ينطبق على قميص البولو المثل الشعبي القائل «يذم السوق ويشتري منه». فرغم أنه قد يكون من أكثر القطع استعمالاً وتوفراً في خزانة الرجل، فإنه أيضاً الأكثر تعرضاً لسوء الفهم، بل وحتى الظلم. السبب أنه في التسعينيات خرج من دائرة أناقة «البريبي» المرتبطة بالطبقات الراقية ثقافياً واجتماعياً إلى الشارع. أقبل عليه حينها العمال والحرفيون وذوو الدخل المحدود، ليصبح خياراً سهلاً لمن لا يريد أن يُكلّف نفسه تعقيد قميص بأزرار وعناء كيّ تجاعيده وكرمشاته.

لكن الحقيقة أن هذه القطعة المتواضعة مظلومة. صحيح أنها سهلة التنسيق والاستعمال، إلا أنها لا تقبل الاستسهال إذا كانت النية إطلالة أنيقة. فما أكده هذا القميص منذ أن أطلقه لاكوست ومن بعده رالف لورين وشركات متخصصة في الأزياء الرياضية مثل «نايكي»، أنه يحتجز لنفسه مسافة آمنة بين الـ«تي-شيرت» والقميص الرسمي. وهذا يعني أناقة «كاجوال». مع بنطلون جينز أو بنطلون قصير في الصيف يمكن أن يناسب المشاوير اليومية، ومع سترة «بلايزر» يمكن الارتقاء به لمناسبات ربما لا تتطلب مظهراً رسمياً لكن تحتاج إلى ترتيب.

مصممون كُثر تفننوا فيه، لكن يبقى من أبرزهم «رالف لورين» و«لاكوست»، ومؤخراً علامة «هوكرتي» Hockerty التي وصل اهتمامها به إلى تفصيله حسب المقاس عند الطلب. اليوم لا يزال واحداً من أكثر القطع حضوراً في خزانة الرجل، أياً كان عمره ومكانته، والأكثر تنوعاً كذلك. هذا التنوع يفتح له أبواب البحر وأماكن المكاتب ما دام المكان لا يتطلب بدلة رسمية بربطة عنق.
البدايات:
رغم اسمه، لم يولد هذا القميص في ملاعب البولو، بل في ملاعب التنس؛ إذ إن لاعبي التنس وحتى عشرينيات القرن الماضي، كانوا يعتمدون زياً رسمياً يتكون من سراويل من «الفلانيل» وقمصان بأزرار وأحياناً بربطة عنق. لم يكن زياً عملياً لرياضة تتطلب مرونة وسرعة حركة وتمارس في الهواء الطلق صيفاً.
رينيه لاكوست، مُبتكره، كان لاعب تنس، فاز بسبعة ألقاب كبرى. ثم تحول إلى تصميم الأزياء بدافع ابتكار قطعة بقصة مرنة وقماش يتيح للجسم التنفس خلال هذه اللعبة. حينها تفتّق ذهنه عن استعمال نوع من القطن المُهوى يعرف باسم «جيرسيه بيتي بيكيه»، وتصميم بأكمام قصيرة وياقة مرنة يمكن رفعها لحماية الرقبة من أشعة الشمس، مع طول كاف ليبقى القميص ثابتاً داخل السروال أثناء اللعب. ظهر به لأول مرة في عام 1926 في بطولة بلجيكا المفتوحة، وفي العام التالي، أضاف شعاره الشهير: التمساح. لكن إنتاجه تجارياً لم يبدأ حتى عام 1933.

غني عن القول أنه لاقى إقبالاً كبيراً في الميادين الرياضية. قوته تكمن حتى الآن في عمليته. وسرعان ما انتقل من ملاعب التنس إلى ملاعب البولو، التي استمد منها اسمه الحالي. ربما لأن لاعبيها تبنوه أكثر. ثم جاء ظهور الرئيس الأميركي أيزنهاور به وهو يمارس لعبة الغولف ليزيد من اتساع شعبيته.
كان من البديهي أن يشجع هذا الإقبال لاكوست على طرح تصاميم جديدة بألوان متعددة أدخلته سوق العامة. في السبعينيات دخل المصمم الأميركي رالف لورين على الخط وأثبت أنه منافس لا يستهان به. أطلق خطاً تجارياً أصبح يعرف بكل بساطة بـ«بولو». طبعاً كان هذا القميص حجر الأساس في دار «رالف لورين»، ومنها دخل عالم الأناقة من أوسع الأبواب: عروض الأزياء، مكتسباً شرعيته من الأسلوب الأميركي الـ«سبور».
ورغم أن قميص البولو تعرّض لتراجع في التسعينيات بسبب توفره بأسعار رخيصة جعلته في متناول الكل، الأمر الذي أفقده شيئاً من بريقه، فإنه لم يغب في أي وقت من الأوقات، بما في ذلك ظهور رؤساء أميركيون به في إجازات نهاية الأسبوع أو هم يمارسون رياضتهم المفضلة: الغولف.

مؤخراً صوّرت علامة «هوكرتي» Hockerty حملة ترويجية يظهر فيها الرجل بكامل أناقته، وهو يتنقل بين مناسبات مختلفة بهذه القطعة، ليبرز لنا الإمكانيات التي تُوفرها هذه القطعة للرجل العصري. السر بالنسبة للعلامة يكمن في تنسيقها وتناسقها مع الجسم. فالعلامة التي تقوم على التفصيل على المقاس تعرف أن أهم عنصر يستمد منه هذا القميص قوته هو سهولة استعماله وتنسيقه على شرط الانتباه إلى بعض التفاصيل الصغيرة، مثل شكل الياقة ونوع القماش واللون». القماش مثلاً لم يعد يقتصر على القطن والجيرسيه فحسب. يشمل حالياً حتى صوف الميرينو لتلك الأيام الباردة التي لا يريد فيها الرجل الاستغناء عن مظهر منطلق و«سبور» بعيداً عن القميص الرسمي. ويشير خبراء علامة «هوكرتي» إلى أنه من بين المحاذير التي يجب تجنبها عدم ارتداء قميص داخلي تحته، أو رفع الياقة سوى في حالة حماية الرقبة من الشمس.
















