من أقوال كارل يونغ أن «الحذاء الذي يناسب أحدهم، قد لا يناسب الآخر... فلا وجود لوصفة مثالية للحياة»، هذا ما قاله كارل يونغ عندما رغب في شرح الحياة وتعقيداتها، وبأن لكل فرد مساره الخاص وتجاربه وتحدياته في الحياة.
المشكلة في هذا القول أنه استعمل الحذاء كمجاز، لأن هناك فعلاً حذاءً مثالياً يناسب الجميع، لا سيما في فصل الصيف ألا وهو «اللوفر»: حذاء من دون أربطة يتميز بنكهة إيطالية خالصة.

لم يولد هذا الحذاء إيطالياً. صممه أول مرة نرويجي، حيث صممه أحد صانعي الأحذية في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، غير أن شُهرته بدأت فعلياً في الستينات في إيطاليا مع ظهور ما أصبح يُعرف بمفهوم «سبريزاتورا Sprezzatura»، وهي فلسفة تُجسد الأناقة غير المتكلفة، يبدو فيها الرجل وكأنه لم يبذل أي جهد يُذكر، مع أنه اهتم بأدق التفاصيل. مما أسهم في انتشار هذا الأسلوب ظهور عدة شخصيات مهمة ومؤثرين في عالم المال والأعمال والموضة به. انتقاله إلى العامة من خلال منصات عروض الأزياء، كان مسألة وقت فقط.
مدارسه الثلاث
إذ لا يمكن الحديث عن أناقة الرجل من دون التطرق إلى حذائه كإعلان صريح عن الشخصية والأسلوب. وهنا تبرز ثلاث مدارس أوروبية رئيسية تحدد شخصيته وأسلوبه. المدرسة الإنجليزية، بطابعها الرسمي المحافظ حيث تسود تصاميم مثل «أكسفورد» و«البروغ» و«الديربي»، والمدرسة الإيطالية الأكثر تحرراً وديناميكية، وتسعى أحياناً لإثارة الإعجاب، والمدرسة الفرنسية، التي تجمع الرسمية الإنجليزية والانطلاق الإيطالي من دون مبالغة في أي من الاتجاهين.
ومع تنوع الأذواق والخيارات، يبقى الأسلوب الإيطالي الأكثر شعبية في فصل الصيف عبر حذاء «اللوفر»، الذي يتنفَس الحرية ويتمرَد على القيود، بما في ذلك الأربطة والجوارب، سواء تعلق الأمر بحفلة زفاف أو برحلة بحرية على يخت فاخر، أو مجرد نزهة عادية في وجهة مشمسة.
مجافاته للجوارب

وكما لا يمكن الحديث عن أناقة الرجل من دون التطرق إلى حذائه، لا يمكن الحديث عن «اللوفر» من دون الحديث على مجافاته للجوارب، نستحضر هنا اسم الكاتب الأميركي إرنست هيمنغواي، الذي أعلن عداوته للجوارب علنا. كانت تُزعجه أكثر من الحرب، وصرَح مراراً أنها لا تجلب سوى الضيق والتعرق وبأن القدم تحتاج إلى الهواء والتحرر منها. بل وكان يؤمن بأنها لا تُلبس سوى في ثلاث: عند التظاهر بالاحترام أو حضور جنازة أو خداع هيئة المحلفين.
هيمنغواي لم يكن يعرف أنه سيأتي يوم ويصبح انزعاجه موضة رجالية في الصيف، وعنواناً للأسلوب المنطلق والأنيق في الوقت ذاته. فمع دخول الرجل عالم الموضة في بداية الألفية واستمتاعه بلعبة الموضة أقبل على بدلات عصرية بسترات رشيقة محددة على الجسم، وبنطلونات تكشف الكاحل. حتى في حال كان البنطلون طويلاً، يقوم صاحبه بثنيه عمداً لتعزيز هذه الإطلالة التي تفوح منها نكهة لامبالاة مقصودة.

اليوم لم يعد «اللوفر» مرادفاً للتمرد على الأربطة وكل ما يمكن أن يُقيِده، بل أصبح مرادفاً لأناقة راقية تجمع الملوك والعامة على حد سواء بعد أن تبنته بيوت أزياء مرموقة مثل «توم فورد» و «جون لوب» و«جيورجيو أرماني» و«لورو بيانا» و«تودز» و«زينيا» وغيرها. «برونيللو كوتشينيللي»، مثلاً طرحته في تشكيلتها لصيف 2025، مزيّناً بتفاصيل مميّزة وجزءٍ علويّ مصمّم من الجلد وتفاصيل على شكل حِبال مستوحاة من حذاء الإسبادريل (espadrille).

«تودز» ذهبت إلى أبعد من ذلك وجعلته قطعة أيقونية لصيقة باسمها، من خلال حذاء «غومينو». تقدمه في كل موسم بألوان شهية وخامات مترفة. لم يعد مجرد تصميم يحمل لفتة جمالية، بل يعكس توجها أعمق نحو دمج الراحة مع الأناقة بروح شبابية أخرجتها من المناسبات الـ«كاجوال»، وجعلتها شاملة ترافق البدلة المفصلة أيضاً. منذ عدة سنوات، وعندما ظهر الممثل جوش هارتنيت في حفل خيري ببدلة مفصلة وحذاء من «برادا» من دون جوارب، كان أول سؤال طُرح عليه سبب استغنائه عن الجوارب. فوجئ بالسؤال، لكنه تماسك ولخَص كل شيء في ثلاث نقاط: «لأنه الصيف، ولأنه مسموح لنا بذلك، وأيضاً لأنني أريد التخفيف من الرسمية».

وربما هذه الرغبة في دخول لعبة الموضة وكسر قواعدها التقليدية الصارمة، هي ما يراهن عليه الرجل والمصممون في الوقت الحالي. فالإطلالة منعشة مريحة للناظر، ربما يكون المأخذ الوحيد عليها مما قد تُسببه من تعرق يؤدي إلى احتكاك القديم، وهو ما يمكن تفاديه باستعمال جوارب قصيرة لا تراها العين أصبحت متوفرة بشكل كبير. فالفكرة أولاً وأخيراً هي منح الرجل الراحة والأناقة.
















