رحلة إلى الدار البيضاء من دون هاتف ولا دليل سياحي

بهدف التخلص من السموم الرقمية والإنترنت

مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (نيويورك تايمز)
مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (نيويورك تايمز)
TT

رحلة إلى الدار البيضاء من دون هاتف ولا دليل سياحي

مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (نيويورك تايمز)
مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (نيويورك تايمز)

وفقاً لخريطتي المثيرة للشفقة، كان من المفترض أن أكون قريبةً من القصر الملكي. لكن لا شيء في حي مرس السلطان الصاخب في الدار البيضاء، حيث يمرُّ الترام أمام متاجر الأحذية والمقاهي التي تعجّ بالحركة في تلك المدينة، لم يكن هناك ما يوحي بالفخامة. جربت شارعاً ثم شارعاً آخر. وأخيراً، اقتربتُ من بعض الفتيات المراهقات اللاتي كنَّ يتناولن المياه الغازية خارج مطعم للوجبات الخفيفة.

«أنا أبحث عن القصر»، قلت بالفرنسية البدائية، وأشرتُ إلى خريطتي. «تقول الخريطة إنه يجب أن يكون بالقرب من هنا».

الدار البيضاء مدينة مليئة بالجواهر السياحية المخفية (نيويورك تايمز)

في الوقت الذي يشعر فيه عددٌ متزايدٌ منا بالحاجة إلى التخلص من السموم الرقمية، أدركُ تماماً كيف أن الإنترنت، على الرغم من فوائده كلها، قد غيَّر السفر إلى الأسوأ. فهو لا يلعب دوراً رئيسياً في الإفراط في السياحة فحسب، وإنما أدى أيضاً إلى إضعاف الإحساس بالاكتشاف. من خلال السماح لنا بالاطلاع على قوائم المطاعم، وتصور المواقع، وتجميع قوائم الأماكن التي لا بد من زيارتها. يخبرنا الإنترنت بما سنختبره، قبل وصولنا.

كان بإمكاني استخدام دليل إرشادي، ولكن بدا لي أن ذلك يتعارض مع روح الرحلة. ففي نهاية المطاف، كان هدفي الرئيسي هو أن أرى ما إذا كانت بإمكاني استعادة متعة الاستكشاف، وتعلّم بعض دروس السفر القديمة على طول الطريق.

بعد وصولي إلى «مطار محمد الخامس» في الدار البيضاء، كان أول ما قمت به هو البحث عن خريطة. اقتربت من امرأة جالسة فيما اعتقدت أنه مكتب الاستعلامات. أجابت: «بالطبع لدي خريطة، لدي هاتف».

لكنها أرشدتني نحو القطار المتجه إلى وسط المدينة. عندما وصلت إلى المحطة الفسيحة، أدركتُ مدى صعوبة السفر من دون اتصال بالإنترنت هنا. لم تكن هناك لافتات مكتوب عليها «أنت هنا»، ولم يكن هناك مكان لوضع أمتعتي بينما أتعرف على وجهتي، ولا توجد إشارات واضحة - على الأقل ليس لهذا القارئ الذي لا يجيد اللغة العربية - عن الاتجاه الذي يقود إلى وسط المدينة.

اكتشف الدار البيضاء من دون انترنت (نيويورك تايمز)

ما زلت دون خريطة، اخترت اتجاهاً وبدأت المشي. بدا لي أن جادة تصطف على جانبيها أشجار النخيل خياراً جيداً، وسرعان ما وجدت نفسي وسط المتاجر والمطاعم. وراء بوابة تؤدي إلى ما اعتقدت أنها المدينة القديمة، رأيت لافتة مرسومة باليد: «رياض 91».

أفضل ما في الجهل هو أنه يمكن أن يحوِّل كل شيء إلى اكتشاف. وكان هناك كثير من الأشياء التي أبهرتني على طول أزقة الدار البيضاء المتعرجة: المآذن الأنيقة، والخبازون الذين يسحبون الأرغفة الساخنة المسطحة من الأفران في الهواء الطلق، وبريق فن الشارع، الذي كان زاهياً على الجدران المطلية باللون الأبيض الذي منح الدار البيضاء اسمها.

بدأ تجوالي خارج باب النزل. مع التزامي جهة الميناء على اليمين، تجوَّلتُ غرباً، عبر سوق الطعام الصاخبة، حيث يبيع الباعة الجوز السمين من العربات، والساحات الخضراء المورقة، حيث يجلس الرجال على طاولات منخفضة يتناولون شطائر السمك المقلي. وبينما كنتُ أسير على جانب الحصون التي بُنيت عندما كانت البرتغال تحكم الميناء، رأيت هيكلاً ضخماً. سألتُ بعض الصبية، الذين كانوا يغطسون في المحيط من شاطئ صخري، عن ماهيته. كان الرد: «إنه أكبر مسجد في العالم».

هل عثرتُ للتو على أكبر مسجد في العالم؟ للأسف، لم يكن الصبية موثوقين تماماً. قد يكون «مسجد الحسن الثاني» أحد أكبر المآذن في العالم، ولكنه ليس الأكبر في حدِّ ذاته. وكما أثبتت الحافلات السياحية في الجوار، فهو مَعلم الجذب الرئيسي في الدار البيضاء.

أسواق دار البيضاء التقليدية (نيويورك تايمز)

السفر من دون اتصال بالإنترنت يعني التخلي عن الخوف من تفويت فرصة ما. يمكن للإنترنت أن يقنعنا بأنَّ قوائمه لأفضل الأشياء حقائق موضوعية، وأنَّ أي مسافر لا يشق طريقه عبرها قد رضي بأقل القليل.

لكن طبق الكسكسي الذي تناولته كان هشاً، والخضراوات لذيذة، والبصل المكرمل واللوز أضافا الحلاوة والقرمشة المثالية. عندما أخبرني عزيز برادة، الطاهي ومالك المتجر، أن الكسكسي الذي يقدمه هو الأفضل في الدار البيضاء، صدَّقتُه.

وإذا كان الأمر كذلك، فقد كانت هذه إحدى مواهبه. فقد أخبرني برادة بأنه قبل أن يصبح طاهياً كان يعمل مصوراً للملك الحسن الثاني، وهو العاهل نفسه الذي أمر ببناء المسجد المهيب. وعندما توفي ذلك الملك، قرَّر برادة أنَّ الوقت قد حان لتغيير مهنته.

إنَّ حديثي مع برادة - الذي لم يكن ليحدث لو دفنت وجهي في هاتفي خلال تناول الطعام - جعلني متشوقةً لرؤية القصر الذي كان يعمل فيه. لذا في يومي الأخير، طبع موظف الاستقبال في فندق «دوغ» خريطةً أخرى لـ«غوغل».

هذا عندما ضللت الطريق. بعد عدم حصولي على مساعدة من المراهقات اللاتي كنَّ يتناولن المياه الغازية، تجوَّلتُ لمسافات طويلة عبر مختلف البنايات، وفي نهاية المطاف طلبت الإرشادات من رجل أكبر سناً، الذي أشار إلى الأعلام الحمراء من بعيد: «القصر».

كان الإنترنت ليكشف عن هذا. ومع ذلك، وبينما كنت أصارع؛ إدراكاً مني أنني قضيت ساعات طويلة في الوصول إلى تلك الجدران المنيعة، لمحتُ شارعاً تصطفُّ على جانبيه المكتبات. على أقل تقدير، فكرتُ، ربما أجد خريطةً جيدةً.

وقد كان. لكن الشارع أدى أيضاً إلى ظهور محال تبيع السجاد المنسوج يدوياً، وأطقم الشاي النحاسية، وساحة مليئة ببراميل الزيتون، وشبكة من الأزقة المطلية باللون الأبيض التي ذكَّرتني بالأندلس حتى قبل أن أمر بمتحف صغير للآلات الموسيقية الأندلسية.

تعلمت هذا من امرأة عرفت نفسها باسم إيمان، عندما توقفتُ لتناول شاي النعناع في «مقهى إمبريال». كانت جالسةً بالقرب مني، ويبدو أنها إما شخصية مشهورة أو رئيسة البلدية، إذ كانت تحيات المارة كثيرة جداً لها. سألت إن كان بإمكاني التحدث معها عن الحي.

واقترحت إيمان أن ننقل حديثنا إلى مكان قريب وعدتني بأنني سوف أُعجب به. تغلبتُ على شكوكي، ظناً مني أنني قد أحصل على بعض التوصيات المحلية.

بينما كنا نسير، لم يترك حديث إيمان السريع مجالاً للسؤال عن مطاعمها المفضَّلة. لكنني علمت أنها كانت تعيش في الولايات المتحدة، وكانت تبيع عقارات. تعمل في شركة مجوهرات، وتقود سيارة أوبر.

وأخيراً وصلنا إلى مجموعة من الجدران التي كانت أقل فخامةً من جدران القصر. أدخلنا الحارس عبر باب منحوت إلى مبنى رائع، بجدران من بلاط أخضر وأزرق، وبنية معمارية معقدة، وساحات مزيَّنة بأشجار البرتقال. لم تكن لدي أدنى فكرة عن مكان وجودي (علمتُ لاحقاً أنه كان محكمة سابقاً ومقر إقامة للحاكم، ويُستخدَم الآن للأحداث الثقافية). وقد دُهشتُ كثيراً بالموظفين، بمَن فيهم موظف بيروقراطي متجهم الوجه وعاملة نظافة رحَّبت بإيمان بحرارة.

كنت قد جئت هذا الطريق كله من دون هاتفي. وقد ضللت الطريق ثم وجدت طريقي، واكتشفتُ آثاراً وجواهر صغيرة. كان قد تولَّد لدي إحساسٌ بأنَّ المدينة لا تزال قائمةً بالأساس لسكانها، وليس لزائريها.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

شركات الطيران تواجه مخاطر في المجال الجوي بعد الضربات الأميركية لإيران

الاقتصاد طائرة تابعة لشركة «طيران الشرق الأوسط» اللبنانية تُقلع من مطار «رفيق الحريري» فيما يتصاعد الدخان جراء الضربات الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)

شركات الطيران تواجه مخاطر في المجال الجوي بعد الضربات الأميركية لإيران

تدرس شركات الطيران حول العالم، إلى متى ستعلّق رحلاتها الجوية في الشرق الأوسط بعد دخول أميركا الصراع الإيراني - الإسرائيلي، مما زاد من مخاوف توسع الحرب بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق جزر أوروبية ساحرة ليست في اليونان (غيتي)

هل أنت مستعد للعثور على جزيرتك الساحرة؟

عندما نفكر في الجزر الأوروبية، فإن أول بلد يتبادر إلى الذهن هو اليونان، ولسبب وجيه، بالنظر إلى ما تنعم به من مياه صافية وسواحل ساحرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من جناح السعودية في معرض «ITB برلين» للسياحة (الشرق الأوسط)

الإنفاق السياحي في السعودية يتجاوز 75 مليار دولار خلال 2024

تجاوز إجمالي الإنفاق السياحي في السعودية للسياحة المحلية والوافدة من الخارج خلال 2024 نحو 284 مليار ريال (75.7 مليار دولار)، بنسبة نمو 11 % مقارنةً بعام 2023

«الشرق الأوسط» (الرياض)
سفر وسياحة الأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان الباستيل (الشرق الأوسط)

«بورتوبيلو»... حيث تتقاطع الأزمنة وتنبض الذاكرة

هل سبق لك أن شممت عبق الماضي يتسلَّل بين زوايا شارع يعج بالحياة؟

ريجينا يوسف (لندن)
سفر وسياحة صخرة الروشة في بيروت (إنستغرام)

مؤثرون خليجيون وعرب يروجون للسياحة في بلد الأرز

تفيض مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، بفيديوهات مصورة تروّج للسياحة في لبنان. أما أصحابها فهم مؤثرون وبلوغرز عرباً.

فيفيان حداد (بيروت)

«بورتوبيلو»... حيث تتقاطع الأزمنة وتنبض الذاكرة

الأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان الباستيل (الشرق الأوسط)
الأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان الباستيل (الشرق الأوسط)
TT

«بورتوبيلو»... حيث تتقاطع الأزمنة وتنبض الذاكرة

الأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان الباستيل (الشرق الأوسط)
الأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان الباستيل (الشرق الأوسط)

هل سبق لك أن شممت عبق الماضي يتسلَّل بين زوايا شارع يعج بالحياة؟

في صباح أحد أيام السبت، قادني هذا السؤال إلى «سوق بورتوبيلو» في حي نوتينغ هيل بلندن، حيث يلتقي عبق الزمن العتيق مع ألوان الحياة الزاهية. لم أكن أعلم ما ينتظرني، لكن حدسي دفعني إلى عالم تتعانق فيه الذكريات مع الحاضر، ويتحول فيه كل ركن إلى صفحة من كتاب حي يروي قصصاً تتجاوز حدود الزمن.

وما إنْ وطئت قدماي الشارع حتى غمرني عبق الزمن، وصدحت أصوات الحكايات المختبئة بين زوايا السوق، حيث يلتقي القديم مع الجديد في سيمفونية من الدهشة والجمال، محفورة في الذاكرة.

السوق وجهة أساسية لهواة المقتنيات القديمة (الشرق الأوسط)

سوق التحف الأوسع في العالم

يُقال إن لكل سوق قصتها، وقصة سوق «بورتوبيلو» تعود إلى قرون مضت. تُعدّ إحدى أشهر الأسواق المفتوحة في أوروبا، إن لم تكن في العالم. ورغم وجود أسواق أقدم مثل «لا بوكويريا» في برشلونة (1217)، و«سوق بولونيا» في إيطاليا من القرن الـ12، فإن «بورتوبيلو» تميَّزت بتحولها الديناميكي من سوق خضار وفواكه في منتصف القرن الـ19 إلى أكبر سوق تحف في العالم.

ومع مرور الوقت، شهدت السوق انطلاقتها الفعلية بعد شق طريق بورتوبيلو عام 1850، وازدهرت تدريجياً مع افتتاح محطة لادبروك غروف عام 1864، مما سهّل الوصول إليها بشكل كبير. وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت وجهة أساسية لهواة المقتنيات القديمة، مع تصاعد ثقافة إعادة التدوير وشغف الناس بكل ما يحمل طابعاً تاريخياً. واليوم، تحولت إلى وجهة ثقافية تجذب أكثر من مائة ألف زائر أسبوعياً، معظمهم يأتون خصيصاً لاقتناء قطع نادرة مثل ساعة جيب فيكتوريّة، أو آلة تصوير عتيقة، أو مجلد خرائط من زمن الإمبراطورية البريطانية.

في السوق أزياء «فينتج» (الشرق الأوسط)

يوم السبت... مهرجان شعبي بألوان عالمية

وفي قلب كل هذا النشاط، يحتل يوم السبت مكانة خاصة. رغم أن السوق تعمل جزئياً على مدار الأسبوع، فإن السبت هو يومها الذهبي.

يقول أحد البائعين المحليين: «هذا النهار هنا يشبه المهرجان، ترى الناس من كل أنحاء العالم يبحثون عن قطعة تروي لهم قصة، هذا هو جمال السوق».

يتحول شارع بورتوبيلو إلى ممر طويل يعجّ بالبشر، يتزاحمون بين مئات الأكشاك التي تعرض كل ما يمكن تخيّله: التحف، والمجوهرات، والأزياء «فينتج»، والكتب القديمة، والأسطوانات الموسيقية، وأدوات المطبخ، وحتى ألعاب طفولة من القرن الماضي.

مع تنقلك بين العارضين، تتنوع الحواس. يطالعك وجه مغنٍّ يعزف على ناصية، وآخر يرقص بجوار عربته الصغيرة، وتتصاعد رائحة الفطائر الإنجليزية، والأطباق العالمية، والقهوة الطازجة لتكمل المشهد.

وعلى الطرف الآخر، تنبعث رائحة دافئة مألوفة: مناقيش الزعتر اللبناني تُخبز على صاج حديدي يشبه ذاك الذي يُستخدم في قرى لبنان. تُقدّمها صاحبة الكشك بابتسامة، فيعيدك الطعم، والبخار المتصاعد من الزعتر والخبز الطازج، إلى صباحات الطفولة، حين كانت البساطة تنطق بالفرح.

رائحة مناقيش الزعتر اللبناني تُخبز على صاج حديدي (الشرق الأوسط)

تنوع ثقافي وفني يسحر العين

لا بد من الإشارة إلى المشهد البصري الذي يسحر العين. فالأكشاك تنتشر على خلفية من بيوت بألوان هادئة، كالأزرق السماوي والوردي والأصفر الفاتح، في حين يعبّر الزبائن عن تنوّع لندن الحقيقي: سيّاح من آسيا، وعشّاق فن من أوروبا، ومحليّون يبحثون عن صفقة العمر في صندوق خشبي متهالك.

وللفن حضور بارز وسط هذا المشهد. رسامون يعرضون لوحاتهم، ومصوّرون يوثّقون اللحظة، وصنّاع مجوهرات يعرضون تصاميمهم اليدوية بلمسة شخصية نادرة في زمن الإنتاج الكبير.

تقول فنانة محلية: «أحب أن أعرض أعمالي هنا لأن السوق تنبض بالحياة، وأجد في الزوار من يتذوق الفن كما يجب».

صانعة مجوهرات تعرض تصاميمها اليدوية (الشرق الأوسط)

السوق في السينما والأدب

ولا تكتمل صورة السوق من دون الإشارة إلى حضورها في السينما والأدب. ففي فيلم «Notting Hill» الشهير، كانت السوق الخلفية الرومانسية للقصة التي جمعت جوليا روبرتس وهيو غرانت.

لكن الحضور الثقافي يعود إلى ما قبل ذلك بكثير، فقد ذُكرت السوق في أعمال أدبية بريطانية منذ خمسينات القرن الـ20، وظهرت في تقارير صحافية عديدة بوصفها مثالاً حيّاً على تحوّلات لندن الطبقية والثقافية، لا سيما بعد «مهرجان نوتينغ هيل» السنوي الذي انطلق عام 1966 كردّ فعل على التوترات العِرقية في الحي.

ركن لكتب مرَّت بين آلاف الأيدي (الشرق الأوسط)

تجربة لا تُشترى... لكنها تُعاش

عندما تخطو داخل سوق بورتوبيلو، تُدرك أن الأمر أكبر من مجرد تسوُّق. أن تمشي في السوق هو أن تمشي عبر الزمن.

بين التحف المرهقة بالذكريات، والملابس التي تحكي فصول الموضة، والكتب التي مرّت بين آلاف الأيدي... تشعر بأن المكان ليس مجرد سوق، بل أرشيف حيّ لذاكرة لندن بكل تقاطعاتها الاجتماعية والتاريخية، وبنبضها الذي لا يهدأ.

أما بالنسبة لي، فكانت اللحظة الأجمل حين توقّفتُ عند طاولة خشبية قديمة يعرض صاحبها عملات من كلّ أصقاع العالم.

حيث صوّر فيلم «Notting Hill» عام 1999 (الشرق الأوسط)

تنقلت عيناي بين جنيهات إنجليزية، ودراهم خليجية، ودولارات أميركية باهتة اللون... إلى أن لفتني شيء مألوف.

كانت هناك، بين تلك العملات، ليرة لبنانية ورقية تعود لعام 1973، بلونها البنيّ المُعتّق، وتحمل صورة قلعة بعلبك، تماماً كما أتذكّرها في طفولتي.

لحظتُها، أحسست بأن السوق، بكل ضجيجها وتنوّعها، صمتت للحظة، كأن الذاكرة استعادت نفسها في ورقةٍ صغيرة تقاطعت مساراتها مع غربتي صدفةً... لكن بعمق لا يُشترى.

قطع نادرة مثل آلة تصوير عتيقة (الشرق الأوسط)

قبل أن تذهب...

إذا كنت تُخطط لزيارة «سوق بورتوبيلو»، فاجعل يوم السبت خيارك الأول، إذ تبلغ السوق في هذا اليوم أوج نشاطها وحيويّتها. يُفضّل الوصول قبل الساعة العاشرة صباحاً لتفادي الزحام والاستمتاع بالتجربة في هدوء نسبي. أقرب محطات المترو هي «Notting Hill Gate» و«Ladbroke Grove»، وتقع كلتاهما على بُعد خطوات من قلب السوق. ولا تنسَ ارتداء حذاء مريح، فالمشي هنا رحلة طويلة.