ماري أنطوانيت... أيقونة سبقت «الإنفلونسرز» بقرون في معرض بلندن

عشقت الموضة حتى الموت ولا يزال تأثيرها مستمراً

لقطة تصويرية لمجلة «فوغ» عام 2012 تظهر فيها العارضة كايت موس في أزياء من تشكيلة «ألكسندر ماكوين» (تصوير تيم وولكر)
لقطة تصويرية لمجلة «فوغ» عام 2012 تظهر فيها العارضة كايت موس في أزياء من تشكيلة «ألكسندر ماكوين» (تصوير تيم وولكر)
TT

ماري أنطوانيت... أيقونة سبقت «الإنفلونسرز» بقرون في معرض بلندن

لقطة تصويرية لمجلة «فوغ» عام 2012 تظهر فيها العارضة كايت موس في أزياء من تشكيلة «ألكسندر ماكوين» (تصوير تيم وولكر)
لقطة تصويرية لمجلة «فوغ» عام 2012 تظهر فيها العارضة كايت موس في أزياء من تشكيلة «ألكسندر ماكوين» (تصوير تيم وولكر)

في يوليو (تموز) الماضي، دخلت زين القطامي كنيسة بكركي لعقد قرانها على سيلو صعب، نجل المصمم العالمي إيلي صعب. ولم تضاهِ هيبة المكان وروعة المناسبة سوى فستانها الذي خطف أنظار الحضور، وهو من تصميم حماها. بدا الفستان كأن المُصمم قد صبّ فيه كل ما في قلبه من حب وإبداع. وقد اعترفت العروس نفسها بأنها لم تُصدق ما أبدعته مخيلة إيلي صعب وأنامل الحرفيين الذين ترجموا رؤيته إلى واقع. كان أقصى مُناها أن تكون أميرة في يوم زفافها، إلا أنه أعطاها ما هو أكثر من ذلك بكثير. «جعلني أشعر بأنني ملكة» وفق ما قالته في حوار سابق مع جريدة «الشرق الأوسط». والحقيقة أن الفستان كان ملكياً بكل المقاييس، بدءاً من حجم تنورته، وذيله الطويل الذي يتفتح على الجانبين بسخاء، إلى استحضاره صور ماري أنطوانيت زوجة الملك الفرنسي لويس السادس عشر، وأول مؤثرة موضة في العالم.

لم يكن الفستان مجرد تحفة فنية بل «تجسيد لأحلام الطفلة بداخلي والمرأة التي كبرت أيضاً» بحسب زينة (إيلي صعب)

ملكة لا تزال تُثير الكثير من الجدل بين متعاطف ومتحامل، إلا أن ما يُجمع عليه الجميع أنها هي مَن أرست قواعد «الموضة الراقية». ببذخها المفرط، وحسّها الفطري بالأناقة، أرست ما أصبح يُعرف حالياً بـ«الهوت كوتور»، ومن ثم لم تُغيِّر ماري أنطوانيت مسار التاريخ الفرنسي فحسب بل مسار الموضة ككل؛ لأنها وبكل بساطة صنعت لنفسها، بين رفاهية القصور وتراجيدية السقوط، أسلوباً بصرياً استثنائياً لا يزال يُلهم صناع الموضة حتى يومنا هذا، من بول بواريه وفيفيان ويستوود وألكسندر ماكوين إلى إيلي صعب وأليساندرو ميكيلي وموسكينو مصمم دار «فالنتينو» وغيرهم.

فما لا يختلف عليه اثنان أنها تركت إرثاً غنيّاً من شأنه أيضاً أن يشفي غليل الراغبين في قراءة حقبة مهمة من التاريخ.

ماري أنطوانيت كما صوّرتها كتب التاريخ (فكتوريا آند ألبرت)

هذا الإرث سيكون محور أول معرض تحتضنه المملكة المتحدة، وهو معرض يرى البعض أنه جاء متأخراً مقارنة بأهمية الشخصية وتأثيرها، لكنه في المقابل يُنصفها من خلال تقديم قراءة شاملة عنها، بوصفها أيقونة في عالم الموضة، وملكة ظلمها التاريخ.

المعرض الذي سيفتتح في الـ20 من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي في متحف «فكتوريا آند ألبرت» (V&A) سيقدّم تجربة عرض تفاعلية، تشمل عناصر حسية تُسلط الضوء على تأثيرها الممتد لأكثر من قرنين ونصف القرن في مجالات الفنون الزخرفية، والتصميم، والتصوير، والسينما.

وصفت سارة غرانت، القيّمة على معرض «أسلوب ماري أنطوانيت»، بأنها «الملكة الأكثر أناقة، وفي الوقت نفسه من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ»، مشيرةً إلى أن اسمها لا يزال يستحضر صوراً للبذخ الذي أثار حفيظة الشعب الفرنسي ضدها، ومع ذلك يظل مادة ثرية وقيّمة لفهم تاريخ وفنون تلك الحقبة. فقد تجاوز تأثيرها حدود فرنسا ليطول الذوق العام في مختلف أنحاء أوروبا، وهو ما يسعى المعرض إلى استكشافه والكشف عنه، من خلال تسليط الضوء على أسلوبها المميز وشخصيتها في آنٍ معاً، فهما عملة لوجه واحد بحكم أن أسلوبها الأنيق كان فطرياً.

لم تؤثر ماري أنطوانيت على البلاط الفرنسي فحسب بل امتد تأثيرها إلى جموع أوروبا (فكتوريا آند ألبرت)

أثرها على الموضة والثقافة

يتناول المعرض في المقام الأول كيف ألهم أسلوبها مصممين معاصرين، من بينهم شانيل، وديور، وفيفيان ويستوود، وفالنتينو وموسكينو، مع عرض لأزياء سينمائية، مثل تلك المستخدمة في فيلم «Marie Antoinette»، وهو من إخراج صوفيا كوبولا، وبطولة كريستين دانست.

ويتضمن المعرض أكثر من 250 قطعة، تشمل مقتنيات شخصية مثل نعالها الحريرية، وقطع من أزيائها الملكية، ومجوهراتها، وحتى آخر رسالة كتبتها قبل وفاتها. كما يشمل قطعاً نادرة لم تُغادر قصر فرساي من قبل، مثل أدوات المائدة الخاصة بها من قصر بيتي ترينيون وكرسيها الشخصي.

لقطة من فيلم «ماري أنطوانيت» لصوفيا كوبولا (موقع فكتوريا آند ألبرت)

وبما أن تأثيرها مستمر، قُسِم المعرض إلى 4 أقسام رئيسية:

القسم الأول؛ يتناول البدايات (1770-1793)، ويعرض كيف تشكّل أسلوبها بتأثرها بأفكار التنوير، ودورها في تغيير الذائقة الأوروبية في القرن الثامن عشر. كل هذا تجسّد في الفساتين الباستيلية الفخمة المنقوشة بالزهور الدقيقة والأشرطة وسخاء الأقمشة المترفة وغيرها، إضافة إلى الشعر المرفوع عالياً والمُثبَّت بالبودرة والمجوهرات الثمينة والأثاث المزخرف بأسلوب الروكوكو. كما يُقدم المعرض تجربة حسية عطرية تستعيد عطرها المفضل.

لم تؤثر ماري أنطوانيت على البلاط الفرنسي فحسب بل امتد تأثيرها إلى جموع أوروبا (فكتوريا آند ألبرت)

القسم الثاني بعنوان إحياء الأسلوب (1800-1890) ويسلّط الضوء على الإمبراطورة أوجيني، زوجة نابليون الثالث. أعادت إحياء صورة ماري أنطوانيت في القرن التاسع عشر، لتبدأ موجة اهتمام عاطفي ورومانسي بماري أنطوانيت، بلغ ذروته في ثمانينات وتسعينات القرن نفسه؛ حيث هيمنت صورتها على الذوق العام في بريطانيا وأميركا لأكثر من 50 عاماً. عرض هذا القسم يشمل أزياء تنكرية من تصميم فردريك وورث، مؤسس الموضة الراقية ومصورين مثل أوجين أتجي وفرانسيس فريث.

أما القسم الثالث فيتناول مرحلة أواخر القرن التاسع عشر، وهي مرحلة جديدة اكتسبت فيها ماري أنطوانيت صورة شاعرية. أصبح أسلوبها رمزاً للهروب من الواقع إلى الفانتازيا والحلم. يعرض هذا القسم تحوّلات صورتها خلال فترتي الآرت نوفو والآرت ديكو، من خلال أزياء لـ«جان لانفان» و«الأخوات بوي»، ورسوم توضيحية مائية لفناني «العصر الذهبي» مثل إرتيه، وجورج باربييه وإدموند دولاك.

القسم الرابع والأخير، يستعرض تأثيرها على الموضة والثقافة المعاصرة، من القرن العشرين وحتى الآن من خلال عروض أزياء لدور مهمة، مثل «موسكينو، وديور، وشانيل، وإيردم، وفيفيان ويستوود، وفالنتينو»، إلى جانب صور لتيم ووكر وروبرت بوليدوري. مع عرض لأزياء سينمائية، مثل تلك المستخدمة في فيلم «Marie Antoinette» لصوفيا كوبولا.

حضور قوي في عروض الأزياء

من عرض راف سيمونز لدار «ديور» عام 2014 (غيتي)

في العصر الحديث، استلهم عدد من المصممين إرثها، أو على الأقل تفاصيل من صورتها. كل واحد كانت له ترجمته الفنية الخاصة. فيفيان ويستوود قدّمتها في مجموعتها لخريف/شتاء 1995، باستخدام الكورسيهات والتنانير الواسعة (crinolines).

جون غاليانو، وهو عاشق للتاريخ وتحديداً القرن الثامن عشر، قدّمها بدرامية تليق بها في تشكيلته لخريف/شتاء 2007-2008. تضمنت فساتين بأحجام مبالغ فيها، وتنورات مستديرة، مع تفاصيل مثل الكورسيه المفتوح. كانت جريئة، تميل إلى السريالية ذات الطابع المسرحي، لكنّها خففت من حدّتها وهروبها من الواقع عبر أقمشة مترفة وتطريزات بديعة. بعد خروجه من «ديور» قام المصمم راف سيمونز في تشكيلته لخريف/شتاء 2014 بالرحلة نفسها إلى القرن الثامن عشر، مستكشفاً أسلوبها من خلال التنورات المستديرة بأحجام أقل درامية لكن بارزة، لعب فيها على الجزء العلوي المُحدد على الصدر، ليبرز استدارتها وأشكالها المقببة.

نيكولا غيسكيير، مصمم دار «بالنسياغا» السابق لم يفُته هو الآخر سحرها. قدّمها في تشكيلته لربيع وصيف 2006، جامعاً بسلاسة بين الماضي والحاضر؛ حيث نسج قصة مثيرة تجمع الملكة بالمغنية بيلي أيدول، ما نتج عنه عرض صاخب بتناقضاته، مثير بتناغمه.

الراحل كارل لاغرفيد كان أيضاً عاشقاً للملكة وأسلوبها. قدّمها في عدة مناسبات بجرعات خفيفة جداً، أحياناً من خلال الأزهار التي كانت تعشقها وتزرعها في حدائق قصورها، وأحياناً عبر إشارات خفيفة تُذكرنا بميلها إلى الترف مهما كلَّفها الأمر.

من «أوسكار دي لارونتا» و«شانيل» و«موسكينو» وغيرها لا تزال الموضة تعشق صورتها وتعترف بجمالها (غيتي)

في عرض من «خط الريزورت» لعام 2013، اختار له قصر فرساي مسرحاً، ظل وفيّاً لرأيه بأنه لا يحب العودة إلى الماضي، بدلاً من ذلك أحضره إلى المستقبل. تصور ماري أنطوانيت تعيش بيننا، وهو ما ترجمه في فساتين «ميدي» تغطي نصف الساق أو «ميني» كان القاسم المشترك بينها تنورات مستديرة وتطريزات دقيقة كل ما فيها يشي بالفخامة. حتى بالنسبة للماكياج وتسريحات الشعر، لم يستسهل مهمته باستنساخ صورة ماري أنطوانيت، كما ترسّخت في الأذهان. بالعكس بدلاً من الشعر المرفوع إلى أعلى، ظهرت العارضات بباروكات بقصة «كاري» زيّنها بفيونكات ومجوهرات تليق بملكة تهتم بكل التفاصيل.

في عام 2013، ظهرت ماري أنطوانيت في تشكيلة أوسكار دي لا رينتا للربيع والصيف، وفي عام 2024، في تشكيلة المصممة سيمون روشا للخريف والشتاء. في عام 2020، أعادتها لنا دار «موسكينو» بأسلوبها الخاص المفعم بالشقاوة إلى درجة العبثية. استعمل مصممها المبالغات أداةً لتأكيد استمرار تأثيرها في الثقافة البصرية.

ترجمة أليساندرو ميكيلي كانت مسرحية بكل المقاييس (غيتي)

مؤخراً، ظهرت أيضاً في تشكيلة «فالنتينو»؛ حيث اختارها مصممها الجديد أليساندرو ميكيلي في أول تشكيلة يقدّمها للدار بعد أن خلف المصمم بييرباولو بيكيولي بصورة مسرحية كأنه خاف أن يفوتنا تأثيرها، أو ربما فقط أراد أن يُغذي حلمه القديم بأن يكون مصمم أزياء مسرح. اقترح 48 فستاناً «بأسلوب سردي يستحضر أجواء تعبر العصور والثقافات وأصداء حكايات ماضية تتردد في الحاضر»، وفق ما كتبه في بيان صحافي. ربما لا تكون مناسبة للعصر لكنها تُظهر مدى تأثير ملكة عشقت الموضة والترف حتى الموت.


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)
لمسات الموضة لقطة جماعية على خلفية قلعة درامون التي أقيم فيها العرض (تصوير سام كوبلاند)

«ديور» تنسج قصة أسكوتلندية من التويد والتارتان

في مايو (أيار) الماضي، وهو بداية موسم عروض خط «الكروز» أو الـ«ريزورت»، قدمت «ديور» تشكيلتها من هذا الخط لعام 2025 في أدنبره الاسكوتلندية. كان عرضاً مثيراً…

جميلة حلفيشي (لندن)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.