لا يخفى على أي متابع للموضة أو سائح لأي عاصمة من العواصم الكبيرة أن الوردي هو لون الموسم. فقد تلونت المحلات في الآونة الأخيرة بكل درجاته، بدءاً من تشكيلات دار «فالنتينو» التي تطرحه منذ عدة مواسم، بجرعات متفاوتة في قوتها، إلى محلات «زارا» الشعبية. السبب أن هو صدور فيلم «باربي» الذي أصاب الكل بحمى كل ما يتعلق بألوان الأنوثة وتفتح الأزهار. ما زاد من قوة هذه الحمى أن الحملة الترويجية المخصصة له، كانت الأكبر منذ جائحة كوفيد.
منذ فترة وبطلته مارغو روبي تُطل علينا بإطلالات مفعمة بالشقاوة والمرح والألوان الفاتحة والأكسسوارات الجريئة، استعداداً لعرضه في صالات السينما. لكن فجأة وفي الـ14 من الشهر الحالي تحديداً، انطفأ كل شيء وخفتت الضجة وتلاشت مثل الفقاعة. أما فكرة أن يقام حفل افتتاح كبير تظهر فيها مارغو روبي وبطل الفيلم رايان غوسلينج على السجاد الأحمر يلتقطان الصور والـ«سيلفيهات» مع المعجبين الذين يصطفون عادة خارج صالات العرض، فلم تعد مطروحة بأي شكل من الأشكال.
ورغم أن العديد من عشاق الموضة، بمن فيهم خبراء الأزياء ووسائل الإعلام سيفتقدون صوراً براقة ومادة دسمة، فإن تعطل لغة الأفلام ألهم صناع الموضة وأيقظ الرغبة في تعزيز علاقتهم مع نجوم ونجمات لم تُتح لهم الفرصة من قبل للتعامل معهم إما بسبب كثافة أعمالهم، أو لعدم اهتمامهم بالموضة. الآن تأمل بيوت الأزياء أن يتغير الوضع، وأن ينزل هؤلاء من أبراجهم العالية ويربطون معهم شراكات. فحتى إن لم يحتاجوا إلى العمل، فإنهم يحتاجون إلى الأضواء للبقاء في الواجهة، هذا عدا أن الحصول على عقود مجزية ليس بالأمر السيئ في ظل القوانين الصارمة التي تمنعهم من الانخراط في أي فعالية سينمائية أو حتى التحضير لعمل مستقبلي.
ما حدث في الـ14 من الشهر الحالي، أن كل الممثلين والممثلات من كل أنحاء الولايات المتحدة انضموا إلى إضراب بدأه كتاب السيناريو في شهر مايو (أيار) الماضي. كلهم تكاثفوا للاحتجاج أمام استوديوهات الأفلام تحت مظلة نقابة ممثلي التلفزيون والسينما «إس.إيه.جي - إيه.إف.تي.آر.إيه». فهذه الأخيرة تدافع عن حقوق أعضائها وتطالب بدفع رواتب أفضل لهم وتقنين استخدام الذكاء الاصطناعي.
أصدرت النقابة أيضاً قرارات صارمة تتمثل في منع الممثلين من المشاركة في أي عمل في الوقت الراهن، أو حضور فعاليات للترويج عن أفلام ستُعرض في صالات السينما وما شابه من أمور. مثلاً لن يحضر نجما هوليوود ريان جوسلينج ومارجو روبي العرض الأول لفيلمهما «باربي» الذي كان مقرراً ليوم السبت في برلين كما لن يحضرا أي مؤتمر صحافي حسب الاتفاق وما تمليه هذه القوانين. وعلَقت روبي خلال العرض الأول الذي أقيم في لندن قبل صدور المنع، إنها «تدعم بقوة جميع النقابات». وتعتبر هذه المرة الأولى، منذ عام 1960، التي يتضامن فيها ممثلون وكتاب سيناريو للإضراب عن العمل معاً.
على مستوى آخر، فإن هذا الحظر له تأثيرات سلبية، ليس على الممثلين والعاملين في مجال السينما فحسب بل أيضاً على المتعاونين معهم من مجالات أخرى. فحفل افتتاح فيلم «باربي» في برلين أو أي عاصمة أخرى من العالم، كان سيوظف مئات الأشخاص، من خبراء ماكياج ومصففي شعر وخبراء أزياء وغيرهم. كلهم لا علاقة لهم بالسينما لكنهم يكسبون الكثير من ورائها بشكل مباشر أو غير مباشر. فهذه المناسبات تفتح لها أبواب رزق قد تُغني بعضهم عن العمل لأشهر.
بيوت أزياء كبيرة أيضاً تعتمد على هذه المناسبات لتسجيل حضورها وتسليط الضوء على تصاميمها، بعد أن أصبحت مناسبات السجاد الأحمر بأهمية عروض الأزياء وأكثر، بالنظر إلى التغطيات الإعلامية التي تنتج عنها، فضلاً عن تأثير النجمات على العامة من خلال عدد متابعيهن على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا بالإضافة إلى أن السوق الأميركية لا تزال واحدة من أهم أسواق صناعة الموضة، سواء تعلق الأمر بالأزياء الجاهزة والأكسسوارات أو خط الـ«هوت كوتور».
صحيح أن مبيعات بيوت أزياء بحجم «ديور» و«شانيل» و«فالنتينو» وغيرها لن تتأثر بسبب الإضراب وما ترتب عنه من إلغاء لهذه الفعاليات، إلا أنها قد تخسر دعايات مجانية مهمة، وذلك أن ظهور نجمة صف أول بتصميم من تصاميمها يُعزز مكانتها ويُضفي على صورتها الكثير من البريق والقوة، علماً بأن هذه الفائدة تعم على الجانبين. فبعض النجمات لا يحصلن فقط على تصاميم ومجوهرات رفيعة بسهولة، بل تتلقى بعضهن أجوراً مقابل ظهورهن بهذه التصاميم. أما الغالبية فتتودد إلى هذه البيوت وتطلب رضاها أملاً في حصولها على عقد مجزي. فإن تصبح سفيرة لـ«شانيل» أو «فالنتينو» أو «شوميه» أو وجهاً في حملة تُصور بتقنيات سينمائية «لجيورجيو أرماني» أو لأحد منتجات «لوريال» فهو أمر لا يستهان به إذا أخذنا بعين الاعتبار أنها عقود تقدر بمئات الآلاف من الدولارات.
الخوف أنه في حال استمر الإضراب إلى شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، فإن كل من مهرجاني البندقية وتورونتو السينمائيين وأيضاً حفل توزيع جوائز الإيمي، قد يتعرضان للإلغاء وهو ما سيترك أثراً سيئاً على صناعة السينما والموضة على سواء. لكن ربما ستكون أسابيع الموضة العالمية في كل من نيويورك وباريس وميلانو المتنفس الوحيد للجميع.