زيارة ترمب لبريطانيا تُحوِّل قلعة وندسور إلى ساحة أناقة

ميلانيا تحارب بقبعة وأميرة ويلز تقلب عليها الطاولة بفستان

ميلانيا ودونالد ترمب في قلعة وندسور (رويترز)
ميلانيا ودونالد ترمب في قلعة وندسور (رويترز)
TT

زيارة ترمب لبريطانيا تُحوِّل قلعة وندسور إلى ساحة أناقة

ميلانيا ودونالد ترمب في قلعة وندسور (رويترز)
ميلانيا ودونالد ترمب في قلعة وندسور (رويترز)

ليس هناك من يُتقن الطقوس المهيبة والفخمة أكثر من الإنجليز. مراسمها بالنسبة للسياسيين إحدى أهم دعائم الملكية البريطانية والمبررات لاستمرارها. فرغم أن الملك لا يتدخل في الشؤون السياسية والتجارية بشكل مباشر، فإن ترأسه هذه الطقوس يؤثر على مكانة بريطانيا عبر صور أسطورية، تبدو كأنها من عهد قديم لعربات ذهبية تجرها الخيول، وأزياء ملكية وتيجان أميرات، لكنها تنجح دائماً في انتزاع الإعجاب والرضا.

بل نجحت في كسب ودّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وإرضاء غروره، خصوصاً أنه من أشد المعجبين بالنظام الملكي البريطاني. وفي زيارته الأخيرة التي امتدت ليومين، لم يُخفِ سعادته بكونه أول رئيس أميركي، وأيضاً أول سياسي منتخب، يُدعى من قبل ملكة أو ملك بريطانيا لزيارتين رسميتين عومل فيهما كملك.

لقطة من حفل العشاء الذي حضره 150 ضيفاً (أ.ب)

جرت الزيارة وسط إجراءات أمنية مشددة، وكان كل ما فيها مهيباً وفخماً. بدأت بعرض للحرس الملكي واحتفال عسكريٍ غير مسبوق شارك فيه 1300 فرد من القوات المسلحة البريطانية، ونحو 120 خيّالاً. بعدها توجه الجميع إلى قلعة وندسور، موطن العائلة المالكة البريطانية منذ ما يقرب من ألف عام. وفي المساء نُظِم عشاء رسمي على شرفه وزوجته ميلانيا، بحضور 150 ضيفاً جلسوا إلى طاولة ممتدة تطلّب ترتيبها 3 أيام.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا ترمب في معطف طويل من «بيربري» عند وصولهما (أ.ب)

الأزياء والإكسسوارات... القوة الناعمة

لكن لا يمكن الحديث عن الفخامة والجمال من دون التوقف عند الأزياء والإكسسوارات. فهذه جزء لا يتجزأ من الزيارات الرسمية ومراسيم الاحتفالات الملكية. لغتها صامتة، لكنها قوية، مُحمَّلة برسائل دبلوماسية ناعمة.

ما يُحسب لها أنها لغة تقرِب وتجمع أكثر مما تفرق، والعائلة المالكة البريطانية أتقنتها جيداً منذ عهد الملكة الراحلة، إليزابيث الثانية.

اليوم أيضاً هي أكثر ما تتداوله وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. فالجانب السياسي وما يترتب عليه من اتفاقات واتفاقيات تجارية، له ناسه المتخصصون، بينما تستقطب الموضة جمهوراً أكبر وأكثر تنوعاً، ما بين معجب ومتذوق، وبين محلل ومستفيد.

من التقاليد التي أصبح جارياً بها العمل في هذه الزيارات، أن يقدم الضيف تحية دبلوماسية بارتداء أزياء لمصمم أو دار أزياء من البلد المضيف، وهو ما تعرفه ميلانيا ترمب جيداً. لا تلتزم به في كل الحالات والمناسبات، لأن حبها للعلامات الباريسية والإيطالية يغلبها، إلا أنها حرصت على تقديم التحية لحظة الوصول.

بين الأناقة والدبلوماسية

نزلت من الطائرة الرئاسية، مساء الثلاثاء، في مطار ستانستد بلندن، مرتدية معطف «كينسينغتون هيريتج» من دار «بيربري». كان طويلاً بشكل مبالغ فيه بعض الشيء، ومشدوداً بإحكام عند الخصر، نسقته مع نظارتين شمسيتين من «سان لوران»، وحذاء مستوحى من أحذية الفروسية من «ديور». بغضّ النظر عن طوله المبالغ فيه، تبقى هذه التفصيلة حركة دبلوماسية ذكية منها.

تجدر الإشارة إلى أنها ليست أول مرة تُظهر فيها ميلانيا إعجابها بالدار البريطانية «بيربري». فهي تمتلك مجموعة من المعاطف بتوقيعها، بأطوال مختلفة، وأغلبها باللون البيج والرملي. في زيارتها الرسمية الأخيرة إلى بريطانيا عام 2019، ارتدت أيضاً قميصاً من الحرير بتوقيع «بيربري» بألوان العلم البريطاني؛ الأحمر والأبيض والأزرق.

لحظة وصول ميلانيا ودونالد ترمب إلى قلعة وندسور وكانت أميرة ويلز وزوجها الأمير ويليام في استقبالهما (أ.ف.ب)

يوم الأربعاء الماضي، وهو اليوم التالي من الزيارة، وعندما استقبلتها الملكة كاميلا وأميرة ويلز، كاثرين، للتوجه إلى قلعة وندسور، تغيّرت الصورة كُلياً؛ بدت غامضة ومثيرة كأنها بطلة من أفلام الحرب الباردة على طريقة النجمة الغامضة غريتا غاربو. رغم صرامة المشهد، لم يخلُ من طرافة. بدا كما لو أن هناك «حرب قبعات» خفية وخفيفة بين ميلانيا وكاميلا وكاثرين. كل قبعة تطمح لإضفاء التميز على صاحبتها.

بينما اختارت كل من الملكة كاميلا وأميرة ويلز قبعات كلاسيكية، تُظهر وجههما بوضوح وفق ما يُمليه البروتوكول والأناقة، اعتمرت ميلانيا قبعة بحواف عريضة أخفت نصف وجهها. ويبدو أن مصممها وخبير إطلالاتها الخاص، الفرنسي هيرفيه بيير، تعمد هذا الغموض، كما فعل خلال حفل تنصيب زوجها دونالد ترمب لولاية ثانية حين سرقت الأضواء. أصبحت قبعتها آنذاك حديث العالم، لغرابة اختيارها. كثير من النقاشات دارت حولها. فهي تارة «درع» تحميها من نظرات الفضوليين المتحفزة، وتارة وسيلة للانتقام من وسائل الإعلام التي كانت متحاملة عليها، بحرمانهم من قراءة ردود أفعالها وانفعالاتها. لكن قبعتها في هذه المناسبة كانت لأسباب مختلفة. فهي هنا تفرض وجودها ومكانتها أمام ملكة وأميرة في مشهد يتطلب منها أن تلعب دور زوجة رئيس أكبر قوة في العالم. وعلى ما يبدو، فإن القبعات أصبحت ملعبها الخاص، تثير بها الجدل وتفرض بها أسلوبها الخاص.

ثلاث قبعات بأشكال مختلفة تتنافس على الأضواء (أ.ف.ب)

ساهم في تميزها، إلى جانب شكلها، لونها البنفسجي وتناقضها مع التايور القاتم والصارم من «ديور» الذي نسقته معها. كان التايور من خط «هوت كوتور» فصّله خصيصاً لها المصمم جي دبليو أندرسون، الذي يدير الدار الفرنسية حالياً، مع العلم أنه ينحدر من آيرلندا الشمالية، أي بريطاني. اللافت في الزي ليس مصممه، بل تصميمه العسكري والصارم في أسلوبه، والأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية في تقشفه. يخفي ملامح الأنوثة، كما يخفي تعابير وجهها. بالقبعة والتصميم، سيطرت ميلانيا على المشهد بالكامل.

كيف قلبت أميرة ويلز اللعبة

في المساء، خلال مأدبة العشاء الرسمية، قلبت كيت ميدلتون الطاولة. كانت هي محط أنظار العالم والإعجاب، رغم علامات التعب التي ظهرت على وجهها. جسّدت في الواقع كل الصور المتخيلة عن أميرات الأساطير بجمالهن وأناقتهن.

في حفل العشاء تألقت أميرة ويلز وخطفت الأنظار في فستان للمصممة فيليبا ليبلي (رويترز)

ارتدت فستاناً بتوقيع فيليبا ليبلي، مصممة متخصصة في فساتين الزفاف والمساء والسهرة، مصنوعاً من حرير بلون الكريمة، فوقه طبقة شفافة بلون ذهبي تنسدل على قوامها من دون «غلطة». كمّاه طويلان وكتفاه عاليتان، كذلك ياقته. كل تفصيل فيه كان مدروساً؛ من الوشاح الأزرق والميداليات الرمزية على صدرها إلى التاج. ورغم أن البعض رأى أنه كان بإمكانها اختيار تاج آخر بأحجار لونية تتناسب مع لون الفستان الذهبي، فإنه لا شيء في هذه المناسبات يُترك للصدفة. من الناحية البصرية، جاء لخلق تناقض يلفت الأنظار إلى أهميته التاريخية ورمزيته العائلية. يُعرف بتاج «عقدة العاشقين»، صُنع خصيصاً للملكة ماري، وظهرت به الأميرة ديانا، والملكة إليزابيث الثانية.

ميلانيا في حفل العشاء بفستان من «كارولينا هيريرا» (رويترز)

ميلانيا في المقابل اختارت فستاناً جريئاً بألوانه وتصميمها المكشوف، إلا أنه أصاب عدداً من الخبراء والمتابعين بالإحباط. ليس لأنه يفتقد الأناقة، فهو من تصميم دار «كارولينا هيريرا» المعروفة بلمساتها الأنثوية الفخمة، بل لأنه لم يرقَ إلى مستوى المناسبة والتوقعات. كان مختلفاً تماماً عن التايور الصارم الذي ظهرت به صباح اليوم نفسه، بلونه الأصفر الصارخ وياقته وأكتافه المكشوفة مع فتحة جانبية وحزام وردي مائل إلى البنفسجي.

أكملت الإطلالة بأقراط باللون الزمرد، ما خلق لوحة ألوان زاهية، كل ما فيها أنيق ومختلف عن الطابع المحافظ التي تتبعه منذ فترة. لكنه يليق بحفل أو مناسبة على السجاد الأحمر، وليس بمأدبة عشاء ملكية.


مقالات ذات صلة

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

لمسات الموضة كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

راما منذ الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات. صرحت دار الأزياء الفرنسية…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تابعنا فعالياته مؤخراً أعاد لنا ذلك الافتتان لدرجة الهوس بكل ما هو مصري في مجالات فنية وإبداعية متنوعة. كما أعاد وهج حضارة…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تمت ترجمت الفكرة في مجوهرات ناعمة بأحجار كريمة (أختين)

علامة «أختين» المصرية تنقش من الحناء مجوهرات عصرية

لم تكن نقوش الحناء يوماً مجرد زينة. كانت ولا تزال أيضاً لغة بصرية تجسد البركة التي تشهد على كل الاحتفالات، وتُنقش بلغة فنية تُعبر عن الهوية والانتماء، وأحياناً…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة قلادة «سويتر برستيج» من «شانيل» الفائزة بالجائزة الأولى (شانيل)

«شانيل» تفوز بالجائزة الكبرى للمجوهرات الرفيعة في إمارة موناكو

حدث جديد شهدته إمارة موناكو وسينضم إلى روزنامتها الحافلة بالفعاليات العالمية المهمة، مثل سباق «فورمولا 1» ومعرض اليخوت، والأمسية الخيرية Bal De La Rose. …

«الشرق الأوسط» (لندن)

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
TT

«صالون المجوهرات» يخطف الأضواء وألق الذهب والأحجار الكريمة يُزيّن الرياض

يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)
يستعرض «صالون المجوهرات» أحدث تصميمات الحلي والأحجار الكريمة (موسم الرياض)

بتصميمات فريدة جمعت بين الابتكار والأناقة، يستعرض معرض «صالون المجوهرات 2025»، المُقام في «إيه إن بي أرينا»، ضمن «موسم الرياض»، لزوّاره، أحدث تصميمات المجوهرات والأحجار الكريمة والساعات والمقتنيات النادرة والثمينة.

وتُشارك فيه أكثر من 600 علامة تجارية فاخرة من 50 دولة، وسط أجواء تعكس الفخامة وتنوُّع المعروضات، إذ تتنافس الدُّور المُشاركة على تقديم تصميمات استثنائية تبرز دقّة الصنعة وفنّ التكوين، وسط حضور لافت يشهده المعرض مع انطلاقته في العاصمة السعودية، ضمن الموسم الترفيهي الأضخم في المنطقة والعالم.

يشهد المعرض مشاركة دُور مجوهرات عالمية تمتد جذورها لأكثر من قرنين (موسم الرياض)

كما يشهد مشاركة دُور مجوهرات عالمية عريقة تمتد جذورها لأكثر من قرنين، من بينها «دار بريجيه»، التي انطلقت في القرن الثامن عشر، وكذلك «شوبار»، و«فرنك مولر»، إلى جانب «الفردان للمجوهرات»، و«جوهان»، و«ليدا دايموند آند جولري».

وهو يُعدّ وجهة عالمية تجمع المُصمّمين والمُوزّعين والمُهتمين في تجربة حسّية متكاملة تمتزج فيها الإضاءة الفنّية والموسيقى الهادئة، ويعرض قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً.

المعرض وجهة عالمية يتيح تجربة حسّية متكاملة (موسم الرياض)

وحضرت هيئة المواصفات السعودية «تقييس»، لتعريف الزوّار بأهمية موثوقية موازين المجوهرات والذهب، في الوقت الذي يُقدّم فيه الحدث تصميمات استثنائية راقية.

وشهدت نُسخ المعرض السابقة تسجيل مبيعات تجاوزت 53.3 مليون دولار (200 مليون ريال سعودي)، وقِطعاً استثنائية أثارت اهتمام خبراء المجوهرات، من بينها قناع مُرصّع بأكثر من 3600 ألماسة بلغت قيمته نحو مليون ونصف مليون دولار.

قِطع مجوهرات تُطرح للمرة الأولى عالمياً (موسم الرياض)

المعرض يستمر حتى 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مُقدّماً تجربة فريدة لعشّاق المجوهرات والجمال الراقي، ومُحتفياً بتنوّع الذوق السعودي وقدرته على مواكبة أحدث اتجاهات التصميم العالمية.


راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
TT

راما دواجي... سيدة نيويورك الأولى كيف جعلت صمت الأناقة موقفاً وبياناً سياسياً

كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)
كانت صورة النصر مشهداً غير مسبوق في الولايات المتحدة (د.ب.أ)

صورة عمدة نيويورك الجديد، زهران ممداني، وزوجته، راما دواجي، تبدو لأول وهلة جديدة على المشهد السياسي الأميركي... ثنائي شاب من أصول مسلمة، ينتمي إلى جيل «زد» ويتحدث لغته بفصاحة وشجاعة لم ترَ لها نيويورك مثيلاً. فهما لم يتنازلا في أي مرحلة من مراحل الرحلة الانتخابية عن مبادئهما الإنسانية والسياسية والفكرية الداعمة للأقليات والضعفاء.

لكن من الناحية البصرية، لا تبدو هذه الصورة جديدة تماماً. تُذكّر بالرئيس الأميركي الراحل جون كيندي وزوجته جاكي... ثنائي لا يقل كاريزما وتأثيراً على جيل كامل كان يحلم وينتظر التغيير للأفضل. فضل كبير في تجميل صورة جون كيندي يعود إلى جاكي؛ السيدة الأولى التي وظّفت الجمال والأناقة سلاحاً ناعماً ومؤثراً في الوقت ذاته.

ملكت راما بجمالها ونعومتها وثقافتها قلوب ناخبي نيويورك (رويترز)

وكما شكّلت جاكي كيندي في ستينات القرن الماضي مرآة جيل آمَن بالحلم الأميركي، تبدو راما دواجي اليوم امتداداً لذلك الإرث وأكثر... فهي تنقله إلى مرحلة أعمق وعياً وصدقاً يمكن أن تتحول فيها الموضة صوتاً للإنسانية والأقليات.

راما من الآن هي سيدة نيويورك الأولى... في ملامحها ظِلّ من الشرق وحضور غربي في آن معاً... ثنائية لا تخفيها، بل تفخر بها. مثل جاكي؛ تتمتع راما بكاريزما وجمال فريد من نوعه، ومثلها أثرت على جيل كامل من الناخبين في زمنها؛ أي من جيل «زد»، وفق تصريح من زوجها، الذي استقطب المؤثرين في حملته الانتخابية للوصول إلى هذه الشريحة.

لم يكن لأصول راما العربية والمسلمة، فهي من والدين سوريين ووُلدت في الولايات الأميركية، تأثير سلبي على الناخبين. على العكس؛ ملكت قلوبهم بصدق مواقفها أولاً، وجمالها وأناقتها ثانياً.

وقفت راما إلى جانب زوجها تنظر إليه بصمت... لكن كل ما فيها كان يتكلم... من نظرات العيون إلى الأزياء (أ.ف.ب)

الصورة التي ستبقى خالدة في الذاكرة والتاريخ، وهي تظهر إلى جانب زوجها زهران ممداني بصفته أول مسلم وأصغر عمدة يتولى هذا المنصب منذ عام 1892، جذبت اهتمام الولايات المتحدة، كما شدّت أنفاس العالم بأسره... كان فيها تصالح مع الماضي واستقبال للحاضر... وقفت فيها راما، ذات الـ28 عاماً، إلى جانبه صامتة، تنظر إليه بين الفينة والأخرى بنظرات إعجاب، شبّهها البعض على مواقع التواصل الاجتماعي بنظرات الأميرة الراحلة ديانا.

بلاغة الصمت

صمتها لم يَشفِ غليل البعض؛ لأنهم لم يجدوا فيه سمات الصورة النمطية للزوجة المسلمة التابعة لزوجها من دون أن يكون لها كيان خاص أو استقلالية... فراما فنانة لها وجود وتأثير على الساحة الفنية، وقالت بصمتها كل ما يلزم قوله عن هذه الاستقلالية، إضافة إلى انتمائها الثقافي والسياسي. فما ارتدته لم يكن مجرد اختيار عادي يليق بمناسبة يفترض فيها أن تكون بكامل أناقتها، بل كان بياناً سياسياً وإنسانياً وفنياً لا يعتذر عن أفكارها ورؤيتها ودعمها القضية الفلسطينية. إطلالتها أكدت أن الجيل الذي تنتمي إليه أعلى شجاعة من الجيل الذي سبقه في صدق تعبيره عن القضايا السياسية ونبل المشاعر الإنسانية.

عبّرت راما عن ثنائية انتمائها باختيار إطلالتها من مصمم فلسطيني - أردني ومصممة نيويوركية (رويترز)

قد تبدو إطلالتها بسيطة أول وهلة، لا سيما أنها بالأسود؛ «اللون الذي لا يخيب» وتلجأ إليه المرأة عندما تكون خائفة وتريد أن تلعب على المضمون، إلا إن بساطتها كانت خادعة وعميقة في آن؛ لأنها كانت محملة بالأفكار. اختارت «بلوزة» دون أكمام من الدينم الأسود، مطرزة بتخريمات منفذة بالليزر، من تصميم الفلسطيني - الأردني زيد حجازي، الذي أبرز فيها تفاصيل التطريز الفلسطيني التراثي وزخارف القرى الفلسطينية. زيد حجازي، الذي تخرج في معهد «سنترال سان مارتينيز» بلندن، يصف علامته بأنها «استكشاف لـ(الثقافات القديمة والمعاصرة)».

نسّقت دواجي «البلوزة» مع تنورة من المخمل والدانتيل، أيضاً بالأسود، من تصميم إيلا جونسون، وهي مصممة نيويوركية تشتهر بأسلوبها الرومانسي والحرفي، الذي يستهوي النخب الفنية والبوهيمية في بروكلين. الجمع بين مصمم فلسطيني ومصممة نيويوركية يشير إلى جذورها وانتمائها إلى ثقافتين: العربية والأميركية، ويقول إن الموضة ليست مجرد مظهر أنيق وأداة جذب أو قناع واقٍ، بل هي مواقف وأفعال، وترمز أيضاً إلى جيل من المهاجرين لم يعد يكتفي بالاندماج، بل يحلم بالتأثير والمشاركة في رسم ملامح الواقع الذي يعيشه.

ما أسلوب راما دواجي؟

تتميز راما بأسلوبها الخاص وإن كانت تميل إلى الأسود في المناسبات الرسمية (أ.ف.ب)

إلى جانب أنها فنانة ورسامة ومصممة رسوم متحركة، فهي تتمتع بأسلوب بوهيمي تعبر من خلاله عن شخصية مستقلة ومتحررة فكرياً، فهي تنتمي إلى جيل الإنترنت، والـ«تيك توك» وغيرها من المنصات الشبابية. هذا الجيل يراقب العالم بعين ناقدة... يُحلله ويحلم بتغييره للأفضل، بما في ذلك صناعة الموضة، التي يفهمها ويعشقها، لكنه في الوقت ذاته يريد إخراجها من قوالبها النخبوية والتقليدية. يبدو أن دواجي توافقهم الرأي، وإذا كانت إطلالتها ليلة النصر هي المقياس، فإن المتوقع منها طيلة فترة عمدية زوجها أن تتعامل مع الموضة بوعي إنساني بوصفها جسراً تلتقي عليه الحضارات والثقافات بصدق وشفافية.


أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
TT

أوليفييه روستينغ يغادر دار «بالمان» بعد 14 عاماً

أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)
أوليفييه روستينغ بعد عرضه لربيع وصيف 2026 (أ.ف.ب)

بعد 14 عاماً، أعلنت دار «بالمان» ومديرها الإبداعي أوليفييه روستينغ إنهاء علاقة تجارية وفنية أثمرت على الكثير من النجاحات والإنجازات.

صرحت دار الأزياء الفرنسية في بيان أصدرته بالمناسبة بأنها «تُعرب عن امتنانها العميق لأوليفييه على كتابته فصلاً مهماً من تاريخها».

من جهته، أعرب روستينغ عن مشاعره قائلاً في بيانه الخاص: «أنا ممتن لفريقي الاستثنائي في (بالمان)، كانوا عائلتي التي اخترتها في مكان كان بمثابة بيتي طوال الـ14 سنة الماضية... سأظل دائماً أحتفظ بهذه التجربة الثمينة في قلبي».

أوليفييه روستينغ يودع دار «بالمان» بعد 14 عاماً (أ.ف.ب)

لم يكن تعيين «بالمان» لروستينغ «تقليدياً» في عام 2011. كان في الرابعة والعشرين من عمره، أي كان أصغر مدير إبداعي في باريس منذ إيف سان لوران، وأول مدير إبداعي من أصول أفريقية في دار أزياء أوروبية.

صغر سنه ساهم في إدخال الدار العالم الرقمي، حيث أطلقت في عهده أحد أول «فلاتر سناب تشات» الخاصة بالعلامات التجارية، وتطبيق خاص بها، وشراكة مبكرة مع «إنستغرام» للتسوق في عام 2019، من دون أن ننسى أنه أعاد إحياء خط الأزياء الراقية في «بالمان» بعد انقطاع دام 16 عاماً.

من تصاميمه لدار «بالمان» (غيتي)

من بين إنجازاتها الكثيرة أنه نشر ثقافتها لجيل كامل وقع تحت سحر جرأته الفنية، وإن كان البعض يرى أن السحر يكمن في تعاوناته مع نجمات عالميات، نذكر منهن كيم كارداشيان وجيجي حديد وكندال جينر وبيونسي وغيرهن.

روستينغ في عرضه الأخير لخريف وشتاء 2025 مع عارضاته (غيتي)

ولد أوليفييه في مدينة بوردو الفرنسية لأبوين أفريقيين تخليا عنه ليتم تبنيه في سن مبكرة من قبل زوجين فرنسيين. على المستوى المهني، درس في معهد «إسمود» في باريس قبل أن ينضم إلى دار «روبرتو كافالي» بعد التخرج، حيث تولى في نهاية المطاف قيادة قسم الأزياء النسائية. في عام 2009، التحق بدار «بالمان» ليعمل تحت إشراف المصمم كريستوف ديكارنين، وبعد عامين خلفه بصفته مديراً إبداعياً، وفي عام 2016، قاد الدار بسلاسة خلال عملية استحواذ مجموعة «مايهولا» القطرية عليها.

رغم أن صورة وجه المصمم وإطلالاته الاستعراضية ستبقى محفورة في الذاكرة، فإن تصاميمه المبتكرة هي أكثر ما يميزه في انتظار الفصل التالي من مسيرته.