يوم تاريخي للبيرو بعد تربع «سنترال» على عرش المطاعم في العالم

ليما في الطليعة وتليها إسبانيا

الطهاة والمطاعم الفائزون بالجوائز (الشرق الأوسط)
الطهاة والمطاعم الفائزون بالجوائز (الشرق الأوسط)
TT

يوم تاريخي للبيرو بعد تربع «سنترال» على عرش المطاعم في العالم

الطهاة والمطاعم الفائزون بالجوائز (الشرق الأوسط)
الطهاة والمطاعم الفائزون بالجوائز (الشرق الأوسط)

في 20 يونيو (حزيران) 2023، دخل «سنترال Central» التاريخ، بعدما أصبح أول مطعم في أميركا الجنوبية يحصل على تاج الطهي، وحمل بذلك لقب أفضل مطعم في العالم، في حفل ضخم من تنظيم «أفضل 50 مطعماً في العالم» أقيم في مدينة فالينسيا، تحت رعاية شركة «إس بيليغرينو آند أكوا بانا».

شارك صاحبا المطعم فيرغيليو مارتينيز، وزوجته بيا ليون، الحضور سعادتهما بتلقّي الجائزة، معبريْن عما تعنيه الجائزة لهما، ولفريقهما وللبيرو بأسرها.

الطهاة والمطاعم الفائزون بالجوائز (الشرق الأوسط)

في يوم سوف يتذكره الطهاة وعُشاق الطعام في البيرو حول العالم، جرى التصويت على تجربة تناول الطعام، التي تركز تماماً على النظم البيئية في البلاد، ونكهاتها المتنوعة، من قِبل لجنة مكونة من 1080 خبيراً عالمياً في مجال الطهي كأفضل تجربة في العالم. لطالما كان مطعم «سنترال»، في العاصمة البيروفية ليما، عنواناً إلزامياً يقصده عشاق الأطعمة، لكنه يسجل البدايات الأولى في تاريخ الحصول على أعلى مراتب الشرف بين أفضل 50 مطعماً في العالم لعام 2023، ليصبح أول مكان في أميركا الجنوبية يشغل المركز الأول، وكذلك أول مشاركة في الإدارة من طاهية أنثى.

انضمّت بيا ليون إلى مطعم «سنترال»، لزوج المستقبل فيرغيليو مارتينيز، في العام الأول من افتتاحه، قبل ما يقرب من 15 عاماً، ومنذ ذلك الحين رفع الزوجان القويان ثقافة تذوق الطعام في بيرو إلى أعلى مستوى عالمي.

قائمة «سنترال»، المشهورة عالمياً، مستوحاة من النظم البيئية المتنوعة في البلاد، حيث يمثل كل طبق منطقة محددة من البلاد - من 15 متراً تحت مستوى المحيط الهادئ إلى 4200 متر في جبال الأنديز.

من أطباق «سنترال» في ليما (كين موتوهاسي)

جاء فوز «سنترال» بعد أن كان قد احتلَّ المركز الأول بقائمة أفضل 50 مطعماً في أميركا اللاتينية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، والتي احتلّها أيضاً، في الفترة من 2014 إلى 2016، مما عزَّز مكانته بصفته أكثر مطاعم أميركا اللاتينية تأثيراً وأهمية في جيله، وربما في كل العصور.

كان المطعم من بين أول أماكن المأكولات الجيدة في قارة أميركا اللاتينية التي عزفت عن الاعتماد على التقنيات الفرنسية أو الأوروبية أو الغربية، بدلاً من ذلك عملت على صياغة تجربة فردية تتحدث بلسان بلدها. وبعد سنوات قليلة صعبة، اكتسبت زخماً تدريجياً، مما أدى إلى ثورة ألهمت عدداً من دول أميركا الجنوبية الأخرى لتقييم ثقافاتها الخاصة بالطهي بشكل أفضل، مما أدى إلى تقدير عالمي للمطابخ الكولومبية والأرجنتينية والبرازيلية - وغيرها كثير - التي صعدت إلى المستوى الدولي، وساعدت في ذلك أيضاً مطاعم الندوات الأخرى، مثل «بوجول» في المكسيك، و«دوم» في البرازيل، و«بوراغو» في تشيلي.

انتهزت مالينا مارتينيز، شقيقة الشيف، التي تدير فرع الأبحاث في المطعم، ماتر إنيتشاتيفا - التي يشكل عملها أساس قوائم الطعام الفائزة بمطعم «سنترال» - الفرصة لشرح فلسفة المطعم، وقالت: «نتبع بعض الخطوات: فكر قبل أن تخطط، خطط قبل أن تفعل، فكر في كل خطوة تتخذها إلى الأمام، ثم انظر إلى الوراء كذلك. من السذاجة تصور أننا لا نستطيع تغيير الوضع الراهن، إذا واصلنا المُضي قدماً. شكراً جزيلاً لكم على تسليط الضوء علينا، الليلة».

مطعم «سنترال» في ليما (غوستافو فيفانكو)

يمثل فوز «سنترال» لحظة فاصلة حقاً بين الماضي والحاضر في تاريخ فن الطهي، بعد منح التاج العالمي للطهي إلى مطعم مستقل مملوك لعائلة يقع في دولة صغيرة لا تحظى بثقل كبير وتمتد عبر جبال الأنديز والمحيط الهادئ، بدلاً من منحه لمؤسسة كبيرة معروفة.

يتبع «سنترال» في قائمة أفضل 50 مطاعم في العالم لعام 2023 ثلاثة مطاعم إسبانية: مطعم «ديسفروتار» من برشلونة في المركز الثاني، ويديره الطهاة أوريول كاسترو، وإدوارد كاتروش، وماتو كازانياس، ثم مطعم «ديفريكسو» في المركز الثالث من مدريد، من ابتكار الشيف دابيز مونيوز، ومطعم «أزادور إتزيباري» من إقليم الباسك في المركز الرابع، وهو مركز الشيف بيتور أرغينزونز للمشويات. وتُستكمل المراكز الخمسة الأولى بمطعم «الكيميست» من كوبنهاغن، الذي حصل أيضاً على جائزة «جين ماري» لفنون الضيافة.

من بين اللحظات الرائعة الأخرى في حفل توزيع الجوائز المؤثر، تسلم الطاهي الفرنسي جوليان روير من مطعم «أوديت» في سنغافورة جائزة «اختيار الطهاة» من إستريلا دام، وحصل مطعم «أتوميكس» الكوري في نيويورك على لقب أفضل مطعم في أميركا الشمالية، وفاز مطعم «فاين» في مدينة كيب تاون على جائزة «فلور دي كانيا» للمطاعم المستدامة لعام 2023.


مقالات ذات صلة

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.