كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

تقنية من رحم الفن الوظيفي وجمالية الـ«آرت ديكو»

ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)
ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)
TT

كيف ألهمت أنابيب نقل الغاز «بولغري»؟

ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)
ظهر هذا التصميم أول مرة في سوار ساعة «سيربنتي» الأيقونية (بولغري)

في منتصف القرن الماضي، كان فن الـ«آرت ديكو» والقطع المصنعة من البلاتين تُهيمن على مشهد المجوهرات الفاخرة. في خضم هذه الموجة التي اكتسحت الساحة، ظلت دار «بولغري» وفيّة لأسلوبها المتميز بالجرأة، واستعمال الذهب الأصفر والأحجار الكريمة المتوهجة بالألوان.

في هذه الفترة أيضاً ابتكرت تقنية خاصة بها، أصبحت تعرف بـ«توبوغاس»، وتستمد اسمها من الأنابيب التي كانت تستخدم لنقل الغاز المضغوط في عشرينات القرن الماضي. ففي تلك الحقبة أيضاً بدأ انتشار التصميم الصناعي في أوروبا، ليشمل الأزياء والديكور والمجوهرات والفنون المعمارية وغيرها.

فيما ظلت التقنية مستعملة في السلاسل تنوعت الأحجار والألوان (بولغري)

في عام 1948، وُلدت أساور بتصميم انسيابي يتشابك دون استخدام اللحام، تجسَّد في سوار أول ساعة من مجموعتها الأيقونية «سيربنتي». أدى نجاحها إلى توسعها لمجموعات أخرى، مثل «مونيتي» و«بارينتيسي» و«بولغري بولغري».

في مجموعتها الجديدة تلوّنت الأشكال الانسيابية المتموجة والأجسام المتحركة بدرجات دافئة من البرتقالي، جسَّدها المصور والمخرج جوليان فالون في فيلم سلط الضوء على انسيابية شبكات الذهب الأصفر ومرونتها، واستعان فيه براقصين محترفين عبّروا عن سلاستها وانسيابيتها بحركات تعكس اللفات اللولبية اللامتناهية لـ«توبوغاس».

بيد أن هذه التقنية لم تصبح كياناً مهماً لدى «بولغري» حتى السبعينات. فترة أخذت فيها هذه التقنية أشكالاً متعددة، ظهرت أيضاً في منتجات من الذهب الأصفر تُعبر عن الحرفية والفنية الإيطالية.

تزينت بمجوهرات الدار نجمات عالميات فكل ما تقدمه يُعدّ من الأيقونات اللافتة (بولغري)

لكن لم يكن هذا كافياً لتدخل المنافسة الفنية التي كانت على أشدّها في تلك الحقبة. استعملتها أيضاً في مجوهرات أخرى مثل «بارينتيسي»، الرمز الهندسي المستوحى من الأرصفة الرومانية. رصَّعتها بالأحجار الكريمة والألماس، وهو ما ظهر في عقد استخدمت فيه «التنزانيت» و«الروبيت» و«التورمالين الأخضر» مُحاطة بإطار من الأحجار الكريمة الصلبة بأشكال هندسية.

بعدها ظهرت هذه التقنية في ساعة «بولغري توبوغاس»، تتميز بسوار توبوغاس الأنبوبي المرن، ونقش الشعار المزدوج على علبة الساعة المصنوعة من الذهب الأصفر والمستوحى من النقوش الدائرية على النقود الرومانية القديمة. تمازُج الذهب الأصفر والأبيض والوردي، أضفى بريقه على الميناء المطلي باللكر الأسود ومؤشرات الساعة المصنوعة من الألماس.

من تقنية حصرية إلى أيقونة

«بولغري» كشفت عن مجموعتها الجديدة ضمن مشروع «استوديو بولغري»، المنصة متعددة الأغراض التي تستضيف فيها مبدعين معاصرين لتقديم تصوراتهم لأيقوناتها، مثل «بي زيرو1» و«بولغري بولغري» و«بولغري توبوغاس». انطلق هذا المشروع لأول مرة في سيول في مارس (آذار) الماضي، ثم انتقل حديثاً إلى نيويورك؛ حيث تستكشف الرحلة الإرث الإبداعي الذي جسدته هذه المجموعة من خلال سلسلة من أعمال التعاون من وجهات نظر فنية متنوعة.

قوة هذه التقنية تكمن في تحويل المعدن النفيس إلى أسلاك لينة (بولغري)

بين الحداثة والتراث

قدّم الفنان متعدد المواهب، أنتوني توديسكو، الذي انضم إلى المنصة منذ محطتها الأولى ترجمته للأناقة الكلاسيكية بأسلوب امتزج فيه السريالي بالفن الرقمي، الأمر الذي خلق رؤية سردية بصرية تجسد التفاعل بين الحداثة والتراث. منح الخطوط المنسابة بُعداً ميتافيزيقياً، عززته التقنيات التي تتميز بها المجموعة وتحول فيه المعدن النفيس إلى أسلاك لينة.

ساعده على إبراز فنيته وجمالية التصاميم، الفنان والمصمم الضوئي كريستوفر بودر، الذي حوَّل الحركة اللامتناهية وتدفق اللوالب الذهبية في «بولغري توبوغاس» إلى تجربة بصرية أطلق عليها تسمية «ذا ويف» أو الموجة، وهي عبارة عن منحوتة ضوئية حركية تتألف من 252 ضوءاً يتحرك على شكل أمواج لا نهاية لها، تتكسر وتتراجع في رقصة مستمرة للضوء والظل، لكنها كلها تصبُّ في نتيجة واحدة، وهي تلك المرونة والجمالية الانسيابية التي تتمتع بها المجموعة، وتعكس الثقافة الرومانية التي تشرَّبتها عبر السنين.



«باتيك فيليب» تكشف عن إصدارها الجديد منذ 25 عاماً

كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)
كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)
TT

«باتيك فيليب» تكشف عن إصدارها الجديد منذ 25 عاماً

كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)
كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)

وأخيراً كشفت «باتيك فيليب» عن مولودها الجديد «كيوبيتيس (Cubitus)»، يوم الخميس الماضي. أقيمت الاحتفالية التي كانت بالنسبة لعشاق الساعات الفاخرة وهواة اقتنائها بأهمية إرسال صاروخ من «ناسا» إلى المريخ بالنسبة لرواد الفضاء وعشاق استكشاف الكواكب، في مدينة ميونيخ الألمانية، لكن الأنفاس كانت مشدودة في كل أنحاء العالم. الكل يريد معرفة أي معلومات عن المولود الجديد بعد سنوات من العمل والترقب. ما أجَّج الإثارة أن صدور الإعلان رافقته سرية تامة، بل وتحذيرات لوسائل الإعلام من عدم تسريب أي معلومات قبل وقتها.

كانت الدار تعرف بأنها أول مجموعة جديدة ستطرحها منذ عام 1999، أي منذ 25 عاماً، وبالتالي، كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها: كيف سيكون وجهها ولونها، كم سيكون وزنها وقطرها ومدى نحافتها وما شابه من أمور.

كانت هذه أول مجموعة جديدة تطرحها الدار منذ 25 عاماً وبالتالي كان من الطبيعي أن يتوق الكل لمعرفة أي تفاصيل تُخبر عنها (باتيك فيليب)

ثم أزيح الستار عنها، لتتضارب ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين متفاجئ تعود على أسلوب الدار الكلاسيكي الرزين ذي الشكل المستدير، وبين مُرحب وأغلبهم من الشباب، بفكرة أن الدار باتت تشملهم. فهذه الشريحة تريد أن تحصل على إصدار جديد يُعبِّر عنها وفي الوقت ذاته يحمل كل بصمات وجينات «باتيك فيليب». وهذا ما كان. فشكلها المربع بزوايا مستديرة مفعم بروح شبابية، بل ورياضية عالية، جنَّبتها الألوان الحيوية المستعملة على موانئها مثل الأزرق والأخضر من الوقوع في مطب الـ«فينتاج».

شريحة الشباب تريد أن تحصل على إصدار يُعبِّر عنها وفي الوقت ذاته يحمل كل بصمات وجينات «باتيك فيليب» (باتيك فيليب)

يقول ثيري ستيرن، رئيس مجلس إدارة «باتيك فيليب» وهو من الجيل الخامس للعائلة المالكة، في لقاء جانبي، إن «باتيك فيليب» مثل غيرها من شركات الساعات المهمة، مطالبة بشمل كل الأجيال، بما في ذلك شريحة الشباب. فهؤلاء سيكونون آباء في وقت من الأوقات وبالتالي سيأتي دورهم في توريثها لأبنائهم وأجدادهم. أفليس هذا هو شعار الدار الشهير «أنت لا تقتني ساعة يد، أنت فقط تحافظ عليها وتحفظها للأجيال القادمة؟». يضيف أيضاً أنه كان يُدرك أن الوقوع في مطب الـ«فينتاج» ممكن، إلا أنه تجنبه بنجاح حسب رأيه «بفضل الحركات والوظائف وأيضاً التقنيات الجديدة والمتطورة التي استعملت في صقل المواد، بدءاً من التمشيط العمودي لسطح الإطار وواجهة الغلاف، إلى صقل حافة الإطار وجوانب الغلاف، أي الحلقات المركزية والألوان وغيرها. كل هذا أضفى عليها روحاً عصرية ومعاصرة لا تنتمي لفترة معينة... إنها لكل الأجيال».

قطرها البالغ 45 مم أيضاً أسهم في ضخها بروحها الرياضية. فهو حجم قد يبدو كبيراً إلا أنه يعانق المعصم بشكل أنيق ومريح بفضل نحافته وزواياه المستديرة.

نحافتها ساعدت على ضخها بروح رياضية (باتيك فيليب)

3 ساعات... 3 شخصيات

3 إصدارات بنفس الوجه والشكل لكن لكل منها شخصيتها الخاصة. فساعة «كيوبتيس» ذات التاريخ الكبير اللحظي واليوم ومراحل القمر من البلاتين، مدعومة بماكينة تقدم عرضاً لحظياً تطلب تطويرها من الشركة تقديم 6 طلبات براءة اختراع. والثانية من الستيل والذهب الوردي مع ميناء أزرق بنمط أشعة الشمس، والثالثة من الفولاذ أيضاً وتُجسد كل عناصر الأناقة الرياضية، بمينائها الأخضر الزيتوني.

يشرح ثيري ستيرن أن العمل على تصميمها استغرق ما لا يقل عن 4 سنوات، وعلى وظائفها وحركاتها نحو 6 سنوات، لأن «كل إصدار هو مناسبة تعبِّر فيها الشركة عن رؤيتها الفريدة، كما تطلق فيه العنان لخيالها وشغفها بالاختراع».

كان يعرف أن زبون الدار تعود على تصاميم أيقونية مثل «كالاترافا» الصادر في عام 1932، بشكله الدائري وساعة «غولدن إكليبس» الصادرة في عام 1968 ثم «نوتيليس» في عام 1976، التي كانت في زمنها ولا تزال رائدة في مجال الأناقة الرياضية، إضافة مجموعة «غوندولو» الصادرة في عام 1993، والتي جسّدت فيها الدار، بشكل معاصر روح «الآرت ديكو». لكن مساحة التطوير تسمح له كمالك ورئيس مجلس إدارة أن يأخذ قرارات جريئة يبقى وقعها طويلاً وتتحدث عنه الأجيال لمئات السنين. نعم، تختلف الأسماء والحركات والوجوه، إلا أن القاسم المشترك بينها كان ولا يزال دائماً تحديها لموجات الموضة واتجاهاتها واعتمادها على تطوير حركاتها ووظائفها.

لا تتوقف الدار على تطوير حركاتها ووظائفها بدليل أنها حاصلة على 6 طلبات براءة اختراع (باتيك فيليب)

فحتى في أقصى درجات جرأتها، تبقى في العُمق كلاسيكية معاصرة تخاطب كل الأجيال بلغة راقية وقوية لا تُؤثر على قيمتها الجمالية ولا الاستثمارية. ثم لا ننسى أنها حاصلة على 6 طلبات براءة اختراع، مثل تلك المتعلقة بتوزيع الطاقة المطلوبة للعروض المختلفة وقفزتها المتزامنة في خلال 18 مللي ثانية، ما يضمن إمكانية تصحيح جميع المؤشرات في أي وقت من اليوم.

أما بالنسبة لردود الفعل «المتسرعة» التي أثارتها المجموعة بعد الكشف عنها مباشرة، فإنها لا تترك أدنى شك في أن سببها يعود إلى عنصر المفاجأة لا أقل ولا أكثر، إذ لم يكن أحد يتوقع شكلها المربع، مع العلم أن قراءة لتاريخ الدار أو زيارة خاطفة لمعرضها الخاص تؤكد أنها ليست المرة الأولى التي تطرح فيها الدار هذا الشكل. كان قد ساد منذ بداية القرن الماضي إلى منتصفه مع سيادة «الآرت ديكو» وظهر في ساعات عدة تعكس روح العصر مطعمة برزانة «باتيك فيليب».