«إسكندر للضيافة» أنجبه الحبّ بجوار بحر أنفة وملاحاتها

غرفه عمرها قرنان... وتحتضنه جوهرتان تؤكدان الخصوصية

ملّاحات أنفة والجبل على هيئة طاولة (إسكندر للضيافة)
ملّاحات أنفة والجبل على هيئة طاولة (إسكندر للضيافة)
TT

«إسكندر للضيافة» أنجبه الحبّ بجوار بحر أنفة وملاحاتها

ملّاحات أنفة والجبل على هيئة طاولة (إسكندر للضيافة)
ملّاحات أنفة والجبل على هيئة طاولة (إسكندر للضيافة)

الأفكار المولودة من الحنين وشغف التجذُّر، تتيح للنتائج لفتَ الأنظار. «إسكندر للضيافة»، في بلدة أنفة بقضاء الكورة شمال لبنان، مما شُيِّد ليروي حكايته.

نشأ مؤسِّسه جراح العظم إسكندر نعمة خارج مسقطه العائم على البحر، للدراسة بين فرنسا وأميركا. سكنُه في بيروت بعد العودة، شرَّع الجرح. ظلَّ يشعر بأنّ الأشياء لا تكتمل والمرء بعيد عن مكانه الأول. أراد العودة إلى حيث الأمواج جارته ورائحة الملح ضيفته اليومية. أنفة الشهيرة بالملّاحات لم تكفَّ عن ندائه. استجاب؛ بدايةً في عطل نهاية الأسبوع، قبل أن يجرّه الحب إلى البقاء الراسخ.

أحبَّ الرجل زوجته الصحافية رلى معوّض التي تُخبر «الشرق الأوسط» القصة، فشاء إهداءها غرفة مطلّة على بحر أنفة، تتيح إلهام الكتابة. رغب في استحداث مكتب على مقربة من «فقش» الموج، فبدأت الحكاية.

ملّاحات أنفة والجبل على هيئة طاولة (إسكندر للضيافة)

رُمِّمت غرفة يبلغ عمرها 200 عام، تحمل تصميم الهندسة العثمانية. عنها تقول: «واسعة جداً، سقفها عالٍ، ومطلّة على البحر. تُزيّنها القناطر. سمّيتُها (بيت الستّ)».

في تلك الأثناء، بدأ تشييد ما عُرِف بـ«تحت الريح». اتّخذ ذلك الحيّز الملاصق للبحر لقب «أنفوريني»، لجَمْعه بين خصوصية أنفة وطابع جزيرة سانتوريني اليونانية الشهيرة. تُكمل: «بلغ أهالي بيروت وجبيل والمدن الأخرى، ما يجري في أنفة. كَثُرَ الآتون لتمضية أوقات لطيفة على البحر، فتساءلوا عن مكان للاستراحة الليلية. وجدنا أنّ فكرة بيت الضيافة مرغوبة».

الأزرق مع الأبيض يمنحان الصفاء الخالص (إسكندر للضيافة)

بجوار الغرفة الأثرية، مبنى يعود إلى سبعينات القرن الماضي، عشوائيّ الهندسة. حين اشتراه الزوجان نعمة ومعوّض، أرادا لبيت الضيافة طابعَيْن، أثرياً وعصرياً: «ذلك يُشبه الشعب اللبناني، لتمسّكه بالعصرنة الأميركية والأوروبية، وفي آن واحد، حنينه للعودة إلى القرى». ضمَّ المبنى الأبيض العصري الذي لُوِّنت شرفته بالنيلي، 5 غرف: «أردنا إتاحة الإحساس بالمحيط، فيشعر الزوّار بزرقة السماء وتمايل الموج. رائع أن نكون أولاد الطبيعة. يطغى الأزرق لأننا جزء من امتداد البحر المهيب إلى ما وراء الأفق».

يراعي «إسكندر للضيافة» المعايير البيئية والمعمارية، ويحافظ على الآثار. بالنسبة إلى أصحابه، «الهدف ليس الربح. نبحث عن الجمال في بلد نؤمن به. لم تُبعِدنا الحروب عن لبنان، فأردنا من الغرف السبع ترجمة هذا التعلُّق: 5 عصرية وغرفتان أثريتان».

تُشبه مقدّمة الغرف العصرية، الباخرة، من جهتها الأمامية، وفق تصميم المهندس أنطوان لحود الذي جمعته بـ«الأونيسكو» مشاريع، وينذر جهده للمحافظة على التراث. وبينما تخضع الغرفة القديمة لتعديلات طفيفة، اكتُشفت تحتها آثار فينيقية ورومانية. تقول معوّض: «حينها، فكّرنا في أنّ تحويلها إلى غرفة للإيجار لن يفيد إلا المستأجِر. مددنا لوح زجاج شفافاً على الأرض، وأبقينا الآثار ظاهرةً تحته. أردناها صالوناً أدبياً مصغّراً، أو معرضاً فنياً، أو حيّزاً لإقامة محاضرات وحفلات غنائية، وحتى ممارسة اليوغا على الأسطح».

يقع «إسكندر للضيافة» بين ما تسمّيه جوهرتَيْن: القلعة الفينيقية من اليمين، ورأس أنفة وفي أسفله «تحت الريح». اتّخذت هذه البقعة الجغرافية لقبَها من قدرتها على صدّ ريح البحر الهدّارة المُتسبِّبة بصدأ الأشياء. هناك، يُروَّض الهواء مهما هبَّ في مكان آخر. تشكر معوّض جامعة البلمند لمبادرة الاهتمام بهذه الآثار، قبل الحديث عن الجوهرة الثانية: «جبل سيدة النورية الشبيه بجبل الطاولة في جنوب أفريقيا. المكان مُحاط بالكنائس، منها الأقدم في الشرق الأوسط؛ بمنمنماتها ورسومها وموزاييكها المذهلة».

اللوحات على الجدران العتيقة (إسكندر للضيافة)

لم يُطلَق «إسكندر» على بيت الضيافة فقط لأنه اسم مالكه: «طالت النقاشات، بحثاً عن اسم متوسطي يجمع الحضارة بالبحر. جميلة الأسماء الفرنسية والإسبانية، إنما لا تشبه فكرة الانتماء إلى الجذور. كان السؤال: (ليش مش إسكندر؟)، وبعد نقاش، اعتُمِد، لدلالته إلى الموج وهو يعبُر من بحرنا إلى ما وراء المتوسط».

القناطر تمنح المكان إحساساً بالجذور (إسكندر للضيافة)

من مزحة، حملت الغرفتان الأثريتان تسميتيهما: «الأولى (بيت الستّ) لافتراض أنها غرفتي المخصّصة للكتابة. ولما كان من غير المنصف أن تحظى (الستّ) بغرفة ويُهمَّش الرجل، أطلقنا (دار الخواجة) على الأخرى!». هدف بيت الضيافة التلاقي: «بينما يتناول الضيوف الفطور البلدي، مع القربان المشهور في الكنائس الأرثوذكسية، والزيتون ملك المائدة، تُطرَح أفكار ويدور البحث حولها».

المكان يجمع الطابعَيْن الأثري والعصري (إسكندر للضيافة)

يلحظ مَن يتجوّل في «إسكندر للضيافة»، اللوحات على الجدران و«الأنتيكا» في الزوايا. فالكنبات تحمل عطر الماضي، والتلفزيون المُعلَّب والمذياع القديم يُزيّنان الدار. أجواء السبعينات والثمانينات تعبق في المكان، والرسوم تحاكي محيطها، فيشعر الزائر بأنه يقيم في سفينة، وما إنْ يفتح عيناه ويزيح الستارة عن النافذة، تملأه روح البحر بتدرّجات الأزرق وطاقة الشمس قاهرة الظلمات.

ذلك كلّه يجعل من «إسكندر» تجربة حيّة بعد يوم يمضيه الزائر متأملاً في سيدة النورية بأعلى الجبل وهي تبارك السياحة الدينية، وبملّاحات أنفة الأيقونية، مع نشاطات تشمل موسم قطاف الزيتون، والسباحة، و«الهايكينغ»...

التلفزيون المُعلَّب جزء من رائحة الماضي (إسكندر للضيافة)

ترحّب لوحة لأستاذة فن التصوير الفوتوغرافي رانيا معوّض، تمثّل «شختورة» ملوّنة تُذكّر بالطفولة على البحر، وأخرى تمثّل موجتين تتعانقان للمصوّر الفوتوغرافي بول زغيب؛ بالضيوف. وتُعلَّق لوحة لـ«غرندايزر» تبدو غريبة عن محيطها، لكنها تختزل إرادة صمود المتمسّكين بتراب لبنان.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
TT

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

وسط مسعى السعودية لتنمية مدنها والارتقاء بمعايير جودة الحياة العصرية وتوسيع نطاق العروض السياحية، أبرم عدد من الجهات في القطاعين الخاص والحكومي اتفاقيات بارزة مؤخّراً في هذا الإطار، وشهد معرض «سيتي سكيب» العالمي في الرياض توقيع عدد من هذه الاتفاقيات.

وبهدف تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية، أعلنت «أسفار»، الشركة السعودية للاستثمار السياحي، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن توقيع مذكرة تفاهم مع «وزارة البلديات والإسكان»، ووفقاً للمسؤولين، سيوفّر هذا التعاون الاستراتيجي فرصاً ترفيهية وثقافية ورياضية جديدة في الأماكن العامة غير المستغلة، ما يسهم في نمو قطاع السياحة في البلاد.

تعزيز الثقافة المحلية والجمال الطبيعي للمناطق

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية من خلال استثمارات استراتيجية تعزز الثقافة المحلية، وتبرز الجمال الطبيعي الفريد لكل منطقة». وأضاف أن هذه المبادرات «تمثِّل خطوة مهمة في رحلتنا المستمرة نحو بناء شراكات قوية وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة السياحة في السعودية».

جانب من التوقيع بين «وزارة البلديات والإسكان» و«أسفار» إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي. (الشرق الأوسط)

وبحسب ابن مشيط، تتطلّع «أسفار» إلى تعزيز علاقتها مع البلديات وهيئات تطوير المناطق التي تستثمر فيها لتحقيق مهمتها، كاشفاً عن التزام بـ«ترسيخ مكانة السعودية على خريطة السياحة العالمية، وأن نكون جسراً نحو نمو مستدام يحقق قيمة طويلة الأمد للمجتمعات السعودية عبر كافة مناطق السعودية وإثراء تجارب الزوار».

تحويل المساحات إلى وجهات حيوية

وعلمت «الشرق الأوسط» أن التعاون الاستراتيجي يستهدف أيضاً تحويل المساحات غير المستغلة إلى وجهات مجتمعية حيوية، ما يساعد في تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر، وذلك تماشياً مع مشروع «بهجة» المبادرة الوطنية للوزارة، بهدف تنمية المدن وتعزيز رفاهية سكانها وتجربة زوارها نحو تحقيق مفهوم جودة الحياة، كما يتناغم مع ما تلتزم به «أسفار» من تحويل المدن الواعدة إلى وجهات سياحية بارزة، تحقيقاً لمستهدفات «رؤية السعودية 2030».

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

8 مدن واعدة

ووفقاً لمصادر «الشرق الأوسط»، جاءت الـ8 مدن الواعدة، التي ستعمل «أسفار» على تحويلها إلى وجهات سياحية بارزة كالتالي: الأحساء، الباحة، الجوف، حائل، الخبر، ينبع، الطائف، الدمام.

وفي الإطار ذاته، أُبرمت الاثنين اتفاقية ثلاثية، جمعت أمانة المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وشركة «أسفار»، بحضور خالد البكر الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة في السعودية، وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز الاستثمار السياحي في مدينة الخبر، ودعم أهداف برنامج جودة الحياة في السعودية، وتضمّنت الاتفاقية إلى جانب تعزيز الوجهات السياحية والترفيهية في المنطقة الشرقية، وتحديداً مدينة الخُبر، تطوير موقع «الكورنيش الجنوبي» ليصبح وجهة سياحية متكاملة ورائدة في القطاع السياحي للمواطنين، المقيمين والزوار على حد سواء.