تعرف على الهريسة... المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث

معجون تونسي حار يدخل في معظم أطباق البلاد

TT

تعرف على الهريسة... المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث

الهريسة تدخل في الكثير من الأطباق التونسية (رويترز)
الهريسة تدخل في الكثير من الأطباق التونسية (رويترز)

في تقرير نشرته وكالة «رويترز» جاء فيه أن التونسية فردوس بن علي تحافظ على تقليد عمره عقود من الزمن يتمثل في إعداد الهريسة، وهي معجون حار مصنوع من الفلفل الأحمر. هذه الحرفة تعد مصدر فخر لعائلتها من المزارعين بمنطقة المعمورة في نابل التونسية. وقالت فردوس: «أنا أقطف الفلفل الأحمر، إنه الفلفل الذي سنعمل به ونحوله إلى مسحوق الفلفل، الهريسة التقليدية أو الهريسة بالبخار».

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) في ديسمبر (كانون الأول) 2022 الهريسة التونسية في قائمة التراث العالمي غير المادي، ووصفتها بأنها «جزء لا يتجزأ من المكونات المحلية وتقاليد الطهي والطعام اليومية للمجتمع التونسي».

تقوم فردوس بن علي بتحضير الهريسة في نابل بتونس (رويترز)

 

وقال صلاح الدين بوعوينة، وهو عضو بجمعية صيانة مدينة نابل: «قام المعهد الوطني للتراث ووزارة الثقافة وجمعية صيانة مدينة نابل بإعداد ملف شامل لليونيسكو. وعندما نذكر اليونيسكو، فلهذا الأمر أهمية كبيرة. وبعد أكثر من عامين، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، نجحت تونس في إدراج الهريسة ضمن التراث العالمي. وهذا انتصار لتونس كلها وليس لمدينة نابل وحدها».

ومن ضمن أسباب هذه الخطوة الجهود التي يبذلها المزارعون مثل فردوس ووالدتها وشقيقتها اللاتي يجمعن الفلفل الأحمر من مزرعتهن ثم يجففنه ويطحنّه حتى يصبح معجوناً يستخدمه كل بيت تونسي. ثم يعبئن المنتج في عبوات زجاجية (برطمانات) بعد إضافة زيت الزيتون عليه ويتم بيعه في جميع أنحاء البلاد. وقالت فردوس: «تعلمت طريقة عمل الهريسة من والدتي، وتعلمتها هي من والدتها. إنه تقليد عائلي.

الهريسة تدخل في الكثير من الأطباق التونسية (رويترز)

نحن عائلة من المزارعين نزرع الفلفل ونعد الهريسة». وقالت داودة بن سلام والدة فردوس: «تعلمت طريقة إعداد الهريسة من والدتي وجدتي، وعندما كبرت، استمررنا في إعدادها. حافظت على هذا التقليد، وأنا الآن أعلمه لأطفالي حتى لا يندثر، لأننا لا نستطيع الاستغناء عن الهريسة».

فردوس بن علي تقطف الفلفل الحار لتستخدمه في الهريسة (رويترز)

أما شهيدة بوفايد، التي تدير متجراً للهريسة في نابل، فتعتبر الهريسة طفلتها الرابعة. وقالت شهيدة: «هذه الوظيفة تعتبر أحد أطفالي. أنا ليس لدي ثلاثة أطفال فقط وإنما أربعة، عملي هو طفلي الرابع. أنا لا أحبه فحسب بل أنا مهووسة به وأشعر بالفخر الشديد وأنا أمارسه. ولهذا السبب سميته باسمي. ما كنت سأعطيه اسمي إذا لم أكن أحبه، إنه جزء مني».

طريقة تحضير الهريسة تمر بعدة مراحل (رويترز)

ويبدأ موسم الفلفل في تونس في أبريل (نيسان)، ويضم أصنافاً مختلفة، خاصة تلك المخصصة لإنتاج الهريسة.

تحضر الهريسة من الفلفل الأحمر الحار (رويترز)

وتشتهر منطقة نابل بزراعة أنواع مختلفة من الفلفل الأحمر، وهي مركز صناعة الهريسة التقليدية. ويجفف الفلفل الحار خلال فصل الصيف ويظل متاحاً في الأسواق طوال العام.

وقالت فردوس: «بالنسبة للهريسة التقليدية، نجفف الفلفل، ثم ننظفه بالماء ونطحنه لإعداد الهريسة التقليدية. لدينا أيضاً نوع آخر من الهريسة وهي التي ننظف فيها الفلفل ونطهيه على البخار لنعد الهريسة المطهوة على البخار».

الهريسة من أهم الصلصات المستخدمة في المطبخ التونسي (رويترز)

وتستضيف نابل «مهرجان الهريسة» الذي يقام في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام ويجتذب حشوداً من عشاق هذه الأكلة. وتبيع النساء إنتاجهن من الهريسة في علب بينما يعد الطهاة المشهورون الأطباق التي تعرض هذا المنتج الحار. وأضافت فردوس: «أطمح في إعداد الهريسة الخاصة بي وأن أسافر في أنحاء تونس لبيعها، وأتمنى تصديرها إلى الخارج حتى يتمكن الناس حول العالم من تذوق الهريسة التونسية».

 


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.