زادت في الفترة الأخيرة نسبة المهتمين بالأكل الصحي أو «الفيغن»، فالبعض يرى أن هذا النوع من الطعام ليس سوى موجة عصرية يركبها الجيل الجديد، والبعض الآخر جرَّب تلك الأطباق الخالية من السكر والبيض والأجبان... واقتنع بفوائدها، وهناك مَن جرَّبها واشتاق لنظامه الغذائي السابق وفضَّل أكل اللحوم ومشتقات الحليب عليها.
بعد تذوق الطعام في مطعم «شامادي» (Shamadi) التابع لعيادة «شا» في أليكانتي بجنوب إسبانيا، اكتشفتُ كم هو مِن الصعب الجمع ما بين المذاق وطريقة التقديم واستخدام المكونات الصحية بالوقت ذاته؛ فهذا المطعم يعتمد على الخضراوات، ولا تجد في مطبخه البيض والسكر والدقيق الأبيض واللحوم والطماطم والباذنجان، وهو من نوع «فيغن»، وهدفه تقديم المأكولات الصحية لنزلاء العيادة، وغيرهم من الذواقة من خارجها.
المطعم جميل ومطلّ على مناظر رائعة، ولكن التركيز فيه ليس على الديكور، إنما على الأطباق الصحية، وعلى عكس توقعاتنا، فهي لذيذة جداً وتُشبِع المعدة، لأنها تُقدَّم بكمية جيدة، وتُقدَّم على شكل الأطباق التي تجدها في المطاعم المكلَّلة بـ«نجوم ميشلان».
التقت «الشرق الأوسط»، أندريس موران الشيف الرئيسي في المطعم، وكانت لدينا مجموعة من الأسئلة، على رأسها كيفية ابتكار وتنفيذ أطباق متنوِّعة بكمية محدودة من المكونات؟ والرد جاء سريعاً وعفوياً: «في المطبخ الـصحي ليس من المهم ما لا نستخدمه من مكونات، إنما ما نستخدمه منها، لأن (الشطارة) التي يبرزها الطاهي في هذا النوع من المطبخ أن يستطيع ابتكار عدة أطباق بنكهات مختلفة، ولكن بمكوِّن واحد».
الشيف موران كان في الماضي متخصصاً في تحضير الحلوى، وكان دائماً مهتماً بالتفاصيل. عندما انضم إلى فريق «شا» رئيس طهاة الحلوى المعجنات والحلوى، أدرك على الفور أنه المكان المناسب له، لأنه يمكنه من تعزيز تجربة الضيوف الذين يأتون من شتى أنحاء العالم لإعادة التوازن في حياتهم اليومية والغذائية، فرأى في هذه الفكرة تحدياً كبيراً لتطوير مهاراته في مجال الطهي الصحي، وها هو اليوم يعمل في المطعم منذ 8 سنوات، ويقوم حالياً بالإشراف على المطعم في فرع «شا» الجديد بالمكسيك، وقريباً في الإمارات.
جميع الأطباق التي تُقدَّم في «شامادي»، بما فيها الحلويات، مصنوعة من مكونات طبيعية، ومعظمها من الحبوب الكاملة ومفيد للصحة، وهي خالية من السكر والبيض والسمن والألوان الاصطناعية والمواد الحافظة، واللافت أنك إذا قمت بتذوقها فلن تصدق أنها خالية من السكر.
وعن سؤاله عن دوره في المطبخ، أجاب: «أركِّز على تحقيق الأهداف التي يحددها فريق التغذية في العيادة، سواء أكانت بهدف فقدان الوزن أو التخلص من السموم، أو مجرد النقاهة. فإذا كان الضيف بحاجة لفقدان الوزن، على سبيل المثال، يعقد اجتماعاً مع فريق التغذية لمعرفة ما يجب تحضيره لهذا الشخص، وخَلْق لائحة طعام خاصة به. أما إذا كان الضيف يبحث عن طعام صحي ولذيذ، فنقدم يومياً الفطور والغداء والعشاء بلائحتَي طعام مختلفتين: الأولى (شا) والثانية (بايو)، ويمكن اختيار الأطباق من اللائحتين، مع الإشارة إلى أن لائحة (بايو) أخف من الأولى بقليل».
وأطلق الطاهي موران كتاب طبخ جديداً، بعنوان «قوة الغذاء الصحي»، وقام مع فريقه بتنسيق مجموعة من 76 وصفة، بعضها يُقدَّم في المطعم، وجميعها مبني على مفهوم التغذية الصحية الخاص بـ«شا».
يُشار إلى أن لوائح الطعام في «شامادي» تتبدل بحسب المواسم تماماً مثل باقي المطاعم، واستطاع الشيف موران أن يمزج ما بين المطبخَيْن المتوسطي والياباني الصحي، وكانت النتيجة جيدة جداً تُترجَم في مذاقات غير عادية.
فهناك بعض الأطباق التي تلعب على النكهة، فتتخيل مثلاً أنك تأكل اللحم البقري، ولكن في الواقع استبدل الطاهي باللحم ما يُعرف بـ«سايتان»، أو «التوفو» بدلاً من الجبن، ودقيق الـ«Spelt» الأسمر بدلاً من الدقيق الكامل الأبيض.
من هو الشيف أندريس موران؟
حاصل على شهادة فنون الطهي، عمل في قسم الشوكولاته بشركة إسبانية مرموقة، وبعدها أصبح مطوِّراً وطاهيَ معجنات لدى «باري كاليبو». وعمل أيضاً مع شركة ألمانية مقرها الصين، كل هذا التجارب ساعدته على تطوير فهم أعمق لكيفية تأثير الغذاء على الصحة والجسم. وأدرك من خلالها أهمية دمج الممارسات الصحية في إبداعات الطهي.