الطَعْم اللبناني وجَمْعة المائدة على صفحة «petites_choses»

المطبخ للاتصال بالآخر والامتلاء بالاحتضان

الطعام عند ياسمين إدريس تنّير لمَّة لا تُنسى (حسابها الشخصي)
الطعام عند ياسمين إدريس تنّير لمَّة لا تُنسى (حسابها الشخصي)
TT

الطَعْم اللبناني وجَمْعة المائدة على صفحة «petites_choses»

الطعام عند ياسمين إدريس تنّير لمَّة لا تُنسى (حسابها الشخصي)
الطعام عند ياسمين إدريس تنّير لمَّة لا تُنسى (حسابها الشخصي)

من الأب، غَرَفت ياسمين إدريس تنّير إحساس الانتماء إلى عالم الطعام الواسع؛ ومن الأم، تعلّمت أنّ المائدة تجمع. أول ما تزوره مؤسِّسة صفحة «petites_choses» في «إنستغرام»، هو السوبرماركت. يتصدّر أولوية أسفارها، قبل آثار البلد ووُجهاته. هناك، تكتشف مزايا المطبخ وفرادة النكهات.

غادرت لبنان منذ 20 عاماً، ولا تزال صورة الجَمْعة تسكنها: تَحلُّق الأهل والأصدقاء حول الطعام، أمامهم مأكولات «تفنَّنت» الأم في إعدادها، مثل «الغاتو» المُنكَّه بالبوظة. تربّت على أنّ المطبخ هو الفرح واللَّمة التي تبقى.

الطعام عند ياسمين إدريس تنّير لمَّة لا تُنسى (حسابها الشخصي)

حين غادرت إلى لندن بعد زواجها، لم تكن تعلم شيئاً عن الطبخ. المرة الأولى التي رمَزَ فيها المطبخ إلى التواصل، كانت حين خطرت لها فكرة «ابتكار» أطباق لتُبهر الزوج بـ«إنجازاتها». «بدأتُ من الصفر»؛ تقول ياسمين إدريس تنّير لـ«الشرق الأوسط». عملُها في المطاعم انطلق من تقشير البصل. «قرّرتُ أنني سأتعلّم وصمّمتُ على ذلك».

تُعرف ياسمين إدريس تنّير بإدخال هوية بلادها في وصفاتها (حسابها الشخصي)

في حقائب الانتقال من لندن إلى دبي، وضّبت كتاباً لتزيين الحلويات، اشترته مُستعملاً. تذكُر المكان لدى وصولها: «المبنى كان شاهقاً، ولم أعرف أحداً. لا أهل لي في الإمارة ولا أصدقاء. وجدتني وحيدة. من حاجتي إلى التواصل مع الآخرين، رحتُ أصنع الحلويات لأولاد الجيران. مع الوقت، نسجتُ علاقات. كبُرَت شيئاً فشيئاً، وعُرِفتُ حلوياتي. ذات يوم، أرادتني شركة ضخمة أن أصنع ألفَي (كوكيز)، ليبدأ مشواري».

مؤسِّسة «petites_choses» ياسمين إدريس تنّير تحمل لبنان في وصفاتها (حسابها الشخصي)

صعد «إنستغرام»، فأنشأت صفحة. ياسمين إدريس تنّير مُطوِّرة وصفات من بلدها. اشتعلت الرغبة في التواصل، فراحت تطبخ. الطعام خفّف وحشتها. وتلك المكوّنات الخارجة من الأفران أو البرادات، والتي تحاكي النَهم حيال اللذائذ، جعلتها تشعر أنها ضمن مجموعة. «الأكل جسر عبوري إلى الأحبة؛ زوجي أولاً، فالجيران والأصدقاء ومَن يتابعونني اليوم في (إنستغرام). من خلال ما أطبخ، صنعتُ الرفقة».

يسعى الحب إلى الانشراح، فلا يبقى أسير نفسه. حبها للطعام من هذا الصنف، يمتدّ ليشمل أبعد من الدوائر الصغيرة. هذا الحبّ تحوّل إلى «بزنس»، بمعناه النابع من العطاء. تصنع ياسمين المأكولات لأنّ شيئاً في داخلها يتوق للمشاركة ويرفض اقتصاره على قلّة. تقول: «لذا، عرضتُ وصفاتي ووجدتُ أنها تحظى باهتمام. ظننتُ أنه من الأفضل الاحتفاظ بها لنفسي، لعلّي أُنجز كتابي أو أفتتح مطعمي المُرفَق بقائمة طعامي الخاصة. أطلقتُ الوصفات فأحدثت الوَقْع المُنتَظر».

تخصّصها الجامعي في تصميم الغرافيك، أفاد في هندسة الحلويات. ترى الطعام محاكاة فنية، ولا تجرّده عن كونه على صلة وثيقة بالذاكرة. تتابع: «كل ما أطبخه يجسّد رغبتي في عدم نسيان الطفولة. بلدي مقيم فيَّ؛ وإن غادرته منذ عقدين. النكهة توقظ الذاكرة. أُدخل المسكة أو الصعتر في قالب الحلوى التقليدي، فتحملني الرائحة إلى لبنان. أُنكِّه (البراوني) بدبس الخرّوب وأستعمل مربّى التين مع حلوى الفاكهة. ذكريات طفولتي في معظم الوصفات».

تتعمّد البساطة وتقديم ما يمكن للجميع صنعه. يتابع الآلاف الصفحة، ففيها ما يذكّرهم بأنفسهم. بعضٌ يستعيد ماضيه، وبعضٌ يدغدغه الحنين: «مغتربون من أستراليا ودول العالم يراسلونني للقول إنهم يجدون في الوصفات ما يشتاقون إليه. إنها تُشعرهم بلبنانيتهم. ينتظرون ما أضيفه على قالب الحلوى فينتقل من العادي إلى مرتبة أعلى. يحبّون إضافات مثل الصعتر والبصل والثوم ودبس الخرّوب والطحين. إنها أساسيات، أجيد توظيفها فتغدو نكهة فريدة».

بجانب سعيها إلى تطوير محتوى الصفحة والبحث الدائم عن جديد يُرضي الذوق، تعمل ياسمين إدريس تنّير مع شركات ومطاعم بدولة الإمارات. وخلال رمضان، تقدّم وصفات تناسب الصائمين، لتُطوّر طوال السنة قوائم مأكولات وحلويات تُشاركها مع مَن يطلب مشورة. ورغم أنّ جمهورها الأوسع لبناني، فإن الخليج يبقى سوقها الأولى. تقول: «أحافظ على هوية بلدي في مأكولاتي، وهذا مُرحَّب به في السوق العربية. كثر يحبّون النكهات المُعبِّرة عن ثقافة ما، ويسألون عن المطابخ. في الخليج، يحظى المطبخ اللبناني بشعبية. أقدّم وصفاتي بتلقائية، حدّ أنّ أمي انتقدتني ذات مرة قائلة (لا ترتدي البيجاما بعد اليوم خلال تصوير الفيديوهات!). كلما كان المرء حقيقياً عبر مواقع التواصل، صدَّقه الجمهور ووثق به».

وصفات ياسمين إدريس تنّير تنال إطراءً من اللبنانيين في دول اغترابهم (حسابها الشخصي)

تُرفق فيديوهاتها بهاشتاغ «برافو ياسو» انطلاقاً من قناعتها بأهمية الدعم الذاتي. تُخبر القصة: «كنتُ كلما نجحتُ باختبار وصفة، دار في رأسي هذا التشجيع (برافو ياسو!). قررتُ نقله إلى العلن، فلا يبقى متخفّياً في الظلّ. علينا الإيمان بأننا نستطيع ولا شيء يحول دون الوصول».

وهي تُلقَّب بـ«ملكة البافلوفا» لإتقانها إعداد هذا الصنف من الحلوى المُستمدَّة تسميته من راقصة الباليه الروسية الشهيرة أنّا بافلوفا؛ بشكله المتموّج من الخارج والخفيف والمُمتاز بالرقّة من الداخل. تُزيّن السطح بلذائذ الفاكهة، منها مثلاً المانغو، ليصبح أشهى. برأيها؛ «نحن اللبنانيين لدينا دور. علينا نشر ثقافة بلدنا في العالم، عبر الفنون والطعام ومجالات إنسانية أخرى».

تقيم في دبي منذ 16 عاماً، ولا تزال تتّبع عادة نساء القرى اللبنانية: يرحّبن بالضيف ويستدعينه إلى المطبخ عوض غُرف الاستقبال حيث يجلس ضيوف نسوة المدن. قهوة الـ«أهلاً وسهلاً» تمهيد للكرم على أنواعه.


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
TT

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»، فيروّج لها أصحاب المحلات الذين يبيعونها، كما اختصاصيو التغذية ومستهلكوها في آن. ويحاول هؤلاء تقديم صورة إيجابية عن طعمها ومذاقها، ويضعون هذه المكونات على لائحة أفضل الأكلات التي من شأنها أن تسهم في التخفيف من الوزن. وضمن فيديوهات قصيرة تنتشر هنا وهناك يتابعها المشاهدون بشهية مفتوحة. فالمروجون لهذه الفواكه والخضراوات يفتحون العلب أو الأكياس التي تحفظ فيها، يختارون عدة أصناف من الفاكهة أو الخضراوات ويأخذون في تذوقها. يسيل لعاب مشاهدها وهو يسمع صوت قرمشتها، مما يدفعه للاتصال بأصحاب هذه المحلات للحصول عليها «أونلاين». ومرات لا يتوانى المستهلكون عن التوجه إلى محمصة أو محل تجاري يبيع هذه المنتجات. فبذلك يستطلعون أصنافاً منها، سيما وأن بعض أصحاب تلك المحلات لا يبخلون على زوارهم بتذوقها.

خضار مقرمشة متنوعة (الشرق الاوسط)

تختلف أنواع هذه المنتجات ما بين مقلية ومشوية ومفرّزة. وعادة ما تفضّل الغالبية شراء المشوية أو المفرّزة. فكما المانجو والفراولة والتفاح والمشمش والموز نجد أيضاً الـ«بابايا» والكيوي والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها.

ومن ناحية الخضراوات، تحضر بغالبيتها من خيار وكوسة وبندورة وأفوكادو وفول أخضر وجزر وبامية وفطر وغيرها.

وينقسم الناس بين مؤيد وممانع لهذه الظاهرة. ويعدّها بعضهم موجة مؤقتة لا بد أن تنتهي سريعاً، فتناول الأطعمة الطازجة يبقى الأفضل. فيما ترى شريحة أخرى أن هذه المكونات المجففة والمقرمشة، يسهل حملها معنا أينما كنا. كما أن عمرها الاستهلاكي طويل الأمد عكس الطازجة، التي نضطر إلى التخلص منها بعد وقت قليل من شرائها لأنها تصاب بالعفن أو الذبول.

ولكن السؤال الذي يطرح حول هذا الموضوع، هو مدى سلامة هذه المنتجات على الصحة العامة. وهل ينصح اختصاصيو التغذية بتناولها؟

تردّ الاختصاصية الغذائية عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «الفواكه والخضراوات المقرمشة تعدّ من المكونات التي ينصح بتناولها. ولكن شرط ألا تكون مقلية. فالمفّرزة أو المجففة منها هي الأفضل، وكذلك المشوية. هذه المكونات تحافظ على المعادن والفيتامينات المفيدة للصحة. والبعض يأكلها كـ(سناك) كي يشعر بالشبع. ولذلك ينصح بتناولها لمن يقومون بحمية غذائية. فسعراتها الحرارية قليلة فيما لو لم تتم إضافة السكر والملح إليها».

يتم عرض هذه المكونات في محلات بيع المكسرات. والإعلانات التي تروّج لها تظهرها طازجة ولذيذة ومحافظة على لونها. بعض المحلات تتضمن إعلاناتها التجارية التوصيل المجاني إلى أي عنوان. وأحياناً يتم خلطها مع مكسّرات نيئة مثل اللوز والكاجو والبندق. وبذلك تكون الوجبة الغذائية التي يتناولها الشخص غنية بمعادن وفيتامينات عدّة.

فواكه وخضار طازجة (الشرق الاوسط)

وتوضح عبير أبو رجيلي: «كوب واحد من الخضراوات المجففة والمقرمشة يحتوي على ألياف تسهم في عدم تلف خلايا الجسم. وبحسب دراسات أجريت في هذا الخصوص فإنها تسهم في الوقاية من أمراض القلب والشرايين».

يحبّذ خبراء التغذية تناول الخضراوات والفواكه الطازجة لأن فوائدها تكون كاملة في محتواها. ولكن تقول عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تناولنا خضراوات وفواكه طازجة ينعكس إيجاباً على صحتنا، ولكن المجففة تملك نفس الخصائص ولو خسرت نسبة قليلة من الفيتامينات».

تقسّم عبير أبو رجيلي هذه المكونات إلى نوعين: الفواكه والخضراوات. وتشير إلى أن الأخيرة هي المفضّل تناولها. «نقول ذلك لأنها تتمتع بنفس القيمة الغذائية الأصلية. بعضهم يقدمها كضيافة وبعضهم الآخر يحملها معه إلى مكتبه. فهي خفيفة الوزن وتكافح الجوع بأقل تكلفة سلبية على صحتنا».

وبالنسبة للفواكه المجففة تقول: «هناك النوع الذي نعرفه منذ زمن ألا وهو الطري والليّن. طعمه لذيذ ولكن يجب التنبّه لعدم الإكثار من تناوله، لأنه يزيد من نسبة السكر في الدم. أما الرقائق المجففة والمقرمشة منه، فننصح بتناولها لمن يعانون من حالات الإمساك. وهذه المكونات كما أصنافها الأخرى تكون مفرّغة من المياه ويتم تجفيفها بواسطة أشعة الشمس أو بالهواء».

بعض هذه المكونات، والمستوردة بكميات كبيرة من الصين يتم تجفيفها في ماكينات كهربائية. فتنتج أضعاف الكميات التي تجفف في الهواء الطلق أو تحت أشعة الشمس. وهو ما يفسّر أسعارها المقبولة والمتاحة للجميع.

في الماضي كان أجدادنا يقومون بتجفيف أنواع خضراوات عدّة كي يخزنونها كمونة لفصل الشتاء. فمن منّا لا يتذكر الخيطان والحبال الطويلة من أوراق الملوخية وحبات البندورة والبامية المعلّقة تحت أشعة الشمس ليتم تجفيفها والاحتفاظ بها؟

وتنصح عبير أبو رجيلي بالاعتدال في تناول هذه الأصناف من فاكهة وخضراوات مجففة. «إنها كأي مكوّن آخر، يمكن أن ينعكس سلباً على صحتنا عامة».