«القُراصة»... أكلات سودانية تراثية تستحضر دفء الوطن

«أم فِتفت» تتصدر قائمة الطعام مع سَلطة الدكوة

القراصة بدمعة الدجاج أحد الأطباق الرئيسية في مطعم «القراصة»
القراصة بدمعة الدجاج أحد الأطباق الرئيسية في مطعم «القراصة»
TT

«القُراصة»... أكلات سودانية تراثية تستحضر دفء الوطن

القراصة بدمعة الدجاج أحد الأطباق الرئيسية في مطعم «القراصة»
القراصة بدمعة الدجاج أحد الأطباق الرئيسية في مطعم «القراصة»

يأخذ المطبخ السوداني متذوقه في رحلة طهي عبر المكونات والنكهات، لاستكشاف نسيجه الغنيّ وما يتسم به من تنوع يعكس التأثيرات الثقافية والتاريخية والجغرافية للبلاد، حيث يعتمد على مزيج من المكونات المحلية.

في القاهرة، حمل السودانيون النازحون إلى مصر تراث مطبخ بلادهم معهم، ومع وجودهم بكثرة في أحياء بعينها، لم يكن غريباً أن تنتشر المطاعم السودانية من حولهم، والتي تقدم أطعمتها لخدمة أبناء النيل في مصر.

القراصة بدمعة الدجاج أحد الأطباق الرئيسية في مطعم «القراصة»

في حي فيصل الشعبي بمحافظة الجيزة، جاء افتتاح مطعم «القُراصة»، ليكون الأحدث في تحضير الأطعمة السودانية، مستهدفاً تقديم مغامرة طهي لأولئك الذين يبحثون عن مذاق يحافظ على التقاليد، وعن أطباق شعبية تحمل رائحة الماضي.

المطعم، الذي يمتلكه مجموعة من الشركاء، تأسّس قبل نحو 3 أشهر فقط، ورغم ذلك استطاع أن يلفت انتباه السودانيين، والمصريين أيضاً، إلى مأكولاته، حيث يقدم عدداً من الأصناف التقليدية والمأكولات التي جرى توارثها تاريخياً، وفي مقدمتها «القُراصة»، التي استقى منها اسمه، فما «القُراصة»؟

تجيب منيرة سعيد، مِن الشركاء في المطعم، على سؤال «الشرق الأوسط»: «القُراصة من الأكلات الشعبية الشهيرة في السودان، فهي واحدة من المعجنات الخفيفة، أقرب إلى الفطير أو الخبز الرقيق، وتنال شهرة في جميع أنحاء ومناطق السودان، فهي من العناصر التي تقدَّم على المائدة السودانية ضمن الأطباق الرئيسية، لكن لا تُؤكل بمفردها، وتمتاز بأنها تساعد على الشعور بالشبع».

بينما تشير الطاهية الرئيسية بالمطعم، مها عيسى، إلى مكونات القُراصة وطريقة عملها، بقولها: «القُراصة تتكون من الدقيق والخميرة والملح والماء، حيث تمزج هذه المكونات مع بعضها البعض حتى تتجانس وتصبح على هيئة عجينة سائلة، ثم تُترك لتخمر بشكلٍ جيد، وبعدها يجري فرد العجين في صاج، وفردها جيداً، ثم تُحمَّر على الوجهين قليلاً، لتكون جاهزة للتناول، مع المكونات الأخرى، لتعطيها مذاقاً سائغاً».

صورة فوتوغرافية ضمن ديكورات المطعم تُظهر أجواء الطهي قديماً في السودان

تعود منيرة سعيد للحديث، مبيّنة أن اختيار اسم القُراصة تحديداً ليكون اسماً للمطعم جاء لأنها وشركاءها أرادوا أن يعطوا مسحة تراثية على مطعمهم، ولأنها معجنات قديمة كانت هي الأنسب، من وجهة نظرهم، للفت أنظار السودانيين. وتضيف: «فكّرنا أن يكون تميزنا من خلال القُراصة، لذا تصدرت اسم المطعم، وكذلك قائمة الطعام، وبالفعل نجح رهاننا على القُراصة، حيث استطاعت أن تجذب كثيرين إلينا».

تستحوذ القُراصة على النصيب الأكبر من قائمة الطعام، وتقدَّم في ثلاثة أطباق؛ قراصة بالتقلية، ودمعة الدجاج، وبالرايب. وعن تفاصيل تحضير الأطباق الثلاثة، تقول طاهية المطعم: «من أشهر الأنواع التي يُقبل عليها زبائن المطعم القُراصة (فطيرة أشبه بعجينة البيتزا) بالتقلية، والتي تتكون من اللحم المجفف (الشرموط)، والذي يستبدل في الأغلب باللحم المفروم مع شرائح البصل والتوابل ومعجون الطماطم أو الصلصة، والكزبرة والكمون، والويكة (بودرة البامية المجففة)، بينما القراصة بدمعة الدجاج تتكون من قِطع الدجاج مع شرائح البصل والتوابل ومعجون الطماطم أو الصلصة، وقليل من الزيت وفلفل أخضر شرائح، أما القراصة بالرايب فتستبدل بتلك المكونات الزبادي».

سَلطة الدكوة بزبدة الفول السوداني تتميز بمذاقها ومكوناتها الغنية

من أطباق المطعم أيضاً «أم فتفت»؛ وهي أكلة سودانية شعبية عبارة عن أجزاء من أحشاء الذبائح «كرشة» منقوعة في خليط من التوابل، مضافاً إليها عصير الليمون والثوم والشطة والفلفل الأسود والملح والبصل. وكذلك الكبدة، التي يجري تقطيعها إلى شرائح صغيرة، وتُشوَّح في الزيت، ويُضاف إليها الثوم والخل والملح، وفي الغالب تضاف البهارات، إلا أن طاهية المطعم تفضِّل أن تقدم من دونها؛ للشعور أكثر بمذاق الكبدة.

أما السَّلَطات فهناك نوعان: السلطة الخضراء، وسلطة الدكوة «الفول السوداني»، وهي من السلطات التي تتميز بمذاقها ومكوناتها الغنية، حيث تتكون من الخضراوات مع عصير الليمون وزبدة الفول السوداني.

يقدم المطعم الأطباق السابقة في وجبتي الغداء والعشاء، كما يقدم أصنافاً شعبية أخرى في وجبة الإفطار، منها الفلافل، التي تصنع من الحمّص، وتقدم في شكل أصابع، والفول، والبيض، والعدس، والشكشوكة «البيض مع الطماطم والفلفل الحار والبصل».

العصائر السودانية الطبيعية الشهيرة حاضرة أيضاً ضمن قائمة الطعام، وأبرزها الكركديه، وعرديب «تمر هندي»، وقونقليز «ثمرة شجرة التبلدي المعروفة أيضاً بشجرة الباوباو»، والتي تُعدّ مشروبات مُنعشة وغنية، نظراً لفوائدها الصحية الكبيرة، حيث تحتوي على نسب كبيرة من الفيتامينات.

الصفة التراثية تشمل أطباق مطعم «القراصة» السوداني في مصر وتمتد إلى ديكوراته

تلفت صاحبة المطعم أن قائمة الطعام تغيرت من حيث الحذف والإضافة أكثر من مرة، وفق رغبات وتوصيات زبائن المطعم، الذين يجري استطلاع آرائهم حول ما يرغبونه، لافتة إلى أن زبائن المطعم يتنوعون بين الأُسر والشباب ومختلف الأعمار.

لا يحمل المطعم الصفة التراثية في أطعمته فحسب، بل يمتد الأمر إلى ديكوراته أيضاً، التي استطاع بها أن يلفت انتباه السودانيين في مصر، حيث يعتمد المطعم على ديكورات من التراث السوداني، سواء في الموائد أم الأقمشة المستخدمة مع الكراسي والأرائك، أم الجرّات والفخاريات، ولزيادة الشعور بتلك الصفة التراثية امتدت بعض الديكورات إلى صور فوتوغرافية قديمة تُظهر السودانيات قديماً وهُنّ يقمن بعادات الطهي، ويستخدمن الأدوات البدائية في إعداد وتسوية العجين.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
TT

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)
كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

«يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز بطرق غير متوقعة»، هكذا يتحدث الشيف المصري وليد السعيد، عن أهمية الشاي في وصفات لذيذة. أطباق كثيرة يتخللها الشاي وتتنوع بمذاقات مختلفة؛ من بينها فطائر الكريب، وكعكة «شاي إيرل غراي».

وينصح السعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بتجربة الشاي الزهري مثل الياسمين والبابونج، أو الأسود العادي، خصوصاً بالنسبة للمصريين، أو شاي بالقرفة والزنجبيل والقرنفل أو شاي دراغون ويل الأخضر الصيني برائحة الكستناء ونكهة الزبد والجوز، وغير ذلك من الأنواع.

الشيف وليد السعيد يستخدم الشاي بأنواعه في الكثير من الوصفات خاصة الحلويات (الشرق الأوسط)

ويرى السعيد أنه «في بعض الأحيان نستخدم نكهات صناعية من دون النظر إلى عواقب إضافة المواد الكيميائية والمضافة إلى طعامنا، في حين أنه يمكن الاستغناء عنها، واللجوء بدلاً من ذلك إلى استخدام الشاي، بوصفه يجمع بين كونه مكوناً طبيعياً، يجنبك تلك المواد الضارة، وكونه مُحمَّلاً بنكهات متنوعة تلائم الأطباق من الحلوة إلى المالحة، والساخنة والباردة».

ويوضِّح السعيد أنه «يمكن لأي وصفة تحتوي على سائل أن تكتسب نكهة جديدة تماماً عند الاستعانة بالشاي في تحضيرها، وذلك عن طريق تحويل هذا السائل إلى شاي، سواء كنت تستبدله بدلاً من الماء أو الحليب أو الشوربة أو غير ذلك».

فطائرالكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند من شيف ميدو (الشرق الأوسط)

لكن كيف يمكن استخدام الشاي في هذه الحالة؟ يجيب السعيد: «إذا كانت الوصفة تتطلب الماء مثل العصائر والسموذي، فقم بتحضير بعض الشاي بدلاً من الماء، عن طريق تحضير كمية كبيرة من الشاي وتجميدها، إما في برطمانات أو قوالب مكعبات الثلج، ثم إضافتها للطعام».

«أما إذا كانت الوصفة تحتوي على مرق أو حليب، فيمكنك نقع هذا السائل بالشاي؛ لإضافة نكهة إضافية مع الفوائد الغذائية: سخن السائل، وانقع الشاي واستخدمه حسب الحاجة في الوصفة، لكن عليك أن تراعي أنك ستحتاج إلى مزيد من استخدام الشاي، مع تجنب نقعه لفترة أطول حتى لا يصبح مراً». هكذا يوضح الشيف المصري.

ومن هنا عند دمج الشاي في الوصفات تحتاج إلى صنع نحو ربع كوب شاي أكثر من استخدامك المعتاد. على سبيل المثال، إذا كانت الوصفة تتطلب كوباً واحداً من السائل، فقم بغلي 1.25 كوب من الشاي.

امزج أوراق الشاي المطحونة مع الأعشاب، واستخدمها كفرك (تتبيل) جاف للحوم المشوية أو المطهوة، ولمزيد من الحرفية مثل الطهاة استخدم معه السكر البني والملح والفلفل الأسود وحبيبات أو بودرة البصل والثوم والزعتر وإكليل الجبل وقشر الليمون، والزنجبيل، وقشر البرتقال، ومسحوق الفلفل الحار، والبهارات، والقرفة أو القرنفل.

ويلفت الشيف السعيد إلى أنه يمكن استخدام الحليب أو الكريمة المنقوعة بالشاي لصنع صلصة البشاميل والصلصات الأخرى على شكل كريمة للفطائر والبطاطس المقلية، علاوة على حساء الكريمة والخضراوات الكريمية، على أن تستخدم للطعم الكريمي في هذه الأطباق شاياً بنكهة لذيذة، تكون من ضمن مكوناته الشاي الأخضر والأرز المنفوخ والذرة، ولذلك يفضل أن يكون شاياً يابانياً.

أما بالنسبة للحلويات فاستخدم مسحوق الماتشا في الخليط. إذا كنت تخبز البسكويت، فيمكنك أيضاً نقع الزبد المذاب بأوراق الشاي الكبيرة الطازجة، ثم تصفية ذلك، وفي حالة ما إذا كانت الوصفة تتطلب الحليب، فقم بنقع الشاي في الحليب الدافئ أو الماء لمدة من 5 إلى 10 دقائق، وأمامك خيار آخر، وهو طحن الشاي إلى مسحوق في محضر الطعام وخلطه مع المكونات الجافة.

«وإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بنكهة حلوة خفيفة مع نكهات زهرية أو فاكهة، فجرب إحدى خلطات الشاي العشبية الكثيرة مثل شاي البابونج والحمضيات أو شاي الكركديه أو شاي التوت البري. اطحن الشاي السائب في مطحنة التوابل حتى يتحول إلى مسحوق، واستخدم ملعقتين كبيرتين لكل دفعة من العجين، ولأن الشاي يمتص السوائل، قلل من كمية الدقيق المطلوبة في الوصفة بملعقتين كبيرتين»، بحسب السعيد.

وليس بعيداً عن ذلك، ينصح الشيف ميدو الذي يعد واحداً من الطهاة المصريين الذين اعتادوا على استخدام الشاي في الطعام، ومن أشهر أطباقه في هذا المجال فطائر الكريب بالشاي الأخضر وجوز الهند، ويصف ذلك بـ«ثنائية اللون محشوة بكريمة الفانيليا ومغطاة باللون الأخضر»، وكذلك يقدم كعكة «شاي إيرل غراي» مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليا، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تمنح البقع السوداء الصغيرة من الشاي هذه الكعكة كثيراً من الطعم والرائحة».