البقلاوة... سر الصنعة التركية... تجذب المصريين

يقدمها حلواني «فاروق كوشير» بعين الجمل والبندق والكريمة

البقلاوة التركية تُقدّم بعين الجمل والبندق والكريمة (حلواني فاروق كوشير)
البقلاوة التركية تُقدّم بعين الجمل والبندق والكريمة (حلواني فاروق كوشير)
TT

البقلاوة... سر الصنعة التركية... تجذب المصريين

البقلاوة التركية تُقدّم بعين الجمل والبندق والكريمة (حلواني فاروق كوشير)
البقلاوة التركية تُقدّم بعين الجمل والبندق والكريمة (حلواني فاروق كوشير)

البقلاوة التركية بصنعتها جذبت المصريين، حيث تقدم لهم بـ«عين الجمل والبندق والكريمة»، فإذا ما أحبت الأسر المصرية تذوق طعم لفائف البقلاوة المحشوة بطبقات الفستق والملتحمة معاً بالزبدة الطبيعية وقطرات العسل، فلن تفكر في السفر إلى إسطنبول، حيث أصل البقلاوة، إنما تذهب إلى أحدث فروع صانع الحلوى التركي في مصر «فاروق كوشير».

البقلاوة التركية تناسب المطبخ الحديث (حلواني فاروق كوشير)

يعود تاريخ حلواني «فاروق كوشير» إلى عام 1963، وكان أول فروعه في أنقرة، ثم انتقل إلى إسطنبول، وعلى مدار سنوات بات «كوشير» علامة مسجلة لدى زوار المدينة السياحية، حتى قرر أن يتوسع خارج الحدود التركية لتكون مصر محطته الأولى.

عن اختيار مصر. قال علي إيركليب، مدير فرع القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحلوى التركية مُحببة لدى العرب بشكل عام، وثمة أواصر تربط الثقافتين التركية والمصرية تعود إلى تاريخ الدولة العثمانية، حتى أن المطبخ المصري متأثر في وصفاته بالأكلات التركية الأصيلة مثل الشركسية؛ وهذا ما شجع المؤسس من آل كوشير على الانتقال إلى القاهرة، غير أنها ستكون المحطة الأولى فقط، بينما نستهدف مناطق أخرى في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات، وكذلك قطر».

المخبوزات الرقيقة تطورت لاحقاً إلى لفائف البقلاوة (حلواني فاروق كوشير)

تعلم فاروق كوشير سر «صنعة» البقلاوة من عائلته. وقال علي: «تسلم فاروق العلم من والده، فانتقلت له أصالة المذاق الذي عرفه أجداده منذ عقود لم يتذكرها». وأضاف: «صحيح أن المذاق الأصيل جاء سره من آل كوشير، غير أن ثمة تطويراً شهدته البقلاوة التركية لتناسب المطبخ الحديث؛ وهو ما ساعد على الانطلاق خارج الحدود التركية».

البقلاوة التركية تُقدّم بعين الجمل والبندق والكريمة (حلواني فاروق كوشير)

كانت البقلاوة التركية لا تعرف من المكسرات سوى الفستق، بينما أدخل «فاروق كوشير» عين الجمل والبندق والكريمة والحليب. وأضاف علي: «نحن في عصر التنوع واحتضان الثقافات، ولم يكن أمام المؤسس سبيل للاستمرار والانتشار خارج الحدود التركية سوى معادلة التطوير والجودة؛ لذلك قدمنا البقلاوة بنموذج أكثر عصرية».

«السر في تحضير العجين الرقيق»، هكذا يرى علي أن التميز لا يأتي من الإضافات، إنما من «الحفاظ على أصالة المذاق الكامن في رقاقة العجين واحترافية تحويله إلى لفائف رشيقة وهشة ذات مذاق عميق وصوت يثير الشهية».

حول رحلة التحضير، قال مدير فرع القاهرة: «لدينا طاهٍ تركي متخصص فقط في تحضير وفرد العجين، تعلّم الصنعة على يد كبار طُهاة الحلوى التركية». تابع: «ما يدور داخل مطبخ (فاروق كوشير) بمثابة فن، كل مكون محسوب بدقة وكل خطوة تخدم جزءاً في توليفة المذاق النهائي».

لفائف رشيقة وهشة ذات مذاق عميق وصوت يثير الشهية (حلواني فاروق كوشير)

وتعد البقلاوة التركية نتاج تطور ثقافة المعجنات عند الأتراك الذين لم يعتمدوا على الأفران في البدايات، بينما عرفوا شكلاً من المخبوزات الرقيقة تطورت لاحقاً إلى لفائف البقلاوة. وانتقلت البقلاوة التركية في نهاية القرن الثامن عشر إلى فرنسا، وتحديداً إلى قصر الملكة ماري أنطوانيت. ثم عُرفت في بقية دول أوروبا، وكانت بمثابة هدية المطبخ التركي إلى القصور حتى سميت البقلاوة في أوروبا بـ«البقلاوة الملكية».

حتى الأيام الأخيرة من العهد العثماني، كانت البقلاوة التركية هي الحلوى المفضلة في المناسبات الخاصة في مطبخ القصر، حتى أن البقلاوة كانت موجودة في قائمة غداء آخر سلطان عثماني وحيد الدين يوم 30 أبريل (نيسان) 1920 في قصر يلدز.

صحيح أن الأصول العرقية للبقلاوة عثمانية، غير أن شعوباً غير الأتراك عرفوها، مثل الشرق الأوسط، وشرق البحر الأبيض المتوسط، والبلقان، كذلك يقدم اليونانيون والبلغار والأرمن البقلاوة كحلوى تقليدية.

وبالعودة من التاريخ إلى القاهرة الحديثة، فإن الحلوى التركية شهدت رواجاً واحتضاناً لافتاً من المصريين. وأكد علي أن «المصريين ذوّاقين وأصحاب مزاج رفيع في الأكل، كما أن السوق المصرية تنافسية لأقصى درجة، لا سيما مع وجود المطبخ السوري القريب من الوصفات التركية أيضاً».

حول التنافسية يرى أن «البقلاوة التركية تحديداً تصعب محاكاتها، حتى ما يقدمه الأشقاء السوريون يختلف في المذاق والشكل. مصر كانت فرصة للترويج للمطبخ التركي (على أصوله)». وأضاف: «وسط المنافسة الشرسة، الجودة هي الرابح؛ لذلك لدينا إصرار على أن تستمر جميع المكونات مصدرها وطنها الأصلي تركيا، بداية من الطحين إلى الزبد وحتى المكسرات، جميعها تأتي من الخارج وهو ما يكلفنا الكثير».

وتكتمل التجربة التركية في «فاروق كوشير» مرتكزة إلى أدوات عدة، انطلاقاً من المذاق المميز للبقلاوة التركية، وصولاً إلى الشاي على الطريقة التركية، وحتى القهوة بحباتها المجلوبة أيضاً من أسواق في أنقرة وإسطنبول. قال علي إن «المصريين عرفوا تركيا الحديثة من الدراما، ولا ننكر أن هذا الامتزاج الثقافي مهّد لنا الطريق». وأضاف: «في البداية كنا نقدم البقلاوة فحسب، حتى سأل زبائننا من المصريين والعرب عن الشاي التركي بطريقته الفريدة الذي يُجهز في إبريق تقليدي مكون من طبقتين، وله سر في استخلاص المذاق، وكذلك القهوة على الطريقة التركية، كل هذا شجع صُناع الحلوى على استكمال قائمة الطعام الخاصة بـ(كوشير)، وبات زبائن متجر الحلوى يستمتعون بقرمشة البقلاوة ومذاقها الحلو، مع كوب من القهوة أو الشاي دون إضافة سكر».

نجاح تجربة البقلاوة التركية في السوق المصرية شجع المؤسس على التوسع: «الاحتفاء بوجودنا شجعنا على خوض تجارب أصعب، فبعد البقلاوة ينتوي (فاروق كوشير) المنافسة بالشاورما التركية».

عن اختلاف قائمة الطعام التركية عن المنافسين في السوق المصرية. لفت علي: «نعلم أن السوريين هنا متأصلون ومحبوبون من قِبل الزبون المصري، غير أننا نراهن على الاختلاف. المطبخ التركي له أسرار نابعة من اهتمام التاريخ التركي بالمطبخ». وأضاف: «المطبخ رفيق الأتراك، حتى أننا عندما نقدم على تأسيس منزل جديد، أول ما نبدأ به هو المطبخ، نعطيه كل الاهتمام، توارثنا قناعة أن الصحة والسعادة تبدآن من طاولة الطعام».



الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
TT

الفول المصري... حلو وحار

طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)
طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك، وفي كل الأحوال البصل الأخضر أو الناشف المشطور حلقات ضيف مائدتك، إن راق لك ذلك.

فطبق الفول «حدوتة» مصرية، تُروى كل صباح بملايين التفاصيل المختلفة، لكي يلبي شهية محبيه لبدء يومهم. فقد يختلف طعمه وفق طريقة الإعداد من «قِدرة» إلى أخرى، وطريقة تقديمه حسب نوعيات الزيت والتوابل، إلا أن كلمة النهاية واحدة: «فول مدمس... تعالى وغمس».

"عربة الفول" تقدم الطبق الشعبي بأصنافه التقليدية (تصوير: الشرق الأوسط)

سواء قصدت «عربة فول» في أحد الأحياء أو اتجهت إلى مطاعم المأكولات الشعبية، ستجد طبق الفول في انتظارك، يستقبلك بنكهاته المتعددة، التي تجذبك لـ«تغميسه»، فالخيارات التي يتيحها ذلك الطبق الشعبي لعشاقه عديدة.

من ناحية الشكل، هناك من يفضلون حبة الفول «صحيحة»، وآخرون يرغبونها مهروسة.

أما عن ناحية المذاق، فيمكن تصنيف أطباق الفول وفق الإضافات والنكهات إلى العديد من الأنواع، ولعل الفول بالطحينة أو بالليمون، هما أكثر الإضافات المحببة لكثيرين، سواء عند إعداده منزلياً أو خارجياً. أما عن التوابل، فهناك من يفضل الفول بالكمون أو الشطة، التي تضاف إلى الملح والفلفل بوصفها مكونات رئيسية في تحضيره. بينما تأتي إضافات الخضراوات لكي تعطي تفضيلات أخرى، مثل البصل والفلفل الأخضر والطماطم.

طبق الفول يختلف مذاقه وفق طريقة الإعداد وطريقة التقديم (مطعم سعد الحرامي)

«حلو أم حار»؟، هو السؤال الأول الذي يوجهه جمعة محمد، صاحب إحدى عربات الفول الشهيرة بشارع قصر العيني بالقاهرة، للمترددين عليه، في إشارة إلى نوعَيْه الأشهر وفق طريقتي تقديمه التقليديتين، فطبق فول بالزيت الحلو يعني إضافة زيت الذرة التقليدي عند تقديمه، أما «الحار» فهو زيت بذور الكتان.

يقول جمعة لـ«الشرق الأوسط»: «الحار والحلو هما أصل الفول في مصر، ثم يأتي في المرتبة الثانية الفول بزيت الزيتون، وبالزبدة، وهي الأنواع الأربعة التي أقدمها وتقدمها أيضاً أي عربة أخرى»، مبيناً أن ما يجعل طبق الفول يجتذب الزبائن ليس فقط نوعه، بل أيضاً «يد البائع» الذي يمتلك سر المهنة، في ضبط ما يعرف بـ«التحويجة» أو «التحبيشة» التي تضاف إلى طبق الفول.

طاجن فول بالسجق (مطعم سعد الحرامي)

وبينما يُلبي البائع الخمسيني طلبات زبائنه المتزاحمين أمام عربته الخشبية، التي كتب عليها عبارة ساخرة تقول: «إن خلص الفول أنا مش مسؤول»، يشير إلى أنه مؤخراً انتشرت أنواع أخرى تقدمها مطاعم الفول استجابة للأذواق المختلفة، وأبرزها الفول بالسجق، وبالبسطرمة، وأخيراً بالزبادي.

كما يشير إلى الفول الإسكندراني الذي تشتهر به الإسكندرية والمحافظات الساحلية المصرية، حيث يعدّ بخلطة خاصة تتكون من مجموعة من البهارات والخضراوات، مثل البصل والطماطم والثوم والفلفل الألوان، التي تقطع إلى قطع صغيرة وتشوح وتضاف إلى الفول.

الفول يحتفظ بمذاقه الأصلي بلمسات مبتكرة (المصدر: هيئة تنمية الصادرات)

ويلفت جمعة إلى أن طبق الفول التقليدي شهد ابتكارات عديدة مؤخراً، في محاولة لجذب الزبائن، ومعه تعددت أنواعه بتنويع الإضافات والمكونات غير التقليدية.

بترك عربة الفول وما تقدمه من أنواع تقليدية، وبالانتقال إلى وسط القاهرة، فنحن أمام أشهر بائع فول في مصر، أو مطعم «سعد الحرامي»، الذي يقصده المشاهير والمثقفون والزوار الأجانب والسائحون من كل الأنحاء، لتذوق الفول والمأكولات الشعبية المصرية لديه، التي تحتفظ بمذاقها التقليدي الأصلي بلمسة مبتكرة، يشتهر بها المطعم.

طاجن فول بالقشدة (مطعم سعد الحرامي)

يبّين سعد (الذي يلقب بـ«الحرامي» تندراً، وهو اللقب الذي أطلقه عليه الفنان فريد شوقي)، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن الأنواع المعتادة للفول في مصر لا تتعدى 12 نوعاً، مؤكداً أنه بعد التطورات التي قام بإدخالها على الطبق الشعبي خلال السنوات الأخيرة، فإن «لديه حالياً 70 نوعاً من الفول».

ويشير إلى أنه قبل 10 سنوات، عمد إلى الابتكار في الطبق الشعبي مع اشتداد المنافسة مع غيره من المطاعم، وتمثل هذا الابتكار في تحويل الفول من طبق في صورته التقليدية إلى وضعه في طاجن فخاري يتم إدخاله إلى الأفران للنضج بداخلها، ما طوّع الفول إلى استقبال أصناف أخرى داخل الطاجن، لم يمكن له أن يتقبلها بخلاف ذلك بحالته العادية، حيث تم إضافة العديد من المكونات للفول.

من أبرز الطواجن التي تضمها قائمة المطعم طاجن الفول بالسجق، وبالجمبري، وبالدجاج، والبيض، و«لية الخروف»، وبالموتزاريلا، وباللحم المفروم، وبالعكاوي. كما تحول الفول داخل المطعم إلى صنف من الحلويات، بعد إدخال مكونات حلوة المذاق، حيث نجد ضمن قائمة المطعم: الفول بالقشدة، وبالقشدة والعجوة، وبالمكسرات، أما الجديد الذي يجرى التحضير له فهو الفول بالمكسرات وشمع العسل.

رغم كافة هذه الأصناف فإن صاحب المطعم يشير إلى أن الفول الحار والحلو هما الأكثر إقبالاً لديه، وذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تدفع المصريين في الأغلب إلى هذين النوعين التقليديين لسعرهما المناسب، مبيناً أن بعض أطباقه يتجاوز سعرها مائة جنيه (الدولار يساوي 48.6 جنيه مصري)، وبالتالي لا تكون ملائمة لجميع الفئات.

ويبّين أن نجاح أطباقه يعود لسببين؛ الأول «نفَس» الصانع لديه، والثاني «تركيبة العطارة» أو خلطة التوابل والبهارات، التي تتم إضافتها بنسب معينة قام بتحديدها بنفسه، لافتاً إلى أن كل طاجن له تركيبته الخاصة أو التوابل التي تناسبه، فهناك طاجن يقبل الكمون، وآخر لا يناسبه إلا الفلفل الأسود أو الحبهان أو القرفة وهكذا، لافتاً إلى أنها عملية أُتقنت بالخبرة المتراكمة التي تزيد على 40 عاماً، والتجريب المتواصل.

يفخر العم سعد بأن مطعمه صاحب الريادة في الابتكار، مشيراً إلى أنه رغم كل المحاولات التي يقوم بها منافسوه لتقليده فإنهم لم يستطيعوا ذلك، مختتماً حديثه قائلاً بثقة: «يقلدونني نعم. ينافسونني لا».