عرض أزياء يعبق بالدفء الأفريقي والأصالة المغربية

بمناسبة نهاية الاحتفالات بالرباط عاصمةً للثقافة الأفريقية

المصممة فضيلة الكادي (أ.ف.ب)
المصممة فضيلة الكادي (أ.ف.ب)
TT

عرض أزياء يعبق بالدفء الأفريقي والأصالة المغربية

المصممة فضيلة الكادي (أ.ف.ب)
المصممة فضيلة الكادي (أ.ف.ب)

في الموقع الأثري شالة بالرباط، نظَّمت مؤسسة التطريز للمصممة المغربية فضيلة الكادي، عرضاً أفريقياً للأزياء. جاء العرض بمناسبة اختتام الاحتفالات بالرباط عاصمةً للثقافة الأفريقية، تحت شعار «الموضة في العاصمة» بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والاتصال ومدينة الرباط. اختيار موقع العرض الأثري، شالة بالعاصمة المغربية، بكل ما يمثِله من رمزية ودلالات تاريخية وجغرافيا، كان خياراً مناسباً، حيث شكّل خلفية مهيبة لعرض استهدف رحلة إلى أعماق أفريقيا السمراء.

والنتيجة أنها كانت ليلة أناقة راقية بامتياز جمعت التنوع بخيوط طرزتها أنامل محترفة تجسدت في تشكيلة وافرة من الأزياء للنساء والرجال على حدٍ سواء. كانت ألوان أفريقيا الدافئة القاسم المشترك بينها.

تزاوج الأصالة والمعاصرة أعطى العرض نكهة عالمية (أ.ف.ب)

120 زياً كان عدد القطع، التي تم عرضها. كلها اتسمت بلمسات إبداعية فنية تجمع بين الأصالة والمعاصرة والبساطة والأناقة في إطار ترفيهي هادف جعل الـ120 قطعة تمر أمام العين بسلاسة لم تُثر في أي لحظة من اللحظات الملل أو التململ.

افتتح العرض على إيقاع موسيقى صحرواية أصيلة، بدت وكأنها تنبعث مباشرة من قلبها الدافئ وتراثها الغني. كل ما فيها من ألوان وطبعات وتفاصيل وخطوط كانت تبعث في الأوصال هذا الإحساس بالدفء. طبعاً كان للموسيقى الحسَانية وقعها على النفس وتحريكها للعواطف.

الأقمشة والألوان استوحيت من دفء وشاعرية القارة السمراء (تصوير: كريستيان مامون)

كان واضحاً أن المصممة فضيلة الكادي أرادت أن تعكس تشكيلتها انفتاحاً على العصر من دون أن تتجاهل أهمية ما خلَفه الأجداد من إرث غني. استوحتها من قلب الطبيعة والتربة وشعاع الشمس وسواد الليل وضوء القمر وضمَنتها قصصاً من التاريخ وعبق الثقافات التي توالت على القارة الأفريقية وتركت أثرها عليها. عوض أن تحكيها أو تُسجلها بالقلم استعملت التطريز. وحتى تثير المشاعر وتؤكد أن الموضة جزء لا يتجزأ من باقي الفنون والثقافات، استهلت فضيلة عرضها بظهور شابة سمراء تمثل أفريقيا، وهي ترتدي زياً مستوحى من البذلة العسكرية، تبعتها ثلاث نسوة يصدحن بغناء أصيل باللهجة الحسانية (الصحراوية)، وهن يرتدين زيهن الصحراوي المعروف بالتفافه على الجسم والرأس وألوانه المميزة. ثم بدأ العرض وتوالت الإطلالات التي شارك فيها عارضون وعارضات من المغرب وأفريقيا السمراء إلى جانب أوربيين. فهذا أولاً وأخيراً عرض يحتفل بثقافات العالم.

جمعت فضيلة في تشكيلتها الأصالة المغربية بخطوط معاصرة (تصوير: كريستيان مامون)

إطلالات متنوعة اختزلت حياة متنوعة في كل تجلياتها. بعضها يحتفي بالحياة العادية في أفريقيا، وبعضها يعكس تطلعات الشباب لملامسة حياة الغرب من خلال تصاميم تتماشى مع الموضة العالمية.

لم تنسَ فضيلة في أي لحظة من اللحظات أن المناسبة احتفال بالموضة كثقافة، ومن هذا المنظور حرصت أن يكون عرضها تجسيداً للتعايش من جهة ولنمط عيش أفريقي غني بالذاكرة والألوان من جهة ثانية، ثمَّنت فيه أيضاً الصنعة التقليدية وأنواع التطريز المغربي والزخرفة التي تتفنن فيها أيادي صناع تقليديين.

يعد هذا العرض الأول من نوعه للمصممة الكادي في المغرب، بعد أن سبق لها المشاركة في عروض خارج المغرب.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا سعيدة بتنظيم هذا العرض لأول مرة في الرباط، خصوصاً أنه نظم في الموقع الأثري شالة، الذي يمثل لي رمزية كبرى ودلالات. فهو الموقع الذي يعلو الرباط في موقع استراتيجي وتاريخي ويطل على سلا، مدينة طفولتي. هذا الموقع الذي عاصر حضارات المغرب العريقة واكتشف فيه موقع للرومان. هذا المكان يمثل لي ثلاثة أبعاد حرصت على تقدميها في العرض: البعد التاريخي العريق، والبعد المعاصر والبعد الزمني الخالد الذي سيدوم عبر الزمن».

وكانت فضيلة الكادي قدمت أنشطة أخرى بالمناسبة عن إبداعات «المِعلمين»، أي الحرفيين في فن التطريز، خاصة وأنها أسست منذ أزيد من خمس سنوات مؤسسة لتعليم فن التطريز المغربي بمدينة سلا، حفاظاً على الموروث الحرفي التقليدي، حيث تم تكريم ثلاثة حرفيين رواد في هذا الفن، وهم المعلم عبد العالي الحوصلي، الذي يعد من أهم الحرفيين في الصنعة التقليدية على أصولها القديمة، والمعلمة خديجة حمراس، وهي من الحرفيات المتمرسات في فن التطريز وحياكة الزرابي منذ أزيد من 40 عاماً، كما أنها متخصصة في «الطرز» الرباطي و«الطرز» بالجواهر، واختارت التطوع لتعليم الفتيات، وأيضاً المعلمة مريم صادق المتمرسة في فن «الطرز» الرباطي، وتعمل أيضاً في مجال التصميم والخياطة، وهو النشاط الذي افتتحت به المصممة ومؤسستها احتفالية اختتام برامج الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية.

تزاوج الأصالة والمعاصرة أعطت العرض نكهة عالمية (أ.ف.ب)

ينتهي العرض وأنت تُدرك أنه لم يكن عن الأزياء وحدها، ولا أنه كان تتويجاً لمسار مصممة مغربية متميزة عبَّرت عن هويتها وانتمائها الأفريقي وأبرزت قدرات إبداعية تنخرط في عالم الموضة العالمية فحسب، بل كان أيضاً احتفاءً بالثقافة الأفريقية والأصالة المغربية، وتثميناً للعاصمة الرباط، التي ستسلم المشعل لغيرها بعد عام حافل.


مقالات ذات صلة

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

لمسات الموضة حوَّلت «لورو بيانا» الواجهات إلى احتفالية بإرثها وحرفييها وأيضاً بالثقافة البريطانية التي تمثلها معلمة مثل «هارودز» (لورو بيانا)

«لورو بيانا» تحتل واجهات «هارودز» لتحتفل بمئويتها وإرثها

مع اقتراب نهاية كل عام، تتسابق المتاجر والمحلات الكبيرة على التفنن في رسم وتزيين واجهاتها لجذب أكبر نسبة من المتسوقين إلى أحضانها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق في عقدها الثامن اختار إريك جدّته «مانيكان» تعرض تصاميمه (حساب المُصمّم على إنستغرام)

إريك ماتيو ريتر وجدّته هدى زيادة... جيلان يلتقيان على أجنحة الموضة

معاً؛ زوّدا عالم الأزياء بلمسة سبّاقة لم يشهدها العالم العربي من قبل. التناغُم بينهما لوّن عالم الموضة في لبنان بنفحة الأصالة والشباب.

فيفيان حداد (بيروت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
الاقتصاد صورة تُظهر واجهة متجر دار الأزياء الإيطالية «فالنتينو» في وسط روما (أ.ف.ب)

للمرة الأولى منذ الركود العظيم... توقعات بانخفاض مبيعات السلع الفاخرة عالمياً

من المتوقع أن تنخفض مبيعات السلع الفاخرة الشخصية عالمياً في عام 2025 لأول مرة منذ الركود العظيم، وفقاً لدراسة استشارية من شركة «بين».

«الشرق الأوسط» (روما)
لمسات الموضة في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

قامت ميلانيا بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة بإعلانها أنها امرأة مستقلة ولها آراء خاصة قد تتعارض مع سياسات زوجها مثل رأيها في حق المرأة في الإجهاض وغير ذلك

جميلة حلفيشي (لندن)

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
TT

4 فنانات يحتفلن بميلاد حقيبة «أوريغامي»

سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)
سارة أوريارتي أكثر من ركّزت على تقنية «الأوريغامي» نظراً لعشقها وتخصصها في تنسيق الزهور (بيوريفكايشن غارسيا)

عشر سنوات فقط مرت على إطلاق علامة «بيوريفيكايشن غارسيا» حقيبتها الأيقونية «أوريغامي». بتصميمها الهندسي وشكلها ثلاثي الأبعاد لفتت الأنظار منذ أول ظهور لها. واحتفالاً بمكانتها وسنواتها العشر، تعاونت العلامة الإسبانية مؤخرا، مع أربع مُبدعات في الفنون البلاستيكية لترجمتها حسب رؤيتهن الفنية وأسلوبهن، لكن بلغة تعكس قِيم الدار الجوهرية. هذه القيم تتلخص في الألوان اللافتة والخطوط البسيطة التي لا تفتقر إلى الابتكار، أو تبتعد عن فن قديم لا يزال يُلهم المصممين في شتى المجالات، قائم على طيّ الورق من دون استخدام المقص أو الغراء، ألا وهو «الأوريغامي». فن ياباني تكون فيه البداية دائماً قاعدة مربّعة أو مكعّبة.

المكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميم الحقيبة إلى جانب جلد النابا الناعم والمرن (بيوريفكايشن غارسيا)

ولأن يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، صادف اليوم العالمي لفن «الأوريغامي»، فإنه كان فرصة ذهبية لتسليط الضوء على حقيبة وُلدت من رحم هذا الفن ولا تزال تتنفس منه تفاصيلها.

فالمكعّب يُشكّل نقطة البداية في تصميمها؛ إذ تبدأ العملية باختيار جلد النابا تحديداً لنعومته، وبالتالي سهولة طيّه ومرونته في الحفاظ على شكله. بعد تمديد الجلد، يتم تحديد النمط وإضافة دعامات مثلثة للحفاظ على هيكله، لتُضاف بعد ذلك المُسنّنات يدوياً لخلق حركة انسيابية على الجلد.

للاحتفال بميلاد الحقيبة العاشر وفن «الأوريغامي» في الوقت ذاته، منحت «Purificacion Garcia» أربع مُبدعات، وهن: ألبا غالوتشا وكلارا سيبريان وصوفي أغويو وسارة أوريارتي، حرية ترجمتها حسب رؤية كل واحدة منهن، مع الحفاظ على أساسياتها.

ألبا غالوتشا، وهي ممثلة وعارضة أزياء وفنانة، تعتمد على الأنسجة والخزف كوسيلة للتعبير عن نفسها، وتستقي إلهامها من الحياة اليومية، والاحتفال بتضاريس الجسد. استوحَت الحقيبة التي ابتكرتها من عشقها للأنماط والهياكل والبناء. تقول: «حرصت على الجمع بين ما يُعجبني في شكل هذه الحقيبة وما يستهويني في جسم الإنسان، لأبتكر تصميماً فريداً يعكس هذَين المفهومَين بشكلٍ أنا راضية عنه تماماً».

حرصت ألبا على الجمع بين تضاريس الجسد وأنماط وهياكل البناء (بيوريفكايشن غارسيا)

أما كلارا سيبريان، فرسّامة تحبّ العمل على مواضيع مستوحاة من جوانب الحياة اليومية ويمكن للجميع فهمها والتماسها. تقول عن تجربتها: «أنا وفيّة لأكسسواراتي، فأنا أحمل الحقيبة نفسها منذ 5 سنوات. وعندما طُلب مني ابتكار نسختي الخاصة من هذه الحقيبة، تبادرت فكرة إلى ذهني على الفور، وهي إضفاء لمستي الشخصية على حقيبة (Origami) لتحاكي الحقيبة التي أحملها عادةً بتصميمٍ بسيطٍ تتخلّله نقشة مزيّنة بمربّعات».

من جهتها، تستمد سارة أوريارتي، وهي فنانة متخصصة في تنسيق الأزهار والمديرة الإبداعية في «Cordero Atelier»، إلهامها من الطبيعة، ولهذا كان من الطبيعي أن تُجسّد في نسختها من حقيبة «أوريغامي»، السلام والهدوء والجمال. تشرح: «لقد ركّزت على تقنية (الأوريغامي) التي أقدّرها وأحترمها. فكل طيّة لها هدف ودور، وهو ما يعكس أسلوبي في العمل؛ إذ كل خطوة لها أهميتها لتحقيق النتيجة المرجوة. لذلك، يُعتبر الانضباط والصبر ركيزتَين أساسيتَين في هذَين العملَين. وأنا أسعى إلى إيجاد التوازن المثالي بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، وهذا ما يلهمني لمواصلة استكشاف الجمال الكامن في البساطة».

كلارا رسّامة... لهذا عبّرت نسختها عن رؤيتها الفنية البسيطة التي أضافت إليها نقشة مزيّنة بمربّعات (بيوريفكايشن غارسيا)

وأخيراً وليس آخراً، كانت نسخة صوفي أغويو، وهي مستكشفة أشكال ومؤسِّسة «Clandestine Ceramique»، التي تشيد فيها كما تقول بـ«تصميم يتداخل فيه العملي بجمال الطبيعة، وبالتالي حرصت على أن تعكس التناغم بين جوهر دار (بيوريفكايشن غارسيا) القائمة على الأشكال الهندسية وأسلوبي الخاص الذي أعتمد فيه على المكوّنات العضوية. بالنتيجة، جاءت الحقيبة بحلّة جديدة وكأنّها تمثال منحوت بأعلى درجات الدقة والعناية».