على بعد نحو ساعة ونصف ساعة جنوبي العاصمة الجيبوتية، تقع بحيرة «عسل» التي تمتد على شكل طبقات عملاقة من الملح، وكأنها سجادة بيضاء نقية من الذهب الأبيض، على مساحة 65 كيلومتراً مربعاً، تحيطها الجبال بألوان أخاذة، وتداعبها أمواج فيروزية زرقاء.
وجاءت تسمية البحيرة بـ«عسل» من كلمة «عسبو» باللغة العفرية، وتعني الملح. كما أطلق عليها المصريون القدامى في عهد الملكة حتشبسوت: «أرض الآلهة» أو «بحيرة آبي».
في أجواء غائمة تتخللها نسمات باردة، انطلقنا بعد الظهيرة من العاصمة جيبوتي لزيارة بحيرة «عسل»، من أشهر المعالم السياحية في جيبوتي. ورافقنا في الرحلة سائق السيارة ذات الدفع الرباعي، آدم (48 عاماً) الذي يعمل في نقل السياح منذ أكثر من 20 عاماً، وهو من القومية العفرية.
في الطريق مررنا بعشرات القرى الصغيرة المتناثرة على جانبي الطريق التي تربط جيبوتي بإثيوبيا، وكانت شاحنات البضائع التي تنطلق من المواني الجيبوتية باتجاه أديس أبابا تأخذ حيزاً كبيراً من الطريق التي شيدتها المملكة العربية السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله.
تعد بحيرة «عسل» ثاني أكثر مكان في العالم انخفاضاً؛ حيث تقع على مستوى 153 متراً تحت سطح البحر، وتحتوي على أعلى معدل ملوحة بنحو 348 غراماً لكل لتر.
قبيل الوصول للبحيرة، مررنا بخليج تاجوراء الذي يعد من أهم السواحل الجيبوتية، وكان لافتاً انتشار أكثر من 12 مروحة عملاقة لإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، في الجبال المطلة على الخليج، ويأتي ذلك في إطار خطط حكومية لاستخدام الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء، وفقاً لمسؤولين جيبوتيين.
كان المنظر مذهلاً عند مشاهدة بحيرة «عسل» من المرتفعات المطلة عليها؛ حيث امتزجت المياه الخضراء الباهتة مع بياض الملح الأبيض وكأنها حبيبات كريستالية، امتزج ذلك بالسماء الزرقاء المشمسة.
وبالقرب من مصنع الملح الوحيد بجانب بحيرة «عسل» صادفنا مرور قافلة من الجمال المحملة بأكياس الملح الذي يستخرج من البحيرة، في طريقها نحو المناطق الداخلية بجيبوتي، حسب أهالي المنطقة.
تعد بحيرة «عسل» واحدة من المناطق المعروفة حول العالم، حسب عثمان عبد محمد، المدير العام للمكتب الوطني للسياحة في جيبوتي. وأكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك سياحاً كثيرين يأتون إليها من جميع أنحاء العالم».
وأيضاً: «نعمل حالياً على تطوير هذه المنطقة ضمن استراتيجية السياحة الوطنية».
وفي حديث عن القطاع السياحي في البلاد، كشف عثمان عن أن جيبوتي تستقبل سنوياً أكثر من 130 ألف سائح حالياً، لافتاً إلى خطط كبيرة لإنشاء وتحديث البنية التحتية السياحية في مختلف أنحاء البلاد. وقال: «خفضنا رسوم التأشيرات من 80 دولاراً إلى 20 دولاراً».
وأضاف: «هنالك فرص استثمارية واسعة، هناك كثير من المشاريع القائمة؛ خصوصاً في المناطق الداخلية والعاصمة. في عام 2018 وضعت الحكومة رؤية استراتيجية لتعزيز السياحة في جيبوتي. وانطلاقاً من هذه الفكرة وقرار الرئيس نقوم بجهود جبارة لتعزيز السياحة».
وأفاد المدير العام للمكتب الوطني للسياحة في جيبوتي، بأن العمل جارٍ حالياً لإنشاء مطار سياحي في منطقة بعدلي، وتابع: «كذلك منطقة سيان والمناطق الشمالية عامة تزخر بأماكن سياحية واعدة، وهناك مشروع سياحي قيد الإنشاء عبر شركات صينية، يتضمن إنشاء مطار، ومنطقة بحرية، وطرق تجارية، ومنتجعات سياحية».
وحث السيد عثمان محمد المستثمرين على القدوم إلى بلاده، متعهداً بتقديم كافة التسهيلات في المجال السياحي، وأضاف: «جيبوتي لا تزال أرضاً بكراً، وتزخر بكثير من الفرص. ندعوكم للقدوم واستكشافها».