مجموعة «إل في إم إتش» وكذلك المسؤولون، أرادوا أن تكون الموضة في حفل افتتاح أولمبياد باريس لعام 2024 ندًّا للرياضة. كان هذا جزءاً من السيناريو الذي كُتب للحفل: أن يُحتفَل بكل ما هو فرنسي. وبما أن الموضة هي وجه فرنسا الجميل، فإنها غطَّت في هذه المناسبة على بشاعة بعض المآسي التاريخية، مثل ظهور الملكة ماري أنطوانيت برأس مقطوع، كما على الازدواجية في بعض المواقف، مثل محاولات التركيز على فرنسا كحاضنة للتنوع العرقي والجنسي والثقافي في الوقت الذي منعت فيه مشاركة كل من تلبس الحجاب من الرياضيات بفرنسا في المنافسات.
الجانب التجاري
الجانب التجاري لم يغب تماماً. فمن بين المشاهد التاريخية والمعالم السياحية، اقتطعت مجموعة «إل في إم إتش» لنفسها نصيب الأسد، حيث استعرضت عضلاتها من خلال استحواذ شبه تام على الموضة، لم ينجح في اختراقه سوى قلة تُحَسب على أصابع اليد الواحدة منهم المصمم اللبناني روبير أبي نادر، الذي اختار المغني الفرنسي سليمان زيا باللون الأبيض من تصميمه.
في العام الماضي، تعهد مالك «إل في إم إتش» برنار أرنو، علناً بتمويل هذه الفعالية ونصّب المجموعة راعياً رئيسياً لها، بمبلغ يقدِّره البعض بنحو 150 مليون يورو. ليس هذا فحسب، بل جنَّد أيضاً مجموعة من بيوت الأزياء التي تنضوي تحتها لتصميم أزياء وإكسسوارات وميداليات. وهكذا استنفر ورشات باريسية عريقة لإبداع تصاميم على المقاس، لكبار الفنانين والفنانات المشاركين في إحياء الحفل، مثل لايدي غاغا وسيلين ديون وجولييت أرمانيه وآية ناكامورا، وأكسيل سانت سيريل وغيرهم. ظهور خمس من أهم الفنانات بأزياء من «ديور»، وكذلك عدد لا يستهان به من الرجال من تصاميم قسمها الرجالي، كان جزءاً من الاتفاق مع اللجنة الأوليمبية.
لقاء المصلحة الخاصة والعامة
ما أكدته المجموعة في حفل الافتتاح أن الوطنية والانتماء لفرنسا والرغبة في إنجاح الفعالية لا يتعارضان مع المصلحة والمفهوم التجاري، وهو ما ظهر ليس في احتكار «ديور» لأزياء النجوم والنجمات فحسب، بل أيضاً في لوحات ترفيهية لدار «لويس فويتون» كانت أقرب إلى الحملات الترويجية ظهرت في وقت مبكر، حين دار الراقصون حول جسر «بون نوف» على ضفاف نهر السين، بالقرب من مقرها الرئيسي، وهم يدفعون بأحذية تلمع الباخرةَ التي تحمل شعار العلامة التجارية وصناديق ضخمة بلوغو الدار.
كانت هذه الصناديق جزءاً من تاريخ «لويس فويتون» وأيضاً من تطور صناعة السفر العالمية، حين كان التنقل عبر البحر، وقبل الطيران، ترفاً يقتصر على النخبة. كان يستغرق أشهُراً طويلة يحتاجون فيها إلى صناديق ضخمة تستوعب كل ما يحتاجون إليه من أساسيات وكماليات. ثم انتهى العرض بأداء لغيوم ديوب، أول راقص أسود على الإطلاق في فرقة باليه أوبرا باريس، وهو يرتدي أزياء من توقيع مصممها النجم فاريل ويليامز، الذي شارك أيضاً بحمل مشعل الأولمبياد.
في هذا العُرس، كان لماريا غراتزيا تشيوري، المديرة الفنية لـ«ديور» الدور الأكبر. كان عليها تصميم إطلالات خمس نجمات من العيار الثقيل. لم تُخيب الآمال، حيث قدمت أزياء أنيقة تليق بأي حفل مهم، أكان حفل افتتاح أولمبياد عالمياً أو حفل زفاف. اعتمدت على حرفية الدار وأناملها الناعمة لانتزاع الإعجاب. بَيْدَ أن هذا الإعجاب لم يصل إلى درجة خطف الأنفاس أو سرقة الأضواء من أيٍّ من هؤلاء النجمات.
سيلين ديون مثلاً ارتدت فستاناً أنيقاً بكل تفاصيله. كان باللون الأبيض ومن الحرير، تدلّت منه 500 هُدْبة مطرَّزة بالآلاف من أحجار اللؤلؤ، تتراقص يميناً وشمالاً مع كل حركة تقوم بها. استغرق تنفيذ هذه القطعة أكثر من 1000 ساعة من العمل اليدوي. لكن رغم أناقته، لم ينافس صوت سيلين ديون وهي تغني أغنية أيقونة الغناء الفرنسية إديث بياف «نشيد الحب Hymne à L’Amour»، كان مجرد حضورها وغنائها بعد توقف أربع سنوات بسبب مرضها، سبقاً.
المغنية جولييت أرمانيه أيضاً ظهرت بقطعة من تصميم ماريا غراتزيا. كانت من الجِلد تحمل كل معاني الحداثة والمعاصرة. لكن الفضل في الارتقاء بهذه القطعة ومنحها قوتها هي الفنانة كلارا داغان التي تجمع في أعمالها فن وحرفية الـ«هوت كوتور» بالتكنولوجيا. وظَّفت الإضاءة لكي تعكس قوة التصميم وسحره. حيث صاحبت عرضها شعلات لهب تتراقص على إيقاع الموسيقى ونغمات البيانو فتنعكس على مياه نهر السين. كان كل شيء محسوباً بفضل نظام برمجة مبتكر بلمسة كلارا داغان.
المغنية الفرنسية آية ناكامورا غنَّت أيضاً مجموعة من الأغاني الشهيرة منها أغنية شارل أزنافور «فور مي فورميدابل» وهي ترقص وتنتقل بين الموسيقيين في قطعة تلتصق بجسمها كما لو كانت درعاً حربية. تقترب أكثر فتجد أن تفاصيله على شكل ريش مقصوص بدقة بلون الذهب.
من جهتها، ظهرت الميزو سوبرانو أكسيل سان سيريل، فوق سطح «لوغران باليه» وهي تغني تحت المطر النشيد الفرنسي «لا مارسييز» وغيره من الأغاني بفستان استوحته المصممة من شخصية ماريان، رمز الحرية، امتزجت ألوانه مع ألوان العمل الفرنسي الذي كانت تحمله ليزيد قوة تأثيرها.
ربما تكون إطلالة لايدي غاغا الأكثر تماشياً مع ضخامة هذا الحدث. كان أيضاً الأكثر تحليلاً وانتقاداً على منصات التواصل الاجتماعي، بعد أن نشر أنطوني فاكاريللو صفحته أنه «مأخوذ» من قطعة مشابهة صممها الراحل إيف سان لوران لملهمته وصديقته المغنية زيزي جانمير في عام بعد دقائق معدودات حذفها، لكن ليس قبل أن يقرأها الملايين ويتداولونها لتبدأ المقارنات والمقارعات.
كان زي لايدي غاغا مستوحى من أجواء الملاهي الفرنسية، أو ما يُعرف بـ«فن الكباريه». صدحت بصوتها القوي أغنية «Mon Truc en Plumes» التي سبق أن غنَّتها زيزي جانمير أول مرة في عام 1961 في لندن، مرتديةً زياً مشابهاً صمَّمه لها إيف سان لوران. كان أيضاً بالأسود والريش الوردي.
إطلالة لايدي غاغا التي وقّعتها ماريا غراتزيا، تألّفت من صدريّة من الساتان الأسود تعلوها سترة قصيرة وتنورة طويلة غطّاها الريش المُتدرّج من الأسود إلى الوردي. وأشارت الدار إلى أن الريش المستعمَل فيها جُمع من الريش المتساقط من الطيور، تجنباً لأي انتقادات.