أدب الرحلة يدخل عالم المجوهرات

«كارتييه» تفتح حواراً مع بودروم تحت أشعة الشمس وزرقة المياه

فرانسوا ماسكاريلو أبدع لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً (كارتييه)
فرانسوا ماسكاريلو أبدع لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً (كارتييه)
TT

أدب الرحلة يدخل عالم المجوهرات

فرانسوا ماسكاريلو أبدع لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً (كارتييه)
فرانسوا ماسكاريلو أبدع لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً (كارتييه)

اختلفت أساليب السفر والترحال، ولم تختلف أسبابها وأهدافها. لا يزال الدافع إليها نفسه: إما استكشاف الآخر وإما الاستجمام والغرْف من متع الحياة. أما للمبدعين والفنانين فكانت ولا تزال مصدر إلهام. رحلة «كارتييه» الأخيرة لبودروم بمناسبة افتتاح محل جديد في منتجع كل ما فيه يتكلم لغة الأثرياء والنخبة، ذكَّرتنا بالسيد لويس كارتييه، الذي عاش في بداية القرن الماضي، وكيف كان فن الرحلات في عهده يعتمد على البواخر والمراكب، والآن على طائرات نفاثة ويخوت وباخرات سياحية ضخمة. كان لويس كارتييه واحداً من أهم الصاغة الذين أرسوا قواعد السفر والترحال بصفته مصدراً للاستكشاف والاستلهام على حد سواء.

ركب الأمواج مدفوعاً بالفضول والرغبة في الجديد. من كل رحلة كان يعود إلى باريس محملاً بأفكار وصور تتجلّى في تصاميم تحمل فخامة القصور وفنونها المعمارية تارة، وجمال كائنات حية وحيوانات برية تارة أخرى.

تشكل اللوحة الضخمة التي تستقبلك داخل المحل تناقضاً متناغماً مع الألوان والمواد الطبيعية الأخرى (كارتييه)

في عام 1919، شعر لويس كارتييه، بحسه التجاري والفني، بأن السفر والترف وجهان لعملة واحدة، فافتتح محلاً في سان سيباستيان الإسبانية. وهكذا بدأت «كارتييه» تنثر جواهرها على شكل «بوتيكات» أنيقة بين أحضان الشواطئ وعلى أقدام المياه، مثل مونتي كارلو وكان الفرنسية وبالم بيتش، وأخيراً وليس آخراً بودروم. تقول صوفي دويرو، الرئيس التنفيذي لـ«كارتييه» في الشرق الأوسط والهند وأفريقيا وتركيا: «هذا رابع محل لنا في تركيا، لكنه يختلف عن الباقي من ناحية أنه موسمي، فلا يفتح أبوابه سوى في موسمي الربيع والصيف، أي في ذروة الموسم السياحي». في الأشهر الأخرى، ومثل غيره في المنتجع، يغلق أبوابه في انتظار سطوع الشمس من جديد، وهذا ما يجعله أكثر من مجرد محل تجاري، بل مكان يُسجل حضور «كارتييه» بين الكبار، ويُرسِّخ مكانتها بصفتها صائغ الملوك والنخبة. لم تُخف صوفي دويرو سعادتها بهذا الافتتاح «لأنه يُعزز علاقة طويلة الأمد بتركيا، يعود تاريخها إلى أكثر من قرن مضى». تعليقها يعيد للذهن التأثير الإسلامي الذي يظهر جلياً في الكثير من مجوهراتها، مثل فنون العمارة، التي كان لها تأثير كبير على فن «الآرت ديكو» تحديداً.

من كل رحلة تستقي الدار أفكاراً وصوراً تتجلى في تصاميم تحمل فخامة القصور وفنونها المعمارية تارة وجمال كائنات حية وحيوانات برية تارة أخرى (كارتييه)

ورغم أن «كارتييه» من بين أكثر من احتضنوا ثقافة السفر منذ أكثر من قرن من الزمن، فإن مشهد الموضة عموماً يؤكد أن السفر كان ولا يزال مهماً لتوسيع الآفاق الفكرية والبصرية الفنية. بيوت أزياء عالمية ودور مجوهرات رفيعة أخرى تبنَّته في السنوات الأخيرة، وجعلته تقليداً لا تحيد عنه، إما لتلميع صورتها وإما لاستقطاب زبائن جدد. لكن تجربة «كارتييه» ليست ككل التجارب أو الرحلات. تجعلك تفكر أنه إذا كان أدب الرحلات من مصادر التاريخ والآثار وحضارة المجتمعات وتقاليدهم، فإن مجوهراتها أيضاً تحمل خصائص القصة والرواية. كيف تُرى بعين مصممها ومشاعره، وكيف يترجمها من خلال قطع تدخل المزادات، فتبقى تفاصيلها حية تحكي أسطورة أو قصة مكان وتاريخه وتطوراته.

الصورة التي استعملتها «كارتييه» في بطاقات بريشة الفنانة التركية باشاك أيدن نوتز

فعندما أرسلت «كارتييه» بطاقات تدعو فيها ضيوفها مشاركتها الاحتفال بافتتاح محلها الأخير في بودروم، أثارت هذه البطاقات كثيراً من الفضول والمشاعر. كانت غاية في البساطة والبلاغة في الوقت نفسه. رسمة على كانفس أبيض، يتوسطها يخت يُبحر وسط مياه زرقاء صافية. كانت بريشة الفنانة التركية باشاك أيدن نوتز، التي استعانت بها الدار لتجسيد روح المكان: كيف كان مجرد قرية صيد صغيرة في الماضي، وكيف صار مرتعاً للأثرياء وأصحاب اليخوت. بالنسبة لهذه الشريحة، فإن المنتجعات المترامية هنا، بكل ما تقدمه من متع وتجارب مائية وطبيعية وتاريخية، لا تكتمل من دون تسوق أو محال تقدم لهم كل ما يحتاجون إليه وما لا يحتاجون إليه من منتجات يصعب مقاومة جمالها.

نعم، نظَّمت الدار الرحلة كما ينظُم شاعر قصيدة تتغزل بسحر المكان ومحاسنه. كان هذا ضرورياً لتجسد أسلوب حياة الرفاهية، كما بات زبون اليوم يطالب به. فهذا الأخير لم يعد يكتفي بتجربة تسوق تقليدية يقوم بها كأنه يؤدي مهمة عسكرية تُشبع رغبته في اقتناء قطعة فريدة فحسب. يريدها تجربة متكاملة، يستمتع فيها بكل شيء يغذي حواسه الخمس دون استثناء.

من الخارج يتماهى المحل الواقع بين أحضان فندق الماندرين أوريانتال مع الطبيعة التي حوله (كارتييه)

محلها الجديد الواقع بين أحضان فندق ماندرين أوريانتال كل هذا وأكثر. مثل المدينة، يُشعرك بأنه يعانق بحر إيجه بيدٍ، والبحر المتوسط باليد الثانية. والأهم أنه يلبي كل الرغبات متكئاً على سحر الطبيعة المحيطة به، وعلى ما يحتويه من كنوز صغيرة، مصنوعة من حرير أو مرصعة بالأحجار الكريمة.

تشرح صوفي أن البوتيك الجديد امتداد لمحلها بأسطنبول. لكن ديكوراته وشخصيته متأثرة بالطبيعة المحيطة به. الفنان فرانسوا ماسكاريلو كانت له يد في هذا الأمر، فهو فنان تربطه بـ«كارتييه» علاقة طويلة وحب مشترك للمواد المختلفة. يقول إنه زار تركيا عدة مرات ومثل غيره عشق شمسها الساطعة وألوان طبيعتها التي تتباين بين الأخضر والأزرق. عندما أعطيت له مهمة وضع لمساته على المحل، أدرك أن هذه الألوان وحدها لا تكفي. فعاد بخياله إلى عالم الأساطير، وهي كثيرة نظراً لتاريخ المدينة الروماني القديم. فقد كان اسمها هاليكارناسوس قبل أن يتحول إلى بودروم، كما أنها جغرافياً لا تبعد بالقارب سوى 50 دقيقة عن جزيرة كوس اليونانية.

فرانسوا ماسكاريلو أبدع لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً (كارتييه)

الجميل أن فرانسوا لم يترجم هذه الإيحاءات بشكل حرفي، بل بلمسات باريسية واضحة تتماهى مع أجواء المكان. حتى الأساطير ركّز فيها على القصص التي تربطها بالبحار والمحيطات.

يقول: «انطلقت من جمال الطبيعة، ثم وجدت نفسي أستعيد ذكرياتي الخاصة وأنا أمشي على حافة الشاطئ، وأشعة الشمس تنعكس على المياه اللازوردية، لتُشكِل ما يُشبه لوحة تجريدية». ترجم هذه الصورة في لوحة زيتية ضخمة هي أول ما يستقبلك في المحل. استعمل فيها الطلاء الزيتي مع ضربات ريشة خفيفة جداً فوق طبقة من الأكريليك، حتى يُضفي عليها تأثيراً لامعاً. ما زاد من قوة تأثير هذه اللوحة أن باقي الألوان والمواد كانت هادئة وطبيعية. اعتمدت على البيج والأصفر والأخضر، كما على الخشب والرافيا التي تم نسجها على يد حرفيين من أبناء البلد.

تنتهي الرحلة ومقولة قديمة لصياد من أبناء بودروم قال فيها: «لا تتوقع عندما تزورها أن تغادرها وأنت الشخص نفسه»، تتردد في الذهن وتؤكد أن هناك أماكن لها وقع خاص في النفس.

تبقى الساعات والمجوهرات الأساس لاسيما أيقونات الدار التي تشكل هدايا قيمة لكل المناسبات (كارتييه)

عند قراءة تاريخ صناعة الساعات والمجوهرات، يبرز اسم لويس كارتييه واحداً من أوائل الصاغة وصناع الساعات الذين احتضنوا الآخر، واستكشفوا فنون حضارات بعيدة. إلى جانب فخامة القصور والفنون الهندسية، كان معجباً بالكائنات الحية بكل أشكالها.

ساعة عرضتها الدار خلال معرض «ساعات وعجائب» لعام 2024 تؤكد أهمية البانثر إلى اليوم (كارتييه)

في عام 1914، طرح ساعة أيقونية مرقطة بالألماس والأونيكس الأسود، لتبدأ علاقة «كارتييه» الشهيرة بشكل «البانثر». ما بين عامي 1933 و1970، وهي الفترة التي التحقت فيها المصممة جين توسان بالدار، أخذت أشكال النباتات والحيوانات مستوى لم يستطع أي من المصممين منافسته في جرأته. ظهرت أشجار النخيل لأول مرة في المجوهرات الرفيعة. صاغتها توسان في «بروشات» كان لها وقع السحر على المستويين الفني والتجاري. كذلك طائر الفلامنغو الذي ساهمت في تصميمه مع مصمم آخر في الدار هو بيير لومارشون. طلبه دوق ويندسور، ليهديه لزوجته واليس سيمسون، ليصبح واحداً من الأشكال اللصيقة بالدار، إلى جانب أيقونات أخرى كثيرة ترسخ مكانة الدار التي لم تتزحزح عنها في أي وقت من الأوقات.


مقالات ذات صلة

لمسات الموضة الساعة مصنوعة من مزيج من النحاس والفولاذ والألمنيوم وتأتي بعدة ألوان (إم بي&إف)

ساعة طاولة بمراوح جاهزة للإقلاع

يتم إطلاق ساعة «ألباتروس» في 5 إصدارات محدودة؛ كل منها يقتصر على 8 قطع فقط، بألوان: الأزرق، والأحمر، والأخضر، والعنبري، والأسود.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة ساعة بحركة «فلايباك» من البلاتين (إم بي & إف)

«شانيل» و«إم بي آند إف» توقّعان شراكة مستقلة

أعلنت «شانيل» و«إم بي آند إف» (MB&F) حديثاً عن توقيع شراكة مهمة بينهما، مؤكّدة مرة أخرى أنها تطمح للمزيد من التميز والتفرد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الميناء الأخضر يعزز لون الذهب ويجعل الأرقام والعقارب أكثر وضوحاً (فاشرون كونستانتان)

ساعات من ذهب

سلاسل من «فان كليف آند آربلز» كانت إلى عهد قريب حكراً على المرأة أقبل عليها مؤخراً نجوم عالميون وعرب، مثل المغربي سعد لمجرد والمصري عمرو دياب.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اهتمامه بالموضة واضح من تسريحته التي أصبحت بمثابة ماركته المسجلة (أ.ب)

كيف يُخطط النجم نوا لايلز ليصبح أيقونة موضة؟

العداء الأميركي نوا لايلز، بعد أن ضمن الميدالية الذهبية في سباق 100 متر رجال، يطمح في «أن يُصبح أيقونة موضة تتسابق الشركات العالمية للتعاقد معه».

«الشرق الأوسط» (لندن)

من هو حيدر أكيرمان... مصمم «توم فورد» الجديد؟

حيدر أكيرمان مع العارضة كايت موس (غيتي)
حيدر أكيرمان مع العارضة كايت موس (غيتي)
TT

من هو حيدر أكيرمان... مصمم «توم فورد» الجديد؟

حيدر أكيرمان مع العارضة كايت موس (غيتي)
حيدر أكيرمان مع العارضة كايت موس (غيتي)

من دون مقدمات أو أي إشارات مسبقة، تم الإعلان عن تعيين المصمم حيدر أكيرمان مديراً إبداعياً لدار أزياء «توم فورد». وبهذا سيخلف المصمم الكولومبي الأصل، المقيم في باريس حالياً، بيتر هوكينجز، الذي ترك منصبه في يوليو (تموز) الماضي، بعد موسمين فقط. كان تعيين هذا الأخير والذي كان اليد اليمنى لتوم فورد، للحفاظ على استمرارية الدار، بعد أن باعها توم فورد لمجموعة «إستي لودر» مقابل 2.3 مليار دولار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

المصمم حيدر أكيرمان (غيتي)

استقبل عالم الموضة الخبر بالترحاب. حتى توم فورد نفسه، أعرب عن سعادته بهذا التعيين قائلاً في بيان خاص إنه من أشد المعجبين بأسلوب حيدر: «إنه يتعامل مع الألوان بمهارة ومع التفصيل بدقة صارمة وعصرية». يتميز أسلوب أكيرمان بنكهة تجمع ثقافات متنوعة، اكتسبها من رحلاته الكثيرة وتنقله في صباه في أماكن مختلفة من العالم بسبب عمل والده بالتبني رسام خرائط. في شبابه درس في أنتوورب ببلجيكا قبل أن يستقر أخيراً في باريس.

كان من المرشحين لخلافة جون غاليانو في «ديور»، بعد أن طُرد هذا الأخير منها، لكنه رفض. رفض أيضاً العمل في «ميزون مارجيلا» قبل ذلك. مؤخراً تردد اسمه كثيراً كواحد من المرشحين لخلافة فيرجيني فيار في دار «شانيل»، وخصوصاً أن الراحل كارل لاغرفيلد وصفه في أحد تصريحاته بأنه «خليفته المثالي في (شانيل)».

من تشكيلة تعاون فيها مع شركة «فيلا» الرياضية (فيلا)

في عام 2001، أنشأ أكيرمان علامته التجارية الخاصة، وقدم أول مجموعة أزياء نسائية له في مارس (آذار) من نفس العام خلال أسبوع الموضة في باريس. في عام 2016 انضم إلى دار «بيرلوتي» خلفاً لألساندرو سارتوري.

في عام 2017، قدم لها مجموعة رجالية بلمسة ناعمة وهادئة تناسب الجنسين. قام بمهمته هذه بموازاة عمله في داره الخاصة. بيد أنه بعد ثلاثة مواسم، حصل انفصاله عنها، وخلال الجائحة اضطر إلى إغلاق داره. في عام 2023، اختاره المصمم الفرنسي جون بول غوتييه ليصمم مجموعة ربيع وصيف 2023 من الأزياء الراقية كضيف شرف. وحتى الآن يعمل مع علامة «كندا غوس» التي عينته مديراً فنياً في سابقة لها. وقد صرح بأنه سيستمر في التصميم لها بدوام جزئي.

سيقدم المصمم أول تشكيلة له للدار في شهر مارس المقبل لخريف وشتاء 2025 خلال أسبوع باريس للموضة الجاهزة.