يربط اللبنانيون عودة فندق «لو غراي» إلى وسط بيروت من جديد بالأمل. فعندما أقفل أبوابه إثر انفجار بيروت في عام 2020، فقدت المدينة أحد رموزها السياحية المهمة، فتوقف عن العمل أحد شرايين قلبها الذي كان يضخ فيها الألق والازدهار. واليوم ومع رجوعه إلى حضنها، تتنفس الصعداء وكأنها وُلدت من جديد.
يعود تاريخ تأسيس فندق «لو غراي» إلى عام 2009؛ حيث ازدانت بيروت يومها بصرح سياحي بارز. وما لبث أن تحوَّل إلى رمز من رموزها، وصار وجهة سياحية مطلوبة من السيَّاح العرب والأجانب. وفي عام 2020 شهدت العاصمة حدثاً مؤلماً كان بمثابة زلزال أصابها. فالانفجار الذي حصل في مرفأ بيروت شلَّ مرافقها، فخيَّمت عليها سحابة سوداء خنقتها بعد أن أصيبت بأضرار جسيمة.

مؤخراً أعيد افتتاح الفندق، وقد تم ترميمه وتجديده ليواكب بديكوراته وخدماته أهم الفنادق العالمية.
يقع فندق «لو غراي» وسط بيروت، في ساحة الشهداء تحديداً. ويحاط بعدد من معالمها المعروفة، كمسجد محمد الأمين، وميدان النجمة، وأسواق بيروت، وزيتونة باي.
ويتألف الفندق من 104 غرف، ومن مطعم «بادام» ذي الأطباق الدولية. ومطعم «قصتي» الذي يشكِّل امتداداً للفرع الأساسي له في فرنسا. ويعود هذا المطعم للشيف الفرنسي اللبناني الأصل ألان الجعم. وهو اللبناني الوحيد الذي استطاع الحصول على «نجمة ميشلان». وقد اختارته إدارة الفندق ليكون الطبَّاخ الرئيسي فيه.
ويضم الفندق المسبح الخارجي، ومركز اللياقة البدنية، وباحات واسعة داخلية وخارجية. وفي حديقته مقهى يستقبل رواده طيلة اليوم، ويقدِّم أشهى المأكولات للترويقة والغداء والعشاء.

«لو غراي» يتجدد بأنامل لبنانية
تمسكت إدارة فندق «لو غراي» بعملية تجديد تبقي على هويته الأصلية. فعدَّلت في تصاميم مداخله لتصبح واسعة، وتتزين بهندسة داخلية خلابة.
وتقول لميا أبشي، ابنة رجل الأعمال إدمون أبشي، صاحب الفندق، إن عودة الفندق إلى الحياة بعد إقفال أبوابه خمس سنوات يعني الأمل. وقد استغرقت عملية ترميمه أكثر من سنتين. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أخذنا على عاتقنا القيام بهذه الخطوة. واليوم نحن سعداء برؤية لبنان يتَّجه نحو الازدهار في ظلِّ عهد جديد».
وتتابع: «قمنا بضخ الحداثة فيه، كما جددنا هندسة اللوبي، واستحدثنا تيراساً واسعة تابعة لمطعم (بادام) تضم المطبخ الفرنسي والدولي في آن، وتتَّسع لنحو 160 شخصاً. وابتداءً من 6 نوفمبر (تشرين الثاني) بدأ الفندق استقبال زواره، وفي 20 منه سيجري افتتاح مطعم (قصتي بيروت) رسمياً».
وتشير لميا أبشي إلى أن اختيار الشيف ألان الجعم للإشراف على مطاعم الفندق يأتي من باب إضافة العالمية إلى الفندق. وأن اللقاء الأول معه جرى في «صالون هوريكا» للضيافة. واتفقا على التعاون معه لإجراء لمسة عصرية وحديثة على مطاعم الفندق.
تعود ملكية فندق «لو غراي» إلى رجل الأعمال اللبناني إدمون أبشي، وهو يملك فنادق عدة في دول عربية وأوروبية. ولكن «لو غراي» بالنسبة له هو الولد الأعز. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حبي لبلدي أسهم في تحفيزي للقيام بهذه الخطوة. واعتبرت أنه من الخطأ غض النظر عن المساهمة في إعادة بلدي إلى الواجهة. لا شك في أننا تكبدنا خسارات كبيرة منذ إقفالنا هذا الصرح السياحي. ولكن إرادة العيش تغلب الاستسلام. وأتمنى أن تشجع هذه المبادرة غيري للقيام بخطوات مشابهة، ليتألق بلدنا من جديد. فالتضحية تجاه الوطن ضرورة تُشعر صاحبها بالفخر».
ويختم أبشي حديثه حول بيروت: «لقد وصف البعض عودة (لو غراي) إلى الحياة بأنه يعمِّر بيروت، ويضعها على الخريطة السياحية العالمية من جديد. تأثرت بهذا الكلام، وزادني عزماً على المضي في خطوتي هذه. فبيروت مدينة لا تموت، وستعود إلى مكانها الريادي كما عرفناها دائماً».

جلال محمود: الحفاظ على الهوية كان هدفنا
أما صاحب هذه الصورة المتجددة للفندق، فهو المهندس الداخلي جلال محمود، المشهور بإقامة ورش عمل من هذا النوع في عدة فنادق، ومن بينها «البريستول» في شارع الحمراء. ويوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن النقطة الأساسية التي انطلق منها في عملية تجديد «لو غراي» هي الحفاظ على هويته الأصلية. وذلك مع إجراء تحديثات تزيد من بريقه. ويضيف: «كوني صاحب 30 سنة من الخبرة في هذا المجال، رغبت في تطوير هوية (لو غراي). لقد طالبني كثيرون بالإبقاء عليه كما هو من دون إجراء أي تعديلات. ولكني انطلاقاً من رغبتي في تطويره قمت بمهمتي على أكمل وجه، وأبقيت على هويته، وهو ما شكَّل صعوبة إلى حدٍّ ما بالنسبة لي. فأن نجدد صرحاً معروفاً، ونقوم على تطوير صورته الأصلية، مع الحفاظ على حمضه النووي (دي إن إيه) كان تحدياً صعباً».
لم ينسف جلال محمود مشهدية ديكورات الفندق من أساسها؛ حيث أبقى على معظمها، ولكن مع إجراء تعديلات عليها. وطعَّمها بألوان دافئة وزاهية في آن. واستخدم مزيجاً من الأزرق والبيج في غالبية أثاث الغرف. واستخدم الأبيض لتزويدها بمساحات مضيئة تعكس الراحة.
ويستطرد في سياق حديثه: «يتمتع (لو غراي) بلمسة كلاسيكية تتلون بالحداثة. وكوني أحب الألوان عملت على اختيار ما يسهم منها في تزويد نزلاء الفندق بالفرح والراحة معاً. ولم أقم بإلغاء أي من أقسام الفندق؛ بل عمدت إلى تغيير دورته الدموية. فقلبت مسار مداخله، وكيفية الوصول إلى مطاعمه ومقاهيه. وأحييت بعضاً من أقسامه لتصبح أكثر سعة، وهو ما زاد الفندق فخامة وجمالاً. واستخدمت ديكورات ملونة من الـ(بليكسي غلاس) على جدار المدخل. والأهم كان استحداث هذه المساحة الفارغة والمضاءة بشكل حديث وجميل في لوبي الفندق».













