جويس مراد... عندما يتحوّل الطبخ إلى رسم بالمكوّنات

قالب الجرانولا بالفواكه (صفحة جويس مراد)
قالب الجرانولا بالفواكه (صفحة جويس مراد)
TT

جويس مراد... عندما يتحوّل الطبخ إلى رسم بالمكوّنات

قالب الجرانولا بالفواكه (صفحة جويس مراد)
قالب الجرانولا بالفواكه (صفحة جويس مراد)

على قاعدة أن البصر يعشق قبل الذوق أحياناً، تُبحر العين في صفحة جويس مراد. الرحلة أشبه بزيارة متحف للوحاتٍ تحتفي بألوان الطعام وأشكاله، وبالاحتمالات اللامتناهية لتحويله إلى تحفة فنية. في المقابل، تعتمد صاحبة الصفحة قاعدة أن الذوق والبصر صديقان لا يفترقان. تؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن تجربة التذوق لا تقل شأناً عن المتعة البصرية.

لكن على المتصفحين أن يكتفوا بالمشاهدة؛ إذ لا أهداف تجارية من مشروع «Joyful Home Cooking»، فجويس لا تبتغي البيع ولا الربح المادي. كل ما تفعله منذ عام 2017 هو مشاركة مئات آلاف المتابعين على منصة «إنستغرام» شغفَها بهندسة الطعام وتصميمه وتصويره. ينضح هذا الشغف في لهفة صوتها، حين تتحدث عن إجازات الأعياد ونهاية الأسبوع التي تُمضيها داخل مطبخها، بدل أن تخرج في نزهة مع زوجها وطفلها. حتى المرض لا يُثنيها عن موعدها الأسبوعي مع وصفة جديدة.

قالب الشوكولاته بالكرز (صفحة جويس مراد)

هنا كُرات الجبن على هيئة يقطين، وهناك رقائق الدجاج بشكل زهور، وما بينهما قالب حلوى نبتت منه حديقة من الفاكهة رسمتها ريشة فنان... لا تحب جويس ما هو عادي، ولا ترضى لمتابعيها إلا أن يروا أطباقاً وحلويات لم يشاهدوا مثلها من قبل، وفق ما تخبر.

كثرت الحسابات الخاصة بفن الطهي في الآونة الأخيرة، واجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن بصمة خاصة تطبع حساب جويس وتستوقف المتصفحين. عن تلك البصمة تقول: «أبذل مجهوداً كبيراً في التزيين ولا أستخف بالعنصر الجمالي. لا أكتفي بتقديم وصفة، بل أتعمد جذب العين من خلال التصوير والإضاءة والترتيب والنظافة. حتى إنني أختار الأواني المطبخية الأنيقة وذات الألوان الهادئة التي لا تشوّش على ألوان المأكولات». تخطط مسبقاً لما ستحضر من وصفات وتنشر من فيديوهات، كي لا تتشابه الألوان وتتكرر، ما قد يعرض عيون المتابعين للملل.

قالب الكريب الأزرق بالتوت (صفحة جويس مراد)

تنبهت جويس مؤخراً إلى أن الإبقاء على العناصر الصوتية الحقيقية، كصوت قلي البصل أو تذويب الزبدة، يثير شهية المتابعين ويحرك حواسهم. بعض فيديوهاتها حصد ملايين المشاهدات، خصوصاً بعد أن أعادت نشرها حساباتٌ عالمية خاصة بالطهي والأكل.

أن تكوني شخصية مؤثرة في عالم الطهي يتطلب جهداً مضاعفاً، وفق تعبيرها. تسترق الوقت من يومياتها لتخطط محتوى الصفحة، خصوصاً أنها موظفة بدوام كامل في مجال العلاقات العامة والتسويق بدبي. في البداية لم تكن الأمور بهذه الجدية، لكن تعليقات المتابعين وتفاعلهم معها، ومن بينهم طهاة كبار، حفزها على الاستمرار في مشروعها الذي بدأ من الصفر، ليتحول اليوم إلى مصدر سعادة بالنسبة إليها.

صانعة المحتوى ومصمّمة الطعام اللبنانية جويس مراد (الشرق الأوسط)

«منحني هذا المشروع كثيراً من الثقة والفرح. خلال إعداد الأطباق أشعر بحماسة لا تُقارَن. ثم تأتي تعليقات المتابعين والرسائل من المحترفين في المجال لتملأ قلبي، وهذه أمور لا تُشترى بالمال». تضيف جويس أنه لولا شغفها وهذا التفاعل الحار من الناس لما استمرت، خصوصاً أنه لا مردود مادي، بل على العكس فإن تكلفة المواد والمكونات باهظة، والجهد الذي يُبذل في التحضير كبير جداً.

حلوى التوت البرّي بالليمون (صفحة جويس مراد)

تتولى جويس صناعة محتوى صفحتها من الألف إلى الياء، أي من تصميم الفكرة وصولاً إلى غسل الأطباق بعد التحضير. وما بينهما تفاصيل كثيرة كشراء المكونات أو استيرادها من الخارج، وتنفيذ الطبق وتزيينه، ثم التصوير والمونتاج. وهي لا تنسى أن تتفاعل مع متابعيها الذين غالباً ما يشاركونها فيديوهات لمحاولاتهم الخاصة في تنفيذ وصفاتها.

«لا حدود لإبداعك»، «فيديوهاتك تمنحني السلام الداخلي»، «هذا أجمل من أن يؤكل»... هذه نماذج عن التعليقات التي تتلقاها مراد على ابتكاراتها. تقول إن أجمل ما سمعت قول أحدهم لها: «أنتِ ترسمين بالطبخ».

في بيت العائلة، أي قبل أن تتزوَّج وتنتقل من لبنان إلى دبي، لم تكن جويس تطأ المطبخ، حتى إنها لم تعدّ يوماً فنجان قهوة. لكنها تأثَّرت بوالدتها وبتفانيها في الطبخ لعائلتها. كما أنها كانت تشاهد برنامجاً تلفزيونياً فرنسياً هو عبارة عن مباراة في الطبخ بين فريقَين، وكان يدهشها ما يحضّرون وكيف يرتبون المائدة.

لفترة طويلة اقتصر اهتمامها بالطعام على المراقبة من زاوية العنصر الجمالي، كالتزيين وطريقة التقديم. خزَّنت ذاكرتها البصرية كل تلك التفاصيل، إلى أن انتقلت إلى بيتها الزوجي حيث صار دخول المطبخ ضرورياً. استوحت مما كانت ترى في المطاعم وعلى شبكة الإنترنت، ثم لاحظت أن ابتكاراتها المطبخية تتطوَّر يوماً بعد يوم. شجعتها زميلة لها على تخصيص صفحة لنشر صور أطباقها، وهكذا كان. خلال 6 سنوات، ارتفع عدد المتابعين من 400 إلى نحو 400 ألف.

فطيرة الليمون بزهرة الأقحوان (صفحة جويس مراد)

مَن يدقِّق في وصفات جويس، يلاحظ الحرص على المكوّنات الصحية. تؤكد أنها تتطلع إلى نشر الوعي لأهمية الطعام الصحي من خلال صفحتها. لقطايف رمضان مثلاً تستخدم الزبدة أو السمنة النباتية، وللمعكرونة بالصلصة البيضاء تستعين بحليب الكاجو، ولوصفة المعمول زيت جوز الهند وحليب اللوز. أما للألوان، وهي زينة الصفحة، فتلجأ جويس إلى ملوِّنات طبيعية، كعشبة شاي الماتشا للون لأخضر، وبودرة البطاطا الحلوة للبنفسجي، ونبتة السبيرولينا للأزرق، وبودرة الشمندر للأحمر.

تعتمد مراد الملوّنات الطبيعيّة كما شاي الماتشا للّون الأخضر (صفحة جويس مراد)

بعيداً عن الصفحات الافتراضية، تعطي جويس بين الحين والآخر دورات في الطبخ المحترف. ويبقى حلمها الأكبر أن تنقل محتواها إلى كتابٍ تحفظ فيه وصفاتها وترد التحية إلى والدتها التي منحتها الوحي وطاقة الحب لرسم أجمل اللوحات بالطعام.


مقالات ذات صلة

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )
مذاقات الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (إنستغرام)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات «السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«جربت السوشي؟»... سؤال يبدو عادياً، لكن الإجابة عنه قد تحمل دلالات اجتماعية أكثر منها تفضيلات شخصية لطبق آسيوي عابر من ثقافات بعيدة.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات البرغر اللذيذ يعتمد على جودة نوعية اللحم (شاترستوك)

كيف أصبح البرغر رمز الولايات المتحدة الأميركية؟

البرغر ليس أميركياً بالأصل، بل تعود أصوله إلى أوروبا، وبالتحديد إلى ألمانيا.

جوسلين إيليا (لندن)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
TT

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)
الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (انستغرام)

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

يعدّ المصري طارق إبراهيم أول شيف عربي يحصل على لقب ماستر شيف من قبل «الجمعية العالمية للطهاة».

يدأب على زيارة بيروت باستمرار. ويجد في «صالون هوريكا» للضيافة والخدمات الغذائية، المناسبة الأفضل للقيام بهذه الرحلة.

يشتهر الشيف طارق بتحضير الأطباق الشرق أوسطية. ويعرف بتحضيره أشهى اللحوم المشوية. فهو يقدّمها في مطاعمه في مصر والساحل الشمالي ومناطق أخرى. يفتخر بما حققه حتى الآن في مجاله. ويرى أن هناك مواهب شابة جديدة واعدة في مجال الطبخ. ويتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن مدى تطور مطبخ البحر المتوسط: «كل شيء في الحياة يتطوّر من دون شك. ولكن بالنسبة لأطباق البحر المتوسط فهي في حالة تطور دائم. المكونات التي يتألف منها غنية وكثيرة، توفّر لنا بوصفنا طهاة قدرة على الابتكار».

يقول إن هذا المطبخ واسع جداً ويتنوع حسب البلد الأم. ويوضح في سياق حديثه: «يحضر هذا المطبخ في البلدان العربية كما في أوروبا. كل بلد يحضّر الطبق بأسلوبه فيأخذ خطّاً خاصاً به. نحن في مصر مثلاً نستخدم السمنة، وفي لبنان زيت الزيتون، وفي المغرب دهن اللحمة. فالطعام برأيي ليس اختراعاً بل ابتكار طعم مميز ومرغوب به من قبل الزبون، في الوقت نفسه».

التطور الذي يتحدث عنه الشيف طارق ينبع من البساطة. «ليس بالضرورة أن نبالغ في الابتكار، الأهم أن نحافظ على هوية الطبق. فبدل أن نضيف الليمون الحامض والزيت مثلاً على طبق سلطة، في استطاعتنا استبدال عصير البرتقال به. ويمكننا أن نلجأ إلى طعم مختلف مع عصير الفراولة أو الكرز. وبذلك نكون ابتكرنا طبق سلطة لذيذ الطعم يتألف من مكونات أساسية. ولكن فيما لو قدمنا صحن الحمص بالطحينة المخلوط مع الأفوكادو أو البروكلي والشمندر السكري، فإننا بذلك نشوه شهرة هذا الطبق».

من أطباق الشيف طارق إبراهيم (انستغرام)

يخبر «الشرق الأوسط» عن ابتكاراته التي يهمّه الحفاظ على طعمها الأصلي فيها.

«أحضر في مطعمي حساء الطماطم الأبيض اللذيذ، فنتعرّف إليه من طعمه وليس من شكله، أستخرج منه لون الطماطم الأحمر فيتحول إلى شفاف لا لون له، وأضيف إليه الحبق والكريمة. ويتفاجأ من يتذوقه بطعم الطماطم مع غياب لونها عن الطبق. وبذلك أكون قد اعتمدت التطوير وحافظت على الهوية في آن».

ملاحظاته على الساحة اليوم تقتصر على الفوضى التي تعمّها. برأيه هناك مواهب واعدة ولكنها بحاجة الى الخبرة. «ليس من السهل دخول مجال الطعام والنجاح فيه على الأصول. بعض المواهب الشابة تركن إلى إبراز مهارتها في أكثر من 20 طبق مرة واحدة، فتعتقد أن النجاح ركيزته إنتاج غزير ومنوّع. وفيما بعد، تكتشف تلك المواهب مع الوقت ضرورة اختصار ابتكاراتها بأطباق تعدّ على أصابع اليد الواحدة. فالزبون لا يهمه العدد بل الجودة والطعم. ولذلك تلك المواهب يلزمها الخبرة التي توصلها إلى مرحلة النضج فيما بعد».

الشيف طارق إبراهيم (إنستغرام)

الساحة اليوم كما يقول، تشهد مرحلة انتقالية بحيث تحاول العودة إلى الجذور. «الرجوع إلى الأصل ضرورة كي نحافظ على تاريخنا وتراثنا. وأنا سعيد بهذه العودة. لا بأس في اعتمادنا التطوير المقبول. ولكن في خضم هذه الفوضى التي نعيشها نحن معرّضون لخسارة هويتنا. فالعودة إلى الأصول أمر نلاحظه اليوم بشكل لافت. وصار المذاق الحقيقي للطبق هو الهدف الرئيسي للشيف بشكل عام».

يشدد الشيف إبراهيم على ضرورة استخدام المكوّن الطبيعي في الطعام. فالفرق يصبح واضحاً إذا ما لجأنا إلى مكونات نابعة من زراعات كيميائية. «إنهم يبحثون عن الربح السريع والوفير. وهذا الأمر أسهم في فقدان أصالة أطباق كثيرة من مطبخنا الشرقي».

يقارن بين الطبق والفنان، ويقول: «عندما يطلق الفنان أغنية يهمّه الانتشار والنجاح. ولكن بعدها يصبح قلقه مصدره إضافة النقاط إلى نجاحاته هذه. فتصبح خياراته أكثر دقة ويدرسها بشكل واف. وهواة الطهي الشباب يحاولون إبراز كل إمكاناتهم وطاقتهم في بداية المشوار. ومن ثم يحللون ويكتشفون أن الاستمرارية هي الأهم. فيأخذون بالتعاطي مع أطباقهم من باب الطبق اللذيذ والطويل الأمد».

الساحة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» تزخر بطهاة شغوفين بعملهم وبينهم من وصل إلى العالمية. «إنهم يشكلون مدرسة بابتكاراتهم. وعلى الشباب أن يتعلّموا منهم كي يحققوا تمنياتهم».

وعن الطبق اللبناني الذي يحب تقديمه يختم لـ«الشرق الأوسط»: «طبق البطارخ مع حبوب الثوم وزيت الزيتون. تخيلي على الرغم من شهرتنا الواسعة بهذا الطبق في مصر، لم يقدمه أحد بهذه الطريقة. وأنا تعلّمته في لبنان، أعجبت به وأنشره اليوم في مصر».