جزيرة «طغاغين»... مغامرة سياحية في صحراء مصر الغربية

اختيار مثالي لراغبي الهدوء بعيداً عن صخب الحياة اليومية

جزيرة طغاغين... سحر المياه والإستجمام  (منتجع طغاغين- إنستغرام)
جزيرة طغاغين... سحر المياه والإستجمام (منتجع طغاغين- إنستغرام)
TT
20

جزيرة «طغاغين»... مغامرة سياحية في صحراء مصر الغربية

جزيرة طغاغين... سحر المياه والإستجمام  (منتجع طغاغين- إنستغرام)
جزيرة طغاغين... سحر المياه والإستجمام (منتجع طغاغين- إنستغرام)

إذا كنت تبحث عن مكان هادئ وبعيد عن صخب المدن المصرية، امضِ إجازتك القادمة في جزيرة «طغاغين».

في هذه الجزيرة الواقعة عند مدخل واحة سيوة (جنوب غربي القاهرة)، ستكون لديك فرصة للاستمتاع بوقتك وسط الطبيعة الساحرة، فضلاً عن استكشاف اختيارات متعددة من النشاطات.

تقع جزيرة «طغاغين» التي تعني «الأحجار» بالأمازيغية على بُعد 13 كيلومتراً من وسط مدينة سيوة، وتتوسط بحيرتها الكبرى بمساحة تصل إلى 38 ألف كيلومتر، لا يصلها بالصحراء سوى طريق واحد، يقطع ماء البحيرة، بطول كيلومترين، لينقل الزوار إلى داخل الجزيرة.

الأكواخ توفرلك إقامة هادئة لاتخلو من الرفاهية (منتجع طغاغين- إنستغرام)
الأكواخ توفرلك إقامة هادئة لاتخلو من الرفاهية (منتجع طغاغين- إنستغرام)

تُعد الجزيرة وجهة لا بد من زيارتها لأولئك الذين يبحثون عن الجمال والهدوء، ففيها تمتزج المناظر الخلابة مع التجارب الثقافية، والمشي لمسافات طويلة، والجولات التاريخية، والمأكولات الرائعة، وبالطبع المياه والرمال.

وكلما بدأت يومك في وقت مبكر، طالت مدته؛ فإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بالمياه الهادئة، وقضاء ساعة أو ساعتين من الهدوء بمفردك، أو الاستمتاع بشروق الشمس، والتواصل مع الحياة، فمن المؤكد أن الأمر يستحق الاستيقاظ قبل الساعة 6 صباحاً.

حين تشعر بالرغبة في الاسترخاء قليلاً، أنصحك باختيار أرجوحة خشبية بجانب الماء، واستمتع بقراءة كتاب جيد، أو تبادل الحديث الرومانسي مع شريكك، إذا كنت قد قررت قضاء شهر العسل هناك.

بالتأكيد لن تفوتك متعة تأمّل سحر بحيرة الماء المالح بالجزيرة، وتكوينات الملح الأبيض الموجودة على حوافها، وسيكون أمامك امتداد من المياه النقية، الذي ينتهي بجبلَيْن حين تغرب الشمس بينهما كل ليلة، تشكل منظراً رائعاً، يساعدك على الإحساس بالهدوء والراحة النفسية الغامرة.

التجديف في المياه النقية واحدة من النشاطات التي يمكن ممارستها عند زيارة الجزيرة (منتجع طغاغين- إنستغرام)
التجديف في المياه النقية واحدة من النشاطات التي يمكن ممارستها عند زيارة الجزيرة (منتجع طغاغين- إنستغرام)

عند اختيار وجهة لقضاء الإجازة، تختار الكثير من العائلات الفنادق الفاخرة وحدها، لكن هل جرّبت أن تنزل مع عائلتك في منتجع يوفّر لك الإقامة في أكواخ فاخرة أيضاً؟

هناك عدة أسباب تجعل العطلة العائلية في كوخ صغير في مكان بعيد خياراً أفضل لقضاء إجازتك، فيما يُعرف بـ«سياحة الأكواخ» التي ازداد انتشارها في مصر مؤخراً، وأصبحت هناك وجهات متعددة لها.

ذلك ما يوفره لك منتجع «طغاغين» بالجزيرة، الذي استلهم البيوت البيئية التي تشتهر بها في إنشاء أكواخ توفر لك كل ما تحتاج إليه عبر وسيلة مثالية للهروب من صخب الحياة اليومية، بل ربما يمنحك قدراً أكبر من الإحساس بالرفاهية، رغم بساطة الحياة داخله؛ لأنك ببساطة ستشعر لأول مرة أن الطبيعة بين يدَيْك، ورهن إشارتك.

يوفر مكان الإقامة الكثير من الخيارات لضمان شعور الضيوف بالاسترخاء، بدءاً من النوافذ الكبيرة المطلة على المناظر الخلابة، والوصول المباشر إلى البحر، ووصولاً إلى الكثير من مسارات المشي لمسافات طويلة، وحمامات السباحة.

استمتع بالاسترخاء في إحدى غرف النوم غير التقليدية، وقم بإعداد وجبات عائلية في المطبخ المجهّز بالكامل، الذي يحتوي أيضاً على ماكينة صنع قهوة إسبرسو وغير ذلك، وللمفاجأة يُسمح في هذه الأكواخ باصطحاب الحيوانات الأليفة؛ حتى تكتمل متعتك.

للحظات من الاسترخاء الخالصة، أو لإراحة عضلاتك المؤلمة، لا تفوّت فرصة الاستحمام في الينابيع الساخنة الطبيعية في سيوة، ومنها «عين كليوباترا»، والمعروفة باسم «عين الشمس». ويتم ملؤه بالمياه الطبيعية من الينابيع الساخنة، وبالطبع ستستمع إلى حكايات مشوّقة متداولة حول هذه العين؛ أبرزها أن «الملكة كليوباترا» زارتها، ونزلت مياهها؛ لذلك عُرفت بهذا الاسم.

شاطيء يمنحك الهدوء والمنظر الخلاب (منتجع طغاغين-إنستغرام)
شاطيء يمنحك الهدوء والمنظر الخلاب (منتجع طغاغين-إنستغرام)

ولا تقل شهرة وأهمية عنها «عين كيغار» التي تشتهر باستخدامها في العلاج الطبيعي، بسبب احتواء مياهها على العناصر المعدنية والكبريتية التي تُستخدم في علاج الصدفية وأمراض الروماتيزم.

وإذا أردت الاستمتاع بالمياه في أثناء تأملك جمال الطبيعة، فسيكون اختيارك الأفضل هو «عين فطناس» التي يحيط بها النخيل من كل جانب.

وما لم يكن لديك مانع أن تبتعد قليلاً، لكن تستمتع بعين كبريتية ساخنة؛ فلا تتردد في التوجه إلى «بئر بحر الرمال الأعظم»، الواقعة على بُعد 10 كيلومترات غرب الواحة.

يعتقد الكثيرون أن «طغاغين» هي مجرد وجهة للاستجمام، لكن ذلك ليس صحيحاً، لا أنكر أنني كنت أعتقد ذلك أيضاً، لكن بعد زيارتها اكتشفت أنها وجهة للسياحة الثقافية أيضاً.

فالجزيرة الواقعة في قلب «سيوة» تتيح لك التعرف على جانب آخر من التاريخ المصري، والمناطق الأثرية التي تسرد لك الكثير من حكاياته.

وجهتك لسياحة الأكواخ في مصر (منتجع طغاغين- إنستغرام)
وجهتك لسياحة الأكواخ في مصر (منتجع طغاغين- إنستغرام)

ومن أشهر المزارات التاريخية بواحة سيوة، هي «قلعة شالي»، وتعني المدينة، ويعود تاريخ تأسيس قرية شالي إلى القرن السادس الهجري، وتتميّز بأسلوب عمارتها الفريد من نوعه؛ إذ إنها مبنية من مادة «الكرشيف»، وهو الطين المشبع بالملح، الذي يصبح مثل الأسمنت في صلابته، حين يجف.

وتبهرك الأسوار والأبواب المنيعة للحصن؛ حيث يحيط بالقلعة سور متين البناء له مدخل يُسمّى «الباب إنشال» بمعنى باب المدينة. ومن الجهة الجنوبية من السور باب سُمي «باب أثرات»، أي «الباب الجديد» كان يُستخدم للاطمئنان لدفاعات المدينة في حال حصارها، وكان يعرفه فقط أهل المدينة للخروج والدخول في هذه الحالة.

بُني باب ثانٍ للذين لم يرغبوا في المرور أمام رؤساء العائلات، وكان يُطلق عليهم «الأجواد»، وبُني باب ثالث للنساء فقط حيث يُمنع الاختلاط.

وستتيح لك زيارة «شالي» التعرف على التراث السيوي الفريد، وفنونها اليدوية؛ لأنك ستجد عند سفح القلعة مجموعة متاجر عتيقة، تبيع منتجات التراث السيوي للزوار.

متعة أخرى يتيحها لك «معبد التنبؤات»، وهو من أشهر الأماكن الأثرية والسياحية الموجودة في واحة سيوة، فبجانب ما يكشفه هذا عن الحضارة المصرية القديمة، فإنك حين تصعد إلى الطابق العلوي، ستتمكّن من مشاهدة مشهد كامل للواحة بجبالها، ومنازلها، ومزارع النخيل التي تحيطها.

ويعرف أيضاً هذا المعبد الذي أنشأه أحمس الثاني باسم «معبد الوحي»، و«معبد آمون»، ويقع فوق هضبة «أغورمي» التي ترتفع 30 متراً عن سطح الأرض؛ لذلك هناك ستستمع بالهواء والطقس اللطيف.

تُعد رحلات السفاري من أبرز الأنشطة التي يمكن القيام بها في «طغاغين»؛ حيث يمكنك استكشاف الصحراء المحيطة، برفقة مرشدين محليين، مما يتيح لك فرصة التفاعل مع الثقافات المختلفة.


مقالات ذات صلة

80 مليار دولار عائدات السياحة في شنغهاي خلال 2024

الاقتصاد متنزهون يلتقطون صوراً تذكارية على ضفة النهر مقابل الحي المالي بمدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

80 مليار دولار عائدات السياحة في شنغهاي خلال 2024

ذكرت السلطات المحلية في الصين، أن بلدية شنغهاي بشرقي البلاد، حققت عائدات سياحية قياسية بلغت 576.1 مليار يوان (نحو 80.3 مليار دولار) في عام 2024.

«الشرق الأوسط» (شنغهاي)
الاقتصاد جزيرة شيبارة أحد مشاريع البحر الأحمر في السعودية (الشرق الأوسط)

تقرير أممي يدعو رواد الأعمال لتوظيف الذكاء الاصطناعي في السياحة

في وقت تعمل الحكومة السعودية على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في قطاعها السياحي، يبرز دور شركات القطاع في مجاراة الخطوات الحكومية.

بندر مسلم (الرياض)
سفر وسياحة من الأماكن السياحية المرتبطة بالرائحة في اليابان (غيتي)

كيف توثق ذكريات رحلتك عن طريق حاسة الشم؟

علاقة السفر بالرائحة الجميلة عميقة ومليئة بالمشاعر والذكريات. الرائحة لديها قدرة مذهلة على استدعاء الذكريات والمشاعر المرتبطة بأماكن وأوقات معينة.

جوسلين إيليا (لندن)
يوميات الشرق تُوفر غرف الفنادق للضيوف بيئات مثالية للحصول على نوم هانئ ليلاً (أرشيفية - رويترز)

نصائح للتغلب على الإرهاق والنوم بشكل أفضل أثناء السفر

قد يواجه بعض الأشخاص صعوبة في النوم، ربما بسبب فارق التوقيت عند السفر عبر مناطق زمنية مختلفة، أو ببساطة بسبب الإقامة في بيئة جديدة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
عالم الاعمال سنغافورة... وجهة سياحية تجمع بين التنوع الثقافي والتجارب المختلفة

سنغافورة... وجهة سياحية تجمع بين التنوع الثقافي والتجارب المختلفة

تمتاز سنغافورة بتعدد ثقافاتها وانسجام أعراقها ودياناتها المختلفة، ما يضفي على المدينة طابعاً فريداً يعكس التنوع الغني في شوارعها وأحيائها.


 مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
TT
20

 مواقع تصوير «بالدم»... مزارات سياحية في «البترون» اللبنانية

خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)
خلال التصوير في أحد بيوت البترون القديمة (الشركة المنتجة)

«وينك يا روميوووو؟ وينك يا جانيت؟ طلّوا علينا»، يصرخ الشاب الواقف تحت شرفة بَطلَي مسلسل «بالدم» في بلدة البترون الشمالية وهو يضحك، آملاً أن يظهر أحدهما ويلوّح له بيده أو يسقي على الأقل الزهور، كما يفعل في العادة. وعماد الذي عبّر لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته وهو يكتشف عن الحي الذي صوِّر فيه المسلسل الشهير، ويتعرّف على بيوت أبطاله، هو واحد من زوار كثر يتدفقون على البلدة، ويتقصّدون البحث عن أماكن باتت جزءاً من سهراتهم التلفزيونية خلال رمضان، وهم يتابعون أحداث «بالدم» المشوّقة.

الحارة الشعبية بمحاذاة المرفأ حيث يبدو دكان المختار مغلقاً (الشرق الأوسط)
الحارة الشعبية بمحاذاة المرفأ حيث يبدو دكان المختار مغلقاً (الشرق الأوسط)

وكما تحوّلت بلدة «دوما» الجبلية في شمال لبنان مزاراً للسياح بعد تصوير فيلم «هلأ لوين» للمخرجة نادين لبكي، صارت البترون البحرية محبَّبة للمتابعين بعد أن اكتشفوا أن مسلسل «بالدم» الذي يحظى بأكبر نسب مشاهدة قد صُوِّر هنا.

اختار المخرج فيليب أسمر موقعين أساسين في البلدة، حصر فيهما تصوير غالبية المشاهد، ممّا يُسهِّل مهمة الفضوليين الذين يأتون، لتتّبع أثر أبطالهم، واقتفاء خطاهم.

الموقع الأول شعبي، على مرفأ البترون، حيث المكان الذي تجلس فيه عدلا (سينتيا كرم) مع دميتها التي استعاضت بها عن ابنها المفقود «غدي»، وهناك نرى القوارب وشباك الصيادين وسلالهم. وعلى مبعدة خطوات، دكان المختار الذي أصبح مغلقاً، وبجانبه بقايا لأحجار وأكياس ومخلفات مهملة. ومقابل الدكان الركن الذي كان يفترش فيه بائع الخضار في المسلسل بضاعته، والممر الذي يؤدي إلى بيت حنين (ماريلين نعمان).

جانب من الحي (الشرق الأوسط)
جانب من الحي (الشرق الأوسط)

لم يعمد فريق التصوير إلى تنظيف المكان أو ترتيبه، أو إزالة أي مخلفات بلاستيكية أو حجرية مرمية على الطريق، قبل التصوير. تقول ريتا التي تسكن هنا: «تركوا كل شيء على ما هو عليه، وفهمنا حين شاهدنا المسلسل، أنهم يريدون الاحتفاظ بالروح الشعبية للحي».

دكان «جانيت» يستعد لأن يصبح مطعماً وقد افتُتحت فيه ورشة بعد انتهاء التصوير (الشرق الأوسط)
دكان «جانيت» يستعد لأن يصبح مطعماً وقد افتُتحت فيه ورشة بعد انتهاء التصوير (الشرق الأوسط)

كان المارة يعبرون غير عابئين، إذ لا شيء يستدعي التوقف هنا، بيد أنهم الآن يأتون باحثين، متشوِّقين لاكتشاف التفاصيل، ويتبادلون فيما بينهم الأحاديث عن المشاهد التي لا تزال عالقة في أذهانهم. ويحوز دكان المختار اهتمام الزوار، الذين يُصرُّون على النظر إلى داخله عبر الزجاج المغلق، ليكتشفوا أنه أُفرغ من أثاثه بالكامل بعد التصوير.

بائعة إكسسوارات حرفية، تفرش بسطتها قريباً من دكان المختار، أخبرتنا أنها كانت هنا طوال فترة التصوير، وأن فريق العمل كان حريصاً على أن يبقى كل شيء على حاله، وألا يتسبَّب بأي إزعاج للأهالي. وشرحت البائعة الشابة التي لم ترد ذكر اسمها: «عرضت عليهم أن أُخلي مكاني، لكنهم رفضوا». مؤكدةً أنهم كانوا فقط يغلقون الطريق لفترة وجيزة، لحظات التصوير، ومن ثَم يعود كل شيء إلى حاله». وتشرح أن العمل انتهى من مدة قصيرة جداً، وتُثني على الممثلين الذين صوَّروا مشاهدهم في البرد القارس وتحت المطر. بل كانوا يُنهون عملهم بسرعة، وينتقلون إلى طرابلس، لتصوير أحداث الملهى الليلي هناك.

منزل حماة غالية «فدوى» بشرفته الجميلة (الشرق الأوسط)
منزل حماة غالية «فدوى» بشرفته الجميلة (الشرق الأوسط)

وحين نسألها عن باقي الأماكن التي تم التصوير فيها، تقول: «عدة خطوات إلى الأمام وتجدون بيت الدكتورة آسيا، والدَّرج الذي يتكرَّر مشهد نزولها منه وصعودها إلى بيتها».

هذه المنطقة الشعبية الجميلة على مرفأ البترون فيها مطاعم السَّمك وفنادق استُخدم جانب صغير منها ببراعة مدهشة. ولم يحتج المخرج، الذي له عين ثاقبة، إلا إلى بعض الإضافات القليلة ليحوِّل مساحة صغيرة جداً على البحر، إلى عالم، ومكان مثاليين لتصوير أحداث قصته.

وبينما نتحدث مع البائعة، وقد انضم ابنها إلينا، تمرُّ بقربنا البجعة سوسن التي تظهر في المسلسل كإحدى شخصياته اللافتة. ومن الطريف «أن هذه البجعة تعيش في البترون. وأحبَّ فريق العمل إضافتها إلى المسلسل»، حسب البائعة. هي من الطيور التي تعبر سماء البلدة، وصادف أن كانت جريحة، فاهتمّ بها أهل الحي وطبَّبوها وأطعموها، وصاروا يقصُّون ريشها لتبقى معهم. وبعد ذلك، نبت ريشها واستعادت حريتها، فطارت بيد أنها عادت، ولا تريد المغادرة. وهي دائمة التجوال على المرفأ. وقد أصبح الزوار يعرفونها ويبحثون عنها، لأنها الأثر الحي الوحيد من المسلسل الذي يمكن التقاط الصور معه.

مرفأ البترون ومراكب الصيادين التي كانت ضمن مشاهد المسلسل (الشرق الأوسط)
مرفأ البترون ومراكب الصيادين التي كانت ضمن مشاهد المسلسل (الشرق الأوسط)

البترون بلدة تمارس غوايتها على السياح خصوصاً في فصل الصيف، حيث يرتادون شواطئها ومقاهيها. وتحوَّلت في السنوات الأخيرة إلى وجهة لا تُفوَّت بعد بيروت. وأتى تصوير «بالدم»، مع القسط الذي ناله من النجاح، ليشكِّل حافزاً إضافياً لزيارة البلدة. لكن أهالي البترون لا يهتمون، ويعدُّونها مسألة عابرة. «هي فورة، تنتهي بانتهاء عرض المسلسل، ليعود كل شيء إلى حاله»، تقول صاحبة أحد المقاهي.

الأمر قد لا يكون كذلك. فموقع التصوير الثاني الذي اختير للمسلسل هو بقرب بيت المغترب، الذي أُنجز في البترون على النَّمط الهندسي العتيق وصار تجمعاً سياحياً مهماً، ومركزاً لأنشطة على مدار العام.

مقابل مدخل بيت المغترب، نكتشف البيت الجميل ببوابته الحديدية وأدراجه الأنيقة الذي تسكنه غالية (ماغي غصن)، مع زوجها (بديع أبو شقرا) وابنتيها.

الدَّرَج الشهير المؤدي إلى بيت «الدكتورة آسيا» (الشرق الأوسط)
الدَّرَج الشهير المؤدي إلى بيت «الدكتورة آسيا» (الشرق الأوسط)

وفي حين يحيط الزوار في المنزل ويصوِّرون جوانبه، وصل أحد سكان البيت الأصليين وتسلَّل من البوابة وصعد الدرج، كأنه يذكِّرنا أن التصوير قد انتهى، والممثلون قد غادروا، وعلينا أن ننصرف. حقاً يختلط العام بالخاص، والتمثيل بالواقع في البترون، ومنازل السكان بديكورات التصوير.

خطوات من بيت غالية، يوجد منزل والدها روميو (رفيق علي أحمد) ووالدتها جانيت (جوليا قصّار) بشرفتها البيضاء. وتحتها دكان جانيت الذي أصبح فارغاً هو الآخر، وثمَّة ورشة في داخله استعداداً لتحويله إلى مطعم. ملاصق له بيت حماة غالية، فدوى (نوال كامل) وفي الطابق الأرضي منه حيث يسكن ابنها وليد (باسم مغنية) مع زوجته ليان (رولا بقسماتي).

رفيق علي أحمد وجوليا قصّار في موقع التصوير (الشركة المنتجة)
رفيق علي أحمد وجوليا قصّار في موقع التصوير (الشركة المنتجة)

تنتبه وأنت تتجوَّل، كم أن البترون هي بالفعل استوديو طبيعي للتصوير. يكفي أن يأتي مخرج ويختار الموقع ويفتح كاميرته ليسجِّل مشاهد ساحرة. كل شيء جاهز، من المعمار التقليدي القديم بقناطره ونوافذه الخشبية وأبوابه الحديدية، إلى الأزقة المزدانة بالأشجار والشرفات العابقة بالزهور، إلى شاطئ البحر بمداه الأزرق. وقد أدرك المخرج الفذ فيليب أسمر، وهو يطوِّع «الاسكريبت» العبقري للكاتبة نادين جابر، أن المكان بسحره، قادر على أن يمنحه مفاتيح الصورة وجماليتها. هكذا بدل أن يُسقِط ما يريد على المشاهد، ترك البترون تُغْني المسلسل بما فيها من عفوية، وألوان، وأسلوب عيش، وبهاء.