«الكروكيز»... التي تبهج وتزعج باريس

ابتكار تحول إلى ظاهرة على «تيك توك»

كرواسون محشو كوكيز ويُطلق عليه اسم «كروكي» (نيويورك تايمز)
كرواسون محشو كوكيز ويُطلق عليه اسم «كروكي» (نيويورك تايمز)
TT

«الكروكيز»... التي تبهج وتزعج باريس

كرواسون محشو كوكيز ويُطلق عليه اسم «كروكي» (نيويورك تايمز)
كرواسون محشو كوكيز ويُطلق عليه اسم «كروكي» (نيويورك تايمز)

كل ما تطلبه الأمر حتى يتشكل «الكروكي» خباز يبحث عن شيء مختلف، وصفة كرواسون التي اختبرها لفترة من الزمن، وبعض الكوكيز للإلهام. واستلزم الأمر المرور على «تيك توك» للانتشار على نطاق كبير.

ابتكر ستيفان لوفار الكروكي قبل عام ونصف العام تقريباً، عندما جاء بفكرة وضع عجين الكوكيز في الكرواسون ثم خبزه مرة أخرى. ولكن الطلب على الكروكيز تزايد خلال الأشهر الأخيرة بعد أن كانت فيديوهات «تيك توك» تتباهى بإبداعاته. في أحد أيام شهر فبراير (شباط)، باع لوفار 2300 قطعة من المعجنات في مخبزه بحي مزدحم من أحياء باريس.

انتشرت الوصفة من منصة «تيك توك» (نيويورك تايمز)

يقول لوفار أثناء إعداده صينية من الكرواسون المخبوز جاهزة للتقطيع إلى نصفين وحشوها بعجينة كعك رقائق البسكويت: «الكوكب بأكمله يتحدث عنا. لقد أخبرني شخص ما بأنه قام بالرحلة من مدريد فقط للحصول على الكروكي... هذا جنون».

لم يكتف الكروكي (كان الاسم من ابتكار نيكولاس، ابن لوفار، وهو طالب يدرس إدارة الأعمال) بإثارة ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فقد انتشر إلى مخابز أخرى في جميع أنحاء فرنسا وحول العالم.

طالما كان الكرواسون هو المفضل في العاصمة الفرنسية - تقول الأسطورة إن ماري أنطوانيت جلبته لأول مرة من النمسا في أواخر القرن الثامن عشر. ولكن الخبز المدمج أصبح أكثر شيوعاً في باريس وفي جميع أنحاء فرنسا خلال السنوات الأخيرة، مع تبني الخبازين اتجاهاً تلو الآخر، مثل البروكي (دمج كعكة البراوني مع الكوكيز)، والكرونات والكروفين (الذي يقرن الكرواسون مع الكعك المحلَّى وفطائر المافن الصغيرة).

ابتكر ستيفان لوفار الكروكي من خلال وضع عجين الكوكيز في الكرواسون ثم خبزه مرة أخرى (نيويورك تايمز)

استلهم لوفار (51 عاماً) الذي صنع الكرواسون من الصفر منذ عقود، الكروكي ذات صباح في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، عندما كان يعد الكرواسون ورأى فريقه يصنع الكوكيز بجانبه، وقرر خلطهما معاً. استمر في صنع الكروكي في الغالب من أجل المتعة خلال نوبات العمل الطويلة، التي تبدأ من الساعة 4 صباحاً كل يوم.

كرواسون محشو كوكيز ويُطلق عليه اسم «كروكي» (نيويورك تايمز)

تمكن من بيع أكثر من دزينة أو اثنتين يومياً، ثم تخلى عنهم الصيف الماضي، عندما ارتفعت درجات الحرارة وتراجعت مبيعات المعجنات الثقيلة. في الخريف التالي، بدأ يخبز الكروكي مرة أخرى بناء على طلب من المنظمين، ولكن المبيعات لم تتجاوز 30 قطعة في اليوم.

ثم ظهر الكروكي في دليل غذائي على «التيك توك» في ديسمبر (كانون الأول)، حيث سجل مليون مشاهدة. وسرعان ما تبع هذا الفيديو مقطع آخر تم تصويره في 1 فبراير (شباط) من أحد المؤثرين، ويدعى يوهان بابز، وقد تمت مشاهدته 2.9 مليون مرة.

قال بابز في شريط الفيديو الذي صوره وهو يلوح بالمعجنات أمام الكاميرا: «تلك هي لذة الطعام حرفياً»، وهو يأكل الكروكي أمام الكاميرا، مع نظرة السرور التي ترتسم على وجهه.

تزاحم الزبائن الجدد في ميزون لوفار، مخبز السيد لوفار في وسط باريس. وهو يتذكر قائلاً: «بدأنا بمضاعفة الكميات، كنا نصل إلى 600 - 700 قطعة يومياً، ولكن ذلك لم يكن كافياً على الإطلاق».

في ذروة نوبة جنون الكروكي، اضطرت ميزون لوفار إلى إعادة تنظيم إنتاجه بالكامل لإرضاء الجماهير. وقال لوفار إن الطلب انخفض قليلاً خلال شهر رمضان، ومع اشتداد حرارة الطقس. ولكن المخبز لا يزال يبيع نحو 1000 قطعة في اليوم، ولا يزال السياح والمحليون على حد سواء يتدفقون لتذوقها.

هذا الأسبوع، دعا «فندق جورج الخامس» الفاخر في باريس «مخبز لوفار» لطلب تسليم خاص: «أراد أحد الضيوف أن يكون الكروكي الأصلي على مائدة غرفته في تمام الساعة الواحدة صباحاً»، كما قال لوفار.

كانت جيسي ليورثي، التي تزور باريس من ديفون، إنجلترا، مع صديق لها، قد التقطت مؤخراً صورة سيلفي عن أول قضمة لها من الكروكي عند مدخل المخبز. وقالت: «لم نكن نعرف كيف يمكن لهذين القوامين المختلفين أن يتحدا، لكنه لذيذ للغاية».

مع ذلك، فإن الكروكي لديه منتقدوه.

قال ديفيد إيمولو، وهو سائح من فيلادلفيا، الذي قال إنه سمع عن خليط المعجنات من وسائل التواصل الاجتماعي: «إنني أختنق منه الآن، أتمنى لو كان لدي زجاجة ماء. كلاهما رائع منفرداً. لكن وضعهما معاً أكثر من اللازم بالنسبة لي».

على وسائل التواصل الاجتماعي، هناك كثير من التعليقات التي تصف الكروكي بأنه دُهنِي للغاية، أو ثقيل جداً، أو «أميركي» أكثر من اللازم. وهناك أيضاً السعر، 5.90 يورو (نحو 6.30 دولار) (أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ثمن الكرواسون النموذجي) لأخذها معك، و7.10 يورو لتناوله في المطعم.

قال السيد لوفار في دفاعه عن نفسه: «إنه سعر الكرواسون مضافاً إلى سعر الكوكيز»، مستشهداً بالجودة العالية للزبدة والدقيق والشوكولاته التي يستخدمها والساعات الطويلة التي يقضيها موظفوه.

إن صناعة «المعجنات» المثالية (العجين الرخو ومتجدد الهواء من الداخل، والمقرمش والمليء بالزبدة من الخارج) بالنسبة للكرواسون تستغرق من لوفار وفريقه 36 ساعة. يجب أن تستقر العجينة في درجة حرارة معينة لساعات قبل أن تُحشى بقطعة كبيرة من الزبدة، مطوية، ثم ضغطها وطيها مرة أخرى (عشرات المرات) لتحقيق الانتفاخ المطلوب من العجين.

لهذا السبب توقف العديد من الخبازين الفرنسيين عن تصنيع الكرواسون بأنفسهم، مفضلين شراءه مجمداً.

قال الشيف والمؤلف جان ماري لانيو، الذي يسافر بانتظام عبر آسيا لتعليم الناس كيفية صناعة العناصر الأساسية في المطبخ الفرنسي: «إننا لم نعد نصنع الكرواسون الخاصة بنا في فرنسا».

وفقاً للاتحاد الفرنسي للمخابز، تمثل الشركات الصناعية أكثر من 70 في المائة من إجمالي إنتاج المعجنات في البلاد، حيث تزود المخابز والمتاجر الكبرى والمقاهي بها.

يأمل بعض الخبازين الآن في أن تساعد اتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل تلك التي تدفع الطلب على الكروكي، في تشجيع المزيد من الناس على صنع المزيد من المواد بأنفسهم.

قال لانيو: «إن ذلك يعطي الجيل الأصغر سناً شهية متجددة لخبز المعجنات».

في الشهر الماضي، صنع أموري غويشون، وهو شيف معجنات، الكروكي الخاص به على «تيك توك»، وقد شوهد الفيديو 9 ملايين مرة. وكان ذلك في تناقض مذهل مع عدد الإعجابات التي تلقاها ابن لوفار عندما نشر لأول مرة صورة الكروكي على «إنستغرام» في المخبز عام 2022 - أكثر قليلاً من مائة مشاهدة، حسب تقديره.

ظهر الكروكي على أرفف المخابز في جميع أنحاء المدينة، وحتى إنها الآن يتم الإعلان عنها من قبل الشركة الرئيسية لتصنيع الأغذية المجمدة في فرنسا، فضلاً عن بيعها من قبل سلسلة مخابز صناعية كبيرة - حيث تغيرت العلامة التجارية إلى «كروكيز».

كما انتشر الهوس بالكروكي في جميع أنحاء العالم. قال المؤثر بابز: «يرسل لي المتابعون رسائل عن الكروكيز في سيدني، أو دبي، أو سنغافورة أو نيويورك. إنه في كل مكان».

* خدمة «نيويورك تايمز »


مقالات ذات صلة

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

مذاقات أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

في زحمة المطابخ العالمية التي تغزو شوارع لندن، يظلّ المطبخ الإنجليزي ثابتاً على مائدته التقليدية، متكئاً على أطباق متوارثة تحمل نكهة الماضي وهُوية المكان.

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات فتة بطريقة مبتكرة (إنستغرام)

أكلات مبتكرة تروج في لبنان من باب التغيير

تروج في الفترة الأخيرة في بيروت ظاهرة الأكلات المبتكرة، بعضها يرتكز على المزج بين الحديث والقديم، وغيرها يقلب قواعد المطبخ اللبناني رأساً على عقب.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات الطاهيان الرئيسان في المطعم (الشرق الاوسط)

«باكارا» تجمع عراقة الدار والمطبخ الفرنسي في باريس

في قلب العاصمة الفرنسية، حيث يتقاطع التاريخ والحداثة، تقف دار «باكارا (Baccarat)» الشهيرة شامخة، رمزاً للفخامة الفرنسية.

جوسلين إيليا (باريس)
مذاقات الكفتة المصرية التقليدية...«سر الجاذبية» لدى الأجيال الحديثة

الكفتة المصرية التقليدية...«سر الجاذبية» لدى الأجيال الحديثة

بمزيجها المعروف من اللحم المفروم والتوابل والثوم والبصل والبقدونس المفروم، تميزت الكفتة المصرية على مدار عقود كأحد الأطباق المحببة لدى المصريين وضيوفهم

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات مازة شهية (الشرق الاوسط)

مطعم «أم»... نبع الحنان في كل طبق

في قلب العاصمة البريطانية، وبين زحام المطاعم العالمية، يبرز المطبخ اللبناني وجهةً تحمل عبق الشرق ونكهاته الغنية.

جوسلين إيليا (لندن)

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟
TT

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

أين تأكل ألذ «فيش آند تشيبس»؟

في زحمة المطابخ العالمية التي تغزو شوارع لندن، يظلّ المطبخ الإنجليزي ثابتاً على مائدته التقليدية، متكئاً على أطباق متوارثة تحمل نكهة الماضي وهُوية المكان. وبين تلك الأطباق، تتربّع وجبة «فيش آند تشيبس» على العرش، بوصفها رمزاً شعبياً عابراً للطبقات الاجتماعية والأجيال.

«فيش آند تشيبس» ليست مجرد وجبة سريعة مكوّنة من سمك القد (cod) أو (haddock)، المقلي بقشرة ذهبية خفيفة ويُقدَّم مع بطاطس مقلية سميكة وخلّ وصلصة التارتار، (وأحياناً البازلاء المهروسة)، بل هي قصة وطن نسجتها الثورة الصناعية، ورافقتها الحروب، واحتضنتها المقاهي وأكشاك الشوارع، حتى أصبحت علامة ثقافية في الوعي البريطاني. ورغم ما يقال عن بساطة مكوّناتها، فإنها تختزن في طياتها تاريخاً طويلاً من التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية، وتعكس فلسفة البريطانيين في الطعام: البساطة، والشعور بالشبع.

فما الذي يجعل طبقاً بهذا القدر من التواضع يحظى بكل هذا الحب والرمزية؟ وكيف بقي محافظاً على مكانته في وجه موجات الحداثة والتنوع العالمي؟ لنكتشف أسرار المطبخ الإنجليزي من نافذة طبق «فيش آند تشيبس».

جذور هذه الأكلة تاريخية وعميقة، وأصلها يعود إلى القرن التاسع عشر، ظهرت في إنجلترا خلال الثورة الصناعية، عندما بدأت طبقة العمال في المدن الكبرى مثل لندن تبحث عن وجبات مشبعة ورخيصة.

كما أنها جاءت نتيجة دمج ثقافي، فالسمك المقلي جاء من اليهود السفارديم في لندن في القرن السابع عشر، بينما البطاطس المقلية جاءت من بلجيكا وفرنسا، وتم دمج الاثنين لاحقاً لتشكيل الطبق المعروف اليوم.

كانت تُباع في أكشاك رخيصة، وتُعد أول «أكل سريع» في بريطانيا. فهي سهلة الأكل وتقدَّم في المطاعم الشعبية والراقية أيضاً، حيث يتفنن الطهاة هذه الأيام في شكلها ومذاقها والصلصات التي تقدَّم معها، وتعد أيضاً من الأطباق الشهيرة التي يتناولها رواد الشواطئ وتباع بمحاذاة في أماكن مثل برايتون وغيرها من الوجهات الساحلية.

شهرتها عبر التاريخ سببها أنها كانت من بين الوجبات القليلة غير المقيدة بالحصص التموينية في الحربين الأولى والثانية. وعدَّتها الحكومة البريطانية طعاماً مهماً للمحافظة على الروح المعنوية.

«فيش آند تشيبس» هي رمز ثقافي بريطاني يتمتع بشهرة عالمية واسعة تماماً مثل شهر الشاي الإنجليزي وطقوسه.

عندما يأتي السياح إلى لندن تكون قائمة أهم المطاعم التي تقدِّم هذا الطبق أولية لهم. إليكم أهم العناوين:

المطاعم التقليدية

- ذا فرايرز ديلايت The Fryer's Delight (Bloomsbury)

مفتوح منذ 1958، يعمل فيه إيطاليان ويستخدم دهن البقر التقليديّ.

- ذا غولدن هيند The Golden Hind (Marylebone)

تأسَّس منذ أكثر من مائة عام، ويتميز بطبق السمك المقرمش ببهار خفيف.

- سيشيل أوف ليسون غروف Seashell of Lisson Grove

مطعم عريق منذ بعد الحرب، يتميز بمكونات عالية الجودة، وهو في قائمة الأفضل دائماً.

- بوبيز فيش آند تشيبس في سوهو وسوق سبيتالفيلدز وكامدن ونوتينغ هيل

نال جائزة «Best independent fish and chips»، وتستخدم فيه نوعية فاخرة من السمك الطازج.

- فيش لاونج Fish Lounge في بريكستون

مطعم أنيق، حصل على لقب «أفضل فيش آند تشيبس بوسط لندن»، والسمك يُقدّم بأنواع متعددة.

- بروكليز روك Brockley’s Rock

حائز جائزة Good Food Award، يديره قبرصيون يونانيّون.

- ميكيز تشيبي في ستو نيونتون Micky’s Chippy (Stoke Newington)

مفتوح منذ 25 عاماً، يقدم جودة ثابتة وسعراً ممتازاً (أقل من 10 جنيهات إسترلينية).

- ذا مايفير تشيبي The Mayfair Chippy في منطقة مايفير

يُعدّ من أبرز وأشهر خيارات سمك وشرائح البطاطس المقليّة في لندن، ويُحبّه الزوار العرب لعدة أسباب مميزة منها أنه يقع في قلب مايفير الراقية، بالقرب من مناطق التسوّق ومحطة Bond Street، مما يجعله وجهة أولى للزوار العرب الباحثين عن تجربة فاخرة وسط المدينة.

كما يحرص على تقديم سمك طازج ومستورد من مراكب صيد بريطانيا، مع بطاطس ممتازة وصلصات محضّرة داخلياً (التارتار، والكاري، وغيرها).

ميزة المطعم أنه يقدِّم هذا الطبق بطريقة نباتية وخالية من الغلوتين، مما يجذب العرب الذين يتبنون حميات مختلفة.

رغم الأسعار المرتفعة نسبياً (طبق «مايفير كلاسيك» بنحو 23 - 25 جنيهاً إسترلينياً)، فإن الخدمة الأنيقة والديكور الجميل يوفّران إحساساً بالفخامة، وتجد فيه طاولات في الخارج. هذا المطعم حائز تصنيف «روزيت» من دليل «ميشلان»، بالإضافة إلى جوائز أخرى. تجدر الإشارة إلى أن الحجز ضروري، ومن الممكن أيضاً الانتظار في الطابور للحصول على طاولة من دون حجز في حال كانت متوفرة.