العباءة والبشت ورموز سعودية أخرى بعيون إيطالية

من بين تكوينات منطقة العُلا التاريخية... تضاريسها الصخرية وألوانها الغنية، أكدت دار «لورو بيانا» مرة أخرى أنها لا تقدم أناقة راقية لكل زمان ومكان فحسب، بل أيضاً رؤية فنية عابرة للثقافات؛ فمن بين كل المجموعات الرمضانية التي تسابقت بيوت الأزياء على طرحها هذا العام، برز ما قدَمته دافئاً ومنعشاً في الوقت ذاته. لم تعتمد الدار على صوفها المترف والنادر، رغم أنه عُملتها الذهبية وماركتها المسجلة، واجتهدت في المقابل على دراسة ثقافة المنطقة حتى تخاطبها بلغة سلسلة تفرض انسيابية الخطوط وابتعادها عن الجسم كما عن التقليد. والنتيجة أنها جاءت مزيجاً من الحشمة والاحترام.

تشمل المجموعة أوشحة من الحرير (لورو بيانا)

الحشمة برزت في التصاميم الطويلة والخطوط المنسدلة، والاحترام بمراعاتها كل التفاصيل التي تحتفل برموز المنطقة ومفرداتها بشكل راقٍ، من دون أي كليشيهات أو تباخُل في الابتكار. العباية والبشت، مثلاً، أخذا أشكالاً عصرية والأوشحة ترفاً تستمده من الأنسجة وأليافها، إلى جانب بنطلونات واسعة ببليسهات عند الخصر تضيق عند الكاحل لتستحضر لنا «سراويل الحريم»، من دون أن تغرق في الاستشراق. كل ما فيها كان معاصراً يتراقص على درجات باستيلية، مثل الأبيض والكريم والبيج والأخضر المطفي. كانت هادئة لا تحتاج إلى أن تصرخ لتؤكد أنها راقية. بين القطعة والأخرى قد تخترق جوانبها خيوط ذهبية، أو تطريزات خفيفة في الحواشي والجوانب، فيما يكتفي أغلبها بغنى القماش وفخامتها. أما الخلفية التي وفرتها منطقة العلا لتصوير هذه المجموعة، فكان لها دور كبير في أن تضيف إلى هذه اللوحة الفنية جمالاً ووهجاً دافئاً، إضافة إلى خلق تناقض متناغم بين التضاريس الصخرية الحادة والتصاميم الانسيابية بنعومة.

اعتمدت على تنسيق عدة قطع مع بعض بشكل لا يعترف بثقافة معينة (لورو بيانا)

في لقاء خاص مع أليساندرا فاريانيني، مصممة منتجات الدار، وضَّحت أنها ليس المرة الأولى التي تتوجه فيها «لورو بيانا» إلى المنطقة خلال شهر رمضان «فأولى محاولاتنا بدأت في عام صيف 2020، لكنها كانت خجولة بالمقارنة، بينما هذه أول مرة نتوسع بإضفاء خصوصية شرقية عليها».

لم يكن الدافع بالنسبة لأليساندرا تجاري محض، بقدر ما هو رغبة صادقة في التفاعل مع منطقة «تُقدِّر كل ما هو خاص ومتميز». فما شجع أكثر على هذه الخطوة، حسب قولها، أن زبونات المنطقة هن مَن كُنَّ يطالبن بها «فكلما زرنا المنطقة وتواصلنا معهن كان دائماً يتردد من بين ما نسمعه منهن سؤال عما إذا كانت لدينا نية لطرح تصاميم خاصة بهن».

قفاطين وعباءات وفساتين منسدلة بتفاصيل ذهبية أخرجتها من هدوئها (لورو بيانا)

ظلَّت الفكرة تراود الدار، ولم تجد أفضل من شهر رمضان الفضيل مناسبة لتلبية رغبتهن. جنّدت كل فريق عملها وإمكانياتها لابتكار تشكيلة تُعبّر عن فلسفتها الغارقة في الهدوء الراقي، كما تُعبِّر عن ثقافة المنطقة بأناقة. تقول أليساندرا: «قمنا بأبحاث طويلة في كتب التاريخ والمتاحف والحرف والطبيعة المحيطة. وطبعاً كان لا بد من زيارة المنطقة لنتعرف عليها عن قُرب قبل أي خطوة في هذا الصدد». أتت العملية أُكُلها، بحيث لا يمكن لأي امرأة ألا ترى نفسها فيها. الأزياء والإكسسوارات على حد سواء تحمل صبغة عالمية لا تعترف بمكان وزمان رغم أن مفرداتها شرقية مستوحاة من قطع تقليدية مثل البشت والعباءة». انصبَّ كل الاهتمام على ترجمتها في خطوط بعيدة عن التقليدي وتمنح صاحبتها الأناقة والراحة.

تم تنسيق هذه الأزياء مع حقائب يد تنوعت أحجامها وبقيت ألوانها مستمدة من طبيعة العلا والصحراء (لورو بيانا)

وبما أن قوة «لورو بيانا» تكمن في الأنسجة والألياف المترفة، كان من السهل عليها دراسة طقس المنطقة وأخذه بعين الاعتبار. كان من الممكن أن تستعمل صوفها الخفيف والنادر لتسهيل تسويق المجموعة، لكنها لم تقبل على نفسها الاعتماد عليه وحده. صحيح أنه فريد من نوعه، إلا أن خفة وزنه ونعومة ملمسه تمنحان الجسم دفئاً لا يحتاج إليه زبون المنطقة. من هذا المنظور استعملت الكريب والحرير والكتان لامتصاصه الحرارة ومنحه الانتعاش في أجواء الصيف. استعملت أيضا قماش اللوريكس لما يتمتع به من لمسة معتقة.

وطبعاً لم تنسَ الدار تقديم حقائبها الجلدية الشهيرة، مثل حقيبتي «إكسترا» و«بايل»، بزخارف حصرية جديدة. هي الأخرى تلونت بدرجات مستوحاة من طبيعة العُلا لكن كل ما فيها يصرخ بالعالمية والعملية.