هذه المهنة هي مصدر دخله الوحيد وإرث آبائه وأجداده، الذي يأبى التنازل عنه تحت ضغوط الركود الاقتصادي أو الاندثار، وقال إن موسم صناعة الشعيرية مرتبط بسلق وطبخ البرغل يدوياً في هذه الأيام، «تتكوّن الشعيرية من الدقيق الناعم المصنّع من القمح القاسي، ونمزج معه السمن أو الزيت النباتي، ونحمّصهما في الفرن حتى تصبح جاهزة للأكل، لإعطائها لونها الذهبي ومذاقها الطيب».

وصناعة الشعيرية التقليدية كانت من بين الحرف الرائجة بشمال شرقي سوريا قبل تسعينات القرن الماضي، ويُمارسها كثير من الصنّاع والحرفيين، غير أن عدد هؤلاء الحرفيين تقلّص بشكل كبير مع توفر هذه المادة صناعياً، ويُعدّون اليوم على أصابع اليد، كما أن هذه الصناعة تُعدّ موروثاً ثقافياً محلياً دون منازع، لكنها تواجه صعوبات عديدة مثل قلة الطلب على شرائها، وارتفاع سعر موادها لتمسي من الصناعات المهدّدة بالاندثار.

صناعة تعتمد على اليد وليس على الماكينات الحديثة (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الناصر قائلاً: «صناعتنا تتطلّب مجهوداً عالياً، وأسعارنا منافسة لتلك البضائع المعروضة في الأسواق، فالشعيرية ندهنها بالسمن»، وعن الأسعار أكد أن الكيلو الواحد يُباع في حدود 22 ألف ليرة (تعادل دولاراً واحداً و40 سنتاً أميركياً)، في حين تُباع مثيلاتها الجاهزة المصنّعة بـ30 ألف ليرة (دولاران أميركيان).

ولا تكاد مادة الشعيرية تُذكر عند أهالي المنطقة إلا مقرونة بسكان بلدات الدرباسية وعامودا ورأس العين أو «سري كانيه»، حسب تسميتها الكردية وريفها المترامي، الواقعة شمال غربي محافظة الحسكة، نظراً إلى الإقبال الشديد، وتدخل عنصراً رئيسياً في البرغل ذائع الصيت والأرز، وهي وجبات رئيسية تُوضع على المائدة الكردية، هنا في هذه البقعة الجغرافية السورية.

لا تزال الشعيرية تُصنّع على الطريقة التقليدية (الشرق الأوسط)

بدوره، يقول محمد نور (55 عاماً)، وهو زبون دائم، إن الشعيرية المصنّعة يدوياً تُعدّ الأفضل بالنسبة إلى عائلته وأقربائه، أما بريتان (50 عاماً)، وتعمل في هذا المصنع الصغير منذ سنوات، واكتسبت خبرة مكّنتها من الاستمرار، فتقول إن مراحل الشعيرية تبدأ بتجهيز العجين بخلط كمية من الدقيق والماء والملح والخميرة، ثم عجنها جيداً، وتقطيع العجين إلى قطع أسطوانية الشكل، ثم تنقلها إلى ماكينة يدوية لتقطيعها بشكل رقيق وتجفيفها عن طريق تعليقها على خيوط وشرائط، وتُوضع بعدها في الفرن لمدة لا تقل عن نصف ساعة.

ويؤكد خبراء سوريون أن صناعة الشعيرية من بين المهن القليلة التي تقاوم الاندثار، بسبب توفر الماكينات الحديثة وتخلي كثير من العاملين والصناعيين عن مهنهم التقليدية بحثاً عن مصادر رزق أخرى.

ورشة تصنيع الشعيرية في سوريا (الشرق الأوسط)

الشعيرية أكلة شعبية معروفة في سوريا ومصر والسودان ومعظم الدول العربية، وتحضّر بطرق مختلفة حسب كل عاصمة، فقد يُضاف إليها السكر أو اللبن أو الفول السوداني أحياناً، وأخرى تدخل في صنع الحلويات.


مقالات ذات صلة

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل

مذاقات «الشوكولاته الساخنة» مشروب لذيذ وصحي (الشيف سارة صقر)

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل

من بين مشروبات الشتاء الساخنة، يحظى مشروب الـ«هوت شوكليت» Hot Chocolate أو «الكاكاو بالحليب الساخن» برواج واسع، بفضل مذاقه المحبب لدى الجميع.

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات اللبنية بالكبة (الشرق الاوسط)

أطباق الطعام الشتوية تتصدّر مطابخ ربات المنازل في لبنان

الجلسات العائلية حول الموقدة في القرى اللبنانية تعدّ من العادات الاجتماعية الرائجة في فصل الشتاء. وعادة ما تتلوّن بأكلات ساخنة تزوّد متناولها بالدفء أيام البرد

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

في مقطع فيديو ظهر السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش الذي يجيد ليس اللغة العربية فقط، بل اللهجة المحلية العراقية ظهر مع وزيرة الداخلية البريطانية...

حمزة مصطفى (بغداد)
مذاقات الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)

«بافيون كافيه»... ينبثق من متحف على المستوى الرفيع

مهما خطر على بالك من أفكار حول مطعم ينبثق من متحف وعلى المستوى الرفيع، فإن ما ستراه في «بافيون كافيه» سيفاجئك. أجواؤه الراقية مطعّمة بأنامل سيدات لبنانيات

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)

العُلا تفتتح مركز «دادان لفنون الطهي»

اكتسبت حركة «سلوفود» العالمية زخماً جديداً مع افتتاح مركز «دادان لفنون الطهي» في العلا، وهي خطوة مهمة تحتفي بأساليب الزراعة المستدامة وتقاليد الطهي المحلية.

«الشرق الأوسط» (العلا )

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل
TT

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل

«الشوكولاته الساخنة»... مشروب الشتاء المفضل

من بين مشروبات الشتاء الساخنة، يحظى مشروب الـ«هوت شوكليت» Hot Chocolate أو «الكاكاو بالحليب الساخن» برواج واسع، بفضل مذاقه المحبب لدى الجميع.

وبالتوازي مع درجات الحرارة المنخفضة التي تحيط بنا هذه الأيام، لا يوجد أفضل من التفكير في احتساء كوب من الشوكولاته الساخنة كطريقة للتدفئة. فمذاقها الغني وقوامها الكريمي، يجعلانا نشعر بالدفء، بينما تبعث رغوته المميزة، ورائحته الزكية، على الشعور بالراحة.

يمتلك الـ«هوت شوكليت»، بحسب خبراء التغذية، العديد من الفوائد الصحية، حيث يحتوي على مضادات الأكسدة التي تساعد في حماية الجسم من الأمراض، كما أنه يزيد من مستوى السيروتونين في الجسم مما يساهم في تحسين المزاج.

استحوذ الـ«هوت شوكليت» على قلوب الكثيرين، بعد أن طوره القائمون على الكافيهات والمقاهي بجعله أكثر جاذبية، وذلك من خلال بعض الإضافات في مكوناته، والابتكارات في طريقة تقديمه، ليكون جذاباً، لذا تخلى عن كلاسيكيته وأصبح «ترينداً».

وعكست صفحات التواصل الاجتماعي عبر مقاطع فيديو لمسات إبداعية على المشروب التقليدي، مما جعله يمتد إلى قوائم محلات بيع الحلوى الشرقية والغربية، حيث يتم تقديمه كمشروب فاخر ومميز.

وبحسب الشيف المصرية سارة صقر، صاحبة مدونة «مطبخ سارة»، فإن هناك عوامل عديدة جعلت الـ«هوت شوكليت» مشروب الشتاء المفضل لدى الكثيرين، لكونه مليئاً بالعناصر الغذائية، وترى أنه يحسّن كثيراً من الحالة النفسية وأعراض الاكتئاب المصاحبة لفصل الشتاء، كما أنه يساعده على الاسترخاء، فضلاً عن سهولة طريقة تحضيره وإعداده في المنزل وبمكونات بسيطة.

"هوت شوكلت" مزين بقطع من المارشميلو (المصدر: الشيف سارة صقر)

وتضيف، لـ«الشرق الأوسط»: أن بسبب ترويجه مؤخراً عبر صفحات «السوشيال ميديا» بات الطلب عليه كبيراً، مما دفع به لأن يتصدر التريند، خاصة مع الأجواء الباردة. تتابع: «هناك تسابق في الوقت الحالي بين العديد من المحال الشهيرة لتقديم (الهوت شوكليت)، ومواكبة التريند عبر التفنن في طريقة تقديمه للجمهور وتسويقه بطرق مختلفة؛ وهذا الحرص والتنافس يأتي لأنه يتسبب في شهرة إضافية لتلك المحال، وبالتالي تربح الأموال».

شهدت وصفات الـ«هوت شوكليت» تطورات عديدة، حيث أُضيفت إليها نكهات وابتكارات جديدة، أصبح بالإمكان تحضيره بالنكهات المميزة مثل الفانيليا، والقرفة. إلى جانب ذلك، يمكن تزيين المشروب بالكريمة المخفوقة، وأصابع الشوكولاته، وقطع المارشميلو لإضفاء لمسة جمالية ونكهة لذيذة.

وتشير الشيف سارة إلى أن أحدث صيحات الـ«هوت شوكليت» تتمثل في اللجوء إلى كرات الشوكولاته، التي تحتوي بداخلها على مكونات مشروب الـ«هوت شوكليت»، وبمجرد إضافة اللبن الساخن على تلك الكرات تذوب سريعاً وتختلط المكونات بداخلها.

كما تلفت أيضاً إلى أن إعداده عبر استخدام الشوكولاته البيضاء يعتبر من أحدث الصيحات المرتبطة بهذا المشروب، مبينة أن الكثيرين يفضلون الشوكولاته البيضاء لا الداكنة، وبالتالي نجد أن أحدث صيحات الـ«هوت شوكليت» تعمل على التنوع في طرق تقديمه.

أما من ناحية الشكل، فتوضح الشيف المصرية أن منصات التواصل الاجتماعي دفعت إلى مزيد من الإبداع في شكل وتزيين الـ«هوت شوكليت» بشكل جذاب، حيث يشارك رواد المنصات صوراً ومقاطع فيديو لأكواب مزينة بشكل لافت، مما يدفع مستخدمين آخرين لتجربة تحضيره ومشاركته على حساباتهم الشخصية.

ونوهت بأن من بين الأفكار الحديثة لذلك فكرة تزيين الكوب بـ«صوصات» مختلفة، مثل الكراميل والشوكليت، أو غمس حواف الكوب في الشوكولاته السائلة ثم غمسها مجدداً في المكسرات أو مسحوق الكاكاو.

كما يمكن إضافة قليل من الكريمة المخفوقة على وجه كوب الـ«هوت شوكليت» عند التقديم أيضاً، مما يعطي مذاقاً أغنى وشكلاً جمالياً، وأيضاً إضافة «المارشميلو» يعطي لمسة جمالية ومذاقاً رائعاً، خصوصاً لدى الأطفال، ويصنع البهجة بداخلهم عندما نقدم لهم المشروب بهذه الطريقة.

** طريقة تحضير الـ«هوت شوكليت» على طريقة المقاهي والكافيهات

تفضل كثير من ربات المنازل إعداد وتحضير أكواب الـ«هوت شوكليت» في المنزل، وكثيراً ما يبحثن على وصفات إعداده على طريقة المقاهي والكافيهات، بقوام ثقيل ومذاق مميز.

وتنصح الشيف سارة صقر ربات البيوت باستخدام نوع من مسحوق الكاكاو عالي الجودة، ويفضل أن يكون في صورته الخام لكونه خالياً من السكر، مع استخدام نوع جيد من الشوكولاته أيضاً للحصول على طعم غني.

ولعمل كوب واحد من الـ«هوت شوكليت» توصي بما يلي:

ـ المكونات:

كوب من الحليب، ملعقتان صغيرتان من الكاكاو الخام، سكر حسب الرغبة، 3 مكعبات من الشوكولاته لتعزيز الطعم.

يضاف إليها ملعقة كبيرة من مسحوق النشا، إذا كانت الرغبة الحصول على قوام كريمي، إلى جانب قليل من الفانيليا (إضافة اختيارية).

ـ طريقة التحضير:

إضافة كافة المكونات السابقة على الحليب، ونقوم بتسخينه مع التقليب المستمر حتى تذوب قطع الشوكولاته المضافة ويثقل القوام.

وقت التقديم للحصول على شكل جمالي، يمكن إضافة القليل من الكريمة المخفوقة ورشة من الكاكاو، ولاكتساب مذاق غني يمكن استخدام قطع من المارشميلو بدلاً من الكريمة.