يتنافس العديد من المصممين على ابتكار كل ما هو جديد ومبتكر، غير أن هناك أيضاً من يُقدرون إرثهم ينسجون منه خيوطاً تربطهم بهويتهم وتاريخهم. هؤلاء يستمدون من هذه الجذور أفكاراً وتقاليد يحولونها إلى أشكال حديثة.
«بُوتن أب» Buttonup المصرية واحدة من العلامات التي تعتبر التصميم وسيلة لربط الحاضر بالماضي؛ حيث تعتمد أسلوب تصميم يقوم على إعادة تقديم عناصر من التراث المصري.
من هنا تحمل منتجاتها من الحقائب والأوشحة والدفاتر والإكسسوارات المنزلية معنى أعمق من مجرد قطعة قماش أو جلد أو تطريز أو ورق؛ فهي تجسد قصصاً وتقاليد توارثتها الأجيال، مصنوعة بحب وعناية.
يقول صلاح غانم الشريك المؤسس ومدير تسويق العلامة: «إن الأزياء والإكسسوارات المستلهمة من التراث تفرض نفسها على عالم الموضة، فقد جاءت من الماضي لتسرد حكايات حقيقية وقيمة عن أشخاص، وبلدان، وثقافات، وتقاليد جديرة بالاحترام والتقدير».

ويتابع: «لكنها كأي موضة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجمال؛ ولذلك ننظر إليها كفرصة للابتكار، وإعادة التفكير في القديم، وتطويره».
اعتادت «بوتن أب» أن تستخدم تقنيات نسيجية نشأت عبر مناطق جغرافية وأزمنة مختلفة في مصر، من الوحدات الهندسية وصور النباتات ورموز أخرى كالأحجبة والكف موجودة في التراث النوبي، إلى التطريزات والزخارف المستوحاة من البيئة البدوية وأشكال الطبيعة كما جسدها التراث السيناوي، مروراً بالأقمشة المزركشة الرائجة في الريف، وذلك بطريقة عصرية وبسيطة. تتناسب مع الموضة لكن تحترم خصوصية كل منطقة وثقافتها.

لا تقتصر مصادر الإلهام على مصر، فالعلامة تستلهم من ثقافات أخرى؛ نذكر منها مجموعة من الأوشحة من الكتان والقطن بتطريزات تمزج بين عناصر التطريز الفلسطيني والنوبي المصري، بألوان الأرجوان والأخضر والذهب، و تُحاكي غُرزها المتعرجة الدقيقة حركة الماء، وهو عنصر شائع في التطريز التقليدي من كلتا الثقافتين.
من هذا المنظور يقول غانم: «إنها مزيج مثالي من خامات متينة تحمل إرثاً ووظيفة صُممت ونُفّذت لتستعمل وتُورث للأجيال القادمة، خصوصاً وأنها بأسعار في متناول الجميع».

يقول هذا وهو يستدل بحقائب تم طرحها في أحدث مجموعاتها تتميز بزخارف نوبية، وتفاصيل نابضة بالحياة، لا تخفى على العين لمستها التراثية الخفيفة، وأخرى متعددة الاستخدامات، على شكل حقائب ظهر. كما يوحي اسمها، يُمكن استخدامها كحقيبة ظهر أو حقيبة يد حسب الحاجة، نظراً لتوفرها على مسكة يد، ومنها حقيبة «كليلة ودمنة» المرسومة يدوياً والمصنوعة من القطن المصري (داك)، تتميز بقاعدة من الجلد الأصلي، ومقبضين جلديين بحلقات معدنية قابلة للتعديل، وسحاب علوي للإغلاق، وغطاء مغناطيسي جلدي لمظهر أنيق.

كما تقدم حقائب أخرى مختلفة الأحجام كخيارات مثالية للاستعمال اليومي، أو خلال عطلة نهاية الأسبوع. تصميمها الناعم يُتيح لك استعمالها بمرونة سواء للعمل أو للترفيه نظراً لتمتعها بجيوب داخلية متعددة تساعد على ترتيب كل الأغراض.
ولا تقل المنسوجات التي تقدمها العلامة أهمية من ناحية رمزيتها الثقافية وزخارفها وأنماطها الهندسية التي تضيف لمسة جريئة إلى أي خزانة ملابس.
مثلاً قدمت العلامة في تشكيلتها الجديدة «كيمونو» من الكتان الخالص مع رقعة مصنوعة من القطن الخالص أيضاً يُجسد رمزية مصر القديمة؛ حيث يمزج بين انسيابية نهر النيل وأناقة زهرة اللوتس.
تهتم العلامة أيضاً بالديكورات الداخلية وتقدمها بعدة أشكال، مثل طاولة مصنوعة من خامات مُعاد تدويرها ووسائد مُزخرفة يدوياً بنقوش نوبية تقليدية؛ إضافة إلى مجموعة كراسي صديقة للبيئة، بعضها مُغلفة بمادة الخيش؛ لمظهر طبيعي وتصميم عملي حديث، حيث صممت بمساحة داخلية للتخزين.
انطلقت علامة «بوتن أب» من فكرة إعطاء الحرف المحلية والحرفيين العاملين فيها حقهم، وأيضاً من إيمان الفنانين والمصممين وراءها «بأن الإبداع والحِرف اليدوية يمكن أن يكونا وسيلة لتمكين المجتمعات» بحسب غانم.
يشرح موضحاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «بدأت العلامة نشاطها عام 2019؛ بهدف تمكين النساء والشباب في المجتمعات الأشد احتياجاً في مصر من خلال التدريب، والإنتاج، وربطهم بالسوق المحلية والدولية».

«عزبة خير الله» كانت من أول المجتمعات التي انطلقت منها العلامة، يقول: «اخترناها لأنها من المناطق التي تعاني من ارتفاع نسبة البطالة، وفي الوقت ذاته تتمتع بطاقات كبيرة لم يُسعفها الحظ لكي تظهر إلى النور».
قام فريق العمل بتدريب السيدات من الصفر، في مجالات متنوعة مثل الخياطة والتطريز والتصميم. كان حماسهن مُعدياً وتطورهن سريعاً، مما ألهم على المزيد من التوسع لتشمل المبادرة مجتمعات محلية مصرية أخرى. وبحسب غانم فإنه من خلال هؤلاء السيدات «بدأ العمل على ترجمة عناصر التراث إلى قطع عملية ومواكبة للموضة، وهن لا ينقلن التراث كما هو، بل يُعدن تخيله».

ويتابع: «على سبيل المثال نمزج التطريز اليدوي التقليدي مع خامات من الجلد أو القطن، مع مراعاة أن تكون القطعة مريحة وفي الوقت ذاته جذابة تشد الجيل الجديد سواء في مصر أو في الأسواق الدولية، لذلك نرى تفاعلاً كبيراً من النساء في مصر والخارج، خصوصاً المهتمات بالموضة الواعية والحِرف اليدوية».
لحد الآن شاركت «بوتن أب» في معارض محلية ودولية، وتحرص على الوجود بشكل مستمر في «قمة المناخ» وحصلت على جوائز عدة للدور الذي تقوم به في دمج المجتمعات المحلية وإيجاد حلول للتغير المناخي والاستدامة.
















