بورسعيد... أوروبا مصغرة في مصر

مدينة تجمع ما بين التراث والحياة العصرية

بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
TT

بورسعيد... أوروبا مصغرة في مصر

بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)
بورسعيد مدينة تنبض بالحياة (تصوير محمد كمال)

يتجاور التاريخ والتراث جنباً إلى جنب مع الحداثة والثقافة والمأكولات البحرية وتنوع وصخب الحياة العصرية في هذه المدينة التي تأتي ضمن قائمة أفضل وجهات السياحة المصرية.

بورسعيد، المدينة الساحلية الواقعة شمال شرقي مصر، هي «كنز دفين» من الأسرار المثيرة، ووجهة مفضّلة للمسافرين الباحثين عن الاسترخاء والتسوق ومطاعم المأكولات البحرية؛ فضلاً عن الحِرف اليدوية المحلية، لذلك فهي من المدن المُفضلة لدى عديد من الزوار من مختلف أنحاء مصر ومن خارجها.

طراز معماري مميز (تصوير محمد كمال)

يرتبط اسمها بالخديو سعيد، ويتعلق تاريخها ببدء حفر قناة السويس؛ فاسم بورسعيد هو اسم مركب من كلمة «بورت (PORT)» ومعناها «ميناء»، وكلمة «سعيد» نسبة إلى والي مصر الخديو سعيد، الذي بدأ العمل على إنشائها في 25 أبريل (نيسان) 1859، عندما أعلن فرديناند ديلسبس بدء حفر قناة السويس.

جبال الملح ببورسعيد (تصوير محمد ورداني)

السير في شوارع بعض المدن هو في حد ذاته متعة حقيقية، وتجربة قد لا ينساها الزائر لها، وبورسعيد واحدة من هذه المدن؛ فحين تتجول في شوارعها يبهرك تراثها المعماري الذي يغلب عليه الطابع الأوروبي المُطعم بالروح المصرية؛ إذ تشتهر بثروتها من التراث العمراني، وتنوع مبانيها ذات الطرز المميزة، ويكفي أن تزور «الحي الإفرنجي»، الذي أطلق عليه هذا الاسم؛ لأن معظم سكانه كانوا أجانب، تنوعت جنسياتهم ما بين إنجليز وفرنسيين وإيطاليين ويونانيين، حتى تستشعر خصوصية الهوية المعمارية للمدينة.

روعة تصميم السلالم والجدران الداخلية المصنوعة من الأخشاب (تصوير محمد كمال)

ستشعر كما لو أن بيوتها العتيقة تحتضنك وتدعوك أن تتزود بنفحات من التراث والأصالة والدفء الإنساني، فضلاً عن امتزاج الثقافات، خصوصاً البيوت الخشب التي قد لا يوجد مثيل لها في مصر... وستقف طويلاً تتأمل البلكونات المصنوعة من الخشب، التي تشبه العلب الخشبية، وسيجذبك منظر «الأركيز»، أو البواكي العربي و«البلكونيز» المطلة على الأروقة، والمباني التي تميزها الأعمدة العريضة المبنية من الطوب والأسقف الخشبية التي تحافظ على التهوية والرطوبة بداخلها، وإذا رافقك أحد السكان داخل إحدى البنايات السكنية فستنبهر بروعة تصميم السلالم والجدران الداخلية المصنوعة بالكامل من الأخشاب، الذي يمثل جزءاً أساسياً من الذاكرة البصرية للمدينة.

«فنار بورسعيد» واحد من أهم المعالم السياحية والأثرية في المدينة، وهو أيضاً نموذج فريد لتطور عمارة القرن التاسع عشر، إذا أردت معرفة المزيد عنه عليك عدم مغادرة «الحي الإفرنجي» قبل زيارته، وستقف في هذه اللحظة أمام أول منارة بنيت بالخرسانة المسلحة في العالم، في الحي نفسه سيبهرك أيضاً التصميم المعماري لـ«فيلا أوجيني» أو كما يُعرف بمبنى القنصلية الفرنسية، تأمل البلاطات الخزفية التي تعلو مدخلها، واستمتع بروعة الزخارف النباتية التي تجسد «زهرة القرنفل»، لكن ليس ذلك فقط ما يميز الفيلا، إنما الحكايات المرتبطة بقاطنيها أيضاً، والتي سيرويها لك أهل المدينة والمرشدون السياحيون، ومنها حكاية «راهبات الخير» في أثناء عدوان 1956، كما ستستمع إلى حكاية زيارة الإمبراطورة أوجيني للقنصلية في أثناء حضورها حفل افتتاح القناة ببورسعيد.

شاطيء بورسعيد (الموقع الرسمي للمحافظة )

لا تتوقف الخصوصية في بورسعيد عند هذا الحد، ذلك أن المدينة تُعد ملتقى حقيقياً لثنائية المكان والتاريخ معاً؛ فهي تزخر بمبانٍ ومعالم تروي كثيراً من صفحات الماضي، والتراث الأصيل؛ وهو ما يلمسه السائح عند زيارتها، وفي السياق ذاته أنصحك بزيارة أماكن عدة فيها، مثل «البيت الإيطالي» الذي سيكشف لك جانباً من أسرار الحرب العالمية الثانية في مصر، وكذلك مبنى «فيلا ديليسبس» المبنية على الطراز الفرنسي، التي تشبه في تصميمها الكنائس الأوروبية، بطراز معماري يكاد يكون قد اختفى من معظم دول العالم ولا يوجد في وقتنا الحالي سوى في فرنسا وبورسعيد فقط، أضف إلى ذلك فيلا «هيئة قناة السويس»، و«بيت أفتيم»، وغير ذلك.

«المسجد العباسي» هو مزار آخر لا يمكن أن يفوتك في هذه الرحلة؛ فهو أيقونة الآثار الإسلامية والعمارة الدينية بالمحافظة. يتمتع بطراز معماري مميز، يقع في «حي العرب»، ذلك المكان الذي حفظ ذاكرة بورسعيد ونضال شعبها.

جبال الملح ببورسعيد (تصوير محمد ورداني)

«مراقبة وتصوير الطيور»، واحد من أهم النشاطات التي يمكنك ممارستها في «بورسعيد» التي تحوّلت خلال السنوات القليلة الماضية إلى وجهة لمحبي هذا النشاط؛ حيث يمكن للسائح الاستمتاع بمنظر الطيور المختلفة وهي تزين المدينة، لا سيما في شواطئها الممتدة، وكأنها تشارك سكانها الترحيب بالزائرين، ومن أشهرها الفلامنغو، والبجع والطيور الخواضات، والبلشونات، والزرزور، والسمان، والنوارس، واللقالق وغيرها.

لذلك دشّنت المدينة مهرجاناً سنوياً دولياً لذلك، يقول محمد أبو الدهب، نائب مدير مكتب هيئة تنشيط السياحة ببورسعيد لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحت مراقبة الطيور واحداً من أهم أنواع السياحة في العالم، ولذلك اتجهت المدينة إلى استهداف هذا النمط السياحي؛ ذلك أنها تتمتع بـ3 محطات رئيسية لاستقبال الطيور المهاجرة، وهي بحيرة المنزلة، ومحمية أشتوم الجميل، إضافة إلى بحيرة الملاحات شرق بورسعيد».

مراقبة وتصوير الطيور من النشاطات الترفيهية التي يمكن ممارستها في المدينة (هيئة تنشيط السياحة)

وتعد بورسعيد عاصمة «الإسكيت» في مصر بحسب أبو الدهب؛ لذلك هي أيضاً مقصد مثالي لمحبي هذه الرياضة، وستكون سعيد الحظ لو سافرت إليها في أثناء إقامة «رالي الإسكيت الحر» الذي تنظمه المدينة سنوياً في «طرح البحر»، ذلك الشارع الحيوي المتمتع بإطلالة رائعة على المعالم السياحية، ويتم تخصيصه بالكامل للرالي، ليضم مختلف أنواع الإسكيت مثل «الإسكيت بورد» و«اللونغ بورد» و«البيني»، إضافةً إلى «الرول إسكيت».

من أكثر النشاطات الترفيهية التي يمكنك ممارستها كذلك عند زيارة بورسعيد التزحلق على جبال الملاحات ببور فؤاد، التي من السهل الوصول إليها عبر ركوب المعدية المجانية عبر قناة السويس، هناك ستقضي لحظات من المرح والبهجة وأنت تحاكي مشاهد الثلوج والأجواء الشتوية الأوروبية بأقل تكلفة؛ فجبال الملح بلونها الأبيض الناصع هناك تستدعي من الذاكرة الجبال التي تكسوها الثلج في أوروبا، لكنها تمنحك الهدوء بعد سحب الطاقة السلبية من جسدك، وفق محمد ورداني وهو أحد المصورين الشباب الذي كان سبباً في الترويج السياحي للجبال؛ بعد التقاط صور مبهجة عدة لها.

بورسعيد عاصمة الإسكيت في مصر (هيئة تنشيط السياحة بالمحافظة)

على الكورنيش حتماً ستصلك نغمات «غني يا سمسمية» وغيرها من الأغاني المرتبطة بهذه الآلة المصرية الموسيقية المقبلة من عمق التراث المصري، ولن تستطيع بسهولة مقاومة بهجة البائعين وهم يرقصون على نغمات السمسمية؛ فستجد نفسك تشاركهم الرقص، بينما تصل إليك بسلاسة رائحة البحر التي تفوح من الأسماك المعروضة داخل السوق، التي تأتي من البحر في الساعات الأولى من نهار كل يوم، لتدفعك إلى التوجه إلى أحد مطاعم الأسماك التي تشتهر بها بورسعيد؛ لتتذوق أكلات البكلويز أو المدفونة، وستندهش لتعدد طرق طهي الجمبري ما بين الكفتة والكبيبة والبيترفلاي، أما السيبيا فتستطيع تناولها محشية وطاجن ومقلية أيضاً، وإذا أردت أن تتناول حلوى محلية بعد الاستمتاع بالأكلات البحرية اسأل عن السمنية والمنجأونة والتمرية.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
TT

ما أجمل المباني السياحية في بريطانيا؟

«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)
«قصر باكنغهام»... (إنستغرام)

أجرى باحثون استطلاعاً للرأي على مستوى البلاد لاكتشاف أجمل المباني وأبرزها في جميع أنحاء المملكة المتحدة، حيث جاء كل من: «كاتدرائية القديس بول» (بنسبة 21 في المائة)، و«كاتدرائية يورك» (بنسبة 18 في المائة)، و«دير وستمنستر آبي» (بنسبة 16 في المائة)، و«قصر وارويك» (بنسبة 13 في المائة)، جميعها ضمن القائمة النهائية.

مع ذلك جاء «قصر باكنغهام» في المركز الأول، حيث حصل على 24 في المائة من الأصوات. ويمكن تتبع أصوله، التي تعود إلى عام 1703، عندما كان مسكناً لدوق باكنغهام، وكان يُشار إليه باسم «باكنغهام هاوس».

وفي عام 1837، أصبح القصر البارز المقر الرسمي لحاكم المملكة المتحدة في لندن، وهو اليوم المقر الإداري للملك، ويجذب أكثر من مليون زائر سنوياً.

يحب واحد من كل عشرة (10 في المائة) زيارة مبنى «ذا شارد» في لندن، الذي بُني في عام 2009، بينما يرى 10 في المائة آخرون أن المناطق البيئية لمشروع «إيدن» (10 في المائة) تمثل إضافة رائعة لأفق مقاطعة كورنوول.

برج «بلاكبول» شمال انجلترا (إنستغرام)

كذلك تتضمن القائمة «جناح برايتون الملكي» (9 في المائة)، الذي بُني عام 1787 على طراز المعمار الهندي الـ«ساراكينوسي»، إلى جانب «ذا رويال كريسنت» (الهلال الملكي) بمدينة باث (9 في المائة)، الذي يضم صفاً من 30 منزلاً مرتبة على شكل هلال كامل، وبرج «بلاكبول» الشهير (7 في المائة)، الذي يستقبل أكثر من 650 ألف زائر سنوياً، وقلعة «كارنارفون» (7 في المائة)، التي شيدها إدوارد الأول عام 1283.

وتجمع القائمة التي تضم 30 مبنى، والتي أعدتها مجموعة الفنادق الرائدة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند»، بين التصاميم الحديثة والتاريخية، ومنها محطة «كينغ كروس ستيشن»، التي جُددت وطُورت بين عامي 2006 و2013، وساحة «غريت كورت» المغطاة التي جُددت مؤخراً داخل المتحف البريطاني، جنباً إلى جنب مع قلعة «هايكلير» في مقاطعة هامبشاير، التي ذاع صيتها بفضل مسلسل «داونتون آبي».

ليس من المستغرب أن يتفق ثلثا المستطلعة آراؤهم (67 في المائة) على أن المملكة المتحدة لديها بعض أجمل المباني في العالم، حيث يعترف 71 في المائة بأنهم أحياناً ما ينسون جمال البلاد.

ويعتقد 6 من كل 10 (60 في المائة) أن هناك كثيراً من الأماكن الجديرة بالزيارة والمناظر الجديرة بالمشاهدة في المملكة المتحدة، بما في ذلك المناظر الخلابة (46 في المائة)، والتراث المذهل والتاريخ الرائع (33 في المائة).

«ذا رويال كريسنت» في مدينة باث (إنستغرام)

وقالت سوزان كانون، مديرة التسويق في شركة «ليوناردو هوتلز يو كي آند آيرلاند» البريطانية، التي أعدت الدراسة: «من الواضح أن المملكة المتحدة تضم كثيراً من المباني الرائعة؛ سواء الجديدة والقديمة. ومن الرائع أن يعدّها كثير من البريطانيين أماكن جميلة لقضاء الإجازات في الداخل. بالنسبة إلى أولئك الذين يخططون للاستمتاع بإجازة داخل البلاد، فلن تكون هناك حاجة إلى كثير من البحث، حيث تنتشر فنادقنا الـ49 في جميع أنحاء المملكة المتحدة بمواقع مثالية في مراكز المدن، وعلى مسافة قريبة من بعض المباني المفضلة لدى البريطانيين والمعالم الشهيرة البارزة، مما يجعلها المكان المثالي للذين يبحثون عن تجربة لا تُنسى حقاً. ويمكن للضيوف أيضاً توفير 15 في المائة من النفقات عند تمديد إقامتهم لثلاثة أيام أو أكثر حتى يوليو (تموز) 2025».

مبنى «ذا شارد» شرق لندن (إنستغرام)

كذلك كشف الاستطلاع عن أن «أكثر من نصفنا (65 في المائة) يخططون لقضاء إجازة داخل المملكة المتحدة خلال العام الحالي، حيث يقضي المواطن البريطاني العادي 4 إجازات في المملكة المتحدة، و74 في المائة يقضون مزيداً من الإجازات في بريطانيا حالياً مقارنة بعددهم منذ 3 سنوات.

وأفاد أكثر من الثلث (35 في المائة) بأنهم «يحبون استكشاف شواطئنا الجميلة، حيث إن التنقل فيها أسهل (34 في المائة)، وأرخص (32 في المائة)، وأقل إجهاداً (30 في المائة)».

بشكل عام، يرى 56 في المائة من المشاركين أن البقاء في المملكة المتحدة أسهل من السفر إلى خارج البلاد.