مَن هي إيزابيلا دوكرو ملهمة عرض «ديور» لموسم ربيع وصيف 2024؟

القماش فناً وحياةً كان القاسم المشترك بين المصممة والفنانة

إطلالات مستوحاة من أرشيف الدار صبّت فيها ماريا غراتزيا حيوية معاصرة (أدريان ديرون)
إطلالات مستوحاة من أرشيف الدار صبّت فيها ماريا غراتزيا حيوية معاصرة (أدريان ديرون)
TT

مَن هي إيزابيلا دوكرو ملهمة عرض «ديور» لموسم ربيع وصيف 2024؟

إطلالات مستوحاة من أرشيف الدار صبّت فيها ماريا غراتزيا حيوية معاصرة (أدريان ديرون)
إطلالات مستوحاة من أرشيف الدار صبّت فيها ماريا غراتزيا حيوية معاصرة (أدريان ديرون)

في حدائق متحف «رودان»، الحاضن شبه الرسمي لعروض أزياء «ديور» الراقية، استقبلت أعمال الفنانة إيزابيلا دوكرو الحضور بألوانها النابضة وأحجامها الضخمة. ثلاثة وعشرون فستاناً بارتفاع نحو خمسة أمتار من أعمالها غطّت جدران الصالة على بنية مؤلّفة من خطوط سوداء غير منتظمة تُذكّر بالخيوط المنسوجة بالطول والعرض.

استقبلت أعمال الفنانة إيزابيلا دوكرو الحضور بألوانها النابضة وأحجامها الضخمة (أدريان ديرون)

كانت تعكس تفرّد وأصالة العمل الفني وكيف يحافظ على بصمته في الذاكرة الجماعي. أو على الأقل هذا ما يوحيه عنوان تشكيلة ماريا غراتزيا لربيع وصيف 2024: «هالة كبيرة» Big Aura.

كان الديكور بالنسبة لماريا غراتزيا تمثيلاً تجريديّاً «لأزياء ترمز إلى قوّة تتجاوز حدود الجسد». أما لماذا اختارت أعمال الفنانة الإيطالية إيزابيلا هذه المرة لتزيين قاعة العرض؛ فلأن التشكيلة ترتكز على القماش كونه واحداً من العناصر المهمة، والأقمشة هي لعبة الفنانة الإيطالية إيزابيلا دوكرو وأهم أدواتها. من هذا المنظور كان القماش بصفته فناً وحياةً قاسماً مشتركاً بين المصممة والفنانة. هذه الأخيرة تستعمله مادةً تأسيسية لأعمالها الفنية منذ أن بدأت في تجميع منسوجات تقليدية وعتيقة خلال رحلاتها إلى تركيا والهند والصين والتبت وأفغانستان.

استعملت الفنانة إيزابيلا دوكرو الأقمشة والمنسوجات لقراءة ثقافات الشعوب وتطورها (أدريان ديرون)

تعاملت معها كلغة تقرأ من خلالها ثقافات المجتمعات وتطورها. تُشكلها وتمدّدها ببراعة، سواء كانت من الكتان أو الحرير أو الصوف، وإن كانت تفضّل منها تلك المكونة من خيوط متقاطعة وفراغات ذات مربعات؛ لإيمانها بقوتها التعبيرية وما تتيحه من مساحة هائلة للتدخل الفني. ماريا غراتزيا أيضاً لعبت على قوة القماش في صياغة أزياء هذا الموسم. شدّها فستان صممه كريستيان ديور في عام 1952وأطلق عليه اسم «لا سيغال». كان جديداً بكل ما تحمله الكلمة من معنى آنذاك. اختار له قماش «مواريه» على عكس المتعارف عليه وجعله متماسكاً مثل قطعة معمارية بطبعات متماوجة تبدو وكأنها معدن.

فستان يحمل بصمات المؤسس كريستيان ديور وترجمة ماريا غراتزيا تشيوري (ديور)

تقول ماريا غراتزيا: إن القماش بالنسبة لها ليس مجرد عنصر لابتكار تصاميم أنيقة بقدر ما هو وسيلة من وسائل خلق تلك «الهالة الكبيرة». هذه الهالة كما شرحها الفيلسوف الألماني والتر بنيامين، تفقد توهجها الأصلي بمُجرد أن يُعاد إنتاجها. أكبر مثال على هذا لوحة الموناليزا عندما تم استنساخها إلى ما لا نهاية لتُصبح في النهاية بطاقة بريدية. بالنسبة لماريا غراتزيا، فإن ما ينطبق على الفن ينطبق على الـ«هوت كوتور». فهذا الخط يتطلب قِطعاً فريدة تُفصّل على مقاس الزبونة. وبالتالي، فإن كل قطعة فريدة لا مثيل لها.

إطلالة تلخّص جمال قماش «مواريه» وكيف يمكن تطويعه في أزياء راقية (ديور)

لكن في مفهوم الموضة، فإن «الهالة» يمكن أن تعني أيضاً الانطباع الذي يُخلّفه المرء لدى الناظر عندما يكون له أسلوب خاص، من طريقة تنسيق القطع مع بعض ومدى تناسقها مع المقاس والشخصية.

في كل الأحوال، فإن هذه «الهالة» فتحت شهية المصممة لكي تسبر أغوارها وتفهم مدى تأثيرها وهي تعاين فستان «لا سيغال» La Cigale بتصميمه المنحوت والهندسي في الوقت ذاته. حفّزها كيف طوّع المصمم الراحل قماش «مواريه» moiré الذي رغم ارتباطه بالطبقات النخبوية في الماضي، فإنه ارتبط في ذهنها بأقمشة قطع الأثاث أكثر.

استعملت المصممة قماش «مواريه» في أغلب الإطلالات (ديور)

أقنعها به المصمم الراحل بأن جعله مرناً يسهل تشكيله بأنوثة طاغية؛ وهو ما ترجمته في قطع عدة للنهار والمساء والسهرة على حد سواء. تدرجات الألوان التي اختارتها المصممة لهذا الموسم كانت متنوعة. غلبت عليها الدرجات الترابية والأزرق الغامق والأحمر القاني. التصاميم في المقابل ظلت وفية للخطوط المفصلة والعناصر الهندسية ذات التفاصيل المبتكرة التي يتميز بها فستان «لا سيغال» وتميز أسلوب «ديور» عن غيرها. ظهرت في معاطف بياقات بارزة كما في تنورات مستديرة بخصور ضيقة، وبنطلونات تم تنسيقها مع جاكيتات مفصلة على الجسم. للمساء شملت اللوحة الفنية الأسود والأبيض أيضاً.


مقالات ذات صلة

لأول مرة... ميغان ماركل تعيد تدوير فستان قديم بعد تفكيك تفاصيله

لمسات الموضة المعجبون أشادوا بماكياجها الهادئ وتسريحة شعرها المتماوجة (أ.ف.ب)

لأول مرة... ميغان ماركل تعيد تدوير فستان قديم بعد تفكيك تفاصيله

في بادرة غير مسبوقة، حضرت دوقة ساسيكس، ميغان ماركل، حفلاً خاصاً في مستشفى للأطفال يوم السبت الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

​هادي سليمان يغادر «سيلين» ومايكل رايدر مديرها الإبداعي الجديد

أعلنت دار «سيلين» اليوم خبر مغادرة مديرها الإبداعي هادي سليمان بعد ست سنوات. لم يفاجئ الخبر أحداً، فإشاعات قوية كانت تدور في أوساط الموضة منذ مدة مفادها أنه…

يوميات الشرق الفرص تليق بمَن يقتنصها (أ.ب)

كوريّة جنوبية تبلغ 81 عاماً يخونها تاج ملكة الجمال

تشوي سون هوا، صاحبة الشعر الفضّي، ارتدت ثوباً أبيض مرصّعاً بالخرز، واختالت على المسرح، كما شاركت في مسابقة الغناء، وذلك ضمن مسابقة ملكة جمال الكون - كوريا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
عالم الاعمال مجموعة «أباريل» تحطم رقماً قياسياً في موسوعة «غينيس»

مجموعة «أباريل» تحطم رقماً قياسياً في موسوعة «غينيس»

نجحت مجموعة «أباريل»، الشركة الرائدة عالمياً في مجالات الأزياء وأسلوب الحياة، بتحطيم رقم قياسي جديد في موسوعة «غينيس» العالمية بأكبر عدد من التوقيعات على قميص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
لمسات الموضة حافظ أسبوع باريس على مكانته بثقة رغم أنه لم ينج تماماً من تبعات الأزمة الاقتصادية (لويفي)

الإبداع... فن أم صناعة؟

الكثير من المصممين في موقف لا يُحسدون عليه، يستنزفون طاقاتهم في محاولة قراءة أفكار المسؤولين والمستهلكين، مضحين بأفكارهم من أجل البقاء.

جميلة حلفيشي (لندن)

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
TT

أسبوع لندن للموضة يسترجع أنفاسه... ببطء

عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)
عرض ريتشارد كوين كان مفعماً بالأمل والتفاؤل... وهو ما ترجمه بالورود والألوان الفاتحة (أ.ف.ب)

هل كان يكفي الحضور المكثف للنجوم والمشاهير من أمثال عرّابة الموضة أنا وينتور، والمغني هاري ستايلز، والمغنية تشارلي إكس سي إكس، والعارضة المخضرمة جيري هول، أن يعيد لأسبوع لندن بريقه، أو يُنقذه من الركود الذي يعاني منه منذ عدة مواسم؟ الجواب وبكل بساطة أن أسبوع لندن كان ولا يزال يعتمد على نفسه. لربيع وصيف 2025 الأسبوع الماضي أكد مرة أخرى أن قوته تكمن في أبنائه وروحهم المتمردة أولاً وأخيراً.

مجموعة كبيرة من المشاهير تتوسطهم أنا وينتور حضروا أسبوع لندن بشكل مكثف (أ.ف.ب)

لا يختلف أي متابع على أن أسبوع لندن يمر منذ فترة بمرحلة عصيبة جعلته باهتاً وبارداً مقارنة بغيره. أسابيع الموضة العالمية الأخرى؛ باريس وميلانو ونيويورك، استطاعت أن تتخطى الأزمة الاقتصادية العالمية بخطوات أسرع منه. أما هو، فظل يتخبط بين شح الإمكانات وتبعات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

حتى دار «بيربري» التي كانت تُزوِّده بما يكفي من شحنات قوة وبريق، تشهد حالياً تراجعاً كبيراً في المبيعات والإيرادات، ورغم التحاق المصمم دانييل لي بها، وكل الآمال التي عُقدت عليه ليرتقي بها إلى مصاف الكبار، برفع أسعار منتجاتها، لم يحقق الأهداف المطلوبة منه؛ ليس لأنه يفتقد الإبداع، بل فقط لأن التوقيت ليس في صالحه، إضافة إلى أن استراتيجية رفع الأسعار لم تخدمه. المشكلة أن الدار تناست أن قوتها تكمن في مخاطبتها الطبقات المتوسطة المتعطشة لدخول نادي الأناقة.

في عرض «بيربري» عاد المصمم دانييل لي إلى البدايات ولعب على وظيفية الأزياء بلغة عصرية (بيربري)

استدركت الدار الموقف. ولأن المصمم دانييل لي مشهود له بالموهبة والإبداع، وجّهت انتباهها إلى الجانبين التسويقي والإداري؛ إذ عيّنت جاشوا شولمان رئيساً تنفيذياً جديداً لها، على أمل أن يُحقق لها ما حققه في دار «كوتش» التي عمل فيها رئيساً تنفيذياً، ولا سيما أن هناك نقاط تشابه كثيرة بين العلامتين. عرض الدار لربيع وصيف 2025، والذي أقيم في آخر يوم من أيام الأسبوع اللندني، أعطى إشارات قوية بالاتجاه الجديد. كانت الأزياء والأكسسوارات بنكهة تجارية، وفي الوقت ذاته عملية بالمعنى الوظيفي، تستحضر بدايات الدار. لكن دانييل لي أضفى عليها لمساته العصرية لتخاطب شريحة الشباب، من خلال القصات والتفاصيل، مثل السحابات التي ظهرت في أجزاء كثيرة والجيوب المتعددة التي لم يكتفِ بها المصمم في السترات والمعاطف، بل شملت البنطلونات التي امتدت فيها إلى أسفل الساق لتصل إلى الكاحل.

جنوح مصممي لندن للغرابة وإحداث الصدمة لم يختفِ تماماً (أ.ف.ب)

لكن ما يُحسب لأسبوع لندن دائماً هو روح التحدي التي يتحلى بها ولم تفارقه في أي فترة من فتراته. تشعر أحياناً أنه يتلذذ بالأزمات ويستمد منها أكسجين الابتكار. هذا العام يحتفل بميلاده الـ40. تاريخه يشهد أنه مر بعدة تذبذبات، لم تقضِ عليه بقدر ما زادته عزماً. في معرض استعادي للأسبوع، عُلّقت مقولة كتبتها محررة الأزياء كاثرين صامويل في عام 1993 تقول: «أثبت مصممو أسبوع لندن أن الشخصية البريطانية تزيد قوة في المواقف الصعبة».

اللافت أن المعرض لا يُسلط الضوء على النجاحات والإنجازات التي حققها الأسبوع بقدر ما يركّز على الأوقات الصعبة التي أثرت عليه، بدءاً من الركود في الثمانينات، إلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول) والأزمة المالية في عام 2008، وأخيراً وليس آخراً الأزمة الحالية. فيها كلها، أكّد أن الإبداع يولد من رحم الأزمات، وأن مصمميه لا يستسيغون الهدوء أو السكينة. شارك في الأسبوع الحالي 72 مصمماً مال بعضهم للعصري بنكهة تجارية تباينت جرعاتها، وبعضهم جنح للغرابة بشكل غير آبه للتسويق؛ لأنهم يتوجهون لشريحة معينة وقليلة.

ريتشارد كوين قدم تشكيلة حالمة وفخمة كان واضحاً توجهه فيها إلى زبونات منطقة الشرق الأوسط (أ.ف.ب)

لكن غالبيتهم شحذوا ملكاتهم الإبداعية لبث التفاؤل والأمل بأن العاصفة مهما طالت ستمر بسلام. هذه الطاقة الإيجابية ظهرت في تشكيلة ريتشارد كوين في فساتين طبعتها ورود ضخمة وتصاميم تتراقص على نغمات كلاسيكية تستحضر حفلات النجوم والنخبة في ثلاثينات القرن الماضي. بفخامتها وتطريزاتها الغنية، كان واضحاً أنه يخاطب بها زبونات الشرق الأوسط. هذه الإيجابية ظهرت أيضاً في عروض روكساندا وجي دبليو أندرسون و«توغا» وإيرديم، وهلم جرا من الأسماء.

في عرض جي دبليو أندرسون، مثلاً، تجلت في تنورات قصيرة واسعة بشكل مبالغ فيه، وفساتين قصيرة يبدو بعضها وكأنه مصنوع من قماش تم تقطيعه بالتساوي بشكل مستطيل، ثم تجميعه من جديد.

لعب المصمم إيرديم على الازدواجية بين الذكوري والأنثوي بأسلوب سردي وفني جديد (إيرديم)

روح الدعابة التي سادت عرض أندرسون، غابت في تشكيلة «إيرديم». فهو بطبعه جاد يحب التاريخ ويستقي منه دائماً قصصاً ملهمة. هذه المرة ترجم رواية «بئر العزلة» (The well of Loneliness) للكاتبة رادكليف هول، بأسلوب جمع فيه التفصيل الذكوري بالتصميم الأنثوي في تداخل يحاكي الـ«هوت كوتور». فالرواية تحكي قصة امرأة عاشت كرجل طوال حياتها. تلبس ملابسه وتصممها في شارع «سافيل رو» الشهير. والطريف أن أمرها لم يُكشف حتى مماتها. رغم أنه كان من السهل وقوعه في المحظور ويقدم ترجمة حرفية، فإن إيرديم نجح في تقديم درس عن كيف يمكن أن يكتسب التفصيل الرجالي نعومة من دون أن يُرسل أي إيحاءات معينة.

لين فرنكس... الأم الروحية للأسبوع

انطلق أسبوع لندن على يد لين فرنكس، أقوى وأشهر امرأة في عالم العلاقات العامة إلى حد أنها ألهمت شخصية بطلته إيدينا مونسون التي لعبتها باقتدار الممثلة جينفر سوندرز في مسلسل «أبسولوتلي فابيلوس» (Absolutely Fabulous)، وهو واحد من المسلسلات الناجحة لحد الآن. يمكن القول إنها من أرست قواعد مهنة العلاقات العامة في بريطانيا. ولأنها كانت تمتلك وكالة تمثل مجموعة من المصممين البريطانيين وعارضات الأزياء، راودتها فكرة تأسيس منصة تستعرض مواهبهم وقدراتهم للعالم، أسوة بأسابيع نيويورك وباريس وميلانو. وهكذا وُلدت فكرة إطلاق أسبوع لندن للموضة في عام 1984. ما إن نجحت في إقناع عملائها ومعارفها لتمويله، حتى بدأت بالبحث عن مكان مناسب، وجدته في حديقة «معهد الكومنويلث» بهولاند بارك. هناك نصبت خيمة كبيرة احتضنت أول موسم لأسبوع طبعته لحد الآن جينات شبابية تميل إلى التمرد والاختلاف الصادم أحياناً. بعد ثلاث سنوات، تغير المكان إلى ما أصبح يعرف الآن بقاعة «ساتشي» بالقرب من محطة «سلوان سكوير».

كان هذا نقلة إيجابية غيّرت مصير الموضة؛ إذ وفّر المكان مساحة أكبر، وبدأ يجذب أنظار مشاهير مثل الأميرة الراحلة دايانا، والمغني بوي جورج، وحتى مادونا أنذاك، الأمر الذي شجع على دخول ممولين جدد، ومن ثم زيادة ميزانيته.

هذا النجاح تطلب مكاناً أكبر، توفر في قاعة «أولميبيا»، ودخل خريطة الموضة العالمية بشكل رسمي. بين عامي 1988 و1989، مثلاً، شهد الأسبوع أول ظهور لكل من ناعومي كامبل وكايت موس قبل أن يسطع نجمهما للعالمية.

40 عاماً من النجاحات والتذبذبات

المصمم الآيرلندي الأصل واكب أسبوع لندن منذ تأسيسه في عام 1984 (رويترز)

لم يشهد أي أسبوع التذبذبات التي شهدها أسبوع لندن ولا عزيمته على البقاء، منذ انطلاقه في عام 1984. بدأ متواضعاً لكن جامحاً بفورة الشباب. كان كل المصممين المشاركين حديثي التخرج في معاهد تعلموا فيها أن الإبداع هو الجوهر، وكل شيء سواه يجب ألا يدخل في حساباتهم مهما كان الثمن الذي سيدفعونه. وهكذا جنّدوا جموحهم الإبداعي لدعم الأسبوع.

أعطى المصمم إيرديم درساً في كيف يمكن تنعيم التفصيل الذكوري (إيرديم)

لكن هذا الصعود سرعان ما تعرض للكبوة الأولى في التسعينات بسبب الأزمة الاقتصادية. في هذه الفترة بدأت تتسلل قوى جديدة في باريس وميلانو ونيويورك، تُرجّح الجانب التجاري أكثر، الأمر الذي وضع لندن في مأزق. لم يكن لمصمميها إلمام بهذا الجانب ولا قابلية لتقبّل فكرته. كانوا متشبّعين بفكرة أن الابتكار يأتي على حساب أي شيء آخر.

تقلُّص الميزانية لم يثنِ المسؤولين عن الاستمرار. ففي عام 1993، تم إطلاق مشروع «نيو جين»، أو الجيل الجديد، لدعم المصممين الشباب الذين لا تتوفر لهم إمكانات مادية للاستمرار، وكان من أوائل من استفادوا منه مصمم جديد اسمه ألكسندر ماكوين، وبعده كثيرون مثل إيرديم وغيره. كل من أتوا بعد لين فرنكس احترموا فكرتها أن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يتميز بها الأسبوع عن باقي أسابيع الموضة العالمية هي احتضان الشباب. وبالفعل لا تزال العاصمة البريطانية ولّادة للنجوم لحد الآن. لا تحتضنهم وتفتح لهم أبوابها فحسب، بل تصدّرهم أيضاً إلى باريس.

ريتشارد كوين عاد إلى الثلاثينات ليستقي منها تصاميم خاصة بالحفلات والأعراس (رويترز)

لكن شتان بين أزمات الماضي وأزمة اليوم. فهي الآن أكثر تعقيداً؛ لأنها عالمية أثرت على صنّاع الموضة في كل مكان، الأمر الذي جعل المنافسة أكثر شراسة لنيل قسط من الأرباح. كل العواصم في فترة من الفترات صارعت للبقاء والنجاح، حتى من ينضوون تحت مجموعات ضخمة مثل «إل في إم إش» و«كيرينغ» و«ريشمون». الفرق أن هؤلاء لديهم الإمكانات التي تغطي أي تباطؤ في النمو أو الخسارة لسنوات، في حين أن أغلب المصممين في بريطانيا شباب مستقلون. «روكساندا» مثلاً كانت ستُعلن إفلاسها لولا تدخل مستثمرين مؤخراً.

كيف يواجه المسؤولون الأزمة؟

بعد أربعين عاماً، كان لا بد أن يستوعب المشرفون على مجلس الموضة البريطانية أن الابتكار والأفكار الجديدة لا يكفيان. كان الحل هو تبني مفهوم الاستدامة والحث على إعادة النظر في سلوكيات الاستهلاك للحد من سلبياتها، وخصوصاً أن الجيل الصاعد الذي تُعوّل عليه مستاء من فكرة أن الموضة من بين أكثر القطاعات تلويثاً للبيئة.

من هذا المنظور افتتح الأسبوع هذا الموسم، بعروض لأزياء مستعملة بالتعاون مع منصة «إي باي» و«مؤسسة أوكسفام الخيرية» وموقع بيع السلع المستعملة الليتواني «فينتد» (Vinted)، وهو ما علّقت عليه ماريان جيبلز من موقع «فينتد» بقولها إن مواجهة الأفكار المسبقة ضرورية؛ «إذ يمكن أن تكون الأزياء المستعملة أنيقة وبأسعار معقولة».

المصممة والناشطة البريطانية كاثرين هامنيت (77 عاماً) أيضاً شاركت في هذه العروض المستدامة بأحد قمصانها الشهيرة التي تحمل رسالة: «لا مزيد من ضحايا الموضة»، بعد مرور 40 عاماً على أول عرض لها خلال أسبوع الموضة في عام 1984.