«الكشري» يركب موجة التغيير ويقدم باللبن والشوكولاتة

الكريمة بدلاً من الطماطم... والغلاش يحل مكان البصل

عدة أصناف من الكشري بحلته الجديدة (الشرق الأوسط)
عدة أصناف من الكشري بحلته الجديدة (الشرق الأوسط)
TT

«الكشري» يركب موجة التغيير ويقدم باللبن والشوكولاتة

عدة أصناف من الكشري بحلته الجديدة (الشرق الأوسط)
عدة أصناف من الكشري بحلته الجديدة (الشرق الأوسط)

«الكشري»، طبق مصر الشعبي الشهير، أعاد المصريون إنتاجه بمفهوم وشكل جديد، ليحتفظ باسمه فقط، بينما جاءت مكوناته من أصناف الحلويات المتعددة، ليعتلي بهذا التغيير الفريد والابتكار «تريند» الطعام في مصر.

تخلى الطبق التقليدي عن مكوناته المتعارف عليها من الأرز والعدس والبصل المقلي، ومزيج من الصلصة والحمص، حيث تم استبدل الأرز باللبن بالأرز العادي، والكنافة المُحمصة بدلاً من المعكرونة والشعيرية، وصوص كريمة بدلاً من صلصة الطماطم، وشرائح الغلاش المُحمص بدلاً من شرائح البصل، وأضيفت قطع المانجو بدلاً من العدس، ثم يأتي «الصوص» المختلفة من النوتيلا والفستق واللوتس وغيرها، لتحل بديلاً عن الشطة.

يحمل الطبق الجديد المبتكر مسمى «الكشري الحلو»؛ نظراً لمكوناته، التي يتم وضع طبقات منها فوق بعضها البعض، مواكباً بذلك «موضة» الأكلات المستحدثة، و«صرعة» الطهي وتغير الأذواق والاتجاهات، الآخذة في الانتشار بفضل توغل وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، التي نجحت مؤخراً في الترويج لأصناف أخرى جديدة تأخذ من مسميات المأكولات الشهيرة اسماً لها، مثل الفلافل (الطعمية) الحلوة، والفتة، والمحشي، التي تعتمد جميعها على مزج أصناف الحلويات مع بعضها بنسب معينة.

وهي المسميات التي سرعان ما وجدت طريقها بين المصريين، واقتحمت حياة فئات عديدة، وأصبحت مشاهد الطوابير المصطفة أمام المحلات والمطاعم التي تتخصص في تقديمها أو تلك التي بدأت في وضعها على قوائم طعامها أمراً مألوفاً، كما التقطتها «السوشيال ميديا»، لتصبح «تريند»، يتناقل بين آلاف المصريين، الذين يُدلي كل منهم برأيه فيه، بين مؤيد للفكرة المبتكرة الخارجة عن المألوف، وبين معارض لاجتماع تلك الأصناف في طبق واحد، أو انتقاد للاسم ذاته.

مذاقات الكشري الحلو تحاول الوصول إلى فئات متنوعة من الجمهور (الشرق الأوسط)

الشيف المصرية، سوزي سليم، المتخصصة في تقديم وصفات الحلويات الشرقية والغربية، توضح لـ«الشرق الأوسط»، أن ما اتفق على تسميته بـ«الكشري الحلو» هو بالفعل من أحدث الأكلات التي تحظى بشهرة حالياً في مصر في الوقت الحالي، والتي نجحت في أن تجد طريقها بين فئات عديدة، وتمكن مقدموها من استعراض مزيد من الخيارات والابتكارات بهدف إسعاد ضيوفها.

وعن أسباب انتشار فكرة «الكشري الحلو»، تقول: «في الفترة الماضية نجحت وصفات الحلويات التي تتكون من مكونات متعددة تقدّم مع بعضها البعض، حيث حققت لنفسها شعبية، وعلى المنوال نفسه تمكنت الفكرة الجديدة من لفت أنظار الجمهور، واتجهوا إلى تجريبها، خاصة أنه مع حداثتها وتعدد مكوناتها يصعب إعدادها منزلياً، وهو ما تسبب في وجود الطوابير أمام محال الحلويات».

«الكشري الحلو» استبدل أصناف الحلويات المتعددة بمكونات الكشري التقليدي (الشرق الأوسط)

وتضيف: «الأمر الآخر في نجاح الفكرة أنه تم ربط اسمها بالكشري، أشهر أكلة مصرية لدى جميع الطبقات، وبالتالي أثار ذلك فضول الجمهور لكي يتعرف على المذاق الجديد، إلى جانب ذلك كان لـ(البلوجرز) و(المدونين) دور في إكساب الطبق الجديد شهرة، مع ظهورهم عبر مدوناتهم للحديث عنه، ما حوله إلى (تريند) في عالم المأكولات».

وتوضح الشيف المصرية أن الكشري الحلو وغيره من الأنواع الجديدة تجد رواجاً عن الحلويات التقليدية، فالجمهور يملّ من المألوف، ودائماً يميل إلى التجديد، وهذا أصبح بمثابة ثقافة وأسلوب حياة، ورأت أن «الفكرة انتشرت سريعاً بين عديد من المحال والمطاعم، التي تحاول مواكبة المستحدث وتقليده».

ونوهت إلى أن «كل محل وضع لهذا الطبق اسماً وشكلاً ومذاقاً وطريقة إعداد مختلفة للوصول إلى فئات متنوعة من الجمهور»، متوقعة ألا «تستمر فكرة (الكشري الحلو) طويلاً».

أحمد علي، مالك أفرع محلات حلواني «علي بابا في مصر»، يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتجاه إلى ابتكار الأصناف الجديدة من الحلويات ومن بينها (الكشري الحلو) بدأ منذ 3 سنوات تقريباً ولكن بشكل مختلف، وذلك عندما بدأت تظهر أصناف مثل الكنافة بالمانجو والمدلعة (مزيج البسبوسة والكنافة)».

ونوه إلى أن «الرواج الواسع للفكرة جاء ليشجع محال الحلويات خاصة الجديدة منها على تقديم ابتكارات مماثلة، واللعب على وتر مزج المكونات المتعددة، لكي تلفت بها أنظار الجمهور، وتقدم (تريند) جديداً لمواكبة السوق».

الكشري بمذاقه الحلو (الشرق الأوسط)

ويلفت علي إلى أن «الكشري الحلو وجميع المنتجات الجديدة هدفها تسويقي أولاً وأخيراً»، مشيراً إلى أن أفرع محلاته «تحاول تقديم المنتجات في شكل جديد بعيداً عن شكلها التقليدي».

ويعتقد علي أن «تريند» الكشري الحلو «كما صعد سوف يهبط ليحل آخر، والمعادلة هنا هي الاستفادة قدر المستطاع من فترة الصعود، فهي التي من خلالها يظهر التميز لأحد المحلات عن الآخر، وكيف يقدم مذاقاً جيداً وشكلاً جاذباً، يجعله ينال ثقة الجمهور».

وانتهى إلى أنه سوف يقدم صنفاً جديداً على غرار الكشري وهو «الحواوشي الحلو»، ويتكون من «عجينة الغلاش الحلو بدلاً من الخبز، والحشو مكسرات بدلاً من اللحم».


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».